مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1040

(131)
جلسة 13 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة/ سيد علي الدمراوي ومصطفي كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 103 لسنة 2 القضائية

( أ ) بعثات - الطلاب الناجحون كمتطوعين في الجيش - إيفادهم في بعثات دراسية بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم 87 لسنة 1952 وقرار وزير الدفاع رقم 1326 المؤرخ 31/ 10/ 1955 - مركزهم القانوني - اعتبارهم طلاب علم لا موظفين عامين - تعيينهم في الجيش مركز شرطي يتوقف على النجاح في البعثة - أساس ذلك.
(ب) عقد إداري - مبعوث - العقد المبرم مع الطالب المتطوع في الجيش الموفد في البعثة وعقد كفيله - عقدان إداريان - إلغاء قرار الإيفاد والملاحقة بالنفقات الدراسية بالتضامن مع الكفيل - منازعة في عقد إداري.
(جـ) اختصاص - إحالة - توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإداري - إلغاء قرار إيفاد الطالب المتطوع بالجيش وملاحقته بالنفقات الدراسية بالتضامن مع كفيله - دخوله في اختصاص محكمة القضاء الإداري دون المحاكم الإدارية - حكم المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها وإحالة الدعوى إلى المحكمة الأولى صحيح - أساس ذلك.
1 - إن المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 87 المؤرخ في 13 من سبتمبر سنة 1952 وقرار وزير الدفاع الوطني رقم 1326 المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1955 يحددان مركز المطعون ضده الأول بعد نجاحه في المسابقة العامة بأنه طالب علم وإن أجرت عليه الدولة بعد ذلك راتباً ومنحته رتبة شبيهة بالرتبة العسكرية إذ أن تعيينه في الجيش مركز شرطي لم يتحقق له بعد، ويتوقف على نجاحه فيما أوفد من أجله ويكون تحديد الرتبة والترفيع أولاً بمثابة بيان لتدرج راتبه في خلال البعثة حتى لا يتساوى الحديث مع القديم وعبارة المادة الثانية من قرار وزير الدفاع آنف الذكر قاطعة في هذا الصدد إذ تقول "يؤخذ الطلاب الناجحون كمتطوعين في الجيش ويعينون بعد تخرجهم ونيلهم شهادات الاختصاص الجامعية العليا برتبة ملازم أول اختصاص في الجيش وتطبق بحقهم الأحكام الواردة في قانون الجيش" ومفاد هذا النص أن التعيين وسريان قانون الجيش يتوقف على المؤهل المطلوب وقبل ذلك لا يعتبر الطالب معيناً وإن كان في مركز قانوني تنظيمي بعض الشيء كفله له المرسوم والقرار آنفا الذكر وعقدا التطوع في الجيش والإيفاد في البعثة.
2 - إن العقدين اللذين أبرما مع المطعون ضدهما الطالب المتطوع في الجيش الموفد في البعثة وكفيله هما عقدان إداريان توافرت فيهما خصائص ومميزات العقود الإدارية لأن القصد منهما تسيير مرفق عام هو مرفق الجيش ولأنهما يتضمنان شروطاً غير معروفة في القانون الخاص، وقد نصت المادة الرابعة من القرار الإداري ذي الرقم 1326 المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1955 على ضرورة توقيع طالب البعثة على عقد التطوع وفقاً لأحكام التطوع في الجيش كما يوقع صك تعهد يتكفل بموجبه القيام بكافة الواجبات المفروضة عليه بموجب أحكام هذا القرار وتعديلاته كما نصت المادة 6 من نفس القرار على أنه في حالة رسوب الطالب سنتين متتاليتين في صف واحد يفسخ العقد ويسرح الطالب بعد أن يقوم بكافة نفقات مدة دراسته؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من وزير الحربية بإلغاء إيفاد المطعون ضده الأول وملاحقته بالتضامن مع المطعون ضده الثاني بجميع النفقات الدراسية وإن كان تصرفاً إدارياً فإن سنده نصوص عقدين إداريين ومرتكز على أحكامهما وليس مستنداً إلى سلطة عامة.
