مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1057

(133)
جلسة 13 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل، حسن السيد أيوب، حسني جورجي غبريال، محمد عزت عبد المحسن المستشارين.

القضية رقم 120 لسنة 2 القضائية

ترخيص - تعديله أو إلغاؤه - المرسوم التشريعي رقم 47 الصادر في 7/ 8/ 1952 بتنظيم الصناعات السورية - الترخيص بمطحنة متنقلة من جهة مختصة - صحيح لا يجوز المساس به إلا في الحالتين المنصوص عليهما في المادة 6 من المرسوم التشريعي المشار إليه - التحدي بأن للغير مصالح تشكل لهم مراكز قانونية تماثل مركز المرخص له تجيز للإدارة المساس بالرخصة - غير صحيح - أساس ذلك.
إن القرار رقم 89 المؤرخ 2 من ديسمبر سنة 1958 الصادر أصلاً من الجهة الإدارية بالترخيص للطالب بمطحنة متنقلة قد صدر منها بناء على سلطتها التقديرية المخولة لها في المرسوم التشريعي رقم 47 الصادر في 7 من أغسطس سنة 1952 بتنظيم الصناعات السورية وعلى أساس المباحث المستفيضة التي قامت بها الإدارة والواردة في ملف الموضوع والمشار إليها في ديباجة القرار رقم 54 الصادر من رئيس بلدية قطنا بالموافقة على الترخيص للطاعن بمطحنة متنقلة، ومن ثم يكون القرار المذكور قد صدر صحيحاً من سلطة مختصة في حدود اختصاصها ويصبح حقاً مكتسباً لصاحبه لا يجوز المساس به إلا في إحدى الحالتين المنصوص عليهما في المادة 6 من المرسوم التشريعي رقم 47 سالف الذكر، أما في غير هاتين الحالتين فإن المساس به يعتبر اعتداء غير مشروع على حق مكتسب.
وتنص المادة المذكورة على أن "تعتبر الإجازة المعطاة ملغاة ويتوجب الحصول على إجازة جديدة ضمن الشروط الواردة في هذا المرسوم التشريعي في الحالتين الآتيتين:
أ - إذا لم يبدأ حامل الإجازة باستثمار مؤسسته الصناعية خلال ستة أشهر من التاريخ الذي يحدده قرار الإجازة للمباشرة في العمل إلا إذا كانت هناك أسباب قاهرة أو أسباب مبررة نقبلها وزارة الاقتصاد الوطني.
ب - إذا توقف صاحب المؤسسة الصناعية عن الاستثمار مدة تزيد على السنة بدون مسوغ مشروع وأراد استئنافه - أما إذا توقف صاحب المؤسسة الصناعية عن الاستثمار مدة تزيد عن السنة والنصف بدون عذر تقبله الوزارة يحق لوزير الاقتصاد الوطني أن يطلب تصفيتها بمعرفة المحكمة البدائية المدنية للمنطقة الموجودة فيها المؤسسة وفقاً للأحكام المنصوص عليها في القوانين المرعية".
ولما كان الثابت من الأوراق أن أياً من الحالتين الواردتين في المادة المتقدمة على سبيل الحصر لم تتوفر في حالة الطاعن وما دامت الرخصة قد صدرت صحيحة كما سلف القول بعد استيفاء الشرائط القانونية وإعمال الإدارة سلطتها التقديرية فيكون تغييرها أو سحبها نهائياً بالاستناد إلى المرسوم التشريعي رقم 47 سالف الذكر وفي نطاق إعمال أحكامه قد صدر مخالفاً للقانون مما يتعين معه إلغاء القرارين رقم 69 ورقم 212 الصادر أولهما بتعديل القرار رقم 89 والثاني بإلغائه.
