مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 967

(124)
جلسة 29 من إبريل سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد عبد العزيز البرادعي المستشارين.

القضية رقم 1058 لسنة 6 القضائية

( أ) دعوى تأديبية - مخالفات مالية - سقوط الدعوى التأديبية بشأنها - نص المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بإنشاء مجلس تأديبي لمحاكمة الموظفين عن المخالفات المالية على سقوط الدعوى التأديبية بمضي 5 سنوات من تاريخ وقوع المخالفة - بدء سريان هذه المدة بالنسبة للمخالفات التي وقعت قبل العمل بالمرسوم بقانون سالف الذكر يكون من تاريخ نفاذه في 9 من أغسطس سنة 1952 لا من تاريخ وقوعها - أساس ذلك.
(ب) دعوى تأديبية - مخالفات مالية وإدارية - سقوط الدعوى التأديبية بشأنها - نص المادة 102 مكرراً من القانون رقم 73 لسنة 1957 الذي ألغى المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 على عدم سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظفين طول وجودهم بالخدمة وسقوطها بمضي خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأي سبب كان - سريان هذا الحكم بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضي الخمس السنوات المنصوص عليها في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952.
1 - بتقصي المراحل التشريعية في شأن الدعوى التأديبية يبين أن المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بإنشاء مجلس تأديب لمحاكمة الموظفين عن المخالفات المالية قد استحدث في مادته العشرين حكماً جديداً يقرر سقوط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة وهذا النص لم يكن مقرراً من قبل في القوانين التي تناولت أحكام الدعوى التأديبية التي ما كانت لتسقط عن الموظف مهما طال الأمد وطالما كان الموظف بالخدمة، ومن ثم يثور التساؤل عما إذا كانت مدة السقوط المنصوص عليها في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 تبدأ في السريان بالنسبة للمخالفات المالية التي وقعت قبل العمل بالمرسوم بقانون المذكور - اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1952 أو من تاريخ وقوعها بحيث إنه إذا كانت تلك المدة قد انقضت قبل تاريخ العمل بذلك المرسوم بقانون فلا يمكن رفع الدعوى التأديبية عنها، أم أن تلك المدة لا تسري في شأن تلك المخالفات إلا من التاريخ المذكور.
ولما كان الشارع لم يورد في المرسوم بقانون المذكور نصاً يتضمن الإجابة على هذا التساؤل، لذلك كان لا محيص من الاستهداء بما جاء في قانون المرافعات المدنية والتجارية من نصوص متعلقة ببدء سريان مواعيد السقوط وبقواعد القانون المدني، ذلك أن هذه النصوص وتلك القواعد وإن كانت قد وردت في التقنين المدني وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية بيد أن المحكمة ترى تطبيق أحكامها باعتبار هذه الأحكام من المسلمات في الأصول العامة بحسبان أن قواعد وأحكام التقنين المدني وقانون المرافعات المدنية والتجارية تطبق أمام القضاء الإداري وفي نطاق المنازعات الإدارية فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض أساساً مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة به.
وتقضي الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من قانون إصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 77 لسنة 1949 بأن "تسري المواعيد التي استحدثها القانون من تاريخ العمل به" ولما كان مفاد ذلك، أن ما يستحدثه القانون من مواعيد بالمعنى العام لهذه العبارة، لا يسري إلا من تاريخ العمل به. وأنه فيما يتعلق بمدد السقوط خاصة، ففضلاً عن أنه لا يجوز التمسك بها إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها، فإنها لا تبدأ في السريان أيضاً إلا من تاريخ العمل بذلك القانون. ورددت الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون المدني هذا الحكم إذ نصت على ذلك بقولها "إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد" وبديهي أن هذا الحكم واجب التطبيق على حالة استحداث مدة تقادم لم يكن مقرراً من قبل أصلاً، وهذا كله تطبيق لمبدأ عدم سريان القانون على الماضي، والقول بغير ذلك يؤدي إلى سقوط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات عليها قبل صدور القانون وهو ما لا يجوز القول به وما يتجافى مع المنطق القانوني.
وترتيباً على ذلك، فإن مدة سقوط الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية التي استحدثها المشرع في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 لا تبدأ في السريان بالنسبة للمخالفات التي وقعت قبل العمل بالمرسوم بقانون المذكور إلا من تاريخ نفاذه في 9 من أغسطس سنة 1952 لا من تاريخ وقوعها.
2 - إن القانون رقم 73 لسنة 1957 المنشور بعدد الوقائع المصرية رقم 28 مكرراً تابع بتاريخ 4 من إبريل سنة 1957، قد ألغى المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 المشار إليه بأن أضاف إلى قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 مادتين جديدتين برقمي 102 مكرراً و102 مكرراً ثانياً، وتنص المادة الأولى منهما (102 مكرراً) على أنه "لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة إلى الموظفين طول وجودهم في الخدمة وتسقط بمضي خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأي سبب كان، وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة، وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء..".
وتنص المادة 102 مكرراً ثانياً "يجوز إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية على الموظف الذي يكون قد ترك الخدمة لأي سبب كان وفي هذه الحالة يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات الآتية......".
ولما كان القانون رقم 73 لسنة 1957 من قوانين النظام العام وقد نشر بالجريدة الرسمية في 4 من إبريل سنة 1957 فإن أحكامه تسري بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضي الخمس السنوات المنصوص عليها في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 آنف الذكر.


إجراءات الطعن

في يوم 19 مارس سنة 1960 أودع السيد/ محمد أحمد بكر سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لموظفي وزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة بجلسة 24 من يناير سنة 1960 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 32 للسنة الثانية القضائية المقدمة من النيابة الإدارية ضد (1) محمد أحمد بكر (2) فوزي إبراهيم غبريال، والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وبمجازاة المتهم الأول محمد أحمد بكر بخصم شهر من مرتبه ومجازاة المتهم الثاني فوزي إبراهيم غبريال بخصم شهر من معاشه" وطلب الطاعن محمد أحمد بكر للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط الدعوى التأديبية مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل الأتعاب".
وقد أعلن الطعن لوزارة الخزانة في أول مايو سنة 1960 وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 فبراير سنة 1961 وأبلغت الحكومة والمدعي في 23 فبراير سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 8 إبريل سنة 1961 وفيها سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن النيابة الإدارية أودعت في 27 من أكتوبر سنة 1959 سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة الخزانة قرار الإحالة إلى المحكمة ومذكرة الاتهام وحافظة بالمستندات مرفقاً بها ملف التحقيق رقم 288 سنة 1959 خزانة ضد محمد أحمد بكر وفوزي إبراهيم غبريال وقد تضمن قرار الاتهام المقدم من النيابة الإدارية (أولاً) محمد أحمد بكر درجة خامسة بمصلحة صناديق التأمين والمعاشات (ثانياً) فوزي إبراهيم غبريال درجة خامسة بإدارة صرف المعاشات سابقاً وبالمعاش حالياً لأنهما في يوم 9 من ديسمبر سنة 1948 بإدارة صرف المعاشات بوزارة الخزانة.
ارتكب الأول الإهمال في مراجعة إذن ربط المعاش الخاص بالسيد/ إبراهيم راشد المغربي، وفي الإدراج بالسجل الخاص جميع ما تضمنه إذن ربط المعاش المشار إليه من أقساط واجبة الخصم وتسوية المعاش الشهري على هذا الأساس مما ترتب عليه خصم أقساط مدى الحياة من المذكور المدة من تاريخ الربط في 26 من أغسطس سنة 1946 إلى 30 من إبريل سنة 1959 تاريخ اكتشاف الإهمال حتى بلغ مجموعها 393 جنيهاً و133 مليماً خلاف ما يحتمل ضياعه من فوائد أو حقوق نتيجة لذلك الإهمال.
وارتكب الثاني الإهمال في مراجعة السيد/ محمد أحمد بكر في هذا الصدد، ذلك أنه وقع على الإذن قرين توقيعه بما يفيد المراجعة دون أن يراجع السجل على الإذن والتثبت فعلاً من صحة ما قام به السيد/ محمد أحمد بكر من إجراءات متعلقة بالمعاش الشهري لصاحب الشأن.
وترى النيابة الإدارية أن المذكورين قد ارتكبا المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المواد 73، 82 مكرر فقرة خامسة من القانون رقم 210 لسنة 1951.
وطلبت النيابة الإدارية من المحكمة التأديبية تحديد جلسة لمحاكمة الموظفين المذكورين طبقاً للمواد سالفة الذكر. فحددت المحكمة التأديبية جلسة 27 من ديسمبر سنة 1959 لنظر الدعوى وبجلسة 24 من يناير سنة 1960 قضت المحكمة برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وبمجازاة المتهم الأول محمد أحمد بكر بخصم شهر من مرتبه، ومجازاة المتهم الثاني فوزي إبراهيم غبريال بخصم شهر من معاشه، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المتهم الأول محمد أحمد بكر قد دفع هذه الدعوى بسقوط المخالفة التي وقعت في 9 من ديسمبر سنة 1948 بالتطبيق للمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بالمخالفات المالية على أساس أن المخالفة المذكورة تعتبر وقتية وليست مستمرة كما ذهبت النيابة الإدارية.
وتذكر المحكمة أنه بتقصي المراحل التشريعية في شأن سقوط الدعوى التأديبية يبين أنها لم تكن تسقط عن الموظف مهما طال الزمن وطالما أنه بالخدمة إلى أن صدر المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 بإنشاء مجلس تأديبي لمحاكمة الموظفين المسئولين عن المخالفات المالية المعمول به اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1952 مستحدثاً حكماً جديداً بالنسبة للمخالفات المالية ضمنه نص المادة 20 منه التي تنص على أن تسقط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة، وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء. ثم صدر القانون رقم 73 لسنة 1957 والمعمول به اعتباراً من 4 من إبريل سنة 1957 ملغياً للقانون رقم 132 لسنة 1952 سالف الذكر ناصاً على حكم عام بالنسبة للمخالفات الإدارية والمالية وناصاً في المادة 102 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة على أن لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظفين طول وجودهم في الخدمة وتسقط بمضي خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأي سبب كان، وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء.
وتقول المحكمة إنه يبين مما سلف بيانه أن المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 المشار إليه قد استحدث حكماً جديداً بالنسبة لسقوط الدعاوى التأديبية عن المخالفات المالية وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن ميعاد الخمس سنوات المنصوص عليه في هذا المرسوم بقانون يسري من تاريخ العمل به عن المخالفات التي وقعت سابقة على هذا التاريخ تمشياً مع القواعد العامة في قانون المرافعات (م 4/ 4) وإذ تبين من الأوراق أن المخالفة التي وقعت من الموظف المتهم ترجع إلى 9 من ديسمبر سنة 1948 فإن الميعاد يحسب تطبيقاً لما استقرت عليه المحكمة اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1952 وإذ صدر القانون رقم 73 لسنة 1957 وهو من قوانين النظام العام سارياً بأثر حال ومباشر وناصاً على أن لا تسقط المخالفة طول مدة وجود الموظف بالخدمة فمن ثم يسري على المخالفة المنسوبة إلى الموظف المتهم التي لم تكن قد سقطت وقت العمل بهذا القانون الأخير وأنه لما تقدم يتعين الحكم برفض الدفع بسقوط الدعوى التأديبية وبغير حاجة للتعرض لما أثارته النيابة الإدارية من أن المخالفة المنسوبة إلى المتهم تعتبر من المخالفات المستمرة وبقبول الدعوى شكلاً.
وبالنسبة للمتهم الثاني فوزي غبريال فإن مدة السقوط تحسب بالنسبة إليه اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1952 تاريخ العمل بالقانون رقم 132 لسنة 1952 لذات الأسباب التي أوردتها المحكمة بالنسبة للمتهم الأول، وإذ بان من الأوراق أن هذا المتهم قد أحيل إلى المعاش اعتباراً من 31 من مايو سنة 1954 فمن ثم لم تكن المخالفة قد سقطت بعد إلى حين العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 في 4 من إبريل سنة 1957 مقرراً حكماً بألا تسقط الدعوى إلا بمضي خمس سنوات من تاريخ ترك الخدمة وإذ اتخذت النيابة الإدارية أول إجراء من إجراءات التحقيق في 26 من مايو سنة 1959، تكون الدعوى مقبولة شكلاً.
وبالنسبة للموضوع تقول المحكمة إنه يبين من الأوراق أن التهمة المسندة إلى المتهم الأول تخلص في أنه في يوم 9 من ديسمبر سنة 1948 أهمل في مراجعة إذن ربط المعاش الخاص بالسيد/ إبراهيم راشد المغربي وفي الإدراج بالسجل الخاص جميع ما تضمنه إذن ربط المعاش المشار إليه من أقساط واجبة الخصم وتسوية المعاش الشهري على هذا الأساس مما ترتب عليه عدم خصم أقساط مدى الحياة من المذكور عن المدة من تاريخ الربط في 26 من أغسطس سنة 1946 إلى 30 من إبريل سنة 1959 تاريخ كشف الإهمال حتى بلغ مجموعها 393 جنيهاً و133 مليماً.
وأنه بمطالعة أوراق التحقيق صفحتي 3، 4 بسؤال الموظف المتهم عن إهماله في مراجعة ورقتي إذن الربط موضوع التحقيق الأمر الذي ترتب عليه عدم خصم القسط الاحتياطي بالسجلات وبسركى المعاش أجاب بأنه راجع من الإذن ورقة واحدة وهي التي بها خصم 175 جنيهاً خلاف قسط مدى الحياة المشار إليه فاعتقد أنها هي الأعباء الوحيدة المبينة بإذن المعاش وعلل عدم اطلاعه على الورقة الأخرى بأنه من الجائز عدم وجودها في ذلك الوقت خاصة وأن الإذن به بعض المرفقات، وعند مواجهة المحقق له بأن الورقة التي راجعها تكشف عن أنها ورقة ثانية لورقة أولى من ناحيتين، الأولى أنه ثابت في أعلاها من الناحية اليسرى رقم (2)، والثانية أن بيانات هذه الورقة مسبوقة ببيان إجمالي قدره 23 سنة و6 أشهر و22 يوماً ومكتوب قرينه عبارة ما قبله، ثم أضيف إلى هذا البيان مدة أخرى قدرها 4 سنوات و4 أشهر و35 يوماً وأن عبارة ما قبله قرين هذا البيان الإجمالي تفيد وجود ورقة سابقة على الورقة المنظورة تسلسلت بها مدد الخدمة بما انتهى إلى 23 سنة و6 أشهر و24 يوماً وهو البيان الذي رحل بالورقة الثانية، أجاب أن من بين أوراق الإذن كشفاً بمدة خدمة صاحب الشأن ومن الجائز أن تكون هي الورقة التي تشير إليها ورقة الإذن المنظورة له حينذاك وأصر على دفاعه هذا ويذكر الحكم أن الثابت من الأوراق أن الموظف المتهم أقر بتسلمه إذن ربط المعاش موضوع المخالفة واختصاصه به وقيامه بإثبات بياناته بالسجل المعد لذلك واتخاذ اللازم نحوه طبقاً للتعليمات - وأن الورقة التي راجعها الموظف المتهم على حد قوله تكشف للموظف العادي عن أنها ورقة ثانية لورقة أولى ومع ذلك لم ينتبه، لعدم دقته في عمله وعدم عنايته به، إلى الرجوع إلى الورقة الأولى برغم ما تتطلبه طبيعة وظيفته من حرص خاص. وحتى على الفرض جدلاً أن هذه الورقة الأولى غير مرافقة للأوراق فإن الدقة في المراجعة، وهو الموظف المختص، تقتضيه الرجوع إلى الجهة الواردة منها في الأوراق لتقصي الموضوع حتى يكون عمله مؤسساً وسليماً وأنه لما تقدم تكون التهمة ثابتة قبله ولم يدفعها بشيء مقبول ومن ثم يتعين إدانته عنها.
وبالنسبة للمتهم الثاني فوزي إبراهيم غبريال فإن التهمة المسندة إليه أنه أهمل في مراجعته أعمال المتهم الأول في هذا الصدد، ذلك أنه وقع على الإذن قرين توقيعه بما يفيد المراجعة دون أن يتثبت فعلاً من صحة ما قام به المتهم الأول من إجراءات متعلقة بالمعاش الشهري لصاحب الشأن.
والثابت من أقوال الموظف المتهم في التحقيقات (ص 9 - 11) أنه أقر بأنه وقع فعلاً على الإذن المذكور بما يفيد المراجعة، ولكنه ذهب إلى أن الكاتب المختص هو المسئول أصلاً عن هذا الخطأ، وأضاف أنه لم يكن المراجع الفعلي لأعمال المتهم الأول لأن المراجع الفعلي لأعماله في ذلك الوقت كان المرحوم محمود كامل وما تم توقيعه على الإذن بما يفيد المراجعة إلا منعاً لتعطيل مصالح أرباب الشأن وذكر أيضاً أن أذون ربط المعاش كانت ترد من صحيفتين أو أربعة وكان يتعين على المتهم الأول وغيره من المختصين بأداء صرف المعاشات مراجعة جميع أوراق الإذن لا مجرد الرجوع إلى بعض خاناته لأن إدارة المعاشات هي المسئولة عن التحصيل من أصحاب الشأن.
وتقول المحكمة إنه يبين مما تقدم أن المتهم الثاني هو الموقع على إذن الصرف بما يفيد المراجعة بعد توقيع المتهم الأول وكان واجب المراجعة يقتضيه أن يتثبت من البيانات التي أدرجها بالسجلات لجميع بيانات الإذن إلا أنه أهمل في ذلك مما أدى إلى عدم تدارك الخطأ في حينه وأنه لما تقدم تكون التهمة ثابتة قبله ولم يدفعها بشيء مقبول ومن ثم يتعين إدانته عنها وينتهي الحكم إلى القول بأن هذه المسألة التأديبية لا تمنع من الرجوع على المسئولين من الناحية المدنية إذا كان هناك ثمة وجه لذلك.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن النيابة الإدارية أحالت الطاعن إلى المحاكمة التأديبية لما تبين في آخر إبريل سنة 1959 من أنه في يوم 9 من ديسمبر سنة 1948 قد أهمل في مراجعته إذن ربط المعاش الخاص بالسيد/ إبراهيم راشد المغربي فترتب على إهماله أن صرف الموظف المذكور زيادة على ما يستحقه قانوناً مبلغاً قدره 892 مليماً شهرياً وقد تجمع مع الزمن لدى هذا الموظف من تلك الزيادة من سنة 1946 إلى سنة 1959 مبلغ قدره 393 جنيهاً و132 مليماً (أصبح من حق الدولة استرداده منه وفقاً للقانون رقم 324 لسنة 1956). دفع الطاعن هذه الدعوى أمام المحكمة التأديبية بسقوطها طبقاً للمادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بالمخالفات المالية التي تنص على سقوط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء - وظاهر أن المخالفة قد تمت في 9 من ديسمبر سنة 1948 فهي جريمة فورية مبناها الخطأ في القيد بحسن نية كما هو ثابت ولا يغير من طبيعة هذه المخالفة أن تكون لها آثار مالية متجددة مع الزمن كما لا يغير من إجراء حكم المادة المذكورة انتهاء العمل بها في 4 من إبريل سنة 1957 تاريخ العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 الذي ألغى المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952، وقاعدة سقوط الدعوى التأديبية السالفة الذكر، ذلك لأن استكمال مدة السقوط وقت العمل بالمرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 المذكور وقبل صدور القانون رقم 73 لسنة 1957 يسقط المخالفة التأديبية سقوطاً لا يؤثر فيه بحال القانون رقم 73 المنوه عنه ويصبح الطاعن بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1953 في مركز قانوني ذاتي لا تجوز معه محاكمته فيما بعد عن تلك المخالفة ولو كانت جسيمة أو بسوء نية على خلاف الواقع في الدعوى محل البحث. على عكس هذا الحكم القانوني الصحيح ذهبت المحكمة التأديبية في الحكم المطعون فيه إلى رفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وأدانت الطاعن واستندت في ذلك إلى أن ميعاد الخمس السنوات المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون يسري من تاريخ العمل به عن المخالفات التي وقعت سابقة على هذا التاريخ تمشياً مع القواعد العامة في قانون المرافعات (م 4/ 4) ولا يخفى أن المادة 4/ 4 من قانون المرافعات خاصة بالمنازعات المدنية والتجارية دون الجرائم التأديبية فإذا كان هناك وجه لإعمال قواعد قانونية إجرائية فيجب إعمال قواعد قانون الإجراءات الجنائية أو الاسترشاد بها وإن كان الأمر لا يحتاج للرجوع إلى هذا القانون أو ذاك لأن نص المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 إنما يقرر حكماً جديداً وهو "السقوط" أي سقوط المخالفة، فهي تسقط ابتداء من تاريخ العمل به ولو كانت أسباب السقوط سابقة عليه دون أن يتضمن ذلك معنى رجعية القانون فيما استحدثه من إسقاط الدعوى التأديبية، وأمثلة ذلك لا يمكن حصرها فالقانون الذي يعدل مثلاً عدد السنوات اللازمة لترقية ما بإنقاصها من أربع سنوات إلى ثلاث مثلاً لا يمكن القول بأنه يشترط مضي تلك المدة اعتباراً من تاريخ العمل به ودون حساب المدد السابقة.
والقول بما ذهب الحكم المطعون فيه من أن أحكام المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 تسري فقط من تاريخ العمل به في 9 من أغسطس سنة 1952 وأنه قد ألغي في 4 من يوليه سنة 1957 تاريخ العمل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 يؤدي إلى إهدار كل أثر للمرسوم بقانون المذكور لأنه بهذا الوضع لن يطبق على أية جريمة تأديبية حتى على فرض حدوثها يوم العمل به لأنه قد ألغي بالقانون رقم 73 لسنة 1957 قبل انقضاء خمس سنوات على العمل به وعلى ذلك يكون ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مجانباً للتفسير الصحيح للقانون. وانتهى الطعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبسقوط الدعوى التأديبية مع إلزام المدعى عليها بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في الدعوى حددت فيه وقائعها والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً وانتهت إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً والقضاء بإلغاء الحكم في شقه الخاص بالطاعن من مجازاته بخصم شهر من مرتبه وقبول الدفع المبدى منه بعدم قبول الدعوى لسقوطها بالتقادم.
عن الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم.
من حيث إن الطعن يقوم على الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم مستنداً في ذلك إلى المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 الخاص بإنشاء مجلس تأديبي لمحاكمة الموظفين المسئولين عن المخالفات المالية، والتي تنص "تسقط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة.
وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد وابتداء من آخر إجراء".
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 صدر في أغسطس سنة 1952 ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد 120 مكرراً غير اعتيادي بتاريخ 9 من أغسطس سنة 1952 ونص في المادة الأخيرة منه على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
ومن حيث إنه بتقصي المراحل التشريعية في شأن الدعوى التأديبية يبين أن المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 المشار إليه قد استحدث في مادته العشرين حكماً جديداً يقرر سقوط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات من تاريخ وقوع المخالفة. وهذا النص لم يكن مقرراً من قبل في القوانين التي تناولت أحكام الدعوى التأديبية التي ما كانت لتسقط عن الموظف مهما طال الأمد وطالما كان الموظف بالخدمة، ومن ثم يكون مقطع النزاع، التساؤل عما إذا كانت مدة السقوط المنصوص عليها في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 تبدأ في السريان بالنسبة للمخالفات المالية التي وقعت قبل العمل بالمرسوم بقانون المذكور - اعتباراً من 9 من أغسطس سنة 1952 أو من تاريخ وقوعها بحيث إذا كانت المدة قد انقضت قبل تاريخ العمل بذلك المرسوم بقانون فلا يمكن رفع الدعوى التأديبية عنها، أم أن تلك المدة لا تسري في شأن تلك المخالفات إلا من التاريخ المذكور.
ومن حيث إن الشارع لم يورد في المرسوم بقانون المذكور نصاً يتضمن الإجابة على هذا التساؤل، لذلك كان لا محيص من الاستهداء بما جاء في قانون المرافعات المدنية والتجارية من نصوص متعلقة ببدء سريان مواعيد السقوط وبقواعد القانون المدني، ذلك أن هذه النصوص وتلك القواعد وإن كانت قد وردت في التقنين المدني وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية بيد أن المحكمة ترى تطبيق أحكامها باعتبار هذه الأحكام من المسلمات في الأصول العامة بحسبان أن قواعد وأحكام التقنين المدني وقانون المرافعات المدنية والتجارية تطبق أمام القضاء الإداري وفي نطاق المنازعات الإدارية فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض أساساً مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة به.
ومن حيث إن الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من قانون إصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 77 لسنة 1949 تقضي بأن (تسري المواعيد التي استحدثها القانون من تاريخ العمل به" ولما كان مفاد ذلك، أن ما يستحدثه القانون من مواعيد بالمعنى العام لهذه العبارة، لا يسري إلا من تاريخ العمل به. وأنه فيما يتعلق بمدد السقوط خاصة، ففضلاً عن أنه لا يجوز التمسك بها إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها، فإنها لا تبدأ في السريان أيضاً إلا من تاريخ العمل بذلك القانون. ورددت الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون المدني هذا الحكم إذ نصت على ذلك بقولها "إذا قرر النص الجديد مدة للتقادم أقصر مما قرره النص القديم سرت المدة الجديدة من وقت العمل بالنص الجديد" وبديهي أن هذا الحكم واجب التطبيق على حالة استحداث مدة تقادم لم يكن مقرراً من قبل أصلاً، وهذا كله تطبيق لمبدأ عدم سريان القانون على الماضي، والقول بغير ذلك يؤدي إلى سقوط الدعوى التأديبية بمضي خمس سنوات عليها قبل صدور القانون وهو ما لا يجوز القول به وما يتجافى مع المنطق القانوني.
ومن حيث إنه ترتيباً على ذلك، فإن مدة سقوط الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية التي استحدثها المشرع في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 لا تبدأ في السريان بالنسبة للمخالفات التي وقعت قبل العمل بالمرسوم بقانون المذكور إلا من تاريخ نفاذه من 9 من أغسطس سنة 1952 لا من تاريخ وقوعها.
ومن حيث إن القانون رقم 73 لسنة 1957 المنشور بعدد الوقائع المصرية رقم 28 مكرراً تابع بتاريخ 4 من إبريل سنة 1957، قد ألغى المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 المشار إليه بأن أضاف إلى قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 مادتين جديدتين برقمي 102 مكرراً، 102 مكرراً ثانياً، وتنص المادة الأولى منهما "102 مكرراً" على أنه "لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة للموظفين طوال وجودهم في الخدمة وتسقط بمضي خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأي سبب كان، وتنقطع هذه المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وتسري المدة من جديد ابتداء من آخر إجراء......".
وتنص المادة 102 مكرراً ثانياً على أنه (تجوز إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية على الموظف الذي يكون قد ترك الخدمة لأي سبب كان وفي هذه الحالة يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات الآتية...".
ومن حيث إن القانون رقم 73 لسنة 1957 هو من قوانين النظام العام وقد نشر بالجريدة الرسمية في 4 من إبريل سنة 1957 فإن أحكامه تسري بأثر حال ومباشر على ما وقع من مخالفات لم تسقط بمضي الخمس السنوات المنصوص عليها في المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 آنف الذكر فمن ثم، كما انتهى الحكم المطعون فيه، يسري على المخالفة موضوع هذا الطعن، التي لم تكن قد سقطت وقت العمل بهذا القانون الأخير.
ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن الاستناد إلى نص المادة 20 من المرسوم بقانون رقم 132 لسنة 1952 للدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم لا محل له ما دام ميعاد التقادم يبدأ من تاريخ نشر المرسوم بقانون في أغسطس سنة 1952 بالجريدة الرسمية وما دام القانون رقم 73 لسنة 1957 قد عمل به في إبريل سنة 1957 أي قبل مضي الخمس السنوات التي تتقادم بها الدعوى التأديبية ولذلك يتعين الحكم برفض هذا الدفع.
عن الموضوع:
ومن حيث إن الطاعن لا يجادل، من ناحية الموضوع، فيما نسب إليه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه لما سلف بيانه وللأسباب المفصلة التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وفي هذه وتلك كل الغناء للرد على أسباب الطعن، ويكون الطعن بهذه المثابة قد قام على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.