مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1049

(132)
جلسة 13 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفي كامل إسماعيل، حسني جورجي غبريال، محمد عزت عبد المحسن، وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 109 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - صرف من الخدمة - قرار إداري - سببه - كبر السن - لا يجيز صرف الموظف من الخدمة - أساس ذلك.
(ب) موظف - صرف من الخدمة - قرار إداري - سببه - استطالة مدة الخدمة - لا تجيز الصرف من الخدمة - أساس ذلك.
(ج) موظف - صرف من الخدمة - قرار إداري - الباعث على إصداره - صدور قرار بصرف الموظف من الخدمة بعد ملاحقته للتنكيل به - هو قرار مشوب بسوء استعمال السلطة - لا يغير من ذلك أن هذه الملاحظة تمت من جانب وزيرين مختلفين - أساس ذلك.
1 - إن السن الذي يحول بين الموظف والاستمرار في وظيفته هو سن التقاعد المقرر قانوناً أي سن الستين وأن ما دون ذلك لا يمكن أن يقوم سبباً قانونياً للاستغناء عن خدماته وإلا كان ذلك خروجاً على سن التقاعد الذي قرره القانون وتعديلاً لحكم من أحكامه بأداة أدنى من الأداة اللازمة لهذا التعديل والذي لا يجوز إجراؤه إلا بقانون ومن ثم فإذا كان الثابت من اضبارة الطاعن أنه في الثانية والخمسين من عمره فإنه لا يجوز صرفه من الخدمة لكبر سنه.
2 - إن بقاء الموظف في الخدمة مدة طويلة لا يمكن أن يكون بذاته سبباً لصرفه من الخدمة إذ طول مدة خدمة الموظف يكسبه عادة خبرة في عمله تكون سبباً في الإبقاء عليه في الخدمة لا في التخلص منه وصرفه عن وظيفته.
3 - إن ملاحقة الجهة الإدارية للطاعن على أثر اعتراضه هو وبعض زملائه على البلاغين الصادرين في 16، 26 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958 تنفيذاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 104 لسنة 1953 "بتوحيد الدواوين في المحافظات وتركيزها في ديوان واحد وحصر جميع المخابرات في رئيس المصالح الزراعية وديوانه على أن تحفظ تحت إشراف موظف مسئول عن توافر البناء الواحد، وأن يوقع رئيس الشعبة المختص الرسالة قبل توقيع رئيس المصالح الزراعية إياها مع جواز أن يفوض هذا الرئيس رؤساء الشعب في توقيع المعاملات المستعجلة نيابة عنه" بتوقيع ثلاثة جزاءات عليه في أيام متوالية ثم الامتناع عن ترفيعه بالرغم من درج اسمه في كشوف الترفيع ثم نقله إلى وظيفة أدنى من وظيفته الأصلية إلى منطقة أدلب ثم صرفه بعد ذلك من الخدمة بالقرار المطعون وقبل أن يقول القضاء كلمته في الدعاوى التي رفعها عن القرار التأديبي والامتناع عن ترفيعه - كل ذلك يدل على أن هذا القرار إنما صدر للتنكيل بالطاعن لأنه طالب بحقه فأنصفه القضاء - ومن ثم لم يكن الباعث عليه تحقيق مصلحة عامة وبالتالي يكون مشوباً بسوء استعمال السلطة ولا يؤثر في ذلك أن القرارات المذكورة صدرت من وزيرين مختلفين لأن التصرف الإداري ينسب للجهة الإدارية لا إلى شخص الوزير وهي واحدة في الحالتين.