أما ما ورد في الحكم المطعون فيه من أن الإدارة بعد إصدار القرار رقم 89 قد صادفتها عقبات هي مصالح الآخرين الحالية والمرتقبة وأن هذه المصالح تشكل لهم مراكز قانونية تماثل مركز المدعي مما يدعو جهاز الحكومة إلى فرض الناظم بين المواطنين، هذا القول مردود بأن الرخصة التي تمنح لشخص بمزاولة نشاط صناعي معين لا يترتب عليها إلا تخويله حق ممارستها ولكن لا يترتب عليها حرمان الإدارة من الترخيص للغير بممارسة هذه الصناعة أو الحرفة، ومن ثم فليس هناك مركز قانوني للمرخص له بممارسة صناعة معينة بألا يمارسها أحد غيره؛ لأن القول بذلك ينافي مبدأ حرية العمل المنصوص عليها في الدستور ويؤدي إلى احتكار يتعارض مع هذا المبدأ - ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب وقرر بأن لأصحاب المطاحن الأخرى مراكز قانونية بألا ينافسهم أحد في صناعة طحن الحبوب واعتبار ذلك منافسة غير مشروعة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين الحكم بإلغائه.


إجراءات الطعن

في 12 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 أودع السيد/ ديب شاهين حداد سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيدت بجدولها تحت رقم 120 لسنة 2 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 14 من يوليه سنة 1960 في الدعوى رقم 83 لسنة 1 القضائية المقامة من الطاعن ضد السيدين وزيري الصناعة والخزانة والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات وبمائة ليرة أتعاب محاماة" وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالطلبات الواردة في الدعوى الأصلية وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضدهما في 14 من أيلول سنة 1960 وعرض على دائرة فحص الطعون المنعقدة بمدينة دمشق في 21 من شباط سنة 1961 فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وقد عين لنظره أمام هذه المحكمة جلسة 6 من آيار سنة 1961 وفيها سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات وملاحظات ثم أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع ملاحظات الطرفين والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن (المدعي) أقام الدعوى رقم 83 لسنة 1 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد المطعون ضدهما وهما السيدان وزير الصناعة ووزير الخزانة طلب فيها الحكم بإلغاء القرار رقم 212 الصادر من وزير الصناعة في 17 من مايو سنة 1959 فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 89 الصادر في 2 من ديسمبر سنة 1958 وإبقاء هذا القرار مع إلزام الوزارتين المدعى عليهما بالتعويض الذي تقدره المحكمة عن الضرر الذي لحق المدعي نتيجة للقرار المطعون فيه. وقال شرحاً لدعواه إنه تقدم بطلب للترخيص له بإنشاء مطحنة ثابتة لطحن الحبوب وجرش البرغل تعمل في منطقة قضاء وادي العجم فرخص له بما طلب وصدر بذلك القرار رقم 295 المؤرخ 3 من مايو سنة 1958 ولكن صدر بعد ذلك بناء على طلبه القرار رقم 89 في 2 من ديسمبر سنة 1958 بتعديل المادة الأولى من القرار السابق رقم 295 وذلك بجعل المطحنة المرخص بها متنقلة بدلاً من كونها ثابتة مع بقاء منطقة عملها كما هي أي منطقة وادي العجم كلها، ثم قال المدعي إنه فوجئ بعد ذلك بصدور القرار رقم 69 بتاريخ 9 من فبراير سنة 1959 بتعديل القرار رقم 89 وذلك باستثناء بلدة قطنا وقرى مبيا وكفر قوق وجديدة عرطوز من المنطقة المرخص له بالعمل فيها فبادر إلى رفع دعوى طالباً إلغاء هذا القرار الأخير وقيدت تحت رقم 62 بتاريخ 15 من مارس سنة 1959 وقبل أن يفصل فيها عمدت وزارة الصناعة إلى إصدار القرار رقم 212 بتاريخ 17 من مايو سنة 1959 الذي نص في المادة الأولى منه على إلغاء القرارين رقم 89 ورقم 69 ونص في المادة الثانية على بقاء القرار رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 والمرخص بمقتضاه له في إقامة مؤسسة ثابتة لطحن الحبوب وجرش البرغل في منطقة قطنا التابعة لمحافظة دمشق سارياً دون أي تعديل، وقال المدعي إن هذا القرار الأخير ألحق به ضرراً بالغاً وطلب الحكم بوقف تنفيذه فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 89 ثم الحكم بإلغائه وبقاء القرار رقم 89.
