مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1065

(134)
جلسة 15 من آيار (مايو) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة سيد علي الدمراوي ومصطفى كامل إسماعيل، وحسن السيد أيوب وحسني جورجي غبريال المستشارين.

القضيتان رقما  57 ، 68 لسنة 2 القضائية

( أ ) إدارة قضايا الحكومة - وظيفتها - هي نائب قانوني عن الحكومة - تزكية الوزير أحد موظفي وزارته المحالين إلى مجلس التأديب - لا يؤثر على رفع الدعوى التأديبية ولا يؤدي إلى عدم قبول الطعن في القرار الصادر من هذا المجلس - أساس ذلك.
(ب) مجلس التأديب - القرارات الصادرة منه - الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية العليا - ميعاده - ستون يوماً من تاريخ صدورها وفقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 55 لسنة 1959 لا عشرة أيام من تاريخ التبليغ وفقاً للمادة 28 من المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 - أساس ذلك.
(ج) موظف - تأديب - مجلس التأديب - سلطته في إحالة الموظف إلى القضاء - تقديرية لا وجه فيها للإلزام - أساس ذلك - مثال.
1 - إن إدارة قضايا الحكومة "تنوب عن الحكومة والمصالح العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصاً قضائياً" طبقاً للمادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 58 لسنة 1959 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة فهي والحالة هذه تنوب نيابة قانونية عن الحكومة في رفع الطعن وغني عن البيان أن كتاب التزكية الصادر من وزير الخزانة إلى مجلس التأديب لصالح أحد الموظفين المحالين إليه لا يخرج عن كونه مجرد إبداء رأي في الموضوع لا يؤثر على رفع الدعوى التأديبية ولا على قبول الطعن المقدم في القرار الصادر عن مجلس التأديب فضلاً عن أن الوزير لم يصدر قراراً بعدم الطعن.
2 - إن الطعن في قرارات مجلس التأديب قد انتقل إلى هذه المحكمة بمقتضى قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة فقد نصت المادة 15 منه على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية... ويكون لذوي الشأن أو لرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم" وظاهر أنه بناء على الأثر الحال لهذا القانون تصبح جهة الطعن في قرارات مجلس التأديب هي هذه المحكمة وفي الميعاد المنصوص عليه في قانون مجلس الدولة والوزارات بداهة ولا يتحدى في هذا المقام بأن القانون الخاص يقيد العام، لأن القانون رقم 55 لسنة 1959 عدل جهة الطعن وميعاده الواردين في المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 بإحداث مجلس التأديب وأصول محاكمة الموظفين وفي الحدود التي حصل فيها التعديل على الوجه السالف إيراده.
3 - تنص المادة التاسعة والعشرون من المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 بإحداث مجلس التأديب وأصول محاكمة الموظفين على أنه "إذا تبين للمجلس أن الأمور المنسوبة إلى الموظف تستوجب إحالته إلى القضاء تقرر هذه الإحالة مع بيان الجرم المسند إليه والمواد القانونية التي تطبق عليه" وظاهر من هذا النص أنه ترك للمجلس الإحالة إلى القضاء إن وجد أن الأمور المنسوبة إلى الموظف تستوجب الإحالة إلى القضاء فالأمر يقتضي إذن أن يرى المجلس وجوب الإحالة فسلطته والحالة هذه سلطة تقديرية يراعي المجلس فيها كل الظروف والاعتبارات والبواعث والحرص على سمعة الإدارة وسمعة موظفيها بما لا يخل بالمصلحة العامة في تقديره وكل أولئك عناصر للتقدير لا وجه فيها للإلزام وإلا لورد النص على وجوب الإحالة إلى القضاء إن وجد المجلس في الأمور المنسوبة إلى الموظف جريمة من جرائم القانون العام.
وعلى هدي ما تقدم ترى المحكمة أن مجلس التأديب وإن كان قد خلط بين الباعث والنية إلا أن مفهوم القرار وظروف الحادث وملابساته وإجازة الوزير لتصرفات المحال هو والمحافظ المختص وإشادتهما بالمحال كفاية وسمعة وطهارة يد - كل هذه الظروف مجتمعة تدل على أن المجلس رأى أن البواعث على ارتكاب هذه الأمور إنما كان لمصلحة الخزانة ولإقامة عدالة ضرائبية وإن كان الموظف المحال قد خرج على بعض النصوص القانونية والتعليمات إلا أنه ما كان يبغي منفعة شخصية وإنما كان يهدف إلى مصلحة عامة وأنه إزاء تلك الاعتبارات لم ير إحالته إلى القضاء ولا يغير من ذلك ما وقع فيه المجلس من خطأ في التكييف القانوني بحسبان أن ركن النية منعدم لدى الموظف المحال إذ القرار يقوم على الأسباب السابق إيرادها وهي التي عناها مجلس التأديب والتي كان من شأنها أن أوحت إليه إصدار قراره برفض الإحالة وإنزال العقوبة المسلكية بالموظفين ويكون القرار المطعون فيه والحالة هذه صحيحاً في النتيجة التي انتهى إليها من رفض الإحالة وتوقيع العقوبة المسلكية عليهما.