3 - لا اختصاص للمحكمة الإدارية بنظر إلغاء قرار إيفاد الطالب المتطوع في الجيش في البعثة وملاحقته بالنفقات الدراسية بالتضامن مع الكفيل على أساس أن المنازعة تدور حول أحكام عقدين إداريين وعلى أن اختصاص المحاكم الإدارية مبين على سبيل الحصر وليس فيه مثل هذه المنازعة وأن اختصاص محكمة القضاء الإداري بكل ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري أعم وأشمل من اختصاص المحكمة الإدارية؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بعدم الاختصاص قد أصاب وجه الحق في قضائه وكذلك في إحالته الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري المختصة إذ المحكمة الأولى والثانية تنظران المنازعة لأول مرة أي تعتبران في درجة واحدة في هذا الصدد كما أنهما تتبعان جهة قضائية ذات وظيفة واحدة وليس في قانون أصول المحاكمات المدنية ما يمنع منها.


إجراءات الطعن

في 27 من شهر آب (أغسطس سنة 1960 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن عن الحكم الصادر في القضية رقم 57 لسنة 1959 المقامة من: 1 - السيد إدوار بن فهد صباغ، 2 - السيد/ نديم بن فهد صباغ ضد: 1 - السيد وزير الحربية بالإضافة إلى الوظيفة، 2 - السيد وزير الخزانة بالإضافة إلى الوظيفة القاضي بشطب الدعوى من جدول أعمال المحكمة لجهة إلزام المدعى عليها بمبلغ 1400 ليرة سورية فروق رواتبه وبعدم اختصاصها بالنظر بطلب إلغاء الإيفاد وما تفرع عنه وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وترك بحث المصاريف والرسوم إليها، وطلب السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة من هذه المحكمة استناداً إلى الأسباب التي اعتمد عليها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه في شقه الأصلي بإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وبإلزام المدعي بالمصروفات، وفي 6 من شهر أيلول (سبتمبر) سنة 1960 أعلن وكيل المطعون ضدهم وتعين لنظر الطعن أولاً جلسة 21 من شباط (فبراير) سنة 1961 أمام دائرة فحص الطعون وأخطر بها ذوو الشأن وفيها سمعت تلك الدائرة ما عرضه عليها طرفا المنازعة من ملاحظات ثم قررت بإحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره في دور مقبل وتعين له جلسة 8 من آيار (مايو) سنة 1961 وأخطر ذوو الشأن بهذه الجلسة في 18 من إبريل سنة 1961 وفيها أبدوا ما عن لهم من ملاحظات أثبتت في محضر الجلسة ثم أرجأت المحكمة بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - كما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 16 من آب (أغسطس) سنة 1959 أودع المطعون ضدهما عريضة دعوى في قلم كتاب المحكمة الإدارية طلبوا فيها إلغاء القرار الصادر من وزير الحربية برقم 866 المؤرخ 15 من مايو سنة 1958 القاضي بإلغاء إيفاد المطعون ضده الأول وملاحقته بالتضامن مع المطعون ضده الثاني بجميع النفقات الدراسية التي صرفت عليه بما فيها الرواتب والتعويضات مع طلب إلغاء ملحقة كتاب وزارة الحربية رقم 6841/ ت/ 313/ س ومنعها من مطالبتهما بمبلغ 21828 ليرة سورية بمقولة إن هذا المبلغ تعويض عما أصاب المطعون ضده الأول من أضرار بسبب إلغاء الإيفاد مع إلزامها أيضاً بمبلغ 1400 