وقد ردت جهة الإدارة على الدعوى فقالت إنه بمقتضى القرار رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 رخص للمدعي في إقامة مؤسسة (ماكينة ثابتة) لطحن الحبوب وجرش البرغل في منطقة قطنا وذلك لحاجة المنطقة إلى هذه المؤسسة فلم يقم المدعي بإنشاء المؤسسة (الماكينة) ثابتة طبقاً للقرار وإنما أقامها متنقلة على سيارة بعد موافقة الإدارة على ذلك بالقرار رقم 89 في 2 من ديسمبر سنة 1958 الذي رخص له بجعل المؤسسة متنقلة بدلاً من كونها ثابتة، وبناء على شكوى أصحاب المطاحن أصدرت الوزارة القرار رقم 69 في 9 من فبراير سنة 1959 بمنع مطحنة المدعي المتنقلة من العمل في مركز بلدة قطنا وقرى مبيا وكفر قوق وجديدة عرطوز لوجود مطاحن قائمة فيها ولما أن تعددت الشكاوى من جانب المدعي من جهة ومن جانب أصحاب المطاحن الأخرى من جهة أخرى أصدرت الوزارة القرار رقم 212 في 17 من مايو سنة 1959 بإلغاء القرارين رقم 89 ورقم 69 وإعادة العمل بالقرار رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 وهو الذي كان قد رخص بمقتضاه للمدعي في إقامة مطحنة ثابتة ببلدة قطنا، ومضت جهة الإدارة تقول إن صدور هذا القرار الأخير كان بناء على الشكاوى المقدمة إليها من السماح للمدعي بالمطحنة المتنقلة وبناء على تقارير السلطات الإدارية المختصة التي أفادت بضرورة تحديد قرى معينة لتجول المطحنة المتنقلة فيها حتى لا يؤدي تجولها المطلق إلى مزاحمة غير مشروعة لغيرها من المطاحن الثابتة في المنطقة، وأن قرار الترخيص وتعديله بإقامة مطاحن حبوب في القرى يصدر بالاستناد لأحكام المرسوم رقم 47 الصادر في أول أغسطس سنة 1952 المتعلق بتنظيم الصناعات السورية وذلك بعد الاستئناس بتحقيقات السلطات الإدارية، وأنه بعد صدور القرار رقم 89 الذي رخص للمدعي في إقامة مؤسسة متنقلة - بعد أن كانت بمقتضى القرار رقم 295 ثابتة - ثبت للإدارة أن التحقيقات التي سبقت القرار رقم 89 كانت ناقصة وأن هذا القرار أضر مؤسسات ثابتة إذ أخذ المدعي يزاحم تلك المؤسسات ويعمل على مقربة منها مما يخالف أصول تنظيم الصناعات السورية ولذلك عمدت الإدارة إلى تحديد مناطق العمل لمطحنة المدعي المتنقلة فلما تظلم المدعي من هذا التحديد رئي العودة إلى القرار الأول رقم 295 الصادر بالترخيص للمدعي في إقامة مطحنة ثابتة وانتهت الإدارة إلى طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 22 من تموز سنة 1959 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه في كل ما يمس القرار رقم 89 وذلك إلى أن يبت في أصل النزاع، وبجلسة 14 من يوليه سنة 1960 قضت المحكمة برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها على أن الحكومة لم تخرج حين أصدرت القرار رقم 212 المطعون فيه عن السلطات التي منحها إياها المشرع في المرسوم رقم 47 الصادر في أول أغسطس سنة 1952 في حق التقدير وإيجاد الناظم في توجيه النشاط الاقتصادي وأن الأصل في الترخيص للمدعي هو القرار رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 وأن التعديلات التي أدخلت عليه بطلب من المدعي قد صادفتها عقبات هي مصالح الآخرين الحالية والمرتقبة في حسن سير هذا النشاط، ولأن مصالح الآخرين هي أيضاً تشكل لهم مراكز قانونية تماثل مركز المدعي مما يدعو جهاز الحكومة إلى فرض الناظم بين المواطنين دفعاً لتهيئة الفرص لواحد دون الآخرين وتمشياً مع مبدأ تكافؤ الفرص وأن الحكومة لم تخرج في قرارها المطعون فيه عن التمشي مع مفهوم المرسوم رقم 47 سالف الذكر واستعمال سلطاتها فيه متوخية ألا يؤدي ذلك إلى مزاحمة غير مشروعة يعود تقديرها إليها.