إجراءات الطعن

في 21 من مايو (آيار) سنة 1960 أودع الأستاذ فؤاد جبارة المحامي والوكيل عن السيد/ خير الدين مسكون تقريراً بالطعن في الحكم الصادر في 12 من مارس سنة 1960 من مجلس التأديب في القضية رقم 74 لسنة 1960 والقاضي بتنزيل الطاعن درجة واحدة لأنه يبني طعنه على إقرار وزارة الخزانة مشروعية أعمال الطاعن وعدم صحة الوقائع التي بني عليها القرار المطعون فيه على التفصيل الوارد في صحيفة الطعن وقيد هذا الطعن برقم 57 لسنة 2 القضائية.
وفي 12 من يونيه (حزيران) سنة 1960 أودع ممثل إدارة قضايا الحكومة تقريراً بالطعن في الحكم السالف الذكر ضد السادة خير الدين مسكون وجورج سلوم وكمال شكري وشاهر الخاني والقاضي بتنزيل المحال الأول درجة واحدة وفرض عقوبة التوبيخ بحق كمال شكري وعدم مسئولية جورج سلوم وشاهر الخاني وبني طعنه على مخالفة الحكم للقانون على التفصيل الوارد في صحيفة الطعن وقيد هذا الطعن برقم 68 لسنة 2 القضائية.
وحدد لنظر الطعنين جلسة 14 من فبراير سنة 1961 وفيها قررت دائرة فحص الطعون ضم الطعن 68 سنة 2 القضائية إلى الطعن 57 سنة 2 القضائية أحدهما إلى الآخر لأنهما عن حكم واحد ثم أصدرت قرار بالتأجيل لجلسة 23 من فبراير سنة 1961 وفيها قررت إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا في دور مقبل. وقد عين لنظر هذين الطعنين جلسة 4 من مايو سنة 1961 وأخطر ذوي الشأن بالجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما هو مستفاد من الأوراق - تتحصل في أن تحقيقاً أجرته لجنة التفتيش المعينة من قبل رئيس مفتشي الدولة مع السادة خير الدين مسكون وكمال شكري وجورج سلوم وشاهر الخاني وانتهت هذه اللجنة إلى ما يأتي:
عن السيد خير الدين مسكون: حاصل ما قالته اللجنة في شأنه أنه أوعز إلى الكاتب المؤقت عبد الحكيم السباعي أن يحرر عبارة (يستأنف - 23 من مارس سنة 1959) على ورقة السيد عدنان جمالي المكلف بدفع مائة ليرة عن ضريبة الدخل الصادر بها قرار اللجنة البدائية في 10 من مارس سنة 1959 والمصدق عليه من مدير المالية السابق في 23 من مارس سنة 1959. وبعد أن حرر السيد/ عبد الحكيم السباعي هذه الجملة عاد المحال لطمسها ودون بخط يده الجملة الآتية: (نظرت في تكليفه لجنة إعادة النظر وأصدرت قرارها في 21 من أكتوبر سنة 1959 برقم 499) في حين أن هذه الوثيقة مؤشر عليها بالموافقة في 23 من مارس سنة 1959 من قبل مدير المالية السابق على المحال ومع العلم بأن المدير المالي السيد/ مسكون قد باشر عمله في مالية حمص في 14 من يونيه سنة 1959 وأن القرار البدائي الخاص بالسيد/ عدنان جمالي قد صدر في 10 من مارس سنة 1959 وأن السيد/ مسكون قد اعترف عند استجوابه بأن الشخص الذي كتب العبارة الأولى هو السيد/ عبد الحكيم السباعي (كاتب لجنة إعادة النظر) وأن السيد/ مسكون شطبها لمخالفتها للواقع ودون العبارة الثانية بخط يده والتي تفيد قيام لجنة إعادة النظر بتصنيف السيد/ عدنان جمالي دون وقوع طلب إعادة النظر خلال المدة القانونية، كما حرر السيد/ مسكون عبارة (يستأنف) عن قرار اللجنة البدائية الصادر عن المكلف السيد/ عبد الحميد عباس وطلب من الكاتب المؤقت عبد الحكيم السباعي تدوين عبارة (يستأنف) في 6 من إبريل سنة 1959 عن قرار اللجنة البدائية الصادر عن المكلف علاء الدين الحسامي الصادر في 28 من مارس سنة 1959، هذا في حين أن المحال لم يكن قد تسلم أعماله في مديرية حمص وأن السيد/ عبد الحكيم السباعي الكاتب لم يكن معيناً كاتباً للجنة الابتدائية. وأضاف