مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1096

(137)
جلسة 15 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة حسن السيد أيوب وحسني جورجي غبريال ومحمد عزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 113 لسنة 2 القضائية

( أ ) مهندسون - تعويض الاختصاص - المستفيدون منه - هم المهندسون المذكورون في المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 المتضمن ملاك وزارة الأشغال والمواصلات على سبيل الحصر، المعينون بوزارة الأشغال العامة والمواصلات - إضافة فقرة جديدة إلى هذه المادة بالقانون رقم 140 لسنة 1958 برفع نسبة الحد الأقصى لهذا التعويض - لا تعني تعميم منحه لغير المستفيدين المذكورين - أساس ذلك.
(ب) مهندسون - تعويض الاختصاص - المستفيدون منه - نص المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1959 على تعميم الإفادة من هذا التعويض على المهندسين غير الزراعيين في جميع المؤسسات والإدارات العامة في الدولة - قصر المادة السادسة حق الاستفادة على المهندسين المعينين وفاقاً لأحكامه - يفهم منه عدم استفادة المهندسين المعينين، قبل العمل به - أساس ذلك.
(ج) مهندسون - تعويض الاختصاص - تقريره - المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 بتقريره لمهندسي وزارة الأشغال العامة والمواصلات - استفادة مهندسو مرفق معين من أحكام هذا المرسوم التشريعي - يكون بتشريع خاص بمد سريان أحكامه عليهم - تماثل مراكز المهندسين في المرافق المختلفة غير مجد في هذا الشأن - مثال.
1 - إن المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 المتضمن ملاك وزارة الأشغال والمواصلات، والتي تجيز منح تعويض اختصاص، إنما تعني الأشخاص الذين ذكرتهم وهم المهندسون المعينون في وزارة الأشغال العامة والمواصلات وإذا كان القانون رقم 140 لسنة 1958 أضاف فقرة جديدة إلى المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 نصها الآتي "على أن يكون تعويض الاختصاص بحد أقصى قدره 75% من الراتب غير الصافي للمهندسين والمعماريين والجيولوجيين حاملي الشهادات العليا المعينين في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة وفقاً لأحكام قانون الموظفين الأساسي وجدول التعادل المرفق به. ولا يدخل هذا التعويض في حساب الحد الأقصى للتعويضات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم 95 المؤرخ 5 من أكتوبر سنة 1953". فإن هذه الفقرة إذ استهلت مقدمتها بعبارة "على أن يكون تعويض الاختصاص" فهي تشير إلى أن المشرع إنما عنى بها فقط التعويض الذي قرره للمهندسين الوارد ذكرهم على سبيل الحصر في المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 سالف الذكر، ولا يؤثر في ذلك ما جاء فيها من الإشارة إلى المهندسين المعينين في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة وفقاً لأحكام قانون الموظفين الأساسي، لأن المقصود من إضافة هذه الفقرة هو رفع الحد الأقصى لتعويض الاختصاص إلى 75% بالنسبة لأولئك الذين قرر المرسوم التشريعي هذا التعويض لهم وهم طوائف المهندسين المعينين في ملاكات إدارات وزارة الأشغال والمواصلات والمؤسسات العامة التابعة لها - ولو أراد المشرع إضافة طائفة جديدة لما أعوزه النص على ذلك.