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم واستند في طعنه إلى ذات الأسباب التي أبداها أمام محكمة القضاء الإداري، وردت الحكومة على الطعن بما لا يخرج عما سبق أن ردت به على الدعوى أمام تلك المحكمة وقدمت هيئة المفوضين مذكرة بالرأي القانوني في هذا الطعن أبدت فيها أن سحب القرار رقم 89 جرى بعد انتهاء مدة الطعن فيه - الأمر الذي يبدو مخالفاً للمبادئ التي أقرها القضاء الإداري لجواز سحب القرارات الإدارية وأن المدعي قصر طلبه على إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 89 سالف الذكر الذي سمح له بالتجول في منطقة قطنا كلها بما فيها بلدة قطنا وأن هذا الطلب مقبول بالنسبة لمنطقة قطنا دون بلدة قطنا ذاتها ذلك لأن القرار المطعون فيه بني على سبب صحيح بالنسبة لمنع المدعي من التجول في بلدة قطنا نفسها وهذا السبب هو تقديم شكوى من أحد أصحاب المطاحن بالبلدة المذكورة وأن هذه الشكوى مؤيدة بتقرير من محافظة دمشق ارتأت فيه أن هناك أضراراً تعود على أصحاب المطاحن من السماح للمدعي بالتجول في البلدة، وانتهت هيئة المفوضين في مذكرتها بأن ارتأت "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض دعوى المدعي بجملتها وإبطال القرار الإداري المطعون فيه فيما تضمنه من عدم السماح للمدعي بالتجول بمطحنته في منطقة قطنا دون بلدتها ورفض الطعن موضوعاً فيما تضمنه من طلب إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم السماح للمدعي بالتجول ومطحنته ببلدة قطنا وفيما تضمنه من طلب التعويض".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي تقدم بطلب الترخيص له بإنشاء مطحنة في بلدة قطنا، وقد عارضت السلطات الإدارية في بادئ الأمر في إجابة هذا الطلب ثم بعد إعادة بحث الموضوع رأت الموافقة عليه فأصدر وزير الاقتصاد والتجارة في 3 من مايو سنة 1958 قراراً رقم 295 بالترخيص في إقامة مؤسسة لطحن الحبوب وجرش البرغل في منطقة قطنا التابعة لمحافظة دمشق قوامها حجران مع متمماتهما، وكان صدور هذا القرار بعد موافقة مدير الصناعة بكتابه رقم 197/ ص المؤرخ 29 من إبريل سنة 1958 إلى وزارة الاقتصاد والتجارة، وقد جاء به أن السلطات الإدارية في منطقة قطنا بعد إجراء تحقيق في الموضوع قد تبين لها أن عدد المطاحن الموجودة في منطقة قطنا ثلاث الأولى آلية والاثنتان الأخريان مائيتان إحداهما متوقفة عن العمل وأن الطاقة الإنتاجية للمؤسسة المطلوب الترخيص بها لن تؤثر على وضع المطاحن القائمة في المنطقة إذ أن طاقتهما الإنتاجية لا تكفي لسد حاجة المنطقة.
ومن حيث إن المدعي لم يقم بإنشاء المطحنة التي رخص له بها، وبناء على طلبه أصدر وزير الصناعة في 2 من ديسمبر سنة 1958 قراراً رقم 89 نص في البند الأول منه على أن تعدل المادة الأولى من قرار وزير الاقتصاد رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 كما يلي "يرخص للسيد/ ديب شاهين حداد (المدعي) بإقامة مؤسسة متنقلة لطحن الحبوب وجرش البرغل في منطقة قطنا التابعة لمحافظة دمشق قوامها حجران مع متمماتهما" وبناء على هذا القرار بدأ المدعي في استعمال مطحنة متنقلة في جميع أنحاء منطقة قطنا.