إجراءات الطعن

بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1960 أودع الأستاذ الدكتور البارودي المحامي نيابة عن السيد/ محمد الصوفي سكرتيرية هذه المحكمة تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 7 من يوليه سنة 1960 في القضية رقم 61 لسنة 2 قضائية المقامة من السيد/ محمد الصوفي ضد السيد/ رئيس الجمهورية والسيد وزير الإصلاح الزراعي بصفتهما والقاضي في موضوع الدعوى برفضها وطلب للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه وفي المذكرة المقدمة منه قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 1767 في 30 من سبتمبر سنة 1959 والقاضي بصرف الطاعن من الخدمة وتضمين الجهة المطعون ضدها - المدعى عليها - بجميع الرسوم والمصاريف والأتعاب مع إعادة التأمين إليه. وأبلغ هذا الطعن إلى المطعون ضدهما في 6 من سبتمبر سنة 1960. وفي 23 من يناير سنة 1961 أخطر الطرفان بتاريخ الجلسة المحددة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وهي 23 من فبراير سنة 1961 وفيها سمعت الدائرة أقوال الطرفين ثم قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل فيه وبجلسة 6 من مايو سنة 1961 المحددة لنظر الطعن سمعت المحكمة ملاحظات الطرفين ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة 13 من مايو سنة 1961.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع ملاحظات الطرفين وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن الطاعن - المدعي - أقام دعواه يطلب فيها قبول الدعوى شكلاً وفي موضوعها بإلغاء قرار رئيس الجمهورية الصادر في 30 سبتمبر سنة 1959 برقم 1767 والقاضي بصرفه من الخدمة وتضمين الجهة المدعى عليها المصاريف وأتعاب المحاماة وذكر شرحاً لدعواه أنه وهو رئيس دائرة في مديرية القضايا بالإصلاح الزراعي بالإقليم السوري صدر قرار من السيد رئيس الجمهورية في 30 من سبتمبر سنة 1959 برقم 1767 بصرفه وآخرين من الخدمة استناداً إلى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي رقم 135 المؤرخ 10 من يناير سنة 1945 مع أن الصرف من الخدمة بالاستناد إلى القوانين السارية لا يكون إلا لأمرين أولهما العزل وهو التسريح التأديبي وثانيهما إلغاء الوظيفة وهو التسريح المصلحي وذلك بالتطبيق لأحكام المادتين 27 و83 من قانون الموظفين الأساسي وبما أنه لم يصرف من الخدمة استناداً إلى أي من السببين السابقين لذا يكون صرفه بلا سند من القانون ومشوباً بإساءة استعمال السلطة وخاصة وأن اضبارته تدل على أنه خدم الدولة زهاء ثلاثين عاماً كان خلالها مثالاً للنشاط والتجرد والأمانة، لم توقع عليه أية عقوبة مسلكية وكان حائزاً على تقدير رؤسائه.
دفع الحاضر عن المطعون ضدهما - المدعى عليهما - الدعوى طالباً الحكم أولاً - بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى - استناداً إلى أن صرف الموظف تم بالتطبيق لحكم المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي التي تنص على أن القرار الصادر بالصرف - مرسوم التسريح - غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة وثانياً رفض الدعوى - رد الدعوى موضوعاً - استناداً إلى أن المادة 85 سالفة الذكر لا تشترط تعليل القرار الصادر بالصرف كما أن الطعن على القرار بإساءة استعمال السلطة يتطلب من الطاعن إثبات هذا العيب والمدعي في الدعوى الحالية لم يقدم أي دليل على ذلك.
وقضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات وبمبلغ خمسين ليرة مقابل أتعاب المحاماة وأقامت المحكمة قضاءها على أن القضاء الإداري غير ممنوع من رقابة القرارات الإدارية الصادرة بتسريح الموظفين وأن المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي لا تتطلب تسبيب القرار الصادر بصرف الموظف من الخدمة وأن الإدارة تترخص في تقدير الأسباب الداعية إلى ذلك دون تعقيب عليها ما لم يكن تصرفها منطوياً على إساءة استعمال السلطة الأمر الذي لم يقدم المدعى عليه دليلاً إيجابياً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن إساءة استعمال السلطة واضحة من التصرفات التي اتخذت ضد الطاعن فإنه وهو رئيس إدارة أملاك الدولة بحلب تقدم وزملاء له في المحافظات الأخرى بتقرير إلى وزارة الزراعة مؤرخ 25 من إبريل سنة 1958 يشيرون فيه إلى أن النظام الذي وضعته وزارة الزراعة بعد ضم مديرية أملاك الدولة إليها بأن تكون جميع مخابرات الدائرة الأخيرة عن طريق المصالح الزراعية لا يؤمن المصلحة العامة ولا يوفر الغاية المطلوبة منه ورغم أن الغرض من هذا التقرير كان وضع الأمر موضع المناقشة فإن الوزارة سارعت إلى اتخاذ إجراءات ثلاثة ضده وضد زملائه حيث أصدرت بتاريخ 12 من مايو سنة 1958 قراراً بحسم عشرة في المائة من صافي راتب كل منهم لمدة عام كامل - القرار رقم 317 - كما أنزلت في اليوم التالي وهو 13 من مايو سنة 1958 عقاباً يقضي بتوبيخ كل منهم - الكتاب برقم 4582 - كما أحالتهم في اليوم ذاته إلى مجلس تأديب - القرار رقم 318 - وهي أمور ما كان يجوز أن تحدث عن فعل واحد، هذا وقد أصدر مجلس التأديب قراراً طعن فيه المدعي - الطاعن - أمام محكمة التمييز فلما قبل هذا الطعن جددت الإدارة عرض الأمر على مجلس التأديب وأصدر هذا المجلس قراراً طعن عليه المدعي في الدعوى رقم 1 لسنة 1 قضائية وقضى فيه بجلسة 21 من سبتمبر سنة 1960 بإلغاء القرار المطعون فيه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن وزارة الإصلاح الزراعي التي ضمت إليها دائرة أملاك الدولة بعد أن كانت قد تبعت بوزارة الزراعة لم تعمل على ترفيعه - ترفيع المدعي - إلى المرتبة الثالثة والدرجة الثانية رغم استحقاقه لذلك لوجود اسمه في جدول الترفيع الأمر الذي حدا به إلى رفع الدعوى رقم 133 لسنة 2 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بدمشق حيث صدر الحكم لصالحه بجلسة 23 من يونيه سنة 1960. وأضاف الطاعن أنه قبيل نظر الدعوى الأخيرة وفي انتظار النصفة من الوزير بعد أن تقدم بتظلم إليه عن عدم الترفيع أصدر سيادته قراراً في 9 من أغسطس سنة 1959 برقم 218 بندبه إلى وظيفة بحلب أقل شأناً من الوظيفة التي كان يشغلها هو حينذاك ثم صدر عقب ذلك قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه في 30 سبتمبر سنة 1959. وانتهى الطاعن - المدعي - من ذلك إلى القول بأن هذه الظروف مجتمعة تدل على انحراف الإدارة في قرارها المطعون فيه وبأن هذا القرار مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة وقدم للتدليل على صحة أقواله صورة من القرار الصادر بندبه للعمل بفرع الإصلاح الزراعي بحلب قسم أدلب وصورة من الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق في الدعوى رقم 133 لسنة 2 قضائية.
ومن حيث إن الجهة المطعون عليها عقبت على دفاع الطاعن بأن العقوبات التي أنزلت بالمدعي وزملائه قد صدرت من السيد وزير الزراعة عندما كانت مديرية أملاك الدولة تابعة لوزارة الزراعة، أما عدم ترفيع الطاعن ثم صرفه من الخدمة فقد صدرا من وزارة أخرى ومن وزير آخر، وهما وزارة الإصلاح الزراعي ووزير هذه الوزارة ولا رابطة بين وزارة الزراعة ووزارة الإصلاح الزراعي ولا بين وزير الزراعة ووزير الإصلاح الزراعي وأنه إن دل ذلك على شيء فهو على عدم صلاحية المدعي للبقاء في الخدمة بعد أن ثبتت عدم صلاحيته في الوزارة الأولى بتوقيع العقاب عليه وبإحالته إلى مجلس التأديب وفي الوزارة الثانية بعدم ترفيعه ثم صرفه من الخدمة وانتهت هذه الجهة إلى طلب رفض الطعن موضوعاً وتضمين الطاعن المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الجهة المطعون عليها قدمت أخيراً كتاباً مؤرخاً 7 من مايو سنة 1961 يشير إلى أن تسريح الطاعن وزملائه يرجع إلى أنهم من الموظفين الذين لا يستفاد من كفاءتهم بالمرة وهم في الواقع عالة على الوزارة لكبرهم في السن وللعقوبات المتكررة الموقعة عليهم ولخدماتهم الطويلة التي جاوزت الثلاثين أو خمساً وثلاثين سنة.