مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1005

(127)
جلسة 11 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي ومصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب ومحمد عزت عبد المحسن المستشارين.

القضية رقم 101 لسنة 2 القضائية

( أ ) استملاك - نص المادة 17 من قانون الاستملاك على وجوب استملاك باقي العقار المستملك إذا كان هذا الجزء غير صالح للانتفاع - المقصود بعدم الصلاحية - هو أن يكون باقي العقار غير صالح للانتفاع به كلية وبحيث يصبح الملك لا فائدة فيه مطلقاً - تقدير ذلك يعود إلى الجهة المستملكة - قرارها الصادر في هذا الشأن - مبرم وبات - مدى رقابة القضاء الإداري في هذه الحالة - مثال.
(ب) استملاك - نص المادة 17 من قانون الاستملاك على إلزام الجهة المستملكة استملاك باقي العقار المستملك إذا كان هذا الجزء غير صالح للانتفاع - نقصان المنفعة جزئياً غير ملزم للاستملاك - أساس ذلك وحكمته.
1 - إن المادة 17 من قانون الاستملاك رقم 272 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 108 لسنة 1958 والقانون رقم 80 لسنة 1959 إنما قصدت من النص على استملاك الأجزاء الباقية من العقارات المستملكة متى أصبحت هذه الأجزاء غير صالحة للانتفاع - أن تكون الأجزاء الباقية غير صالحة للانتفاع بها كلية وبحيث يصبح الملك لا فائدة فيه مطلقاً.
وقد خول القانون الجهة الإدارية سلطة تقدير حالة الأجزاء الباقية من عقار استملكت جزءاً منه من حيث صلاحيتها للانتفاع بها من عدمه، حتى إذا ما رأت أنها غير صالحة للانتفاع بها حق عليها استملاكها. وإن رأت غير ذلك فلا تجبر على استملاكها. وقد جعل المشرع قرارها في هذا الشأن مبرماً أي باتاً بمعنى أن رقابة المحكمة تكون مقصورة في هذه الحالة على التحقق من قيام القرار على وقائع صحيحة تؤدي إليه وأنه صدر غير مشوب بعيب بالانحراف أو سوء استعمال السلطة.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة أقامت قرارها برفض استملاك الأجزاء الباقية من ملك المدعيين على واقع المعلومات والآراء التي قدمت إليها من رجالها الفنيين، والثابت منها أن الأجزاء الباقية من ملك المدعيين تصلح للانتفاع بها؛ فإن قرارها هذا يكون قائماً على أساس وقائع صحيحة استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في ملف الموضوع تؤدي إليه وليس هناك من دليل في الأوراق على أنها كانت مدفوعة إلى ذلك بدوافع شخصية وبالتالي يكون قرارها هذا قراراً صحيحاً مطابقاً للقانون.
2 - إن نقصان منفعة الأجزاء الباقية من الأرض ليس بسبب للاستملاك الذي لا يكون إلا في حالة عدم الصلاحية كلية، وفي تحميل الحكومة لأعباء مالية لمجرد زيادة في الأعباء الملقاة على المجاورين للمشروع ولو كانت طفيفة بإلزامها باستملاك الأجزاء الباقية إنما هو تعطيل للمشروعات العامة التي تعود على الجميع بالنفع. يؤيد ذلك أنه إذا كان الثابت أن الأرض لم تفقد منفعتها كلية وإنما نقصت جزئياً فإن من المسلم في الفقه الإداري أن الحكومة لا تسأل عما يصيب الأملاك الخاصة من أضرار بسبب تنفيذ المشروعات العامة متى كان تصميمها وتنفيذها مطابقاً للأصول الفنية السليمة - وذلك حتى لا تتحمل الدولة أعباء مالية لدفع تلك التعويضات تبهظ كاهلها وتعوقها عن تنفيذ هذه المشروعات العامة، ومن ثم استقر الرأي على أن يتحمل الأفراد أضرار هذه المشروعات مساهمة منهم فيها وتغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فإذا كانت الحكومة لا تلتزم بالتعويض في هذه الحالة - فإنه من باب أولى لا يجوز إجبارها على الاستملاك الذي لا يعدو أن يكون نوعاً من التعويض.