ومن حيث إنه في 8 من فبراير سنة 1959 أصدر رئيس بلدية قطنا قراراً رقم 54 بالموافقة على طلب المدعي باستعمال مطحنة متنقلة في بلدة قطنا وأن يستعمل تلك المطحنة في الأماكن التي تحددها رئاسة البلدية بالاتفاق مع الشرطة وأنه إذا خالف صاحب المطحنة وقام بطحن الحبوب وجرش البرغل في غير الأماكن التي تحدد له وأقلق راحة الأهلين فإن هذا القرار يعتبر لاغياً، ومما جاء في ديباجة هذا القرار ما يلي "بناء على قرار وزارة الصناعة رقم 89 بتاريخ 2 من ديسمبر سنة 1958 وبناء على العرائض ورأى مخاتير البلدة بأن البلدة بحاجة لمطحنة إضافية للمطاحن الموجودة وبناء على موافقة المجلس البلدي في الجلسة المنعقدة يوم الأحد الموافق 7 من ديسمبر سنة 1958 على الطلب المقدم من السيد/ ديب شاهين حداد".
ومن حيث إنه في اليوم التالي وهو 9 من فبراير سنة 1959 أي بعد انقضاء سبعين يوماً من صدور القرار رقم 89 المشار إليه آنفاً أصدر وزير الصناعة قراراً جديداً رقم 69 نص فيه على أن تعدل المادة الأولى من القرار رقم 89 الصادر في 2 من ديسمبر سنة 1958 على الوجه الآتي "يرخص للسيد/ ديب شاهين حداد في إقامة مطحنة حبوب متنقلة في منطقة قطنا باستثناء بلدة قطنا وقرى شيعا وكفر قوق وجديدة عرطوز" وإذ كان هذا القرار الجديد رقم 69 قد حذف من منطقة عمل المدعي الجهات المذكورة فيه؛ لذلك أقام المدعي في 15 من آذار سنة 1959 دعوى أمام محكمة القضاء الإداري قيدت بها تحت رقم 62 لسنة 1959 طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 69 سالف الذكر ثم الحكم بإلغائه، وقبل أن تنظر المحكمة في هذا الطلب بادر وزير الصناعة إلى إصدار القرار رقم 212 في 17 من مايو سنة 1959 نص فيه على إلغاء القرارين رقم 89 ورقم 69 وأن تبقى المادة الأولى من القرار رقم 295 الصادر في 3 من مايو سنة 1958 المرخص للمدعي بمقتضاها بإقامة مؤسسة لطحن الحبوب وجرش البرغل في منطقة قطنا سارية دون تعديل ولذلك فإن محكمة القضاء الإداري قضت في 8 من حزيران سنة 1959 "بعدم البحث في وقف التنفيذ (أي وقف تنفيذ القرار رقم 69) الذي أصبح غير ذي موضوع وبإعادة الرسم إلى مسلفه".
ومن حيث إن المدعي عاد فأقام دعوى جديدة طلب فيها الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 212 فيما تضمنه من إلغاء القرار رقم 89 وكل ما يتفرع عن هذا الطلب أو يتعلق به، وأضاف المدعي في عريضة دعواه العبارة الآتية "أي أننا نطلب إبقاء القرار رقم 89" والحكم بالتعويض الذي تقدره المحكمة - وقد قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار رقم 212 ثم عند نظر الموضوع قضت بإلغاء الدعوى على ما سلف القول.