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على اضبارة الطاعن أنه من مواليد سنة 1908 وأنه عين سنة 1927 في وظيفة كاتب متمرن في مالية اللاذقية ثم تقلب بعد ذلك في عدة وظائف في الدوائر العقارية ودوائر أملاك الدولة ووزارة الزراعة ووزارة الإصلاح الزراعي وقد حصل خلال هذه المدة على عدة ترفيعات كان آخرها عندما وضع في جدول الترفيعات في 15 من يونيه سنة 1958 وأنه صدر قرار بنقله من رئاسة الدائرة في مديرية فرع حلب إلى رئيس دائرة في مديرية القضايا وتحقيق الملكية في ملاك مؤسسة الإصلاح الزراعي في 26 من فبراير سنة 1959. وقد تقدم الطاعن من أجل ذلك بظلامة إلى السيد وزير الإصلاح الزراعي يلتمس فيها النظر في أمر العقوبات التي وقعت عليه من توبيخ وحسم من الراتب وإحالة لمجلس التأديب بسبب تقديمه وزملائه تقريراً عن النظام الذي وضع بشأنهم من ضرورة أن تكون مخابراتهم عن طريق رئيس المصالح الزراعية ويفسر الغرض الذي هدفوا إليه من تقديم هذا التقرير وقد رفعت هذه الظلامة إلى السيد وزير الإصلاح الزراعي برسالة مؤرخة 7 من مارس سنة 1959 صادرة من مدير الإصلاح الزراعي بحلب جاء فيه "ارفع طياً تقرير السيد (محمد الصوفي) رئيس أملاك الدولة السابق بخصوص ظلامته وزملائه من العقوبة التي سبق لسيادة وزير الزراعة وفرضها عليهم - ولما كانت المصلحة تقضي بالعفو عنهم تشجيعاً لهم ورفعاً لظلامتهم بعد أن تبين أنهم نفذوا ما طلب منهم في حينه، ونظراً لما قاموا به من أعمال في خدمة المؤسسة أثناء تنفيذ برنامج التوزيع الأول، وبمناسبة أعياد الوحدة ونظراً لأن سيادة وزير الزراعة صرح برغبته في العفو عنهم" وفي 9 من أغسطس سنة 1959 صدر قرار بندب الطاعن للعمل بفرع الإصلاح الزراعي بحلب قسم أدلب ثم صدر في 6 من أكتوبر سنة 1959 قرار من السيد رئيس الجمهورية بصرف المدعي من الخدمة مع تصفية حقوقه التقاعدية، ولم يرد به ذكر لأسباب هذا الصرف.
ومن حيث إن الطاعن يطعن على القرار الجمهوري الصادر بصرفه من الخدمة بعيب إساءة استعمال السلطة مدللاً على ذلك بالظروف التي أحاطت به من تقديمه وزملائه التقرير المرفوع منهم في 25 من إبريل سنة 1958 في شأن نظام المراسلات في دوائرهم وضرورة أن تكون عن طريق رئيس المصالح الزراعية حيث وقع عليه عقوبتا التوبيخ والحسم من الراتب في يومين متتاليين وأحيل في الوقت ذاته ولنفس السبب إلى مجلس التأديب ثم أبت عليه الوزارة الترفيع رغم استحقاقه له وأنها نقلته إلى فرع الإصلاح الزراعي بأدلب في وظيفة يقول إنها أدنى من درجته التي كان يشغلها.
ومن حيث إن الطاعن وإن كان قد صرف من الخدمة بالاستناد إلى المادة 85 من قانون الموظفين الأساسي والتي تنص على أن القرار الصادر بالصرف بالتطبيق لها غير قابل لأي طريق من طرق المراجعة إلا أن قضاء هذه المحكمة أطرد على أن هذا القرار يخضع لرقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه وإن كان من المسلم به أن اضبارة الموظف ليست الوعاء الوحيد الذي تستمد منه الجهات الإدارية عناصر التقدير التي تؤسس عليها قراراتها في شأن الموظفين وأن هذه الجهات ليست ملزمة بإبداء أسباب هذه القرارات في غير الأحوال التي يلزمها القانون بتسبيب قراراتها إلا أنها متى أفصحت عن هذه الأسباب فإنها تخضع لرقابة هذه المحكمة للتحقق من أنها قائمة على وقائع صحيحة ثابتة في الأوراق تؤدي قانوناً إلى القرار الذي أصدرته.