ليرة سورية وهذا المبلغ حق للمطعون ضده الأول كفروق رواتب وتعويضات امتنعت هي عن أدائها له ووقف تنفيذ القرار السابق ذكره ريثما تنتهي الدعوى. وقد جاء في عريضة الدعوى تبياناً لها أن المطعون ضده الأول كان موظفاً متطوعاً في الجيش برتبة "عريف" ثم رفع إلى رتبة رقيب بتاريخ 16 من سبتمبر سنة 1959 وقد أوفدته وزارة الدفاع على نفقتها إلى فرنسا لدراسة هندسة "الميكانيك" بالقرار الوزاري رقم 721/ س المؤرخ 28 من مايو سنة 1955 واعتبرته موفداً من تاريخ أول نوفمبر سنة 1954، بيد أن قرار الإيفاد لم يبلغ إليه إلا في الشهر الثالث من عام 1955 ومع أن المدارس في فرنسا فتحت بتاريخ 23 من سبتمبر سنة 1954 ولم يتمكن من الالتحاق بالمدرسة إلا في 21 من نوفمبر سنة 1954 وفي العام الدراسي 1954 - 1955 سجل في مدرسة "أورليان" في صف الرياضيات الخاصة "الصف" الأعلى واعتبرته الأركان العامة ناجحاً ورفعته من رتبة عريف إلى رتبة رقيب بالأمر الإداري رقم 2810/ 2/ 1 - 3 المؤرخ 16 من سبتمبر سنة 1956 ثم رسب في العام الدراسي 1955 - 1956 في مسابقة الدخول إلى المدارس الكبرى كما أنه رسب في نهاية العام الدراسي 1956 - 1957 في هذه المسابقات أيضاً إلا أنه تلافى رسوبه الأخير بدخوله كلية الهندسة في مرسيليا. وذكر أيضاً أنه حين انتسابه إلى هذه الكلية كانت السفارة السورية مغلقة بسبب العدوان الثلاثي على مصر فلم يستطع أن يبلغها، ولكنه أبلغ الأركان العامة بهذا الإجراء كما أرسل إلى هيئة التدريب كتاباً آخر، بيد أنه في 15 من مايو سنة 1958 صدر القرار 866 بإلغاء إيفاده ولم يبلغ إليه إلا بعد مدة طويلة فتابع تظلمه لوزارة الحربية في 59 من مايو سنة 1959 طالباً إليها الرجوع عنه وإعطاءه حقوقه كاملة فأجابته بالرفض في كتابها المؤرخ 29 من يونيه سنة 1959 رقم 6841/ ت/ 313/ س الذي ضمنه أمراً جديداً فحواه أنه لا علاقة لها بتطورات دراسته بعد انتهاء عام 1956 - 1957 ثم استطردا ذاكرين أن القرار 866 وملحقه كتاب الحربية في 29 من يونيه سنة 1956 يمسان الكفيل "المطعون ضده الثاني" دون وجه حق ومن ثم يطعنان عليهما ويطلبان إلغاءهما مستندين في ذلك على الأسباب الآتية: -
1 - تسببت وزارة الحربية في تأخير التحاقه بالمدارس في العام الأول شهرين.
2 - لم يرسب المطعون ضده الأول سنتين متتاليتين في مرحلة دراسية واحدة حتى تطبق عليه أحكام المادتين 12، 13 من القرار 1326 ذي التاريخ 31/ 10/ 1955 وإنما رسب سنة واحدة هي السنة الدراسية 1955 - 1956، وأما السنة الدراسية 1956 - 1957 فقد تدارك رسوبه بانتسابه في مدرسة مرسيليا انتساباً شرطياً أدى إلى قبوله في كلية الهندسة بصورة رسمية وقد تم هذا قبل صدور قرار الإلغاء.
3 - أن وزارة الحربية سبق أن قبلت من بعض الموفدين ما قام به المطعون ضده الأول ومنهم على سبيل المثال "السيد ميشيل نحاس".
4 - للمطعون ضده الأول الحق في الإفادة من سنة رسوب أخرى على فرض أنه رسب سنتين وذلك إعمالاً للقرار 1326 تاريخ 31 من أكتوبر سنة 1955 (يراجع المادة - 25).
5 - لم ينكل المطعون ضده الأول ولم يخل بالتزاماته حتى تشغل ذمة المطعون ضده الثاني وإنما أخطأت وزارة الحربية في إلغاء إيفاد المطعون ضده الأول وفي مطالبته بالنفقات.
6 - أن للمطعون ضده الأول الحق في فروق مرتبات وتعويضات قيمتها 1400 ليرة سورية بعد ترفيعه من رتبة عريف إلى رقيب ومن ثم يطالب وزارة الحربية بأدائه.
ومن حيث إن الجهة الإدارية ردت على هذه الدعوى بطلب ردها (رفضها) شكلاً وموضوعاً. وفي بيان ذلك قالت إن الدعوى قدمت بعد الميعاد القانوني وأن المطعون ضده رسب ثلاث سنوات ولا عبرة بانتسابه إلى مدرسة مرسيليا بل كان عليه أن يقدم مصدقة رسمية تثبت نجاحه في صف الرياضيات الخاصة كما لا يفيد من حكم المادة - 25 من القرار 1326 المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1955 لأن المقصود منها هم الطلاب الذين استنفدوا فعلاً سنوات الرسوب في تاريخ صدور هذا القرار.
وفي 29 من يونيه سنة 1960 أصدرت تلك المحكمة حكمها:
1 - بشطب طلب المدعي من جدول أعمال المحكمة لجهة إلزام المدعى عليها بمبلغ 1400 ليرة سورية فروق رواتبه.
2 - بعدم اختصاصها بالنظر بطلب إلغاء الإيفاد وما تفرع عنه وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص وترك بحث المصاريف والرسوم إليها، وأقامت هذا القضاء على البحث فيما إذا كانت مختصة بنظر هذه المنازعة أم غير مختصة وانتهت من بحثها إلى القول بعدم اختصاصها بنظرها للأسباب الآتية:
1 - المستفاد من أحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة أن المشرع وزع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية فيما تحدثت عنه البنود - 3، 4، 5 من المادة الثامنة من هذا القانون بحسب أهمية النزاع ودرجة خطورته والمستوى الوظيفي.
2 - إلغاء قرار الإيفاد لم يكن سببه إحدى القواعد المتعلقة بالموظفين العموميين بل كان مرده إلى عقد التطوع وعقد الإيفاد الموقع عليهما من المطعون ضدهما وإخلال الأول بالالتزامات الواردة بهما.
3 - التعهد والإيفاد يعتبران في مثل هذه الحالة من العقود الإدارية وما لها من خصائص مميزة من حيث شروطها والغرض منها وسلطة الجهة الإدارية فيها، وأن ما قامت به وزارة الحربية من إلغاء الإيفاد ومطالبة الكفيل إنما كان استناداً إلى أحكام هذين العقدين الإداريين.
4 - حق البت في المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية من اختصاص محكمة القضاء الإداري طبقاً لنص المادة 10 من القانون السالف الذكر؛ ومن ثم تكون هي غير مختصة بنظر الدعوى موضوعاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو أن المطعون ضدهما أخطئا في إقامة الدعوى ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق في قضائه بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظر النزاع ولكنه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه بإحالة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري لأن الإحالة إنما تكون لوحدة الموضوع أو للارتباط بين دعويين طبقاً للأصول العامة ولا يجوز إلا بين محكمتين من درجة واحدة تابعة لجهة قضائية واحدة.
ومن حيث إن المطعون ضدهما قدما مذكرة بدفاعهما رداً على ما جاء في أسباب الطعن أبديا فيها الملاحظات الآتية على هذه الأسباب:
1 - اعتبر القرار 1326 المطعون ضده الأول موظفاً عاماً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ويكون إلغاء الإيفاد هو في الوقت نفسه تسريح وفصل من الوظيفة العامة.
2 - هناك أنواع ثلاثة للإيفاد:
( أ ) إيفاد طالب عادي لمدة معينة دون أن يكون موظفاً ولا يندرج تبعاً لذلك في سلك الوظيفة.
(ب) إيفاد الموظفين السابقين الذين لا يكتسبون صفتهم الوظيفية من قرار الإيفاد.
(جـ) الإيفاد الذي يعتبر والتوظف شيئاً واحداً ولا يعتبر الشخص موفداً إلا إذا قبل أن يكون موظفاً ولا يصبح موظفاً إذا ألغى الإيفاد والمطعون ضده الأول من النوع الأخير.
3 - طعنهما على قرار الإيفاد وطلب التعويض على إلغاء هذا القرار والمطالبة بالمبالغ المترتبة على الإيفاد يكون من اختصاص المحكمة الإدارية وذلك إعمالاً لنص الفقرة الخامسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة والمادة 13 من هذا القانون.
4 - أطلقت الفقرة السابقة ولم تجعل الاختصاص تابعاً لأسباب الفصل واعتبرت مرجع الطعن في كل فصل عن غير الطريق التأديبي للموظفين دون الحلقة الأولى للمحكمة الإدارية الأمر الذي يجعل سبب الفصل غير ذي أهمية في تحديد الاختصاص ويستوي الأمر فيه أن يكون ناجماً عن عقد إداري أو عن أي سبب آخر كما حددته المادة 13 من القانون آنف الذكر حسب صفة الشخص أولاً ونوعية الطعن ثانياً.
ثم انتهت المذكرة إلى القول بأن المحكمة الإدارية هي المختصة بالدعوى على غير ما ذهب الطعن وإلى طلب اتخاذ قرار باعتبار المحكمة الإدارية صاحبة الاختصاص وإلزام الجهة الإدارية المصروفات والرسوم والأتعاب.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه اقتصر في بحثه على مدى اختصاصه بنظر دعوى المطعون ضدهما وانتهى إلى القول بعدم اختصاص المحكمة الإدارية بنظرها وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري المختصة وأن الطعن انصب فقط على الشطر الأخير من الحكم الخاص بالإحالة مع موافقته على الشطر الأول منه ثم فوض الرأي للمحكمة في الطعن كما هو ثابت في محضر الجلسة.
ومن حيث إنه يتعين على المحكمة البحث في اختصاص المحكمة الإدارية بنظر هذه المنازعة أم لا إذ الإحالة ترتبت على عدم الاختصاص وفيما إذا كانت الإحالة في محلها أم لا.
ومن حيث إن المطعون ضده الأول زعم أنه موظف عام بموجب قراري التطوع والإيفاد وأن إلغاء قرار الإيفاد يعتبر بمثابة فصل له وفي ذلك ما يجعل المحكمة الإدارية مختصة بنظر دعواه طبقاً لنص الفقرة الخامسة من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة.
ومن حيث إن هذا الزعم ليس له ما يؤيده من أساس قانوني أو واقعي؛ إذ أنه أوفد للدراسة بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم 87 ذي التاريخ 13 من سبتمبر سنة 1952 وقرار وزير الدفاع الوطني رقم 1326 المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1955.
ومن حيث إن المادة الثانية من المرسوم والقرار آنفي الذكر يحددان مركز المطعون ضده الأول بعد نجاحه في المسابقة العامة بأنه طالب علم وإن أجرت عليه الدولة بعد ذلك راتباً ومنحته رتبة شبيهة بالرتبة العسكرية إذ أن أمر تعيينه في الجيش مركز شرطي لم يتحقق له بعد ويتوقف على نجاحه فيما أوفد من أجله ويكون تحديد الرتبة والترفيع أولاً بمثابة بيان لتدرج راتبه في خلال البعثة حتى لا يتساوى الحديث مع القديم، وعبارة المادة الثانية من قرار وزير الدفاع آنف الذكر قاطعة في هذا الصدد إذ تقول "يؤخذ الطلاب الناجحون كمتطوعين في الجيش ويعينون بعد تخرجهم ونيلهم شهادات الاختصاص الجامعية العليا برتبة ملازم أول اختصاصي في الجيش وتطبق بحقهم الأحكام الواردة في قانون الجيش" ومفاد هذا النص أن التعيين وسريان قانون الجيش يتوقف على المؤهل المطلوب وقبل ذلك لا يعتبر الطالب معيناً وإن كان في مركز قانوني تنظيمي بعض الشيء كفله له المرسوم والقرار آنفا الذكر وعقدا التطوع في الجيش والإيفاد في البعثة.