ومن حيث إن القرار رقم 89 الصادر أصلاً من الجهة الإدارية بالترخيص للطالب بمطحنة متنقلة قد صدر منها بناء على سلطتها التقديرية المخولة لها في المرسوم التشريعي رقم 47 الصادر في 7 من أغسطس سنة 1952 بتنظيم الصناعات السورية وعلى أساس المباحث المستفيضة التي قامت بها الإدارة والواردة في ملف الموضوع والمشار إليها في ديباجة القرار رقم 54 الصادر من رئيس بلدية قطنا بالموافقة على الترخيص للطاعن بمطحنة متنقلة، ومن ثم يكون القرار المذكور قد صدر صحيحاً من سلطة مختصة في حدود اختصاصها ويصبح حقاً مكتسباً لصاحبه لا يجوز المساس به إلا في إحدى الحالتين المنصوص عليهما في المادة 6 من المرسوم التشريعي رقم 47 سالف الذكر - أما في غير هاتين الحالتين فإن المساس به يعتبر اعتداء غير مشروع على حق مكتسب.
ومن حيث إن المادة المذكورة تنص على أن "تعتبر الإجازة المعطاة ملغاة ويتوجب الحصول على إجازة جديدة ضمن الشروط الواردة في هذا المرسوم التشريعي في الحالتين الآتيتين: ( أ ) إذا لم يبدأ حامل الإجازة باستثمار مؤسسته الصناعية خلال ستة أشهر من التاريخ الذي يحدده قرار الإجازة للمباشرة في العمل إلا إذا كانت هناك أسباب قاهرة أو أسباب مبررة تقبلها وزارة الاقتصاد الوطني. (ب) إذا توقف صاحب المؤسسة الصناعية عن الاستثمار مدة تزيد عن السنة بدون مسوغ مشروع وأراد استئنافه، أما إذا توقف صاحب المؤسسة الصناعية عن الاستثمار مدة تزيد على السنة والنصف بدون عذر تقبله الوزارة يحق لوزير الاقتصاد الوطني أن يطلب تصفيتها بمعرفة المحكمة البدائية المدنية للمنطقة الموجودة فيها المؤسسة وفقاً للأحكام المنصوص عليها في القوانين المرعية".
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن أياً من الحالتين الواردتين في المادة المتقدمة على سبيل الحصر لم تتوافر في حالة الطاعن وما دامت الرخصة قد صدرت كما سلف القول بعد استيفاء الشرائط القانونية وإعمال الإدارة سلطتها التقديرية؛ فيكون تغييرها أو سحبها نهائياً بالاستناد إلى المرسوم التشريعي رقم 47 سالف الذكر وفي نطاق إعمال أحكامه قد صدر مخالفاً للقانون مما يتعين معه إلغاء القرارين رقم 69 ورقم 212 الصادر أولهما بتعديل القرار رقم 89 والثاني بإلغائه.
ومن حيث إن ما ورد في الحكم المطعون فيه من أن الإدارة بعد إصدار القرار رقم 89 قد صادفتها عقبات هي مصالح الآخرين الحالية والمرتقبة وأن هذه المصالح تشكل لهم مراكز قانونية تماثل مركز المدعي مما يدعو جهاز الحكومة إلى فرض الناظم بين المواطنين، هذا القول مردود بأن الرخصة التي تمنح لشخص بمزاولة نشاط صناعي معين لا يترتب عليها إلا تخويله حق ممارستها ولكن لا يترتب عليها حرمان الإدارة من الترخيص للغير بممارسة هذه الصناعة أو الحرفة، ومن ثم فليس هناك مركز قانوني للمرخص له بممارسة صناعة معينة بألا يمارسها أحد غيره، لأن القول بذلك ينافي مبدأ حرية العمل المنصوص عليها في الدستور ويؤدي إلى احتكار يتعارض مع هذا المبدأ؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب وقرر بأن لأصحاب المطاحن الأخرى مراكز قانونية بألا ينافسهم أحد في صناعة طحن الحبوب واعتبار ذلك منافسة غير مشروعة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه عن طلب التعويض فإن المدعي لم يدفع الرسم المقرر عنه فيتعين استبعاد طلبه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرارين الصادرين من وزير الصناعة أولهما في 9 شباط (فبراير) سنة 1959 برقم 69 والثاني في 17 آيار (مايو) سنة 1959 برقم 212 وألزمت الحكومة بالمصروفات.