2 - إن القانون رقم 76 لسنة 1959 قد أشار في ديباجته إلى قانون الموظفين الأساسي ثم أوردت مادته الأولى عبارة تفيد سريان تعويض الاختصاص على المهندسين غير الزراعيين في جميع المؤسسات والإدارات العامة في الدولة، ومن ثم تكون عبارة النص ودلالة ديباجة القانون قاطعتين في تعميمه وعدم قصره على طوائف من المهندسين دون غيرهم ولكن مع ذلك، فإن المادة 6 من القانون الأخير قصرت الفائدة منه على المهندسين المعينين وفاقاً لأحكام هذا القانون - ويفهم منها إذن أنه ليس لهذا القانون أثر مباشر يستفيد منه المهندسون الذين عينوا قبل صدوره وآية ذلك أن المشرع عندما أراد أن يكون له أثر مباشر على طائفة من المهندسين القائمين حالياً بالعمل، نص في المادة الثامنة على سريانه على المهندسين القائمين حالياً بالعمل في إدارات أو مؤسسات غير تابعة لقانون تقاعد موظفي الدولة والذين راتبهم يقل عن مجموع راتب وتعويض الاختصاص المنصوص عليه في هذا القانون، ولو كان يسري بأثر مباشر على كافة المهندسين لما ورد هذا النص على صورته الحالية.
3 - باستعراض التشريعات المختلفة لتعويض الاختصاص يبين منها أن المشرع كلما استشعر حاجة مرفق معين إلى عدد أكبر من المهندسين، سارع - تشجيعاً على الالتحاق به - إلى إصدار تشريع خاص بمد حكم المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 على مهندسي هذا المرفق، كما فعل بالنسبة للمهندسين أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة (المرسوم التشريعي رقم 144 الصادر في 28 من فبراير سنة 1952)، وبالنسبة لمهندسي وزارة الصناعة والإنماء الاقتصادي والإصلاح الزراعي ومؤسسة المشاريع الكبرى، مما يفيد أن تقرير تعويض الاختصاص مرتبط بحاجة المرفق وليس مرتبطاً بوصف الموظف مهندساً، ومن ثم تبدو الحجة القائلة بوجوب تماثل مراكز المهندسين مهما اختلفت الجهات التي يعملون فيها حجة داحضة وتغاير تماماً قصد الشارع من تقريره هذا التعويض في جهة دون أخرى، إذ لا يمكن مع القول بها سد حاجة المرفق بالمهندسين حيث يكون العمل فيه أكثر إرهاقاً من غيره، إذ يستوي لدى المهندسين العمل في أي مرفق آخر ما دام أنه يستحق تعويض الاختصاص في الحالتين وبالتالي يصبح الإقبال على العمل بالمرافق العامة غير قائم على حاجة المرفق وفي ذلك ما يهدد بعضها بالتوقف، وقد يكون المرفق حيوياً وفي هذا ما يضير الصالح العام وهو ما قصد الشارع إلى تلافيه بتقريره تعويض الاختصاص في مرفق دون آخر.


إجراءات الطعن

بتاريخ 4 من شهر أيلول "سبتمبر" سنة 1960 أودع الأستاذ عبد الجواد السرميني المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن السادة: أنطون الحناوي وعزة السويد ويوسف الخوري وإدوار الخوري - سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 7 من تموز "يوليو" سنة 1960 في الدعوى رقم 61 لسنة 1959 السنة الثانية قضائية المقامة من الطاعنين الآنفي الذكر ضد السيد رئيس جامعة دمشق بالإضافة إلى وظيفته والسيد عميد كلية العلوم بالإضافة إلى وظيفته القاضي برفض الدعوى وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومائة ليرة سورية