ومن حيث إن الأسباب التي استندت إليها الإدارة في صرف الطاعن من الخدمة تتلخص في أمور ثلاثة وهي (1) كبر السن (2) استطالة مدة الخدمة (3) العقوبات المتكررة الموقعة عليه. وذكرت أن هذه الأسباب الثلاثة جعلت منه موظفاً معدوم الكفاية لا ينتفع منه وعالة على الوزارة.
ومن حيث إن السن الذي يحول بين الموظف والاستمرار في وظيفته هو سن التقاعد المقرر قانوناً أي سن الستين وأن ما دون ذلك لا يمكن أن يقوم سبباً قانونياً للاستغناء عن خدماته وإلا كان ذلك خروجاً على سن التقاعد الذي قرره القانون وتعديلاً لحكم من أحكامه بأداة أدنى من الأداة اللازمة لهذا التعديل والذي لا يجوز إجراؤه إلا بقانون. ومن ثم فإذا كان الثابت من أضبارة الطاعن أنه في الثانية والخمسين من عمره فإنه لا يجوز صرفه من الخدمة لهذا السبب.
ومن حيث إن بقاء الموظف في الخدمة مدة طويلة لا يمكن أن يكون بذاته سبباً لصرفه من الخدمة إذ طول مدة خدمة الموظف يكسبه عادة خبرة في عمله تكون سبباً في الإبقاء عليه في الخدمة لا في التخلص منه وصرفه عن وظيفته.
من حيث إنه بالنسبة للأمر الثالث وهو الجزاءات المتكررة التي وقعت على الطاعن فإنه يبين من اضبارته أن وزارة الزراعة أوقعت عليه عقوبة الحسم من الراتب (حسم 10% من راتبه لمدة سنة) في 12 من آيار سنة 1958 لمخالفته واعتراضه على البلاغين الصادر أولهما في 16 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958 برقم 280 والثاني في 26 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958 رقم 541 تنفيذاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 104 لسنة 1953 "بتوحيد الدواوين في المحافظات وتركيزها في ديوان واحد وحصر جميع المخابرات في رئيس المصالح الزراعية وديوانه على أن تحفظ تحت إشراف موظف مسئول عند توافر البناء الواحد وأن يوقع رئيس الشعبة المختص الرسالة قبل توقيع رئيس المصالح الزراعية إياها مع جواز أن يفوض هذا الرئيس رؤساء الشعب في توقيع المعاملات المستعجلة نيابة عنه" - ثم أوقعت عليه في اليوم التالي أي في 13 منه عقوبة التوبيخ ثم أحالته في اليوم ذاته مع آخرين إلى مجلس التأديب وعزت إليهم عدم إطاعتهم الأوامر والتمرد على القوانين فصدر قرار مجلس التأديب في 2 من آب (أغسطس) سنة 1958 بتنزيله درجة من مرتبته فطعن فيه أمام محكمة التمييز فقضت بنقض القرار لنقص في التحقيق وأعيدت محاكمته أمام مجلس التأديب الذي أصدر قراره في 30 من نيسان (إبريل) سنة 1959 بتنزيله درجة واحدة من مرتبته الحالية فطعن في هذا القرار أمام هذه المحكمة فقضت في 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 بإلغاء هذا القرار بانية حكمها على أن هذه العقوبات الثلاثة قد وقعت على الطاعن من أجل فعل واحد ولا يجوز تكرار العقوبة عن الذنب الواحد ومن ذلك يبين أنه ليست ثمة ذنوب متعددة وقعت من الطاعن وعوقب عنها بجزاءات متكررة وأن الأمر لا يعدو ذنباً واحداً وقع على الطاعن من أجله ثلاثة جزاءات في أيام متتالية وألغي الأخير منها؛ ومن ثم لا يصح اتخاذ هذه الجزاءات سبباً لصرف الطاعن من الخدمة وبخاصة وأنه لم ينسب إليه أي ذنب آخر بعد ذلك يفضي لتدخل الجهة الإدارية.