المحال كذلك على الجملة التي سطرها مدير المالية السابق وهي (تستأنف القرارات رقم 333، 334، 289 - 12 من إبريل سنة 1959 - الأرقام (301، 299، 326، 263) واستأنف بعض القرارات الصادرة في شأن المحامين ووضع تاريخ استئنافها 28 من أكتوبر سنة 1959 أي بعد المدة القانونية التالية وسجل بخط يده وتوقيعه الجملة التالية (تستأنف القرارات رقم......) ووضع تاريخاً سابقاً هو 14 من إبريل سنة 1959 وبعد انتهاء ميعاد استئنافها. وأجرى نفس الفعل في شأن أصحاب مهنة بائعي الألبسة الجاهزة ووضع التاريخ 22 من سبتمبر سنة 1959 أي بتاريخ سابق. وعمد إلى شطب إشارة الاستئناف عن أسماء بعض المكلفين، وبالعكس وضع كلمة تستأنف عن 22 تكليفاً بعد مضي المدة القانونية. وقبل استنكاف المكلفين عن الاعتراضات المقدمة للجنة إعادة النظر بوضع تواريخ سابقة لتاريخ الاستنكاف الفعلي وبتسجيل قرارات لجنة إعادة النظر بتاريخ متأخر، وعمل على رد التأمينات إلى هؤلاء المستنكفين عن الاعتراض بعد صدور قرارات لجنة إعادة النظر الخاصة بهم وعددهم سبعون مكلفاً (ص 21، 32 من تقرير هيئة التفتيش). وقبل اعتراضات بعض المكلفين المصنفين بدائياً دون تكليفهم بدفع التأمين واستأنف بعض قرارات اللجان البدائية لبعض الضرائب المباشرة بعد مضي المدة القانونية بعد أن كان صدق عليها في 17 من أكتوبر سنة 1959 وذلك بشطبه التصديق الذي حرره. وأوعز إلى مرءوسيه التوقف عن تحصيل بعض الأموال العامة وعدم تحصيل جزاءات ضريبة المواشي وأعفى بعض المكلفين من التكليف البدائي وأنزل مقداره عن البعض. ولم يفسح المجال لرؤساء الدوائر والشعب لممارسة صلاحيتهم. وعرقل التحقيق ولم ينفذ طلبات المفتش المالي، ومارس عمله بعد صدور قرار كف يده وقبل تبليغه قرار وزير الخزانة بإلغاء هذا القرار، وغير ذلك مما هو مدون في الأبواب التسعة الأولى من تقرير بعثة التحقيق المؤرخ 13 من مارس سنة 1960.
وانتهت اللجنة في شأن السيد/ خير الدين مسكون إلى مخالفته لأحكام المادتين 22، 23 من قانون الموظفين الأساسي وللمواد 361 فقرة أولى، 252، 365، 354، 375 فقرة أولى 443، 444، 445 446، 451 من قانون العقوبات فضلاً عن اعتباره محرضاً بالنسبة للأفعال التي أوعز بها والمدونة في الباب الأول والثاني والسادس والسابع من تقرير اللجنة.
أما بالنسبة للسيد كمال محمد راغب شكري فقد انتهت اللجنة إلى أن ما أقدم عليه من تزوير وتحريف للوقائع في بعض الوثائق المذكورة في الباب الثاني من التقرير عن تسجيله حواشي الاستنكاف على الاعتراضات أو حواشي الرد على الإيصالات المعادة إلى المكلفين تنفيذاً لرغبة قررها مدير المالية مع التوسع في الأسلوب الذي اتبعه في تنفيذها فضلاً عن إهماله القيام بواجبات وظيفته المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 363 من قانون العقوبات ومخالفة أحكام المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي.
وأما السيد/ جورج سلوم رئيس شعبة الدخل فقد انتهت اللجنة في شأنه إلى أنه أهمل في إدارة الشعبة التي يرأسها وأفسح المجال أمام مدير المالية السيد/ مسكون في توجيه موظفي الشعبة توجيهاً مخالفاً للقانون بالإضافة إلى توقيع السيد/ سلوم على حواشي الرد المسطرة على بعض الإيصالات دون التثبت من صحة التواريخ المزورة والمحرفة المسطرة في تلك الحواشي والمبينة في الباب الثاني من التقرير وأن فعله هذا ينطبق عليه نص المادة 363 من قانون العقوبات ومخالفة أحكام المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي.