مقابل أتعاب المحاماة. وطلب الطاعنون من هذه المحكمة للأسباب التي ضمنوها عريضة طعنهم الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعلان أن لهم الحق في تعويض الاختصاص وفقاً للقانون رقم 140 لسنة 1958 و76 لسنة 1959 مع إلزام المطعون ضدهما بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة في 30 من سبتمبر سنة 1960 وتعين لنظره أولاً جلسة 23 من فبراير سنة 1961 أمام دائرة فحص الطعون وأخطرت إدارة القضايا بتلك الجلسة في أول فبراير سنة 1961 ووكيل الطاعنين في 8 من فبراير سنة 1961 وفيها سمعت تلك الدائرة - الملاحظات التي أبداها ذوو الشأن ثم قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره في دور مقبل ثم تعين لنظره جلسة 11 من آيار (مايو) سنة 1961 وأخطر ذوو الشأن بهذه الجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت ضرورة سماعه من ملاحظاتهم ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة كما يبين من الأوراق تتحصل في أن الطاعنين أقاموا دعواهم أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت قلم كتاب تلك المحكمة في يوم 19 من أكتوبر سنة 1959 طلبوا فيها الحكم بقبول دعواهم شكلاً وفي موضوعها بإلغاء القرار الرقيم 264 الصادر من مجلس جامعة دمشق في 20 من أغسطس سنة 1959 برفض منحهم تعويض الاختصاص مع إلزام الحكومة بالمصروفات وقد فحصوا دعواهم ذاكرين أنهم من حملة شهادات عليا هندسة وجيولوجية ومن أعضاء هيئة التدريس في كلية العلوم وأنهم عينوا في ملاك جامعة دمشق التي هي من الإدارات العامة وإذ صدر القانون رقم 140 في سبتمبر سنة 1958 الذي أضاف فقرة جديدة إلى المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 فهم يستحقون تعويض اختصاص أسوة بسائر مهندسي الإقليم السوري واستطردوا قائلين إنهم تقدموا بطلب إلى الجامعة لمنحهم هذا التعويض فأبت عليهم ذلك وأصدرت قرارها بالرفض فنعتوا هذا القرار بمخالفته للقانون ومن ثم طلبوا في دعواهم الحكم بإلغائه. وقد أجابت الجهة الإدارية على دعواهم بأن طلبت رفضها وفي بيان سبب ذلك قالت إن المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 الصادر في 30 من حزيران (يونيه) سنة 1947 المتضمن الملاك الخاص لوزارة الأشغال أجازت لوزير الأشغال العامة أن يمنح بعض موظفي وزارته تعويض اختصاص وأن الفقرة التي أضافها القانون رقم 140 لسنة 1958 إلى المادة 76 من المرسوم السابق ذكره تتضمن حكماً خاصاً بوزارة الأشغال لأنها وردت في ملاك هذه الوزارة ومن ثم لا تنصرف إلى غيرها من الوزارات الأخرى أو إلى الإدارات والمؤسسات العامة التي لا تتبع وزارة الأشغال وآية ذلك أن الوزارات والمؤسسات التي رأت منح موظفيها تعويض اختصاص استصدرت به قوانين خاصة ومن ذلك المرسوم التشريعي رقم 144 المؤرخ في 28 من فبراير سنة 1952 بشأن المهندسين أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة والقانون رقم 47 المؤرخ 28 من مارس سنة 1955 بشأن المهندسين الاختصاصيين الصناعيين من موظفي التعليم المهني إلى غير هذين التشريعين من تشريعات خاصة بالوزارات الأخرى.
وفي 7 من يوليه سنة 1960 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى وألزمت الطاعنين المصروفات ومائة ليرة سورية - مقابل أتعاب المحاماة. وأسست قضاءها على القول بأن المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 التي تجيز لوزير الأشغال منح تعويض اختصاص عنت فقط المهندسين المعينين في وزارة الأشغال ووزارة المواصلات دون غيرهم إذ أن موطن هذا النص ملاك هذه الوزارة ولأن الوزير الذي خوله القانون إصدار القرار بالمنح هو وزيرها وأن القانون رقم 140 لسنة 1958 قد أضاف فقرة جديدة إلى المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 وانحصر حكمها في رفع الحد الأقصى للتعويض إلى ما يعادل 75% من الراتب غير الصافي ومع هذه الإضافة ظل الحكم بتقرير التعويض من سلطة وزير الأشغال في نطاقه الأصلي ومن ثم يتعين فهم عبارة "في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة" التي وردت في الفقرة المضافة على أنها المؤسسات والإدارات العامة التي تتبع وزارة الأشغال دون غيرها وأن القول بغير هذا معناه أن يمتد سلطان وزير الأشغال إلى وزارات وإدارات أخرى غير تابعة له وتتبع وزارات أخرى حيث يوجد مهندسون وفي ذلك ما يخالف قواعد التنظيم الإداري واستقلال كل وزير بالسلطة في وزارته باعتباره على قمة الجهاز الإداري فيها.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو أن المادة 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 وضعت في الأصل في شأن الموظفين الاختصاصيين في وزارة الأشغال العامة والمواصلات ولكن أدخل عليها تعديلان بالقانون رقم 140 لسنة 1958 وبالقانون 76 لسنة 1959 وكان السبب الدافع على إصدار القانون رقم 140 هو إزالة الوضع الناشئ عن تطبيق المادة 76 وصدور تشريعات استثنائية لتطبيقه على بعض الوزارات والإدارات مما أدى إلى قيام أوضاع شاذة واختلاف في المراكز القانونية المتماثلة بين المهندسين في وزارة وأخرى وبين وزارة ومؤسسة عامة وقد أدى هذا الاختلاف إلى اضطراب في صفوف المهندسين مختلفي المراكز مما جعلهم يجأرون بالشكوى لذوي الشأن، ورغبة في إزالة أسباب هذه الشكاوى رئي إصدار القانون رقم 140 حتى تكون حقوق الجميع موحدة مهما اختلفت تبعيتهم وقد أبانت ذلك بجلاء المذكرة الإيضاحية لهذا القانون ثم تأيدت هذه الرغبة لدى المشرع عندما أصدر القانون 76 لسنة 1959 حيث نص فيه على أن جميع المهندسين الذين يعينون في الإقليم السوري يفيدون من تعويض الاختصاص المنصوص عليه في القانون 140 لسنة 1958 - ثم ألمعت أسباب الطعن إلى فتوى صدرت من القسم الاستشاري للفتوى والتشريع لوزارة الأشغال العامة أيدت ما ورد بها وهي الفتوى المؤرخة 28 من إبريل سنة 1960 رقم خاص 47 ورقم عام 462 ف وفندت أسباب الحكم المطعون فيه ذاكرة أن عبارات القانون رقم 140 لسنة 1958 الصريحة تفيد أن حكمه يشمل سائر المهندسين والمعماريين والجيولوجيين حاملي الشهادات العليا المعينين في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة وفقاً لقانون الموظفين الأساسي ولا يقتصر على هؤلاء الأشخاص المعينين في وزارة الأشغال العامة والمواصلات كما جاء في الحكم المطعون فيه. وأنه لا مقنع للقول بأن سلطة وزير الأشغال لا تمتد في المنح إلى خارج وزارته حيث يوجد من له الحق في التعويض المطالب به إذ هذا التعويض كان في الأصل منحة منه يجريها على موظفي وزارته إن كانوا من النوع الذي عناه المشرع بهذا التعويض ولكن على أثر صدور القانونين رقمي 140، 76 أصبح حق المنح لرئيس كل إدارة أو مؤسسة وأن هذه الحجة داحضة بالنسبة لأساتذة كلية الهندسة ومهندسي الهيئة العامة لشئون البترول حيث لا يخضعون لوزير الأشغال ومع هذا يتمتعون بهذا التعويض ثم انتهى الطعن إلى القول بأن الحكم المطعون فيه وقد ذهب إلى غير ما جاء في أسباب الطعن يكون حكماً خاطئاً وحرياً بالإلغاء.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة قدمت مذكرة بدفاع الجهة المطعون ضدها أشارت فيها إلى أسباب الحكم المطعون فيه وقررت أن المادة رقم 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 المتضمن ملاك وزارة الأشغال العامة والقانون رقم 140 لسنة 1958 المعدل له يقتصر تطبيقه على دوائر وزارة الأشغال العامة والإدارات والمؤسسات التابعة لها، وأن الوزارة والإدارة التي كانت تريد تطبيق أحكامه عليها استصدرت تشريعاً خاصاً بذلك وضربت لذلك مثلاً بأساتذة كلية الهندسة التابعين لجامعة دمشق فقد صدر بشأنهم القانون رقم 144 لسنة 1952 وقالت عن القانون رقم 76 لسنة 1959 إنه ينطبق على المستقبل ولا تنطبق أحكامه إلا على من يعين في ظله؛ ومن ثم لا يفيدون منه وألمعت إلى الحكم الصادر من هذه المحكمة في 8 آذار (مارس) سنة 1958 في القضية رقم 1675 لسنة 2 القضائية الذي جاء فيه أن القواعد المتعلقة ببدل التخصص للمهندسين إنما تستمد وجودها من تشريع خاص ثم انتهت إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت مذكرة بالرأي القانوني في هذه المنازعة طلبت فيها تأييد ما جاء في الحكم المطعون فيه لأسبابه التي أقيم عليها ورفض الطعن.