ومن حيث إنه لا مقنع فيما ذهبت إليه الجهة الإدارية من اتخاذها هذه الأسباب الثلاث دليلاً على عدم كفاية الطاعن - لأنه كما سبق القول إن كبر السن وطول مدة الخدمة لا يدلان على عدم الكفاية بل إنها على العكس يدلان عادة على توافر الخبرة والكفاية لدى الموظف - أما الجزاءات فإنها لا تدل على ذلك في جميع الأحوال وخصوصاً إذا كانت من أجل ذنب مسلكي لا يتعلق بكفاية الموظف في عمله كما هو الحال في خصوصية الدعوى - ولما كان الثابت أيضاً من اضبارة الطاعن - أنه يتضمن ما يدل عن كفاية ودليل ذلك درج اسمه في كشف الترفيع في 15 من كانون الثاني سنة 1958 إذ من المقرر قانوناً أنه لا يوضع الموظف في هذا الكشف طبقاً للمادة 18 من قانون الموظفين الأساسي إلا بعد ثبوت مقدرته بشهادة رؤسائه ويضاف إلى ذلك أن القضاء الإداري أنصفه عندما رفع دعواه المسجلة برقم 123 يوم 20 من أغسطس سنة 1959 على أثر امتناع الجهة الإدارية عن ترفيعه بعد نشر اسمه في جدول الترفيع طالباً إلغاء القرار الصادر من وزير الإصلاح الزراعي برفض ترفيعه فحكم لصالحه في 22 من يونيه سنة 1960 بأحقيته في الترفيع اعتباراً من أول إبريل سنة 1959 - كما أن اضبارته تضمنت خطاباً مؤرخاً 7 من مايو سنة 1959 من رئيس المصالح الزراعية بحلب ينوه فيه بخدمات الطاعن أثناء قيامه بالعمل في وزارة الإصلاح الزراعي. وبتاريخ 25 من يونيه سنة 1959 كتب المدير المختص للقضايا عنه شرحاً على تظلم الطاعن من عدم ترفيعه بأن قدمه ونشاطه يؤهلانه للترفيع خاصة وأنه موظف كفء (مستند رقم 31 من الاضبارة).
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن الأسباب التي قام عليها القرار المطعون فيه هي أسباب غير صحيحة ولا يمكن أن تؤدي إليه؛ ومن ثم ينعدم أساسه وبالتالي يكون مخالفاً للقانون - هذا بالإضافة إلى أن ملاحقة الجهة الإدارية للطاعن على أثر اعتراضه هو وبعض زملائه على البلاغين المشار إليهما قبلاً بتوقيع ثلاثة جزاءات عليه في أيام متوالية ثم الامتناع عن ترفيعه بالرغم من درج اسمه في كشوف الترفيع ثم نقله إلى وظيفة أدنى من وظيفته الأصلية إلى منطقة أدلب ثم صرفه بعد ذلك من الخدمة بالقرار المطعون وقبل أن يقول القضاء كلمته في الدعاوى التي رفعها عن القرار التأديبي والامتناع عن ترفيعه - كل ذلك يدل على أن هذا القرار إنما صدر للتنكيل بالطاعن لأنه طالب بحقه فأنصفه القضاء - ومن ثم لم يكن الباعث عليه تحقيق مصلحة عامة وبالتالي يكون مشوباً بسوء استعمال السلطة ولا يؤثر في ذلك أن القرارات المذكورة صدرت من وزيرين مختلفين لأن التصرف الإداري ينسب للجهة الإدارية لا إلى شخص الوزير وهي واحدة في الحالتين.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون القرار الجمهوري المطعون فيه واجباً إلغاؤه وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب واجب الإلغاء أيضاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار الجمهوري رقم 1767 المؤرخ 30 أيلول (سبتمبر) سنة 1959 بصرف المدعي من الخدمة وما ترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات.