مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 990

(126)
جلسة 11 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس ومصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب وحسني جورجي غبريال المستشارين.

القضية رقم 93 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - موظف متمرن - تعيين - تسريح - تعويض - موظفو الحلقة الأولى من المرتبتين الرابعة والخامسة - الأصل أن يكون تعيينهم بقرار من الوزير المختص بعد مسابقة يحدد شروطها - جواز تعيينهم استثناء بقرار من مجلس الوزراء - خضوعهم في الحالتين للأحكام الخاصة بالمتمرنين - جواز تسريحهم إذا ثبت عدم مقدرتهم خلال مدة التمرين - بدون تعويض - أساس ذلك.
(ب) موظف - موظف متمرن - تسريح - السلطة المختصة بإصدار مرسوم أو قرار التسريح - هي تلك التي تمارس التعيين - تسريح موظف في الحلقة الأولى من المرتبة الخامسة، المعين استثناء بقرار من مجلس الوزراء، خلال فترة تمرينه، بقرار من وزير التربية والتعليم - صدوره من سلطة مختصة - أساس ذلك.
(ج) موظف - موظف متمرن - تسريحه - تأصيله في وظيفته - مدة التمرين - مقدارها والحكمة منها - المركز القانوني للموظف خلالها - بقاؤه في الوظيفة مشروط بصلاحيته - جواز تسريحه في حالة تخلف هذا الشرط - عدم اعتباره فصلاً بالطريق التأديبي - فقدان الصلاحية - انفراد الإدارة بتقدير ثبوته بوسائلها الإدارية دونما إلزام عليها من القانون باتباع طريق معين.
(د) موظف - قرار إداري - عقوبة تأديبية - تسريح - موظف متمرن - تسريحه لعدم صلاحيته في مدة التمرين - لا يعتبر ازدواجاً للعقوبة المحكوم عليه بها من مجلس التأديب عن وقائع مسلكية أخرى.
(هـ) موظف - موظف متمرن - تسريحه - سبب قرار التسريح - ثبوت أنه قد صدر إعمالاً لنص المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي وأنه قام في الواقع على عدم الصلاحية التي تبرر مشروعيته قانوناً - لا يغير من ذلك أن القرار عبر عن هذا السبب بعدم الكفاءة المسلكية - أساس ذلك.
(و) قرار إداري - عيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة - مجرد الزعم بصدور القرار بدافع حقد شخصي - لا يعتبر دليلاً على هذا العيب ما لم يؤيد صحته دليل من الأوراق.
1 - إن الأصل وفقاً لنص المادتين 12، 13 من قانون الموظفين الأساسي رقم 135 لسنة 1945 أن يكون تعيين موظفي الحلقة الأولى من المرتبتين الرابعة والخامسة بقرار من الوزير المختص بعد إجراء مسابقة يحدد الوزير شروطها ولا يقبل فيها إلا من كان مستوفياً لهذه الشروط والشروط العامة للتوظف، وقد نصت المادة 12 في فقرتيها الرابعة والخامسة على أن "يعين الناجحون متمرنين لمدة سنتين في الدرجة الدنيا لمرتبة الوظيفة، ويوصلون في الدرجة الدنيا بعد انتهاء مدة التمرين إذا تأكدت مقدرتهم بناء على اقتراح رؤسائهم. يسرح المتمرن أو تنزل درجته أو مرتبته إذا ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين بدون أن يحق له المطالبة بأي تعويض" وقد نصت المادة 15 من القانون المشار إليه على أنه "يجوز لأسباب استثنائية يعود تقديرها لمجلس الوزراء: 1 - ........ 2 - تعيين موظفين من المرتبتين الرابعة والخامسة دون التقيد بشروط المسابقة....." كما نصت المادة 16 منه على أن "يخضع الموظف المعين وفقاً للمادتين السابقتين للأحكام المتعلقة بالمتمرنين..." ومفاد هذه النصوص أن الأصل في الشخص المرشح لوظيفة من الوظائف ذات المرتبة الرابعة أو الخامسة - كما هو الحال بالنسبة إلى المدعي الذي كان مدرساً من المرتبة الخامسة والدرجة الأولى - هو أن يعين بمسابقة يحدد الوزير المختص شروطها، ويتم التعيين بقرار وزاري، ويعتبر الناجح في هذه المسابقة موظفاً تحت التمرين لمدة سنتين يجوز تسريحه إذا ثبت عدم مقدرته خلالها بدون أن يحقق له المطالبة بأي تعويض. وأنه يجوز التعيين استثناء على خلاف هذا الأصل أي بدون التقيد بشرط المسابقة، وذلك لأسباب يعود تقديرها لمجلس الوزراء، وفي هذه الحالة يعتبر الموظف المعين على هذا النحو متمرناً لمدة سنتين ويخضع للأحكام الخاصة بالمتمرنين، بمعنى أنه يجوز تسريحه إذا ما ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين بدون أن يكون له الحق في المطالبة بأي تعويض.
2 - إن الفقرة الأخيرة من المادة 83 من قانون الموظفين الأساسي قد نصت على أن "يتم التسريح بمرسوم أو قرار من السلطة التي تمارس التعيين" وهذه المادة وإن كانت قد وردت في باب (قواعد التسريح بسبب إلغاء الوظيفة) واقترن حكمها بحالة إلغاء الوظيفة لا بالتسريح في فترة التمرين لعدم المقدرة، إلا أنه إذا لزم كمبدأ عام، أن يتم التسريح بذات الأداة التي جرى بها التعيين، فإن هذا متحقق بالفعل في شأن المدعي، ذلك أن اختصاصات مجلس الوزراء قد آلت إلى رئيس الجمهورية بموجب المادة الأولى من القانون رقم 1 لسنة 1958 والقرار رقم 374 لسنة 1958، إلا أن هذا القرار ذاته قد فوض الوزراء المختصين بصلاحية رئيس وزارته، عدا أمور ثلاثة: ( أ ) ما يتعلق بشئون الموظفين من المرتبتين الأولى والممتازة. (ب) التعيين بصورة استثنائية. (ج) التسريح بموجب المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي. ولما كان التسريح خلال مدة التمرين لا يدخل ضمن هذه الأمور الثلاثة المستثناة من اختصاص الوزراء، فإن يكون من صلاحية الوزير المختص. وإذا كان المدعي قد عين تعييناً استثنائياً بالمرسوم رقم 3734 الصادر في 29 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957 بدون مسابقة وسرح بالقرار رقم 511 الصادر من وزير التربية والتعليم في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959 أي قبل انتهاء مدة تمرينه لعدم الكفاءة المسلكية، فإن هذا القرار يكون صادراً من السلطة الشرعية المختصة التي تملك حق إصداره قانوناً.
3 - إن تأصيل الموظف المعين تحت التمرين في وظيفته بعد انتهاء مدة التمرين المقررة قانوناً منوط بتأكد مقدرته أي بصلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة المسندة إليه. ومدة التمرين هذه وعدتها سنتان إن هي إلا فترة اختبار رأى الشارع أن يجعل منها مرحلة تجربة لأهلية الموظف واستعداده، ومحكاً لسير مواهبه وكفايته، ووسيلة للحكم على مدى قدرته على الاضطلاع بواجبات وظيفته ومسئوليتها. وجعل مركزه القانوني خلالها معلقاً غير بات، وبقاءه في الوظيفة مشروطاً بصلاحيته لها ورهيناً بثبوت هذه الصلاحية، فإذا تخلف هذا الشرط حقت تخليته عنها. وترك للإدارة أمر تقدير قيام الصلاحية أو انعدامها. فإذا ثبت عدم مقدرة الموظف أي عدم صلاحيته خلال مدة التمرين كان للجهة الإدارية حق تسريحه والاستغناء عن خدمته بوصفها المهيمنة على تسيير المرافق العامة والمسئولة عن قيام الموظفين، وهم عمال هذه المرافق، بواجبات وظائفهم على وجه يحقق المصلحة العامة، إذ أن لها حق اختيار من تأنس فيه الصلاحية لهذا الغرض، وحرية إقصاء من تراه منهم غير صالح لذلك. وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بما لا معقب عليها فيه ما دام قرارها قد تجرد عن الغرض وخلا من عيب إساءة استعمال السلطة، فلم تستهدف به سوى وجه المصلحة العامة. فإذا استعملت الإدارة سلطتها القانونية المخولة لها في هذه الحالة بتسريح الموظف المعين تحت التمرين خلال مدة تمرينه لما ثبت لها بوسائلها من عدم مقدرته على النهوض بأعباء الوظيفة العامة الموكولة إليه على وجه يحقق حسن سير المرفق المنشأة لخدمته، فإن تسريحه على هذا الوجه لا يكون فصلاً بالطريق التأديبي تملكه الإدارة إعمالاً لسلطة شرعية تستمدها من القانون لحكمة تتصل بالمصلحة العامة، وهي صالح الوظيفة في حالة تسريح الموظف المعين تحت التمرين كما نصت على ذلك المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي إذا ما ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين، وما يراه مجلس الوزراء من أسباب يعود إليه تقديرها عدا هذه الحالة كما نصت على ذلك المادة 85 من القانون ذاته. وإذ كان مرجع التسريح في الحالة الأولى إلى فقدان الصلاحية، وهو أمر تنفرد الإدارة بتقدير ثبوته بوسائلها الإدارية، فإن لها أن تكون عقيدتها وإقناعها في هذا الشأن بحسب وجدانها مما يتوافر لديها من عناصر أو شواهد أو قرائن أحوال أو وقائع أو أدلة إثبات، ما دامت تستمدها من أصول صحيحة لها وجود في الواقع أياً كانت وسائل الإثبات التي تقضي بها إلى هذا التقدير والاقتناع، دون إلزام عليها من القيام - في مقام هذا الفصل غير التأديبي - بأن تجرى تحقيقاً على وجه معين مرسوم، أو أن تقوم باستجواب أو مواجهة أو سماع شهود. ولا رقابة ولا تعقيب عليها فيما تكون منه عقيدتها واقتناعها أو ما ينتهي إليه من تقدير في هذا الخصوص.
4 - إن الفصل القائم على سببه المستقل المتجرد من صفة التأديب والمستند إلى وقائع مادية وقانونية أساسها عدم الصلاحية في مدة التمرين لا يعتبر ازدواجاً أو تكراراً للعقوبة السابق توقيعها على المدعي من مجلس التأديب من أجل وقائع مسلكية وأفعال أخرى تختلف في طبيعتها وفي أثرها عن تلك التي بني عليها قرار الفصل.
5 - إذا كان الثابت أن تسريح المدعي بالقرار المطعون فيه قد تم قبل انتهاء مدة تمرينه إعمالاً للحق المخول للإدارة في هذا التسريح بمقتضى المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي. وأن هذا القرار بني على ما تضمنته الإشارة الخاصة بالمذكور من تقارير تفتيش التربية الدينية ورئيس الهيئة التفتيشية، وهي التقارير التي سجلت عدم صلاحيته للمادة الأساسية التي عين لتدريسها والتي انتهت إلى اقتراح صرفه من الخدمة لهذا السبب. وإذ كان الباعث على التسريح في الواقع من الأمر هو عدم الصلاحية، أي عدم المقدرة المنصوص عليها في المادة 12 آنفة الذكر التي استند إليها القرار، تلك الصلاحية التي هي شرط البقاء في الوظيفة بعد مدة التمرين، وكانت هذه هي العلة الحقيقة التي قام عليها التسريح والتي تبرر مشروعيته قانوناً، فإنه لا يغير من هذه الحقيقة في شيء أن يكون القرار المطعون فيه قد عبر عما قصد به عدم المقدرة بعدم الكفاءة المسلكية، إذ العبرة بالمعاني وبحقيقة الواقع لا بالألفاظ والمباني.
6 - لا ينهض دليلاً على الانحراف وإساءة السلطة في القرار الصادر بتسريح المدعي في خلال فترة التمرين، مجرد زعمه أن المفتش الديني كان متحاملاً عليه بدافع حقد شخصي، زعماً لم يقدم دليلاً على إثباته، ولم يؤيد صحته دليل من الأوراق، بل يقصر عن تجريح تقرير رئيس الهيئة التفتيشية، أو قرار السيد وزير التربية والتعليم اللذين لم يوجه لأيهما مطعناً ما.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 20 من آب (أغسطس) سنة 1960 أودع من كل من إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير التربية والتعليم في الإقليم السوري، ومن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا بدمشق عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد أولهما تحت رقم 93 لسنة 2 القضائية، وقيد الثاني تحت رقم 94 لسنة 2 القضائية، وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 23 من حزيران (يونيه) سنة 1960 في الدعوى رقم 46 لسنة 1960 السنة القضائية المقامة من: السيد/ عبد الحليم حاج عبيد الدبس ضد وزير التربية والتعليم بدمشق بالإضافة إلى وظيفته، وهو القاضي "بقبول الدعوى شكلاً وبقبولها موضوعاً وبإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات" وقد أبلغ هذان الطعنان إلى ذوي الشأن في 21 من آب (أغسطس) سنة 1960 و6 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960. وطلب الطاعنان كل منهما للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه، الأول "بإحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين"، والثاني "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات"، وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم المطعون عليه مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعنين أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18 من شباط (فبراير) سنة 1961، وفي 23 من كانون الثاني (يناير) سنة 1961 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة "ضم الطعن رقم 93 لسنة 2 القضائية والطعن رقم 94 لسنة 2 القضائية أحدهما إلى الآخر لأنهما عن حكم واحد" كما قررت "إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا في دور مقبل". وفي 18 من نيسان (إبريل) سنة 1961 أبلغ ذوو الشأن بأنه قد عين لنظر الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا جلسة 4 من آيار (مايو) سنة 1961. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعنين المضمومين إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين المضمومين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعنين، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 46 لسنة 1960 السنة 2 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم بدمشق أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 14 من كانون الثاني (يناير) سنة 1960 ذكر فيها أنه تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1950 والتحق بعد ذلك بقسم التخصص بكلية اللغة العربية، ثم مارس التدريس إلى أن حصل في سنة 1952 على ترخيص في إنشاء مدرسة إعدادية في مدينة البو كمال، وقد باشر إدارة هذه المدرسة والتعليم فيها بنجاح مدة خمس سنوات عينته وزارة التربية والتعليم بعدها مدرساً، إلا أنه ابتلي بمفتش يحقد عليه لعداء قديم بينهما، وقد وصفه هذا المفتش بعدم الكفاءة المسلكية مما أدى إلى صدور قرار بتسريحه، ولما كان هذا القرار قد وقع معيباً فإنه يطعن عليه طالباً إبطاله لصدوره عن غير سلطة مختصة، إذ أن المدعي عين بناء على المادة 15 من قانون الموظفين الأساسي بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 132 الصادر في 2 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957، وليس بناء على المادة 12 من القانون المذكور. ويترتب على هذا أن تسريحه يجب أن يتم بنفس الطريقة أي بقرار من مجلس الوزراء الذي انتقلت جميع اختصاصاته إلى رئيس الجمهورية لا من الوزير. فإذا تخطى الوزير اختصاصه القانوني بإصدار القرار المطعون فيه، فإن هذا القرار يصبح معيباً بتجاوز السلطة ويستوجب الإلغاء. وعلى فرض أن وزير التربية والتعليم يملك إصداره فإنه يكون قد جاء مشوباً بعيب مخالفة القانون، إذ صرح في أسبابه أنه بني على ما ورد باضبارة التحقيق في حين أن المدعي لم يتصل بعلمه أن تحقيقاً ما أجري في حقه، لأن أحداً لم يستجوبه عن واقعة معينة، فإذا كان ثمة تحقيق فإنه لا ريب باطل للإخلال فيه بحق الدفاع بعدم تمكين المدعي من الإدلاء بأقواله فيما تناوله من وقائع وحرمانه من الاطلاع على موضوعه. على أن هذا الموضوع إرواء لحقده الشخصي، وهو على كل حال حادث شخصي بحت لا صلة له بالوظيفة ولا بكفاية المدعي ومقدرته. وقد حوكم المدعي من أجل هذا الحادث وحكم مجلس التأديب بفرض إحدى العقوبات المسلكية عليه وهي عقوبة التوبيخ، وذلك قبل صدور القرار المطعون فيه ببضعة أشهر، ولا يجوز أن يعاقب مرة ثانية من أجل الحادث ذاته بالتسريح، إذ الأصل في العقوبة التأديبية ألا تتكرر عن الفعل الواحد، والظاهر من الأوراق أن تسريحه له صفة العقوبة التأديبية، ولا صلة له بمقدرته على القيام بأعباء وظيفته. هذا إلى أن المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي تشترط لجواز تسريح الموظف المتمرن شرطين (أولهما) عدم مقدرته و(الثاني) ثبوت عدم المقدرة. أما مقدرة المدعي فثابتة بالشهادات الجامعية التي يحملها وبالخبرة الطويلة التي اكتسبها في ممارسة التعليم. أما تدريس الديانة فقد كان عملاً إضافياً بالنسبة إليه ولا عبرة بتقرير مفتش التربية الدينية في شأنه. وعلى أية حال فإن التقرير لم يمس مقدرته بما ينتقص منها إطلاقاً، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون مستوجباً الإلغاء لبنائه على واقعة غير صحيحة، وأما ثبوت عدم المقدرة فليس متحققاً على وجه قاطع، الأمر الذي يجعل قرار التسريح المطعون فيه مجرداً من الأساس القانوني الذي يضفي عليه صفة المشروعية ويبرر إلغاءه. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وقبولها موضوعاً وإلغاء القرار المطعون فيه - الصادر عن سيادة المدعى عليه بتاريخ 7 تشرين الأول سنة 1959 برقم 511 ويتضمن تسريح المدعي من الخدمة لعدم الكفاءة المسلكية - والحكم للمدعي بالتعويض وباسترداد ما دفعه من رسوم وإلزام الجهة المدعى عليها بالنفقات وبأتعاب المحاماة".
ومن حيث إن وزارة التربية والتعليم التنفيذية في الإقليم الشمالي ردت على هذه الدعوى بمذكرة جوابية أودعتها في 6 من شباط (فبراير) سنة 1960 قالت فيها إنه بموجب المرسوم رقم 3734 الصادر في 29 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957 وبالاستناد إلى أحكام المادة 15 من قانون الموظفين الأساسي، وبناء على اقتراح وزير التربية والتعليم وقرار مجلس الوزراء رقم 1032 الصادر في 2 من كانون الثاني (ديسمبر) سنة 1957 عين المدعي تعييناً استثنائياً في وظيفة مدرس أول لتدريس الديانة من المرتبة الخامسة والدرجة الأولى. وقد أحيل إلى المجلس التأديبي بموجب قرار مدير التربية والتعليم الثانوي رقم 1433 الصادر في أول شباط (فبراير) سنة 1959 لمحاكمته من الوجهة المسلكية على أثر صدور القرار القطعي من محكمة صلح الجزاء بحلب بإدانته بجنحة إقلاق الراحة العامة وتغريمه مبلغ عشر ليرات سورية. وقد قرر المجلس التأديبي فرض عقوبة التوبيخ عليه لظهوره بمظهر غير لائق. وقد سرح من الخدمة بقرار وزير التربية والتعليم رقم 511 الصادر في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959 بناء على حكم المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي بعد أن ثبت عدم مقدرته خلال مدة تمرينه. وهذا القرار صادر من سلطة مختصة وموافق للأصول القانونية، إذ الأصل أن يعين موظفو الحلقة الأولى من المرتبة الخامسة والرابعة بقرار من الوزير المختص بعد إجراء مسابقة، إلا أن المادة 15 من قانون الموظفين الأساسي أجازت لمجلس الوزراء بصفة استثنائية تعيين الموظفين دون التقيد بشروط المسابقة، ونصت المادة 16 من هذا القانون على أن الموظف المعين هكذا يخضع للأحكام المتعلقة بالمتمرنين أي يجوز تسريحه خلال مدة التمرين إذا ثبت عدم مقدرته بدون أن يحق له المطالبة بأي تعويض. ويكون التسريح خلال مدة التمرين من اختصاص الوزير. وعلى فرض أن التسريح يجب أن يتم بنفس الأداة التي تم بها التعيين أي بقرار من مجلس الوزراء الذي انتقلت اختصاصاته إلى رئيس الجمهورية بموجب القرار رقم 374 لسنة 1958، فإن هذا القرار نفسه قد فوض الوزراء المختصين في صلاحية رئيس الجمهورية فيما يتعلق بإصدار الصكوك التي يعود إليه في الأصل أمر إصدارها، ولم يستثن من ذلك التسريح خلال مدة التمرين الذي أصبح داخلاً في صلاحية الوزير المختص. أما الفقرة الأخيرة من المادة 82 من قانون الموظفين الأساسي فإنها إنما تتعلق بتسريح الموظفين بسبب إلغاء الوظيفة، ولا علاقة لها بتسريح الموظف أثناء مدة التمرين في حالة ثبوت عدم مقدرته. وقد تم تسريح المدعي بناء على اضبارة التحقيق المتعلقة به. ولما كان قد عين مدرساً لمادة الديانة، فلا يكون تدريسه لهذه المادة عملاً إضافياً بل هو العمل الأساسي المكلف به، وتكون العبرة بتقارير مفتش التربية الدينية في معرفة مدى مقدرته المسلكية. وقد حوت اضبارته تقريرين لمفتش التربية الدينية (أولهما) مؤرخ 8 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 وقد جاء به أن المدعي "مدرس ضحل المعلومات، سيئ الطريقة، ضعيف الاهتمام بواجبه، لا يصلح للتربية الإسلامية" و(الثاني) مؤرخ 13 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959، وقد اقترح فيه تسريح المذكور لما يلي من أسباب" ( أ ) سلوكه الشائن الذي يتنافى مع المهمة الخطيرة الموسدة إليه. (ب) ضعف كفاياته العلمية الذي يحول دون الاستفادة منه على وجه صحيح. (جـ) نقص خبرته المسلكية مما يجعل عمله في التعليم قليل الجدوى". وقد أيد هذا الاقتراح رئيس الهيئة التفتيشية لوزارة التربية والتعليم في تقريره رقم 274/ ث المؤرخ 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959؛ ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون صادراً عن سلطة مختصة وموافقاً للأصول والقانون، ويتعين والحالة هذه "(1) رد الدعوى إن لم يكن شكلاً فموضوعاً. (2) تضمين المدعي كافة المصاريف وأتعاب المحاماة".
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت في 14 من آذار (مارس) سنة 1960 تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "الحكم بما يلي: (1) قبول الدعوى شكلاً. (2) رفضها موضوعاً"، واستندت في ذلك إلى أنه لما كان المدعي قد عين في 29 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957، وكان القرار المطعون فيه القاضي بتسريحه قد صدر في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959 فإن أحكام التسريح المنصوص عليها في المادتين 12 و16 من قانون الموظفين الأساسي تكون واردة عليه من حيث المبدأ، أي أنه من الموظفين الجائز تسريحهم وفقاً لأحكام هاتين المادتين. ولما كان التسريح خلال مدة التمرين ليس من بين الأمور المستثناة من اختصاص الوزراء كل فيما يخصه، فإن المطلق يجرى على إطلاقه، ومنه تسريح وزير التربية والتعليم للمدرسين المتمرنين في مدة التمرين، لذا يكون تسريح المدعي على الشكل الذي تم به عملاً منطبقاً على الأحكام القانونية. وقد جرى هذا التسريح بناء على اقتراح رئيس هيئة المفتشين الذي يعتبر رئيساً للمدعي وذلك بعد ثبوت عدم مقدرة هذا الأخير بالوسائل التي تملكها الإدارة والتي تنص عليها لوائحها الخاصة، وهو أمر يعود تقديره لوزير التربية والتعليم بما لا معقب عليه فيه.
ومن حيث إنه بجلسة 23 من حزيران (يونيه) سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري بدمشق في هذه الدعوى "بقبول الدعوى شكلاً، وبقبولها موضوعاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات"، وأقامت قضاءها على أن تسريح المدعي من قبل وزير التربية والتعليم قد استند إلى تفويض الوزراء المختصين كل فيما يتعلق بشئون وزارته بصلاحية رئيس الجمهورية بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء بموجب المادة الأولى من القانون رقم 1 الصادر في 12 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958، وإلى القرار رقم 374 لسنة 1958، وبذا يكون القرار المطعون فيه صادراً من سلطة مختصة. إلا أنه لما كان المدعي ينفي وقوع التحقيق معه، وكان تقرير المفتش الاختصاصي للتربية الدينية المؤرخ 13 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 لا ينهض دليلاً على عدم مقدرة المدعي، إذ لم يذكر شيئاً عن مشاهدة المفتش للمدعي لدى إلقائه دروسه، بل بني على أنباء تلقاها أو سعى لجمعها تتعلق كلها بما يعد مظهراً مخلاً بشرف الوظيفة ولا تدل على عدم المقدرة في القيام بالتدريس، وكان عدم المقدرة ليس من قبيل المحظورات التي عددتها المادة 23 من قانون الموظفين الأساسي، فإن القرار المطعون فيه يكون قد خالف القانون فيما رسمه ولم يعد له أساس يضفي عليه صفة المشروعية مما يجعله حرياً بالإلغاء وإن كان هذا ليس معناه الاستهانة بقيمة ما هو منسوب إلى المدعي من إتيانه بعمل أو ظهوره بمظهر مخل بشرف الوظيفة، الأمر الذي نصت عليه المادة 24 وما يليها من قانون الموظفين الأساسي في باب العقوبات المسلكية مما يصل إلى حد فرض العزل أو الطرد على الوجه المبين فيها.
ومن حيث إن الطعن رقم 93 لسنة 2 القضائية المقدم عن هذا الحكم من السيد/ وزير التربية والتعليم التنفيذي في الإقليم السوري والمودعة صحيفته سكرتيرية المحكمة في 20 من آب (أغسطس) سنة 1960 يقوم على أن تسريح المدعي قد جرى مدة تمرينه، وأن عدم مقدرته أثناء هذه المدة ثابت بتقارير التفتيش الموجودة في اضبارته والخاصة بالتربية الدينية وهي المادة الأساسية التي عين لتدريسها، وقد أيد اقتراح تسريحه رئيس الهيئة التفتيشية لوزارة التربية والتعليم في تقريره، وصدر قرار التسريح بناء على ذلك من وزير التربية والتعليم لعدم الكفاية المسلكية، وهو أمر يعود تقديره إلى السيد الوزير بما لا معقب عليه في ذلك. ولا ريب أن تقارير مفتشي الوزارة هي أصدق الوسائل تعبيراً عن أعمال المدرسين وأقربها إلى الواقع بصورة أكثر مباشرة وأدق تناولاً من غيرها، إذ يضعها المفتشون المختصون بعد اطلاعهم عن كثب على أسلوب المدرس ومعلوماته ومقدرته، ومن ثم فإن تسريح المدعي خلال مدة التمرين لعدم الكفاءة المسلكية إنما كان بعد ثبوت عدم مقدرته بتقارير المفتش المختص، إذ العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وعلى هذا يكون قرار التسريح المطعون فيه موافقاً للأصول والقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى بإلغاء هذا القرار، قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا، ولذا فإن الوزارة الطاعنة تطلب "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
ومن حيث إن الطعن رقم 94 لسنة 2 القضائية المرفوع عن الحكم ذاته من السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة بالعريضة المودعة سكرتيرية المحكمة في 20 من آب (أغسطس) سنة 1960 يستند في أسبابه إلى أن الأصل الطبيعي هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام ولما كان الموظفون هم عمال هذه المرافق لزم أن تكون للحكومة حرية اختيار الصالح منهم لهذا الغرض وفصل من تراه منهم غير صالح لذلك، وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بلا معقب عليها ما دام خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف به سوى المصلحة العامة. وتطبيقاً لهذا المبدأ يكون ثمة ضرب من الفصل ذو طابع إداري محض تلجأ إليه السلطة الإدارية في حق الموظف كلما قدرت لزوم ذلك على النحو المبين في المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي، أو كلما رأت في سلوك الموظف ما ينم عن عدم مقدرته المسلكية خلال فترة التمرين وفقاً لما نصت عليه المادة 12 من القانون المذكور، وهي المادة التي سرح المدعي بمقتضاها قبل انتهاء مدة تمرينه لعدم كفاءته المسلكية. وقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن عدم الكفاءة المسلكية هذه هي غير عدم المقدرة المسلكية التي لا تعني أكثر من التقصير في التدريس دون أن تتعداه إلى التصرفات الأخرى المخلة بشرف الوظيفة والمعاقب عليها في المادة 24 من القانون ذاته، وإلى أن الوقائع المخلة بشرف الوظيفة والواردة في التحقيق الذي أجري في حق المدعي لا تجيز أكثر من إحالته إلى مجلس التأديب. وهذا التأويل لعبارة "عدم القدرة المسلكية" من شأنه أن يقلص أثرها القانوني، في حين أن هذا التفسير اللغوي لكلمة "المقدرة" يتجاوب مع غاية الشارع الذي أراد أن يقيم إلى جانب الفصل التأديبي نوعاً آخر من الفصل الإداري المحض تمارسه السلطة الإدارية على الوجه المقرر في المادتين 12 و85 من قانون الموظفين الأساسي وفي ضوء ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى، ولذا فإن هيئة مفوضي الدولة تطلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات".
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي حاصل على الشهادة العالمية من كلية أصول الدين بالأزهر مع الإجازة في التدريس من الأزهر، وأنه في 29 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957 صدر المرسوم الجمهوري رقم 3734 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 2 لسنة 1958 بتعيينه مدرساً أول في مدارس دير الزور الثانوية لتدريس مادة الديانة في المرتبة الخامسة والدرجة الأولى، وذلك بصفة استثنائية استناداً إلى أحكام المادة 15 من قانون الموظفين الأساسي، وبناء على اقتراح وزير التربية والتعليم وقرار مجلس الوزراء رقم 1032 الصادر في 2 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 وقد باشر عمله في 4 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958. وفي 8 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 قدم عنه مفتش التربية الدينية في دير الزور تقريراً أخذ عليه فيه مآخذ شتى من بينها أن: (1) مادة الدرس غير وافية: فما قدمه المدرس إنما هو صورة مشوهة عن
الدرس.... ومعلومات المدرس عامية ضحلة تختلط بالاستطراد، وقد جاءت بصورة مشوشة لا ترتيب فيها ولا تنسيق، أما فهمه لأسئلة الطلاب فهو غير دقيق، وأجوبته بالتالي غير محكمة....، (2) طريقة المدرس غير صالحة: فقد اعتمد على الطريقة التقريرية وألقى الدرس إلقاء سريعاً فانعدمت مشاركة الطلاب فيه، ولم يهتم بملاحظة مدى متابعتهم له.... ولم يعن المدرس بمراحل الدرس.... والنصوص الشرعية، على أهميتها....، لم يعطها حظها من العناية، فلم يوضح معناها ومغزاها ولم يثبتها.... ولم يستخدم السبورة مطلقاً"، وأن (3) أغراض الدرس التعليمية والتربوية لم تتحقق" وخلص المفتش من هذا إلى أن المدعي "مدرس ضحل المعلومات سيئ الطريقة ضعيف الاهتمام بواجبه لا يصلح للتربية الإسلامية"، وأن "الاقتراح: هو تسريحه من الخدمة لعدم صلاحيته". وفي 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 كان قد قبض على المدعي بحالة سكر وعربدة وحرر ضده محضر ضبط شرطة بسبب مضاربته مع زكريا حصري في ملهى حلب وتحطيم الأقداح فيه. وقد جرت محاكمته جزائياً من أجل ذلك، فقضت محكمة حلب الصلحية الجزائية في 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1958 بحكم اكتسب الدرجة القطعية: 1 - بإسقاط دعوى الحق العام عنه في جريمة الضرب بعد الصلح وصفح المعتدى عليه عنه، 2 - بإدانته عن جريمة إقلاق الراحة العامة وتغريمه عشر ليرات سورية. وفي أول شباط (فبراير) سنة 1959 صدر قرار مدير التربية والتعليم الثانوي رقم 1433 بإحالته إلى مجلس التأديب لمحاكمته من الوجهة المسلكية عما بدر منه من ظهور مخل بشرف الوظيفة والآداب العامة نتيجة للمحاكمة الجزائية التي جرت في حقه. وبجلسة 28 من شباط (فبراير) سنة 1959 صدر قرار مجلس التأديب رقم 50 رقم الأساس 63/ 1959 بفرض عقوبة التوبيخ عليه لظهوره بمظهر غير لائق، الأمر المحظور عليه قانوناً، والذي يجعله مسئولاً من الوجهة المسلكية. وفي 13 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959 قدم المفتش الاختصاصي للتربية الدينية في حقه تقريراً انتهى في ختامه إلى اقتراح صرفه من الخدمة للأسباب التالية: "أ - سلوكه الشائن الذي يتنافى مع المهمة الخطيرة الموسدة إليه. ب - ضعف كفاياته العلمية الذي يحول دون الاستفادة منه على وجه صحيح. جـ - نقص خبرته المسلكية مما يجعل عمله في التعليم قليل الجدوى". وقد أيد هذا الاقتراح رئيس الهيئة التفتيشية لوزارة التربية والتعليم في تقريره رقم 274/ ت المؤرخ 17 من أيلول (سبتمبر) سنة 1959. وبناء على هذا وعلى المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي صدر القرار المطعون فيه من السيد وزير التربية والتعليم تحت رقم 511 في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959 بتسريح المدعي من الخدمة بوصفه مدرساً متمرناً في ثانويات دير الزور لعدم الكفاءة المسلكية وأبلغ إليه في 25 منه.
ومن حيث إن الأصل وفقاً لنص المادتين 12 و13 من قانون الموظفين الأساسي رقم 135 لسنة 1945 أن يكون تعيين موظفي الحلقة الأولى من المرتبتين الرابعة والخامسة بقرار من الوزير المختص بعد إجراء مسابقة يحدد الوزير شروطها ولا يقبل فيها إلا من كان مستوفياً لهذه الشروط والشروط العامة للتوظف، وقد نصت المادة 12 في فقرتيها الرابعة والخامسة على أن "يعين الناجحون متمرنين لمدة سنتين في الدرجة الدنيا لمرتبة الوظيفة، ويؤصلون في الدرجة الدنيا بعد انتهاء مدة التمرين إذا تأكدت مقدرتهم بناء على اقتراح رؤسائهم. يسرح المتمرن أو تنزل درجته أو مرتبته إذا ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين بدون أن يحق له المطالبة بأي تعويض"، وقد نصت المادة 15 من القانون المشار إليه على أنه "يجوز لأسباب استثنائية يعود تقديرها لمجلس الوزراء: 1 - ........، 2 - تعيين موظفين من المرتبتين الرابعة والخامسة دون التقيد بشروط المسابقة....."، كما نصت المادة 16 منه على أن "يخضع الموظف المعين وفقاً للمادتين السابقتين للأحكام المتعلقة بالتمرين...." ومفاد هذه النصوص أن الأصل في الشخص المرشح لوظيفة من الوظائف ذات المرتبة الرابعة أو الخامسة - كما هو الحال بالنسبة إلى المدعي الذي كان مدرساً من المرتبة الخامسة والدرجة الأولى - هو أن يعين بمسابقة يحدد الوزير المختص شروطها، ويتم التعيين بقرار وزاري، ويعتبر الناجح في هذه المسابقة موظفاً تحت التمرين لمدة سنتين يجوز تسريحه إذا ثبت عدم مقدرته خلالها بدون أن يحق له المطالبة بأي تعويض. وأنه يجوز التعيين استثناء على خلاف هذا الأصل أي بدون التقيد بشرط المسابقة، وذلك لأسباب يعود تقديرها لمجلس الوزراء، وفي هذه الحالة يعتبر الموظف المعين على هذا النحو متمرناً لمدة سنتين ويخضع للأحكام الخاصة بالمتمرنين، بمعنى أنه يجوز تسريحه إذا ما ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين بدون أن يكون له الحق في المطالبة بأي تعويض.
ومن حيث إن الفقرة الأخيرة من المادة 83 من قانون الموظفين الأساسي قد نصت على أن "يتم التسريح بمرسوم أو قرار من السلطة التي تمارس التعيين"، وهذه المادة وإن كانت قد وردت في باب "قواعد التسريح بسبب إلغاء الوظيفة" واقترن حكمها بحالة إلغاء الوظيفة لا بالتسريح في فترة التمرين لعدم المقدرة، إلا أنه إذا لزم، كمبدأ عام أن يتم التسريح بذات الأداة التي جرى بها التعيين، فإن هذا متحقق بالفعل في شأن المدعي، ذلك أن اختصاصات مجلس الوزراء قد آلت إلى رئيس الجمهورية بموجب المادة الأولى من القانون رقم 1 لسنة 1958 والقرار رقم 374 لسنة 1958، إلا أن هذا القرار ذاته قد فوض الوزراء المختصين بصلاحية رئيس الجمهورية في إصدار الصكوك التي يعود أمر إصدارها في الأصل إليه كلاً فيما يختص بشئون وزارته، عدا أمور ثلاثة هي: ( أ ) ما يتعلق بشئون الموظفين من المرتبتين الأولى والممتازة. (ب) التعيين بصورة استثنائية.
(جـ) التسريح بموجب المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي. ولما كان التسريح خلال مدة التمرين لا يدخل ضمن هذه الأمور الثلاثة المستثناة من اختصاص الوزراء، فإن يكون من صلاحية الوزير المختص. وإذ كان المدعي قد عين تعييناً استثنائياً بالمرسوم رقم 3734 الصادر في 29 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1957 بدون مسابقة، وسرح بالقرار رقم 511 الصادر من وزير التربية والتعليم في 7 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1959 أي قبل انتهاء مدة تمرينه لعدم الكفاءة المسلكية، فإن هذا القرار يكون صادراً من السلطة الشرعية المختصة التي تملك حق إصداره قانوناً.
ومن حيث إن تأصيل الموظف المعين تحت التمرين في وظيفته بعد انتهاء مدة التمرين المقررة قانوناً منوط بتأكد مقدرته أي بصلاحيته للنهوض بأعباء الوظيفة العامة المسندة إليه. ومدة التمرين هذه وعدتها سنتان إن هي إلا فترة اختبار رأى الشارع أن يجعل منها مرحلة تجربة لأهلية الموظف واستعداده، ومحكاً لسبر مواهبه وكفايته، ووسيلة للحكم على مدى قدرته على الاضطلاع بواجبات وظيفته ومسئولياتها. وجعل مركزه القانوني خلالها معلقاً غير بات، وبقاءه في الوظيفة مشروطاً بصلاحيته لها ورهيناً بثبوت هذه الصلاحية، فإذا تخلف هذا الشرط حقت تخليته عنها. وترك للإدارة أمر تقدير قيام الصلاحية أو انعدامها. فإذا ثبت عدم مقدرة الموظف أي عدم صلاحيته خلال مدة التمرين كان للجهة الإدارية حق تسريحه والاستغناء عن خدمته بوصفها المهيمنة على تسيير المرافق العامة والمسئولة عن قيام الموظفين، وهم عمال هذه المرافق، بواجبات وظائفهم على وجه يحقق المصلحة العامة، إذ أن لها حق اختيار من تأنس فيه الصلاحية لهذا الغرض، وحرية إقصاء من تراه منهم غير صالح لذلك. وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها بما لا معقب عليها فيه ما دام قرارها قد تجرد عن الغرض وخلا من عيب إساءة استعمال السلطة، فلم تستهدف به سوى وجه المصلحة العامة. فإذا استعملت الإدارة سلطتها القانونية المخولة لها في هذه الحالة بتسريح الموظف المعين تحت التمرين خلال مدة تمرينه لما ثبت لها بوسائلها من عدم مقدرته على النهوض بأعباء الوظيفة العامة الموكولة إليه على وجه يحقق حسن سير المرفق المنشأة لخدمته، فإن تسريحه على هذا الوجه لا يكون فصلاً بالطريق التأديبي من قبيل ما تتولاه السلطات التأديبية، بل هو فصل بغير الطريق التأديبي تملكه الإدارة إعمالاً لسلطة شرعية تستمدها من القانون لحكمة تتصل بالمصلحة العامة، وهي صالح الوظيفة في حالة تسريح الموظف المعين تحت التمرين كما نصت على ذلك المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي إذا ما ثبت عدم مقدرته خلال مدة التمرين، وما يراه مجلس الوزراء من أسباب يعود إليه تقديرها عدا هذه الحالة كما نصت على ذلك المادة 85 من القانون ذاته. وإذ كان مرجع التسريح في الحالة الأولى إلى فقدان الصلاحية، وهو أمر تنفرد الإدارة بتقدير ثبوته بوسائلها الإدارية، فإن لها أن تكون عقيدتها واقتناعها في هذا الشأن بحسب وجدانها مما يتوافر لديها من عناصر أو شواهد أو قرائن أحوال أو وقائع أو أدلة إثبات، ما دامت تستمدها من أصول صحيحة لها وجود في الواقع أياً كانت وسائل الإثبات التي تفضي بها إلى هذا التقدير والاقتناع، دون إلزام عليها من القانون - في مقام هذا الفصل غير التأديبي - بل تجرى تحقيقاً على وجه معين مرسوم، أو أن تقوم باستجواب أو سماع شهود. ولا رقابة ولا تعقيب عليها فيما تكون منه عقيدتها واقتناعها أو ما ينتهي إليه من تقدير في هذا الخصوص. كما أن هذا الفصل القائم على سببه المستقل المتجرد من صفة التأديب والمستند إلى وقائع مادية وقانونية أساسها عدم الصلاحية لا يعتبر ازدواجاً أو تكراراً للعقوبة السابق توقيعها على المدعي من مجلس التأديب من أجل وقائع مسلكية وأفعال أخرى تختلف في طبيعتها وفي أثرها عن تلك التي بني عليها قرار الفصل.
ومن حيث إن تسريح المدعي بالقرار المطعون فيه قد تم قبل انتهاء مدة تمرينه إعمالاً للحق المخول للإدارة في هذا التسريح بمقتضى المادة 12 من قانون الموظفين الأساسي. ويتضح من ديباجة هذا القرار أنه بني على ما تضمنته الاضبارة الخاصة بالمذكور من تقارير تفتيش التربية الدينية ورئيس الهيئة التفتيشية السابق الإشارة إليها تفصيلاً، وهي التقارير التي سجلت عدم صلاحيته للمادة الأساسية التي عين لتدريسها والتي انتهت إلى اقتراح صرفه من الخدمة لهذا السبب. وإذ كان الباعث على التسريح في الواقع من الأمر هو عدم الصلاحية، أي عدم المقدرة المنصوص عليه في المادة 12 آنفة الذكر التي استند إليها القرار، تلك الصلاحية التي هي شرط البقاء في الوظيفة بعد مدة التمرين، وكانت هذه هي العلة الحقيقية التي قام عليها التسريح والتي تبرر مشروعيته قانوناً، فإنه لا يغير من هذه الحقيقة في شيء أن يكون القرار المطعون فيه قد عبر عما قصد به عدم المقدرة بعدم الكفاءة المسلكية، إذ العبرة بالمعاني وبحقيقة الواقع لا بالألفاظ والمباني، كما لا يشكك في صحة ما تضمنته تقارير تفتيش التربية الدينية ورئاسة هيئة التفتيش، ولا ينهض دليلاً على الانحراف وإساءة استعمال السلطة مجرد زعم المدعي أن المفتش الديني كان متحاملاً عليه بدافع حقد شخصي، زعماً لم يقدم دليلاً على إثباته، ولم يؤيد صحته دليل من الأوراق، بل يقصر عن تجريح تقرير رئيس الهيئة التفتيشية، أو إقرار السيد وزير التربية والتعليم، اللذين لم يوجه لأيهما مطعناً ما.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير التربية والتعليم بتسريح المدعي من الخدمة خلال مدة تمرينه لعدم الكفاية قد صدر ممن يملكه قانوناً، وقام على سبب صحيح يبرره، وجاء مطابقاً للقانون، وبريئاً من عيب إساءة استعمال السلطة، ويكون المدعي والحالة هذه على غير حق في دعواه، وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري بدمشق المطعون فيه بغير هذا النظر، فإنه يكون قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.