إجراءات الطعن

في 21 من أغسطس سنة 1960 طعن المدعيان في الحكم الصادر عن دائرة محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 23 من يونيه سنة 1960 في الدعوى المقيدة بجدولها رقم 113 لسنة 1 القضائية والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعيين المصروفات وخمسين ليرة سورية مقابل أتعاب المحاماة"، وطلباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها استملاك الجزء الباقي من العقار المستملك موضوع الدعوى وبجميع المطالب الواردة في صحيفتها مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وبعد أن أعلنت الحكومة بالطعن وفوات المواعيد القانونية عين لنظره أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 21 من فبراير سنة 1961 وفيها سمعت الدائرة ملاحظات الطرفين ثم قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل فيه بجلسة 6 من مايو سنة 1961. سمعت المحكمة ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بالمحضر ثم قررت استمرار المرافعة لجلسة 8 من مايو سنة 1961 لتودع الحكومة ملف الموضوع وفيها أودعت الحكومة هذا الملف ثم سمعت ملاحظات الطرفين وأرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع ملاحظات الطرفين والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 113 لسنة 1 القضائية أمام دائرة محكمة القضاء الإداري بدمشق في 14 من يوليه سنة 1959 ضد وزارة الأشغال العامة طلباً فيها الحكم بإلزام الوزارة المذكورة باستملاك القسم الباقي من العقار المملوك لهما عملاً بأحكام المادة (17) من قانون الاستملاك رقم 272 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 108 لسنة 1958 والقانون رقم 80 لسنة 1959 مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وقالا في بيان ذلك أنهما كانا يملكان أرضاً زراعية بناحية قرية وجه الحجر التابعة لحمص برقم 6 مساحتها حوالي 56 هكتاراً استملكت الحكومة منها 17 هكتاراً بمقتضى القرار رقم 56 في 2 من سبتمبر سنة 1958 وذلك لمشروع عام هو زيادة التخزين في بحيرة حمص، ولكن ترتب على تنفيذ هذا المشروع أن أصبح الجزء المتبقي لهما من العقار المشار إليه غير صالح للانتفاع به نظراً لارتفاع منسوب المياه الجوفية بالأرض وأن البحيرة أصبحت تحيط الأرض من ثلاث جهات وطغت المياه على الطريق الموصل للأرض وأصبح لا سبيل للوصول إليها إلا بالمرور من ملك الغير لمسافة تبلغ ثمانية كيلو مترات بعد أن كانت 600 متر ولهذا طلباً من الجهة الإدارية المدعى عليها استملاك هذا الجزء الباقي طبقاً للقانون إلا أنها لم تستجب إليهما بحجة أن ما بقي من الأرض صالح للانتفاع وأما ارتفاع منسوب المياه الجوفية فيها فهو حالة عامة موجودة من قبل بالنسبة لها وللأراضي الأخرى المجاورة للبحيرة وليست نتيجة نفاذ المشروع إذ هي ترجع إلى طبيعة الأرض في هذه المنطقة وليس بصحيح أن الوصول إلى الجزء الباقي من الأرض المستملكة صار متعذراً.
أبدى مفوض الدولة رأيه القانوني في الدعوى خلص فيه إلى أن قرار الجهة الإدارية برفض الاستملاك هو قرار صحيح لا شائبة فيه من الناحية القانونية وبذلك فهو بمنأى عن الطعن.
وفي 23 من يونيه سنة 1960 قضت المحكمة "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع برفضها مع إلزام المدعيين المصروفات وخمسين ليرة سورية مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها هذا على أن المادة 17 من القانون رقم 272 لسنة 1946 المعدل بالقانون رقم 108 لسنة 1958 والقانون رقم 80 لسنة 1959 تنص على أنه "إذا شمل الاستملاك جزءاً من عقار وكان الجزء الباقي منه غير صالح للانتفاع وجب على الدائرة استملاك كامل العقار ولا حاجة في هذه الحالة لاستصدار قرار جديد، ويعود تقدير عدم الصلاحية للانتفاع إلى مجلس البلدية التي يقع العقار ضمن نطاقها، وقراره مبرم بهذا الشأن، أما إذا كان العقار واقعاً في المناطق التي لا يوجد فيها بلدية فيعود تقدير قابلية القسم الباقي منه للانتفاع أو عدمه للدائرة المستملكة" وأنه ولئن كان عقار المدعيين في منطقة لا توجد فيها بلدية فإن تقدير وزارة الأشغال قابلية الجزء الباقي من العقار للانتفاع أو عدمه أمر يخضع لرقابة القضاء إذ المعني بالنص ألا يترك التقدير لجهة أخرى غير الجهة المستملكة، وأما عن الصلاحية للانتفاع وجوداً أو عدماً فهي مسألة موضوعية مرد تقديرها إلى مساحة الجزء الباقي من العقار المستملك وإمكان الوصول إليه أو الإقامة فيه وما ينجم عن المشروع الذي اقتضى الاستملاك من نتائج قد يكون من شأنها تغيير حالة الجزء الباقي تغييراً يعطل إمكانياته الأولى من حيث الانتفاع، وبغية استيضاح الدعوى واستجلاء وجه الحق فيها قررت المحكمة بجلسة 17 من مارس سنة 1960 ندب أحد أعضائها للانتقال إلى العقار محل النزاع ومعاينته لتقدير صلاحيته للانتفاع من عدمه على أن يعين من يرى الاستعانة به من أهل الخبرة. وقد نفذ هذا القرار ورأى السيد العضو المنتدب أن يندب خبيراً لإبداء الرأي الفني في هذا النزاع وقدم الخبير تقريره في 9 من مايو سنة 1960 جاء فيه أن الوصول إلى العقار رقم 6 موضوع الدعوى ممكن سواء بالسير على الأقدام أو بالسيارة إلا أنه في كلا الحالين ازداد صعوبة كما أن صلاحية الجزء الباقي للزراعة أو السكن قد نقصت ولكنها لم تنعدم، وبما أنه بان للمحكمة من الأوراق والمعاينة وتقرير الخبير الذي تأخذ به أن عدم الصلاحية للانتفاع المعنية في المادة 17 من قانون الاستملاك والتي يكون من مقتضاها أن تستملك جهة الإدارة الجزء الباقي من العقار بحكم القانون غير قائمة بالنسبة للعقار موضوع المنازعة ومن ثم فالقرار المطعون فيه سليم صدر على وفق الواقع والقانون.
ومن حيث إن أسباب الطعن تقوم على خطأ المحكمة في تطبيق القانون بمقولة إنها أخذت برأي الجهة الإدارية معتبرة إياه سبباً كافياً للحكم برفض الدعوى، فقد أخطأت حين جعلت مساحة الجزء الباقي من العقار المستملك أساساً لتقدير صلاحيته للانتفاع أو عدمه وذلك بالمخالفة لحكم المادة 17 من القانون المشار إليه الذي جاء عاماً غير مقيد بكبر المساحة الباقية أو صغرها، كذلك أخطأت بطرحها الوقائع الثابتة في أوراق الدعوى والتي تدل بصفة قاطعة على أن المياه قد أحاطت بباقي أجزاء العقار من جهات ثلاث وعزلتها عن القرية وأصبح لا يمكن الوصول إليها إلا بالمرور في ملك الغير مسافة تزيد كثيراً جداً عن الطريق الأصلي كما أن إحاطة المياه بالأرض رفعت منسوب المياه وزادت رطوبة الأرض فأصبحت غير صالحة للزراعة أو السكن مما يحقق العلة الموجبة للاستملاك حسب نص المادة 17 سالفة الذكر.
ومن حيث إنه قد تبين من ملف المادة الذي قدمته الحكومة في الجلسة الأخيرة أن شكوى المدعيين من عدم استملاك الجزء الباقي من أرضهما الكائنة بقرية وجه الحجر رقم 6 محافظة حمص كانت محل بحث رجال الحكومة الفنيين وقد جاء رفض طلب الاستملاك بعد أن كتب رئيس مصلحة الري في محافظة حمص في 23 من مايو سنة 1959 إلى مديرية الري والقوى المائية بدمشق بما مفاده أن "الوصول إلى الأقسام الباقية من العقارات رقم 5 و6 أصبح أصعب من السابق غير أنه ليس متعذراً ويمكن الوصول إليها بواسطة الطرق الموجودة حالياً كما هو موضح على المصور المرفق، أما عن كون الأراضي المتبقية أصبحت غير صالحة للإنبات أو للسكن فهو قول غير صحيح لأن المياه تحيط هذه الأراضي من قبل وقد يمكن أن يقال بأن المناخ أصبح أشد رطوبة بسبب قرب المياه من الأراضي، هذه الأسباب لا تشكل ضرورة لاستملاك الأجزاء الباقية من هذه العقارات" وجاء في كتاب آخر من مدير الري والقوى المائية رداً على كتاب إدارة قضايا الحكومة بعد رفع هذه الدعوى "أنه يمكن الوصول إلى العقارات 5 و6 دون المرور في العقارات الخاصة وذلك باستعمال الطرقات التي هي ملك للجميع بما فيهم أهالي قرية وجه الحجر، وأن المسافة بين مساكن قرية وجه الحجر وهذين العقارين هي قبل الاستملاك حوالي 1900 متر فأصبحت بعد الاستملاك 2800 متر بواسطة الطريق العام المار بأراضي قرية قبى أي أن الطريق الجديد يزيد حوالي 900 متر فقط وهو بسيط ليس له وزن بالنسبة للأراضي الزراعية التي تمتد لمسافة عدة كيلوا مترات، ويمكن الحصول على طريق في أراضي الغير للوصول إلى الأراضي محل البحث وذلك عن طريق التعويض الذي تقدر نفقاته بحوالي ألف ليرة سورية. ونرى أن الاستملاك غير ممكن في هذه الحالة، علماً بأن فائدة المرور في أرض الغير ستكون قليلة.." وهذا الرأي كان بناء على بحث من مدير الأشغال العامة في محافظة حمص الواقعة في دائرتها الأراضي المطلوب استملاكها، وهناك كتاب ثالث من مدير الري والقوى المائية إلى وزارة الأشغال العامة بتاريخ 8 من يونيه سنة 1959 يؤكد فيه "أن الوصول إلى الأقسام الباقية من العقارات المستملكة ليس متعذراً وأن المياه كانت تحيط بها قبل الاستملاك، وأما عن تأثير المشروع على التربة فيكون جزئياً وخلال فترة التخزين التي تصادف في فصل الشتاء حيث تكون الأرض رطبة بطبيعتها ثم يبتدئ التفريغ حيث تعود الأرض عملياً إلى وضعها السابق تقريباً من حيث رطوبة التربة، ومن ثم فليس ثمة ما يوجب استملاك الأجزاء الباقية من هذه العقارات"، ويبين أيضاً أن الوزارة قد وضعت قاعدة عامة فيما يختص باستملاك الأجزاء الباقية من العقارات المستملكة من مقتضاها استملاك ما لا يزيد منها على ألف متر مربع والسبب في ذلك - كما تقول الوزارة - أن هذه الأجزاء من الصغر بحيث يصعب أو يتعذر الانتفاع بها.
ومن حيث إن الأبحاث التي انتهى إليها رجال الوزارة الفنيين من صلاحية الأجزاء الباقية من العقار المستملك للانتفاع يظاهرها تقرير الخبير المنتدب من محكمة القضاء الإداري وكذا مخطط استملاك الأراضي المحيطة ببحيرة قطينة لتعلية منسوب المياه فيها إذ الثابت منه عدم وجود طريق أصلي مباشر مرسوم كان يصل الأرض بالقرية وإنما الثابت هو الطريق الذي تقول عنه الوزارة.
ومن حيث إن المادة 17 من القانون رقم 272 لسنة 1946 سالف الذكر إنما قصدت من النص على استملاك الأجزاء الباقية من العقارات المستملكة متى أصبحت هذه الأجزاء غير صالحة للانتفاع - أن تكون الأجزاء الباقية غير صالحة للانتفاع بها كلية وبحيث يصبح الملك لا فائدة منه مطلقاً.
ومن حيث إن القانون قد خول الجهة الإدارية سلطة تقدير حالة الأجزاء الباقية من عقار استملكت جزءاً منه من حيث صلاحيتها للانتفاع بها من عدمه، حتى إذا ما رأت أنها غير صالحة للانتفاع بها حق عليها استملاكها. وإن رأت غير ذلك فلا تجبر على استملاكها. وقد جعل المشرع قرارها في هذا الشأن مبرماً أي باتاً بمعنى أن رقابة المحكمة تكون مقصورة في هذه الحالة على التحقق من قيام القرار على وقائع صحيحة تؤدي إليه وأنه صدر غير مشوب بعيب الانحراف أو سوء استعمال السلطة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن جهة الإدارة أقامت قرارها برفض استملاك الأجزاء الباقية من ملك المدعيين على واقع المعلومات والآراء التي قدمت إليها من رجالها الفنيين والسابق الإشارة إليها، والثابت منها أن الأجزاء الباقية من ملك المدعيين تصلح للانتفاع بها. ولذلك فإن قرارها هذا يكون قائماً على أساس وقائع صحيحة استخلصت استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في ملف الموضوع تؤدي إليه وليس هناك من دليل في الأوراق على أنها كانت مدفوعة إلى ذلك بدوافع شخصية وبالتالي يكون قرارها هذا قراراً صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا يقدح في ذلك ما أثير حول انقطاع الطريق الأصلي الموصل للأرض محل النزاع واستبداله بطريق أطول منه بكثير وكذا حول ارتفاع منسوب المياه في البحيرة وأثر ذلك على صلاحية الأرض للإنبات، فلا وجه له لأنه - كما سبق القول - صاحبة التقدير هي جهة الإدارة وما يقول به المدعيان كان تحت نظرها عندما أصدرت قرار الرفض المطعون فيه، وحتى على فرض صحة ما يقول به المدعيان من نقصان في منفعة الأجزاء الباقية من الأرض فإن ذلك ليس بسبب للاستملاك الذي لا يكون إلا في حالة عدم الصلاحية كلية، وفي تحميل الحكومة لأعباء مالية لمجرد زيادة على الأعباء الملقاة على المجاورين للمشروع ولو كانت طفيفة بإلزامها باستملاك الأجزاء الباقية إنما هو تعطيل للمشروعات العامة التي تعود على الجميع بالنفع ومن بينهم المدعيان. يؤيد ذلك أنه إذا كان الثابت أن الأرض لم تفقد منفعتها كلية وإنما نقصت جزئياً فإن من المسلم في الفقه الإداري أن الحكومة لا تسأل عما يصيب الأملاك الخاصة من أضرار بسبب تنفيذ المشروعات العامة متى كان تصميمها وتنفيذها مطابقاً للأصول الفنية السليمة - وذلك حتى لا تتحمل الدولة أعباء مالية لدفع تلك التعويضات تبهظ كاهلها وتعوقها عن تنفيذ هذه المشروعات العامة، ومن ثم استقر الرأي على أن يتحمل الأفراد أضرار هذه المشروعات مساهمة منهم فيها وتغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة - فإذا كانت الحكومة لا تلتزم بالتعويض في هذه الحالة - فإنها من باب أولى لا يجوز إجبارها على الاستملاك الذي لا يعدو أن يكون نوعاً من التعويض.
ومن حيث إنه للأسباب المتقدمة يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى المدعيين قد أصاب وجه الحق والصواب في النتيجة التي انتهى إليها مما يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام المدعيين إليها مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وإلزام المدعيين المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعنين المصروفات.


بمثل ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بنفس الجلسة في القضية رقم 98 لسنة 2 ق وأضافت في أسباب حكمها:
"من حيث إنه بالنسبة لما أثاره الطاعن من أسباب يريد بها التدليل على عدم الصلاحية للانتفاع بالأرض موضوع النزاع لصغر المساحة أو عدم إمكان السكنى أو التعرض للأمراض - هذه الأمور جميعها تدخل في عدم الصلاحية للانتفاع وهو أمر سبق التعرض له".