ومن حيث إنه يتضح مما سلف تبيانه أنه لا خلاف بين طرفي الخصومة على أن المادة رقم 76 من المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 السالف الذكر تعني الأشخاص الذين ذكرتهم، وهم المعينون في وزارة الأشغال العامة والمواصلات، وإنما ثار الخلف بينهم حول التعديل الذي أدخل على هذا المرسوم بالقانون رقم 140 لسنة 1958 وحول تفسير القانون الذي صدر أخيراً برقم 76 لسنة 1959، وعما إذا كان من شأنهما أن يستفيد الطاعنون من الأحكام الواردة بهما أم أن مجال القانون رقم 140 لسنة 1958 هو في وزارة الأشغال دون غيرها من الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة وأن القانون رقم 76 لسنة 1959 وضع فقط للأشخاص الذين يعينون في ظلاله وليس له من أثر حال على المعينين قبله، ومن ثم ترى المحكمة أنه من الضروري عرض النصوص التي وردت بهما لتستخلص منها القول الفصل في هذه المنازعة.
ومن حيث إن القانون رقم 140 لسنة 1958 أضاف فقرة جديدة إلى المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 نصها الآتي "على أن يكون تعويض الاختصاص بحد أقصى قدره 75% من الراتب غير الصافي للمهندسين والمعماريين والجيولوجيين حاملي الشهادات العليا المعينين في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة وفقاً لأحكام قانون الموظفين الأساسي وجدول التعادل المرفق به. ولا يدخل هذا التعويض في حساب الحد الأقصى للتعويضات المنصوص عليها في المرسوم التشريعي رقم 95 المؤرخ 5 من أكتوبر سنة 1953".
ومن حيث إن هذه الفقرة إذ استهلت مقدمتها بعبارة "على أن يكون تعويض الاختصاص" فهي تشير إلى أن المشرع إنما عنى بها فقط التعويض الذي قرره للمهندسين الوارد ذكرهم على سبيل الحصر في المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 سالف الذكر، ولا يؤثر في ذلك ما جاء فيها من الإشارة إلى المهندسين المعينين في ملاكات الإدارات والمؤسسات العامة وفقاً لأحكام قانون الموظفين الأساسي، لأن المقصود من إضافة هذه الفقرة هو رفع الحد الأقصى لتعويض الاختصاص إلى 75% بالنسبة لأولئك الذين قرر المرسوم التشريعي هذا التعويض لهم وهم طوائف المهندسين المعينين في ملاكات إدارات وزارة الأشغال والمواصلات والمؤسسات العامة التابعة لها - ولو أراد المشرع إضافة طائفة جديدة لما أعوزه النص على ذلك.
ومن حيث إنه عن القانون رقم 76 لسنة 1959 فقد أشار في ديباجته إلى قانون الموظفين الأساسي ثم أوردت مادته الأولى عبارة تفيد سريان تعويض الاختصاص على المهندسين غير الزراعيين في جميع المؤسسات والإدارات العامة في الدولة، ومن ثم تكون عبارة النص ودلالة ديباجة القانون قاطعتين في تعميمه وعدم قصره على طوائف من المهندسين دون غيرهم ولكن مع ذلك، فإن المادة 6 من القانون الأخير قصرت الفائدة منه على المهندسين المعينين وفقاً لأحكام هذا القانون، ويفهم منها إذن أنه ليس لهذا القانون من أثر مباشر يستفيد منه المهندسون الذين عينوا قبل صدوره؛ وآية ذلك أن المشرع عندما أراد أن يكون له أثر مباشر على طائفة من المهندسين القائمين حالياً بالعمل، نص في المادة الثامنة على سريانه على المهندسين القائمين حالياً بالعمل في إدارات أو مؤسسات غير تابعة لقانون تقاعد موظفي الدولة والذين يقل راتبهم عن مجموع راتب وتعويض الاختصاص المنصوص عليه في هذا القانون ولو كان يسري بأثر مباشر على كافة المهندسين لما ورد هذا النص على صورته الحالية، ومن ثم فإذا كان الثابت أن الطاعنين لم يعينوا في ظل هذا القانون، فضلاً عن خضوعهم لقانون التقاعد فإنهم لا يفيدون من هذا القانون.
ومن حيث إنه مما يؤيد هذا النظر، أنه باستعراض التشريعات المختلفة لتعويض الاختصاص يبين منها أن المشرع كلما استشعر حاجة مرفق معين إلى عدد أكبر من المهندسين، سارع - تشجيعاً على الالتحاق به - إلى إصدار تشريع خاص بمد حكم المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 على مهندسي هذا المرفق، كما فعل بالنسبة للمهندسين أعضاء هيئة التدريس بكلية الهندسة (المرسوم التشريعي رقم 144 الصادر في 28 من فبراير سنة 1952)، وبالنسبة لمهندسي وزارة الصناعة والإنماء الاقتصادي والإصلاح الزراعي ومؤسسة المشاريع الكبرى، مما يفيد أن تقرير تعويض الاختصاص مرتبط بحاجة المرفق وليس مرتبطاً بوصف الموظف مهندساً، ومن ثم تبدو الحجة القائلة بوجوب تماثل مراكز المهندسين مهما اختلفت الجهات التي يعملون فيها حجة داحضة وتغاير تماماً قصد الشارع من تقريره هذا التعويض في جهة دون أخرى، إذ لا يمكن القول بها لسد حاجة المرفق بالمهندسين حيث يكون العمل فيه أكثر إرهاقاً من غيره، إذ يستوي لدى المهندس العمل في أي مرفق آخر ما دام أنه يستحق تعويض الاختصاص في الحالتين وبالتالي يصبح الإقبال على العمل بالمرافق العامة غير قائم على حاجة المرفق وفي ذلك ما يهدد بعضها بالتوقف، وقد يكون المرفق حيوياً، وفي هذا ما يضير الصالح العام، وهو ما قصد الشارع إلى تلافيه بتقريره تعويض الاختصاص في مرفق دون آخر.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم، فإن جامعة دمشق لها ملاك خاص ولم يرد بهذا الملاك نص يقرر تعويض اختصاص للطاعنين ولذلك لا يمكن مد أثر المرسوم التشريعي رقم 85 لسنة 1947 إلى موظفي هذا الملاك دون نص صريح فيه، وقد خلا من هذا النص.
ومن حيث إنه للأسباب المتقدمة التي قام عليها الحكم المطعون فيه يكون ذلك الحكم على صواب فيما ذهب إليه لاتفاقه مع أحكام التشريع الحالي وتفسيره السديد؛ ومن ثم يكون الطعن على غير أساس من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن الطاعنين وقد أصابهم الخسر فيلزمون المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وألزمت الطاعنين بالمصروفات.