وأما السيد/ شاهر الخاني مراقب الدخل فقد قالت اللجنة في شأنه أنه أهمل أمر التثبت من صحة التاريخ المسجل في ذيل بعض حواشي الرد التي وقعها نيابة عن رئيس الشعبة وهي المذكورة في الباب الثاني من التقرير وأن هذا الفعل ينطبق عليه نص المادة 363 عقوبات ومخالفة أحكام المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي.
واقترحت اللجنة للأسباب المتقدمة إصدار قرار بكف يد السادة خير الدين مسكون وكمال راغب محمد شكري والسيد/ جورج سلوم عن العمل وإحالتهم على مجلس التأديب تمهيداً لإحالتهم على القضاء لمحاكمتهم من أجل الجرائم التي ارتكبوها والسابق الإشارة إليها وإحالة السيد/ شاهر الخاني على مجلس التأديب لمحاكمته عن إهماله المنطبق على أحكام المادة 363 عقوبات ومخالفته لأحكام المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي.
وقد أرسل السيد/ وزير الخزانة إلى رئاسة مجلس التأديب خطاباً في 10 من إبريل سنة 1960 حاصله أن السيد/ مسكون كفت يده وأحيل إلى مجلس التأديب دون موافقته وأن المفتش المالي في حمص كان قد اتخذ قراراً بكف يده فألغاه الوزير في الحال لعدم اقتناعه بسلامة التحقيق ولاستنكاره أن يتخذ مفتش قراراً بكف يد أكبر موظف مالي في المحافظة وأن سيادته يرى أن السيد مسكون قد اندفع في المحافظة على حقوق الدولة واستأنف عدة قرارات بعد مرور المهلة القانونية ويبرر مدير مالية حمص هذا التصرف بأنه استنكر أن يتملص هؤلاء القادرون على الدفع من واجباتهم نحو الدولة بأساليب سيئة الأمر الذي أحفظ قلوب الفقراء الذين كلفوا بأكثر من الأغنياء الموسرين فأراد أن يقيم عدالة بينهم فكلفهم بعد المدة القانونية وأن في عمله مخالفة للقانون ولكنه لم يخالف الإنصاف والعدالة في جوهر تصرفه ولذلك كان رأينا أن يلفت نظره إلى هذا التصرف غير القانوني المبني على حسن نية ورغبة نبيلة في تحقيق العدل وأن سمعته عطرة لأنه أعاد النظام إلى الدائرة وحقق للدولة عدة منافع كانت لولاه مهدورة وكان يعمل بدأب ونشاط وأن محافظ حمص ليشاطره هذا الرأي وأنه لم يسمع من رؤسائه ولا من المحافظ أنه دنس يده أو ذمته بأي شيء لا من الدولة ولا من الأفراد ولذلك استغرب كثيراً كف يده وإحالته إلى مجلس التأديب وخشي أن يؤثر ذلك على الشرفاء من الموظفين الذين يقعون في خطأ غير قائم على سوء نية وفي دفاعهم عن واجبات وظيفتهم وأنه إحقاقاً للحق أراد أن ينصفه بهذه الكلمة.
وكان السيد محافظ حمص قد أرسل إلى السيد وزير الخزانة خطاباً بالمعلومات عن مدير مالية حمص فأرسل خطاباً في 7 من فبراير سنة 1960 بما لا يخرج في مضمونه عن كتاب السيد وزير الخزانة السابق الإشارة إليه.
وفي 12 من مارس سنة 1960 أصدر مجلس التأديب قراره الآتي:
1 - تنزيل المحال السيد/ خير الدين مسكون درجة واحدة في مرتبته الحالية.
2 - فرض عقوبة التوبيخ بحق المحال السيد/ كمال شكري.
3 - عدم مسئولية المحالين جورج سلوم وشاهر الخاني.
4 - إلغاء قرار كف يد المحالين جميعاً.
قراراً وجاهياً قابلاً للطعن صدر وتفهم سراً بتاريخي 16 ذي القعدة، سنة 1379، 12 مارس سنة 1960 حسب الأصول.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بالنسبة للسيد/ مسكون قد بني على أنه ليس في التحقيق أي دليل يشير إلى أنه ارتكب تلك المخالفات عن سوء نية أو قصد جرمي أو بغية منفعة مادية لنفسه الأمر الذي ينفي عنه النية الجرمية التي بدونها لا تتوجب العقوبة الجزائية ولهذا فإن إعماله من حيث النتيجة لا تستوجب إحالته إلى القضاء، وأن انعدام القصد الجرمي لا يعفيه من المسئولية المسلكية طالما أن أفعاله تتعارض مع أحكام القوانين والأنظمة النافذة والبلاغات المعمول بها كما أنها تتنافى مع واجبات وظيفته المفروضة عليه بحكم الفقرات 3، 4، 7 من المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي مما يجعله مسئولاً من الوجهة المسلكية وفرض العقوبة التي تتناسب مع الفعل إنما يعود لمجلس التأديب وأن المجلس يرى بالنسبة لتعدد المخالفات وخطورة بعضها فرض إحدى العقوبات الشديدة بحقه.
أما بالنسبة للسيد كمال شكري فقد قال القرار إنه تصرف تصرفات اعتباطية في بعض معاملات رد التأمينات إلى المكلفين المستنكفين دون أمر من رئيسه المحال الأول الأمر الذي يجعله مسئولاً من الوجهة المسلكية عن تلك التصرفات التي انفرد بها ورأى المجلس أن عمله يستدعي فرض أحد العقوبات الخفيفة بحقه.
أما فيما يتعلق بالسيدين/ جورج سلوم وشاهر الخاني فقد جاء في القرار أن ما أقدم عليه كلاهما من مخالفات وأفعال إنما كان تنفيذاً لرغبة رئيسهما المحال الأول مما يجعلهما غير مسئولين من الناحية المسلكية استناداً للفقرة 3 من المادة 22 من قانون الموظفين الأساسي.
عن الطعن رقم 57 لسنة 2 القضائية:
ومن حيث إن السيد/ المسكون قد طعن في هذا القرار مؤسساً طعنه على أنه في جميع الأمور التي أدانه فيها مجلس التأديب قد عمل بمقتضى توجيه رئيسه الأعلى السيد وزير الخزانة التنفيذي بدمشق وحصل بشأنها على موافقته السابقة أو اللاحقة وحكمهما واحد وأشار في أسباب طعنه إلى كتاب السيد الوزير وكتاب السيد محافظ حمص السابق الإشارة إليهما تأييداً لدفاعه ثم ناقش الطاعن القرار المطعون فيه فقال إنه بني على وقائع غير صحيحة للاعتبارات التالية:
أ - أن القرار اعتبر أن الطاعن اعترف صراحة أو ضمناً بارتكاب بعض المخالفات وساق تدليلاً على ذلك تعديل تكليف التاجر عدنان الجمالي وقال إنه إذا رجعنا إلى أقوال الطاعن بشأن هذه الواقعة نجد أن تعديل تكليف التاجر قد تم بموافقته على الحد الأوسط بين التكليف الابتدائي والاستئنافي ولولا تحريض المفتش لما خطر له أن يشكو ما وافق عليه بنفسه وأنه لو طعن أمام القضاء لما قبل الطعن لسبق الرضوخ وهو رضوخ يزيل عيب الشكل.
ب - وأنه فيما يتعلق بالمكلف عبد المجيد عباس فإن الطاعن قد دون كلمة يستأنف بحذاء اسمه الوارد على الجدول دون تاريخ فإذا كان الاستئناف وارداً بعد الميعاد القانوني فإنه يكون حرياً بالرد شكلاً ولا يوجب المؤاخذة التأديبية وترد نفس الملاحظة بشأن الأحوال الأخرى المتعلقة باستئناف القرارات البدائية.
جـ - وأن مجلس التأديب أخطأ في تحديد المقصود بأن قرارات لجنة إعادة النظر كانت تنظم في ثاني يوم تجول اللجنة في المدينة للكشف على التجار فاعتبر أن تنظيم القرار في اليوم التالي وتأريخه بتاريخ تنظيمه هو تأخير للتاريخ الحقيقي وبيان ذلك أن اللجنة أثناء تجوالها تهيئ الأسباب التي تساعدها على اتخاذ القرار ولا يعقل أن تكتبه وهي في الطريق العام ولذلك كان وضع تاريخ اتخاذ القرار الفعلي هو الإجراء الصحيح.
د - أن دعوة المعترضين إلى الرجوع عن اعتراضاتهم إجراء عادي لا يستوجب المؤاخذة.
هـ - أن ظن الطاعن بأن استئناف القرارين 246، 247 جائز لا يوجب المعاقبة فإما أن يكون ظنه في محله فيقبل الاستئناف أو في غير محله فيرد شكلاً.
و - أن تحديد ميعاد تقديم بيانات المكلفين بـ 25 من يناير سنة 1960 لم يكن مخالفاً للقانون لأنه وإن كان الميعاد يمتد حتى آخر نيسان سنة 1960 بحسب القانون غير أن المحال قد وجه خطاباً إلى المكلفين بأن البيانات التي لا يمكن تقديمها في الموعد المحدد يمكن تقديمها حتى آخر نيسان سنة 1960 حسب أحكام المادة 13 من قانون ضريبة الدخل وأن المحال أذاع هذا التعميم بصورة تخييرية للمكلفين كيما يتمكن من تلبية طلب الوزارة التي لم تعترض عليه.
ز - أما فيما يتعلق بتأخير استيفاء الغرامات فسببه عزم الحكومة على إصدار تشريع بالعفو عنها وقد صدر فعلاً وأن هذه الغرامات تصيب فئة منكوبة من أصحاب الأغنام ألحق بها شح الأمطار خسائر فادحة فلم يشأ الطاعن أن يكون جلاداً فوق ما أصابهم.
ح - وفيما يتعلق بتأخير استيفاء إيجار أرض الأملاك كان السبب هو شح الأمطار فتأخير التحصيل تدبير إداري يدخل في اختصاصه كمدير مالية وتمليه المروءة والشرف.
وانتهى الطاعن إلى طلب إلغاء القرار والحكم بأنه غير مسئول نظراً لموافقة الإدارة المختصة على جميع أعماله لاستهدافها المصلحة العامة ولأن الأفعال التي أسندت إليه لا تؤلف زلات مسلكية تستوجب العقاب. وعلى سبيل الاستطراد فاعتباره يستحق عقوبة التنبيه فقط وإلزام الإدارة بالنفقات والأتعاب وإعادة الكفالة.
عن الطعن رقم 68 لسنة 2 القضائية:
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة طعنت بالنيابة عن وزير الخزانة بالإقليم الشمالي ورئيس مكتب تفتيش الدولة ضد السادة: خير الدين مسكون وجورج سلوم وكمال شكري وشاهر الخاني وقيد الطعن تحت رقم 68 لسنة 2 القضائية وقد أقيم هذا الطعن بالنسبة للسيد/ مسكون على مخالفة القرار المطعون فيه للقانون، ذلك أن الثابت من التحقيق والمحاكمة واعترافات المطعون ضده الأول سواء بالتحقيق أو أمام مجلس التأديب أنه ارتكب عدة جرائم مالية ونحوها بالإضافة إلى جريمة التزوير في أوراق رسمية وأنه يكفي في شأن جريمة التزوير ارتكاب الفعل الإجرامي ذاته في المحرر أما الباعث على ذلك أو الدافع وهو ما اختلط الأمر فيه على مجلس التأديب بالقصد الجنائي فلا أثر له وكذلك الوضع بالنسبة إلى سائر الجرائم المالية التي ارتكبها إضراراً بالخزينة العامة لصالح بعض الممولين والمكلفين فإن مجرد ارتكاب العمل يؤدي إلى هذه الأضرار بإعفاء الممول من ضريبة أو رسم أو غرامة جزائية أو الإخلال بالوظيفة العامة يجعل الجريمة واقعة مهما كان الباعث عليها وأشار تقرير الطعن إلى أن المحال قد ارتكب عدة جرائم مالية بالإضافة إلى جريمة التزوير في أوراق رسمية مما ينطبق على المواد 352، 353، 361، 366، 367، 443، 445، 446 من قانون العقوبات.
وأن الوضع بالنسبة لباقي المطعون ضدهم ينطبق على قانون العقوبات في بعض المواد السابق بيانها وفقاً للتحقيق الذي أجري معهم وثبت به ارتكابهم الجرائم التي قدموا من أجلها إلى مجلس التأديب.
وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب وإحالة السيد/ خير الدين مسكون وباقي المطعون ضدهم إلى القضاء وفقاً لحكم المادة 29 من المرسوم التشريعي رقم 37 الصادر في 5 من فبراير سنة 1950 لارتكابهم الجرائم المقدمين عنها إلى مجلس التأديب مما يقع تحت طائلة قانون العقوبات.
ومن حيث إن المطعون ضده الأول (السيد/ مسكون) قدم مذكرة بالرد على طعن الحكومة مجمل القول فيها أن إدارة قضايا الحكومة ذكرت في طعنها أنه صادر عنها بالنيابة عن السيد وزير الخزانة مع أن سيادته غير موافق على التأديب أصلاً. كما أن رئيس مكتب تفتيش الدولة لا يملك حق الطعن فضلاً عن أن طعن الحكومة قد قدم بعد الميعاد القانوني إذ المادة 28 من قانون مجلس التأديب نصت على جواز الطعن في القرارات الصادرة في خلال عشرة أيام من تاريخ التبليغ وأن هذا النص خاص ولا عبرة لنص المادة 15 من قانون مجلس الدولة الذي يجيز الطعن خلال ستين يوماً لأنه نص عام.
وأما عن الموضوع فقد جاء في المذكرة أن الأوراق المشار إليها ليست رسمية بل هي أوراق مسودة والمحال المذكور لا يقصد منفعة ولا ربحاً فانعدمت النية الجرمية لديه وانتهى إلى أن جميع هذه الأفعال وافقت عليها الإدارة المختصة ولم ير فيها ما يستوجب أكثر من لفت النظر.
ومن حيث إن المطعون ضده الثاني السيد/ جورج سلوم قدم مذكرة يردد فيها الدفع بعدم القبول على الوجه السابق إيراده وقال في الموضوع أن إحالة الموظف إلى القضاء أمر يستقل بتقديره مجلس التأديب طبقاً لنص المادة 29 حيث نصت على أنه "إذا تبين للمجلس أن الأمور.... تستوجب إحالته.." أما القول بأن الإحالة إلى القضاء واجبة دائماً فأمر يخالف صريح هذه المادة وأن عدم مسئوليته أمر واضح لا يرقى إليه الشك.
ومن حيث إن المطعون ضده الثالث السيد/ كمال شكري قد تمسك أيضاً بالدفع بعدم قبول الطعن لتقديمه بعد الميعاد. وقال في الموضوع أن مكتب تفتيش الدولة تجاوز صلاحية الوزير المختص وخاصم هذا الوزير ولذلك فإن تقرير الطعن يستحق الرفض شكلاً لتقديمه بدون علم وزارة الخزانة ورغم إرادتها. واستطراداً فإن الطعن أمام هذه المحكمة لا يكون إلا لخطأ في القانون على حين انصب الطعن على مناقشة الوقائع وانتهت المذكرة إلى طلب رد الطعن.
ومن حيث إنه قد حدد للطعنين السالفي الذكر جلسة 14 من فبراير سنة 1961 أمام دائرة فحص الطعون وفيها قررت المحكمة ضمهما لأنهما عن حكم واحد.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول طعن الحكومة فإنه مبني على وجهين:
أولهما: أنه مقدم ممن لا يملك تقديمه إذ أن وزارة الخزانة لم تتقدم به بل لم تكن موافقة أصلاً على الإحالة إلى مجلس التأديب فضلاً عن أن رئيس مكتب تفتيش الدولة لا يملك حق الطعن.
وثانيهما: أن الطعن قد رفع بعد الميعاد حسبما هو محدد في قانون خاص - هو قانون مجلس التأديب.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول، فإن إدارة قضايا الحكومة "تنوب عن الحكومة والمصالح العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدى الجهات الأخرى التي خولها القانون اختصاصاً قضائياً" طبقاً للمادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 58 لسنة 1959 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة فهي والحالة هذه تنوب نيابة قانونية عن الحكومة في رفع الطعن وغني عن البيان أن كتاب التزكية الصادر من وزير الخزانة إلى مجلس التأديب لا يخرج عن كونه مجرد إبداء رأي في الموضوع لا يؤثر على رفع الدعوى التأديبية ولا على الطعن المقدم في القرار الصادر عن مجلس التأديب، فضلاً عن أن المحكمة سألت السيد محامي الحكومة في جلسة المرافعة عما إذا كان الوزير قد أصدر قراراً بعدم الطعن فكان الرد سلباً، ومن ثم يكون هذا الوجه من الدفع غير سديد ولا محل بعد ذلك لبحث الشق الآخر منه والخاص بأن إدارة قضايا الحكومة أقامت طعنها عن السيد وزير الخزانة والسيد رئيس مكتب تفتيش الدولة لأن ولاية المحكمة اتصلت بالطعن المقدم من أولهما مما لا محل معه لبحث صفة الآخر فيه ويكون رفع الطعن منه بالإضافة إلى السيد وزير الخزانة إنما هو باعتبار أن رئيس مكتب تفتيش الدولة هو الجهة التي أحالت المطعون ضدهم إلى مجلس التأديب بالتطبيق لنص المادة 68 من المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 بإحداث مجلس التأديب وأصول محاكمة الموظفين.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من الدفع بعدم القبول لرفع الطعن بعد الميعاد، فإن معنى هذا الدفع أن موعد الطعن في قرارات مجلس التأديب هو عشرة أيام من تاريخ التبليغ طبقاً للمادة 28 من قانون مجلس التأديب وهو قانون خاص ولا عبرة بنص المادة 15 من قانون مجلس الدولة الذي يجيز الطعن خلال ستين يوماً لأنه نص عام.
وهذا الوجه من الدفع غير سديد أيضاً - إذ أن الطعن في قرارات مجلس التأديب قد انتقل إلى هذه المحكمة بمقتضى قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة فقد نصت المادة 15 منه على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية... ويكون لذوي الشأن أو لرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم" وظاهر أنه بناء على الأثر الحال لهذا القانون تصبح جهة الطعن في قرارات مجلس التأديب هي هذه المحكمة وفي الميعاد المنصوص عليه في قانون مجلس الدولة بداهة ولا يتحدى في هذا المقام بأن القانون الخاص يقيد العام لأن القانون رقم 55 لسنة 1959 عدل جهة الطعن وميعاده الواردين في المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 بإحداث مجلس التأديب وأصول محاكمة الموظفين وفي الحدود التي حصل فيها التعديل على الوجه السالف إيراده.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن قرار مجلس التأديب بعد إذ سرد الأفعال المسندة إلى الطاعنين على الوجه المبين تفصيلاً في الوقائع حسبما هو مستخلص من التحقيق الذي أجرته بعثة التحقيق المعينة من قبل رئيس مفتشي الدولة - انتهى إلى أن السيد مسكون ورفاقه قد ارتكبوا المخالفات طبقاً لما هو ثابت بالقيود والسجلات والوثائق الرسمية والإفادات المأخوذة من قبل هيئة التفتيش واعترافات المحالين الصريحة والضمنية التي أدلوا بها أمام هيئة التفتيش على الوجه المفصل في القرار المطعون فيه غير أن مجلس التأديب رأى أن القصد الجرمي منعدم إذ أن مدير المالية (مسكون) إنما كان يقصد المحافظة على حقوق الخزانة وتحقيق العدالة بين المكلفين ولهذا رأى المجلس أن ما ارتكبه من أفعال لا يستوجب العقوبة الجزائية ومن ثم فلا تستوجب إحالته إلى القضاء ولكنها لا تعفيه من المسئولية المسلكية وانتهى المجلس إلى فرض إحدى العقوبات الشديدة بحقه وهي عقوبة تنزيل درجة واحدة من مرتبته الحالية.
ومن حيث إن النقطة القانونية مثار النزاع هي معرفة ما إذا كان مجلس التأديب يتعين عليه الإحالة إلى القضاء في حالة ما إذا كانت الأمور المنسوبة إلى الموظف تكون جريمة أم أن له سلطة التقدير في هذا المقام.
ومن حيث إن المادة التاسعة والعشرين من المرسوم التشريعي رقم 37 لسنة 1950 بإحداث مجلس التأديب وأصول محاكمة الموظفين تنص على أنه "إذا تبين للمجلس أن الأمور المنسوبة إلى الموظف تستوجب إحالته إلى القضاء تقرر هذه الإحالة مع بيان الجرم المسند إليه والمواد القانونية التي تطبق عليه" وظاهر من هذا النص أنه ترك للمجلس الإحالة إلى القضاء إن وجد أن الأمور المنسوبة إلى الموظف تستوجب الإحالة إلى القضاء فالأمر يقتضي إذن أن يرى المجلس وجوب الإحالة فسلطته والحالة هذه سلطة تقديرية يراعي المجلس فيها كل الظروف والاعتبارات والبواعث والحرص على سمعة الإدارة وسمعة موظفيها بما لا يخل بالمصلحة العامة في تقديره وكل أولئك عناصر للتقدير لا وجه فيها للإلزام وإلا لورد النص على وجوب الإحالة إلى القضاء إن وجد المجلس في الأمور المنسوبة إلى الموظف جريمة من جرائم القانون العام.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم ترى المحكمة أن مجلس التأديب وإن كان قد خلط بين الباعث والنية إلا أن مفهوم القرار وظروف الحادث وملابساته وإجازة الوزير لتصرفات المحال هو والمحافظ المختص وشهادتهما كفاية وسمعة وطهارة يد، كل هذه الظروف مجتمعة تدل على أن المجلس رأى أن البواعث على ارتكاب هذه الأمور إنما كان لمصلحة الخزانة ولإقامة عدالة ضرائبية وإن كان الموظف المحال قد خرج على بعض النصوص القانونية والتعليمات إلا أنه ما كان يبغي منفعة شخصية وإنما كان يهدف إلى مصلحة عامة، وأنه إزاء تلك الاعتبارات لم ير إحالته إلى القضاء ولا يغير من ذلك ما وقع فيه المجلس من خطأ في التكييف القانوني بحسبان أن ركن النية منعدم لدى الموظف المحال إذ القرار يقوم على الأسباب السابق إيرادها وهي التي عناها مجلس التأديب والتي كان من شأنها أن أوحت إليه إصدار قراره برفض الإحالة وإنزال العقوبة المسلكية بالموظفين (مسكون وكمال شكري) ويكون القرار المطعون فيه والحالة هذه صحيحاً في النتيجة التي انتهى إليها من رفض الإحالة وتوقيع العقوبة المسلكية عليهما.
ومن حيث إنه بالنسبة لباقي المحالين المطعون ضدهم (وهما السيدان جورج سلوم وشاهر الخاني) فترى هذه المحكمة أن القرار المطعون فيه صحيح بالنسبة لهما لذات الأسباب التي قام عليها.
ومن حيث إنه لجميع ما تقدم ترى المحكمة رفض الطعنين موضوعاً مع إلزام كل من الطاعنين بالمصروفات الخاصة بطعنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت كلاً من الطاعنين بمصروفات طعنه.