ومن حيث إن المادة 13 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة عينت الاختصاص للمحاكم الإدارية في طلب إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة 8 بالنسبة لفئة معينة من الموظفين العامين دون غيرهم من أصحاب المراكز القانونية.
ومن حيث إن الفقرة الخامسة من المادة الثامنة حددت القرارات التي يختص بها القضاء الإداري في شأن الموظفين العموميين على سبيل الحصر وهي الخاصة بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بالتعيين أو الترقية أو إحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي. وفحوى هذه الفقرة أنه لكي ينعقد الاختصاص لمحاكم القضاء الإداري يجب أن يكون القرار صادراً في حق موظف عام وأن يتضمن أمراً من تلك الأمور المذكورة آنفاً على وجه التحديد.
ومن حيث إنه لتبيان اختصاص المحاكم الإدارية نوعياً يتعين الرجوع إلى المادة 13 وقد سبق ذكرها وإلى المادة 14 من نفس القانون، وتنص الأخيرة "تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في كل الطلبات والمنازعات المنصوص عليها في المواد 8، 9، 10، 11 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية". ومعنى هذا النص أن اختصاص المحاكم الإدارية مبين على سبيل الحصر وما خرج عنه يدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري كما أن لهذه المحكمة دون غيرها الفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام والأشغال العامة والتوريد أو بأي عقد إداري آخر وذلك إعمالاً لنص المادة 10 من نفس القانون آنف الذكر.
ومن حيث إن العقدين اللذين أبرما مع المطعون ضدهما هما عقدان إداريان توافرت فيهما خصائص ومميزات العقود الإدارية لأن القصد منهما تسيير مرفق عام هو مرفق الجيش ولأنهما يتضمنان شروطاً غير معروفة في القانون الخاص، وقد نصت المادة الرابعة من القرار الإداري ذي الرقم 1326 المؤرخ 31 من أكتوبر سنة 1955 على ضرورة توقيع طالب البعثة على عقد التطوع وفقاً لأحكام التطوع في الجيش كما يوقع صك تعهد يتكفل بموجبه القيام بكافة الواجبات المفروضة عليه بموجب أحكام هذا القرار وتعديلاته، كما نصت المادة 6 من نفس القرار على أنه في حالة رسوب الطالب سنتين متتاليتين في صف واحد يفسخ العقد ويسرح الطالب بعد أن يقوم بكافة نفقات مدة دراسته، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه الصادر من وزير الحربية بإلغاء إيفاد المطعون ضده الأول وملاحقته بالتضامن مع المطعون ضده الثاني بجميع النفقات الدراسية وإن كان تصرفاً إدارياً فإن سنده نصوص عقدين إداريين ومرتكز على أحكامهما وليس مستنداً إلى سلطة عامة.
ومن حيث إنه لا اختصاص للمحكمة الإدارية بنظر مثل هذه المنازعات كما سلف البيان على أساس أن المنازعة تدور حول أحكام عقدين إداريين وعلى أن اختصاص المحاكم الإدارية مبين على سبيل الحصر وليس فيه مثل هذه المنازعة، وأن اختصاص محكمة القضاء الإداري بكل ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري أعم وأشمل من اختصاص المحكمة الإدارية، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بعدم الاختصاص قد أصاب وجه الحق في قضائه وكذلك في إحالته الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري المختصة إذ المحكمة الأولى والثانية تنظران المنازعة لأول مرة أي تعتبران في درجة واحدة في هذا الصدد كما أنهما تتبعان جهة قضائية ذات وظيفة واحدة وليس في قانون أصول المحاكمات المدنية ما يمنع منها.
ومن حيث إنه يتضح من كل ما تقدم أن الطعن على غير أساس من القانون وبالتالي يكون حرياً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه.