مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1104

(138)
جلسة 15 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب وحسني جورجي غبريال ومحمد عزت عبد المحسن المستشارين.

القضية رقم 114 لسنة 2 القضائية

مهن طبية - مهنة طب الأسنان - المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 في شأن ممارسة مهنة الطب - اشتراطه الحصول على شهادة في الطب من الجامعة السورية أو من جامعة أجنبية - وجوب تعادل الشهادة الأجنبية مع الشهادة السورية بواسطة لجنة فنية واجتياز فحص إجمالي (كولوكيوم) - المناط في تعادل الشهادة الأجنبية في طب الأسنان هو برامج الدراسة وعدد سنيها في الجامعة الأجنبية مع نظيرتها في الجامعة السورية - لا تأثير في التعادل للقب دكتور الذي تمنحه بعض الكليات أو كون الشهادة الأجنبية غير معترف بها في البلد الأجنبي تمتع اللجنة بحرية تقدير المؤهل وكفاية الطالب العلمية - تعلق حق طالب الترخيص في دخول الفحص الإجمالي بمجرد صدور قرار اللجنة بقيام التعادل - عدم جواز سحبه بعد تحصنه - لا يجوز شطب الطبيب من السجل الخاص إلا في حالة واحدة وبقرار من وزير الصحة إذا كان مبنياً على وثائق مزورة وصدر حكم نهائي بذلك من المحكمة المختصة - أساس ذلك - مثال.
إن المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 96 الصادر في 22 من أيلول (سبتمبر) سنة 1952 لا تجيز لأحد أن يزاول مهنة الطب إلا بعد تسجيله في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله منها على ترخيص في ممارسة المهنة. وتشترط المادة الثانية من هذا المرسوم للتسجيل والحصول على الترخيص المشار إليه شروطاً في الطالب من بينها ما ورد في الفقرة (ب) من "أن يكون قد نال شهادة ولقب دكتور في الطب من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كليات الطب العثمانية في العهد العثماني أو من كلية طب أجنبية تعادل شهادتها شهادة كلية الطب في الجامعة السورية، على أن يجتاز في هذه الحالة الأخيرة فحصاً إجمالياً (كولوكيوم) تعين شروطه ورسومه بقرار من وزارة الصحة" وأضافت هذه المادة أنه "تعين بقرار من وزارة الصحة والإسعاف العام لجنة مؤلفة من الأمين العام رئيساً وأربعة أطباء أعضاء اثنين من وزارة الصحة واثنين من كلية الطب في الجامعة السورية مهمتها النظر في تعادل الشهادات الأجنبية مع شهادة الجامعة السورية" وأنه "تجري كلية الطب الفحص الإجمالي بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها" - وقد نصت المادة السادسة من المرسوم التشريعي آنف الذكر على أنه "إذا ظهر بأن تسجيلاً في سجل الأطباء تم بالاستناد إلى وثائق مزورة جاز لوزير الصحة والإسعاف العام شطب اسم هذا الطبيب مؤقتاً من سجل الأطباء، وذلك بعد إقامة دعوى الحق العام عليه بجرم التزوير، ويستمر مفعول هذا الشطب ريثما يصدر القضاء حكمه في القضية بقرار اكتسب قوة القضية المقضية". كذلك نصت المادة العشرون من هذا المرسوم وهي الواردة في الفصل الخامس الذي تناول الأحكام الخاصة بأطباء الأسنان على أنه لا يجوز لأحد مزاولة الطب وجراحة الأسنان بأية صفة عامة كانت أو خاصة إلا بعد تسجيله في سجل أطباء وجراحي الأسنان في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله على ترخيص منها بعد تسجيله في نقابة أطباء الأسنان، ويشترط للتسجيل والترخيص أن يكون الطالب قد نال شهادة بطب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية أو كلية طب أجنبية ضمن الشروط المبينة في المادة الثانية من هذا المرسوم التشريعي. ولا تأثير للقب (دكتور) الذي تمنحه بعض الكليات من معاملة تعادل الشهادات الأجنبية وإنما التعادل بالنسبة لبرامج الدراسة وعدد سنيها" كما نصت المادة 21 من المرسوم ذاته على أن (تسري أحكام المواد من (2) إلى (15) على أطباء وجراحي الأسنان).
ويخلص من استقراء النصوص المتقدم إيرادها أن الشارع استلزم لمزاولة مهنة الطب - بما في ذلك طب الأسنان وجراحتها - وجوب تسجيل الطبيب في وزارة الصحة والإسعاف العام، وبالنسبة إلى أطباء الأسنان في سجل أطباء وجراحي الأسنان في الوزارة ثم حصوله منها على ترخيص في مباشرة المهنة بعد تسجيله في نقابة أطباء الأسنان وأنه اشترط لإجراء هذا التسجيل ومنح الترخيص شروطاً فيما يتعلق بالأطباء عامة من بينها الحصول على المؤهل العلمي وكذا لقب دكتور في الطب من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كليات الطب العثمانية في العهد العثماني أو من كلية طب أجنبية تعادل شهادتها كلية الطب في الجامعة السورية، وبالنسبة إلى أطباء الأسنان الخاصة أن يكون الطالب قد نال شهادة في طب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كلية طب أجنبية على أن تخضع الشهادة في هذه الحالة الأخيرة للشروط الواردة في المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1954 والخاصة بالشهادات الممنوحة من كليات الطب الأجنبية، وهي أن تكون معادلة لشهادة كلية الطب في الجامعة السورية، وأن يجتاز حاملها فحصاً إجمالياً (كولوكيوم) تعين شروطه ورسومه بقرار من وزارة الصحة: أي أن يمر اعتماد هذه الشهادة وترتيب أثرها عليها بمرحلتين (أولاهما) تحقيق تعادلها مع شهادة كلية طب الأسنان في الجامعة السورية وتتولاه لجنة تعادل الشهادات الأجنبية مع شهادة الجامعة السورية (والثانية) اجتياز الفحص الإجمالي الذي تجريه كلية الطب بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها. وقد أورد الشارع حكماً خاصاً بأطباء الأسنان أفردهم به، وهو عدم الاعتداد بلقب دكتور الذي تمنحهم إياه بعض الكليات، فقضى بأن حصول الطالب على هذا اللقب لا يعفيه من وجوب إعمال تعادل لشهادته الأجنبية مع شهادة كلية طلب الأسنان في الجامعة السورية على الرغم من حيازته اللقب، إذ نص في المادة رقم 20 بالنسبة إلى أطباء الأسنان على وجه التخصيص على أنه لا تأثير للقب دكتور الذي تمنحه بعض الكليات من معاملة تعادل الشهادات الأجنبية. وإذ أشار النص إلى أن اللقب المذكور تمنحه بعض الكليات فإن مفهوم هذا أن ثمة كليات أخرى لا تمنحه ومع ذلك فلا ينقص هذا من قيمة مؤهلها ولا يمنع من إجراء التعادل أي أن الشارع لم يشأ أن يرتب على عدم منح هذا اللقب اعتبار الشخص فاقداً لشرط من شروط صلاحية مؤهله للتعادل، بل إنه أطرح اللقب في هذه الحالة ولم يجعل له تأثيراً إيجابياً أو سلبياً أي سواء منح أو لم يمنح، وبين على وجه التحديد من قبيل التيسير للوصول إلى تحقيق التعادل أن الأساس المعول عليه والضابط الواجب الاحتكام إليه في إجراء هذا التعادل إنما هو برنامج الدراسة وعدد سنيها، وحكمة ذلك ظاهرة إذ تقوم على الاستيثاق من جدية الدراسة وعمقها وموضوع موادها وكفاية الوقت المخصص لاستيعابها نظرياً وعملياً، بالمقابلة لمنهج الدراسة وعدد سنيها في كلية طب الأسنان بالجامعة السورية. وقد أثبت المدعي إقامته في فرنسا في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1930 حتى أيلول (سبتمبر) سنة 1936 بالشهادة المسلمة إليه في 20 من شباط (فبراير) سنة 1961 من القنصلية العامة لسويسرا القائمة على الشئون الفرنسية في حلب أما برنامج الدراسة فلم يكن ليعوز لجنة التعادل أو ليعجزها أن تضعه بين سمعها وبصرها وهي تقرر التعادل.
ومتى كان برنامج الدراسة وعدد سنيها بالإضافة إلى المؤهل - وبقطع النظر عن اللقب - هما المرجع في تعادل شهادة طب الأسنان الأجنبية مع شهادة طب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية ومناط هذا التعادل فإن قرار لجنة تعادل الشهادات الأجنبية في 24 من كانون الثاني (يناير) سنة 1954 وهي لجنة فنية تؤلف من الأمين العام لوزارة الصحة والإسعاف العام رئيساً، ومن أربعة أطباء أعضاء منهم اثنان من وزارة الصحة واثنان آخران من كلية الطب في الجامعة السورية - بتعادل شهادة المدعي بعد فحصها والتدقيق فيها على الأساس المتقدم إنما يكون إثباتاً لحقيقة واقعة والواقع لا يرتفع، ولا يغير من هذا كون الشهادة صادرة في البلد الأجنبي من معهد خاص أو معهد رسمي، أو كونها معترفاً بها من الدولة الأجنبية لمزاولة المهنة في إقليمها أم غير معترف، ما دامت قيمتها العلمية قد تحققت في غير محله لانتفاء هذا الخطأ من جهة ولصحة القرار في ذاته وفي الحقيقة الواقعية التي أثبتها من جهة أخرى. ولاسيما أن ما أجابت به إدارة العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الفرنسية من أن مدارس طب الأسنان الفرنسية كلها مؤسسات خاصة غير حكومية وأن الشهادات التي تمنحها لا تخول حاملها حق ممارسة طب الأسنان وجراحته في الأراضي الفرنسية - ومرجع هذا إلى أسباب واعتبارات خاصة تتعلق بسياسة الدولة الفرنسية ونظمها الداخلية - لا يعني إهدار القيمة العلمية الذاتية لشهادة المدعي أو إنكار صفة التخصص في تدريس طب الأسنان وجراحته والأهلية لذلك على المعهد الذي منحه إياها والذي يباشر نشاطه التعليمي في ظل القوانين الفرنسية - وإذا صح أن سلطة لجنة التعادل هي سلطة مقيدة فيما يتعلق بتطبيق الشروط القانونية الواجب توافرها لإمكان إجراء التعادل، فإن ثمة عنصر تقدير في النهاية تتمتع به اللجنة دون ريب عند إعمال هذا التعادل فيما يختص بموازنة القيمة العلمية للمؤهل المطروح عليها بشهادة طب الأسنان في الجامعة السورية وتقرير معادلتها إياها أو رفض الموافقة على هذه المعادلة بما لا معقب عليها فيه الأمر الذي يستتبع تحصين قرار اللجنة في هذه الناحية بانقضاء ميعاد سحبه.
ومتى تحقق التعادل بناء على قرار اللجنة الفنية صاحبة الاختصاص في ذلك، تعين لإمكان تسجيل اسم الشخص في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله منها على الترخيص اللازم لمزاولة مهنة طب الأسنان وجراحتها، استيفاء شرط تكميلي واجب بالنظر إلى كون المؤهل الذي تقرر تعادله صادراً من معهد طب أجنبي، وهذا الشرط هو اجتياز فحص إجمالي (كولوكيوم) تجريه كلية الطب بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها، ودخول هذا الفحص يتعلق به حق الطالب بمجرد اعتماد تعادل للشهادة، والغاية منه هي التأكد من جدارة حامل هذه الشهادة وكفاية معلوماته الطبية وسلامتها من الناحيتين النظرية والعلمية وصلاحيته لممارسة المهنة. وهذا الفحص الإجمالي هو الذي يقابل ويحاذي في فرنسا الاختيار الذي تجريه هيئة المحلفين الفاحصة في كلية الطب بها تحت رقابة مديرية التعليم العالي في وزارة التربية الوطنية والذي هو بمثابة مرحلة ختامية وإجراء تكميلي - على حد ما أوضحه السيد عميد كلية طب الأسنان بجامعة دمشق لدى مناقشة المحكمة إياه بجلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1961 - لتقويم المؤهل وشروط أساس تخويل حامله - متى كان متمتعاً بالجنسية الفرنسية - حق ممارسة المهنة في الأراضي الفرنسية. وإذا غير الفرنسي له مزاولة المهنة في فرنسا، فمن الطبيعي أن يكون تقدمه للفحص الإجمالي في بلده وأن يقوم هذا الفحص بالنسبة إليه مقام فحص هيئة المحلفين في فرنسا بالنسبة إلى الفرنسيين، وأن يكون مؤهله هو سند دخول الفحص، ونجاحه في هذا الفحص - لا المؤهل ذاته - سواء في فرنسا أو في سوريا هو مصدر حقه في الترخيص له في مزاولة المهنة، ولما كان الفحص ليس دراسة تزيد في معلومات صاحب المؤهل أو مراناً يكسب خبرة، وإنما هو ضرب من الاختبار العام الإجمالي - فإنه يستوي أن يتم في فرنسا أو خارجها بحسب الأوضاع المقررة لذلك. ولا يمكن القول في الحالة الأخيرة بأن عدم إجرائه في فرنسا للحصول على شهادة الدولة التي تمنحها هيئة المحلفين الفاحصة في كلية الطب بها يعني قصوراً في مواد الدراسة السابقة على هذا الفحص والتي انتهت بمنح المؤهل أو نقصاً في منهجها أو في عدد سنيها أو في معلومات حامل المؤهل الذي لم يدخل الفحص في فرنسا بل أداه في بلده. ومن ثم فإن العبرة تكون باجتياز هذا الفحص الذي يتم به تكافؤ الأوضاع والمراكز والمستويات العلمية سواء في فرنسا أو خارجها ويتحقق به استيفاء الشروط المتطلبة قانوناً للترخيص في مزاولة المهنة. ولجنة الفحص الإجمالي، وهي هيئة علمية ذات اختصاص فني بحت تتمتع بسلطة مطلقة لا معقب عليها في تقدير كفاية الطالب العلمية وصلاحيته أو عدمها لحمل أمانة المهنة ومسئولياتها المتصلة بصحة أفراد الشعب وتملك الحرية التامة في الحكم بنجاحه أو رسوبه، إنما تعمل في هذا الحكم سلط تقديرية ترخصية بما لا رجعية فيه بعد أن يتحصن قرارها في هذا الشأن بانقضاء ميعاد سحبه ويتعلق به حق من صدر لصالحه وما دام المدعي قد حصل على المؤهل اللازم الذي اعتمدته لجنة التعادل وأجرى اختباراً بواسطة لجنة الفحص فلا وجه للتذرع بوقوع خطأ ما دام لم يقع خطأ بالذات في هذا التقدير. بل إن مثل هذا الخطأ لو فرض وقوعه لما جاز معه إهدار القرار في أي وقت بصفة مطلقة بحجة انعدامه وانحداره إلى مرتبة العمل المادي وأن يكن للجهة الإدارية عذرها فيما ذهبت إليه من فهم لهذه الحقيقة القانونية التي قد يدق فيها تبين وجه الرأي الصحيح وفيما اتخذته من إجراء ترتيباً على هذا الفهم.
وإزاء ما سلف بيانه من امتناع الرجوع في قرار لجنة تعادل الشهادات الأجنبية أو القرار الصادر بتسجيل المدعي والترخيص له في مزاولة المهنة بناء على قرار اللجنة المذكورة وقرار لجنة الفحص الإجمالي وعدم جواز المساس بالمركز القانوني الذي ترتب له واستقر، تأسيساً على ذلك لا يكون ثمة محل للتعرض لما أثاره الطرفان من جدل حول تفسير المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 في خصوص حق وزير الصحة والإسعاف العام في شطب اسم الطبيب من سجل الأطباء ومدى تطبيق حكم هذه المادة ونطاقها.


إجراءات الطعن

في 7 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 أودع الأستاذ سميح عطية المحامي الوكيل عن السيد/ فجادور طوخمانيان سكرتيرية المحكمة الإدارية العليا بدمشق (بالإقليم السوري) عريضة طعن أمام المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 114 لسنة 2 القضائية (الإقليم السوري) في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق بجلسة 14 من تموز (يوليه) سنة 1960 في الدعوى رقم 41 لسنة 1 القضائية المقامة من السيد/ فجادور طوخمانيان ضد كل من (1) وزارة الصحة في الإقليم الشمالي بالإضافة للوظيفة، (2) وزارة التربية والتعليم في الإقليم الشمالي بالإضافة للوظيفة، القاضي "بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات وخمسين ليرة مقابل أتعاب المحاماة"، وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "(1) قبول الطعن شكلاً، (2) قبوله موضوعاً وإلغاء القرار المطعون فيه وإجابة المطالب الواردة في استدعاء الدعوى الأساسية، وتضمين الجهة المدعى عليها المطعون ضدها الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة، مع الاحتفاظ بسائر الحقوق" وقد عقبت الجهة الإدارية على هذا الطعن الذي أبلغ إليها في 10 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 بمذكرة مؤرخة 29 منه طلبت فيها "الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وذلك لما أبدته بها من أسباب، كما أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني مؤرخة 11 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1960 انتهت فيها إلى أنها "تؤيد ما جاء في الحكم المطعون فيه وتطلب رفض الطعن للأسباب الواردة في الحكم.." وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 14 من شباط (فبراير) سنة 1961، وفي 23 من كانون الثاني (يناير) سنة 1961 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها أجل نظره إلى جلسة 16 من شباط (فبراير) سنة 1961، ثم إلى جلسة 25 منه لاستيضاح بعض نقط لازمة للفصل فيه من السيد/ عميد كلية طب الأسنان بجامعة دمشق. وفي هذه الجلسة قررت الدائرة "إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا في دور مقبل" وفي 18 من نيسان (إبريل) سنة 1961 أبلغ ذوو الشأن بأنه قد عين يوم الاثنين الموافق أول آيار (مايو) سنة 1961 لنظر الطعن. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 92 أساس عام 1959 ضد كل من وزارتي الصحة والتربية والتعليم في الإقليم السوري أمام المحكمة العليا السابقة بدمشق بعريضة أودعها ديوان المحكمة في 3 من شباط (فبراير) سنة 1959 طلب فيها "(1) قبول الدعوى شكلاً. (2) قبولها موضوعاً وإبطال القرارين المطعون فيهما وهما: ( أ ) القرار الصادر بكتاب وزير الصحة رقم 378/ 3/ 2 بتاريخ 12 من يناير سنة 1959 المبلغ إلى المدعي بتاريخ 20 من يناير سنة 1959 بواسطة مدير صحة حلب المتضمن شطب اسم المدعي من سجل أطباء وجراحي الأسنان. (ب) قرار لجنة تعادل شهادات الطب الأجنبية الصادر بالضبط المؤرخ في 20 من ديسمبر سنة 1958 المبلغ إلى المدعي مع قرار وزارة الصحة والمتضمن الرجوع عن رأي اللجنة المذكورة الذي كان أوجب تعادل شهادته مع شهادة كلية الطب في الجامعة السورية (فرع طب الأسنان) واقتراح إلغاء الترخيص السابق المعطى له ومنعه من مزاولة العمل (3) تضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والنفقات وإعادة مبلغ التأمين". وذكر بياناً لدعواه، أنه يحمل شهادة في طب الأسنان وجراحتها من معهد طب الأسنان وجراحتها في باريس، وأنه نجح في الامتحان الخطي والشفهي لفحص (الكولوكيوم) في الجامعة السورية، وقررت لجنة تعادل شهادات الطب الأجنبية بناءً على طلب وزارة الصحة منحه معادلة مع شهادة طب الأسنان في الجامعة السورية، ثم سجل اسمه في سجل أطباء وجراحي الأسنان في 13 من آذار (مارس) سنة 1954، وسمح له بمزاولة المهنة بموجب الترخيص الصادر له من وزارة الصحة في هذا التاريخ. وفي 20 من كانون الثاني (يناير) سنة 1959 أبلغ بالقرارين المطعون فيهما، مع أن حق وزارة الصحة في شطب التسجيل وإلغاء الترخيص طبقاً لنص المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 منحصر في حالة وجود وثائق مزورة استند إليها في التسجيل على أن الوزارة لا تملك سوى الشطب المؤقت ريثما يثبت التزوير بالدعوى الجزائية وذلك مراعاة للحقوق المكتسبة بالتسجيل السابق. وقد كانت المادة السادسة من المرسوم التشريعي الملغى رقم 154 لسنة 1949 تجيز الشطب لأسباب أخرى غير التزوير في الوثائق، فلما وضع المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 حصرت المادة السادسة منه حق الوزارة في حالة التزوير كما نصت مادته الأخيرة على إلغاء المرسوم التشريعي السابق رقم 154 لسنة 1949، وفي هذا أكبر دليل على أنه إذا تم التسجيل فلا يجوز شطبه إلا لعلة التزوير. ومن ثم فإن قرار الشطب المطعون فيه يكون قد صدر مخالفاً لحكم هذا النص. كما أنه لا يجوز للجنة تعادل شهادات الطب الأجنبية أن تلغي قرارها السابق ما دام في الأمر حق مكتسب ثبت لصاحبه بصورة قانونية وترتب عليه حق آخر. ولما كان القراران المطعون فيهما قد صدرا لغير الغاية التي أرادها الشارع، وانطويا على تجاوز لحدود السلطة فإنهما يكونان خاضعين للإبطال. وقد تقدم المدعي بعد ذلك بطلب عارض ألحقه بدعواه وأودعه ديوان المحكمة في 7 من شباط (فبراير) سنة 1959 ملتمساً فيه "دعوة وزارة الصحة بصورة مستعجلة وإعطاء القرار بوقف تنفيذ القرار بكتاب رقم 378/ 7/ 2 تاريخ 12 من يناير سنة 1959 لنتيجة دعوى الموضوع" واستند هذا الطلب إلى أن التنفيذ السريع يلحق به ضرراً فادحاً لا يمكن تلافيه. وقد قررت المحكمة بجلسة 18 من شباط (فبراير) سنة 1959 بالإجماع "رد طلب وقف التنفيذ" لعدم توافر الأسباب القانونية المبررة له.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قد ردت على هذه الدعوى بمذكرة مؤرخة 18 من شباط (فبراير) سنة 1959 دفعت فيها من حيث الشكل بعدم جواز الطعن بطلب إلغاء قرارين معاً بدعوى إبطال واحدة، ولا سيما أن القرارين صادران من جهتين مختلفتين وفي تاريخين متباينين، وبعدم قبول دعوى إبطال قرار لجنة تعادل الشهادات في وزارة التربية والتعليم الصادر في 30 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 لرفعها في 3 من شباط (فبراير) سنة 1959 أي بعد الميعاد المقرر القانوني، وكذا بعدم جواز سماع طلب وقف التنفيذ لكونه طلباً إضافياً غير مستند إلى أسباب جديدة لم ترد في استدعاء الدعوى. وقالت في الموضوع إنها تلقت رداً رسمياً من الحكومة الفرنسية بأن أكثر معاهد طب الأسنان في فرنسا ومن بينها المعهد الذي منح المدعي شهادته هي معاهد خاصة لا يسمح لحامل شهادتها بممارسة مهنة طب الأسنان في الأراضي الفرنسية، وأن الشهادة الرسمية التي تخول حاملها وحده مزاولة طب الأسنان وجراحتها هي التي يمنحها معهد الطب تحت إشراف مديرية التعليم العالي. وقد استبانت وزارة الصحة من هذا أن سماحها للمدعي بدخول فحص (الكولوكيم) ومنحها إياه الترخيص لمزاولة المهنة، كانا بناء على معلومات لا يصح الاعتماد عليها، وعلى هدي المعلومات الجديدة اجتمعت لجنة تعادل الشهادات وقررت في 20 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 الرجوع عن رأيها السابق في معادلة شهادة المدعي، كما اقترحت إلغاء الترخيص الممنوح له ومنعه من مزاولة العمل وبناء على هذا قررت وزارة الصحة شطب اسمه من سجل أطباء الأسنان، وذلك كله في سبيل المصلحة العامة باعتبار أن الشهادة الممنوحة للمدعي لا تعادل شهادة كلية طب الأسنان في الجامعة السورية، وأنها لا تخوله حق ممارسة المهنة أو حتى حق دخول فحص (الكولوكيم)، إذ أن تعادل الشهادة الأجنبية بشهادة الجامعة السورية يجرى على أساس برنامج الدراسة وعدد سنيها، وقد ثبت أن المعهد الذي منح المدعي شهادته لا يتقيد بشرط الدوام ولا بمنهج الدراسة المعمول به في الجامعة السورية، وخلصت الجهة الإدارية من هذا إلى طلب "رد دعوى الجهة المدعية وتضمينها كافة الرسوم والمصاريف والأتعاب مع التحفظ".
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت مذكرة بالرأي القانوني مسبباً ردت فيها على الدفعين اللذين أثارتهما الجهة الإدارية من حيث الشكل بأنه لما كان القراران المطعون فيهما مرتبطين ببعضهما ارتباطاً وثيقاً لا يجوز معه التفريق بينهما، فليس ثمة مانع قانوناً بحكم الضرورة من نظر الطعن فيهما معاً بدعوى واحدة، وأنه لما كان المدعي قد أبلغ بقرار لجنة تعادل الشهادات مع قرار وزير الصحة في 20 من كانون الثاني (يناير) سنة 1958، وكان قد أقام دعواه في 3 من شباط (فبراير) سنة 1959، فإنها تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني. وذكرت في الموضوع فيما يتعلق بقرار لجنة تعادل الشهادات الأجنبية - أن رجوع اللجنة عن قرارها السابق إنما استند إلى الكتاب الوارد من وزارة الخارجية الفرنسية وإلى رأي وزارة العدل، مع أن الكتاب المشار إليه لا يتضمن أن تقدير لجنة التعادل السابق كان خاطئاً ولا أن الشهادة الممنوحة للمدعي لا تعادل شهادة كلية الطب في الجامعة السورية، ولا سيما أنه قد اجتاز بنجاح الفحص الإجمالي بحضور ممثل لوزارة الصحة، وأنه نال بذلك حقاً مكتسباً في الترخيص له في مزاولة مهنة طب الأسنان، ولا يجوز سلبه هذا الحق بعد مضي مدة المراجعة أمام قضاء الإلغاء إذ لا يمكن الرجوع عن قرار إداري غير تنظيمي أكسب الفرد حقاً، الأمر الذي يجعل قرار لجنة التعادل المطعون فيه حرياً بالإلغاء. أما عن قرار شطب اسم المدعي من سجل الأطباء فقالت إن مفهوم نص المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 69 لسنة 1952 هو أن الشطب الوارد فيها شطب التسجيل قد تم بالاستناد إلى وثائق ثبت مؤقت لا يلجأ إليه إلا إذا تبين أن تزويرها نتيجة دعوى عامة أقيمت على الطبيب المسجل بجرم التزوير. ولما كان الثابت من الأوراق أن شطب اسم المدعي من سجل الأطباء لم يستند إلى هذا السبب بل إلى رجوع لجنة تعادل الشهادات عن قرارها السابق، وأنه ليس شطباً مؤقتاً بل هو شطب نهائي له قوة التنفيذ من تاريخ وقوعه دون انتظار نتيجة قرار من المرجع القضائي المختص، فإنه يكون والحالة هذه مخالفاً للقانون، ويكون القرار الصادر به جديراً بالإلغاء لهذا السبب ولعيب إساءة استعمال السلطة الذي شابه، وكذا لمخالفته لمبدأ وجوب احترام الحق المكتسب والمبادئ القانونية العامة لروح العدالة وانتهت هيئة مفوضي الدولة من هذا إلى أنها ترى "قبول هذه الدعوى شكلاً (2) قبولها موضوعاً وإلغاء القرارين المطعون فيهما لما ذكر من أسباب".
ومن حيث إن وزارة الصحة قدمت في 30 من حزيران (يونيه) سنة 1960 مذكرة تكميلية بدفاعها صممت فيها على طلب "رفض الطعن" وعلى أقوالها السابقة، وأضافت إليها أن مدارس طب الأسنان في فرنسا كما يبين من كتاب وزارة الخارجية الفرنسية هي مؤسسات خاصة، وأن شهادتها غير معترف بها، وأن ممارسة مهنة طب جراحة الأسنان مقصورة على من يحصل على الشهادة من كلية جراحة الأسنان التابعة لكلية الطب، وأن مدارس طب الأسنان الخاصة لا تخضع لذات المنهج الدراسي بكلية الطب، وأن المدعي لا يحمل لقب دكتور، ولا تعترف الدولة الفرنسية له بهذا اللقب لعدم اعترافها بالشهادة التي يحملها والتي لا تعدو أن تكون ورقة بيضاء، والنتيجة العملية لإنكار الدولة الفرنسية لهذه الورقة أنها لا تسمح للحاصل عليها بممارسة مهنة طب الأسنان، وبذا تكون الورقة المذكورة غير معادلة لشهادة طب الأسنان السورية التي تتميز بخلع لقب دكتور على صاحبها والسماح له بمزاولة مهنة الطب وبالتالي يكون من الخطأ إجراء فحص إجمالي (كولوكيوم) للمدعي ما دامت لا تتوافر فيه سائر الشروط المتعلقة بالشهادة. وإذا كانت جهة الإدارة قد أصدرت له ترخيصاً على خلاف تلك الشروط الجوهرية بناء على خطأ في الواقع فإن تصرفها هذا يقع معدوم الأثر قانوناً، كما أن تسجيلها إياه ضمن الأطباء السوريين على أساس هذا الخطأ يكون مجرداً من أية قيمة قانونية، ويمكنها العدول في أي وقت عن قرارها الصادر في هذا الشأن بوصفه مجرد عمل مادي لا يكسب المدعي أي حق ما دام سبب هذا الحق منعدماً لفقدانه أحد أركانه الجوهرية وهو الشهادة، ذلك أن الجهة الإدارية لا اختصاص لها في إنشاء مركز قانوني للمدعي يخوله حق مزاولة مهنة طب الأسنان، وإنما يقتصر اختصاصها على الاعتراف بحالة قررها القانون إذا ما توافرت مقوماتها، فإذا كان القانون لا يقرها وقع القرار معدوماً، لا لمجرد مخالفته للقانون بل لانعدام السبب والواقعة التي بني عليها. ولما كانت ممارسة مهنة الطب واقعة مستمرة ومتجددة فإن سحب الترخيص الصادر بها يكون جائزاً في أي وقت لفقدانها سببها القانوني دون إمكان الاحتجاج بحق مكتسب أو بحصانة قرار معدوم السبب.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على دفاع الجهة الإدارة بمذكرة مؤرخة من تموز (يوليه) سنة 1960 طلب فيها "رد دفوع الجهة المدعى عليها وإجابة مطالب المدعي" ورد على أسانيد الوزارة بأن شهادته ليست ورقة بيضاء كما تزعم بدليل أن لجنة التعادل سبق أن فحصتها ووجدتها جديرة بالتعادل، وأنه سمح له بناء عليها بدخول الفحص الإجمالي لتكملتها حتى تصبح وكأنها صادرة من الجامعة السورية، وقد اجتاز هذا الفحص بنجاح وبذا أتم الموجبات القانونية وأصبح حاملاً للقب دكتور واقعياً وقانوناً. أما الاحتجاج بالقرار المنعدم فلا وجه له لأن هذا لا يكون إلا في حالة تجاوز سلطات الدولة لحدود اختصاصاتها واعتدائها على بعضها البعض، وهو خلاف حالة صدور قرار بالترخيص في مزاولة المهنة استناداً إلى شهادة صادرة من جامعة، وإذا صح أن لجنة التعادل قد أخطأت في تقديرها عندما درست شهادة المدعي فإن مثل هذا الخطأ لا يجعل قرار اللجنة منعدماً، وبالتالي فإن قرار الوزارة بالترخيص في ممارسة المهنة لا يكون منعدماً كذلك. هذا إلى أنه لم يرد في المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 نص يوجب أن تكون الشهادة معترفاً بها في البلد الأجنبي الذي منحها، أو أن يكون من شأنها تأهيل حاملها لممارسة العمل في هذا البلد. وكل ما اشترطه هذا المرسوم هو أن تكون معادلة لشهادة الجامعة السورية، وأن تكون العبرة في هذا التعادل ببرنامج الدراسة وعدد سنيها لا بالاعتراف أو عدمه على أن عدم السماح بممارسة مهنة طب وجراحة الأسنان لحامل شهادة المدعي في فرنسا لا يعود إلى نقص في معلومات هذا الشخص وإنما مرده إلى اعتبارات خاصة ارتأتها الدولة لا شأن لها بالقيمة العلمية لهذه الشهادة، وليس المقام مقام تطبيق القوانين الفرنسية أو مسايرة هذه الاعتبارات.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري بدمشق التي أحيلت إليها هذه الدعوى من المحكمة العليا السابقة في 13 من نيسان (إبريل) سنة 1959 إعمالاً لحكم المادة الثانية من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة وقيدت بجدولها تحت رقم 41 لسنة 1 القضائية قضت فيها بجلسة 14 من تموز (يوليه) سنة 1960 "بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات وخمسين ليرة مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن قضاء المحكمة العليا السابقة في موضوع طلب وقف التنفيذ يتضمن رفض الدفع الشكلي الذي تمسكت به جهة الإدارة أمامها، وأن الحكم الوارد في المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 من تخويل وزير الصحة حق شطب اسم الطبيب بصفة مؤقتة إذا ظهر أن تسجيله استند إلى وثائق مزورة وذلك بعد إقامة دعوى الحق العام عليه إنما هو حكم خاص بالنسبة إلى حالة بذاتها، ومن ثم فلا يوجد ما يمنع قانوناً من أن تسحب الإدارة القرار الصادر بتسجيل اسم الطبيب وبالترخيص له في مزاولة المهنة إذا شاب هذا القرار عيب جعله قابلاً للسحب. ولقد نصت الفقرة "ب" من المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 على أنه يشترط للتسجيل والحصول على الترخيص في مزاولة المهنة أن يكون الطالب قد نال شهادة ولقب دكتور في الطب من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كليات الطب العثمانية في المعهد العثماني أو من كلية طب أجنبية تعادل شهادتها شهادة كلية الطب في الجامعة السورية على أن يجتاز في هذه الحالة الأخيرة فحصاً إجمالياً (كولوكيوم) تبين شروطه ورسومه بقرار من وزير الصحة كما نصت المادة العشرون من المرسوم التشريعي ذاته على أنه "يشترط فيما يتعلق بأطباء الأسنان - أن يكون الطالب قد نال شهادة طب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية أو كلية أجنبية ضمن الشروط المبينة في المادة الثانية، ولا تأثير للقب دكتور الذي تمنحه بعض الكليات من معاملة تعادل الشهادة الأجنبية، وإنما يجرى التعادل بالنسبة لبرامج الدراسة وعدد سنيها". ويؤخذ من هذه النصوص أن المشرع اشترط في الشهادة الأجنبية تعادلاً من حيث الجهة التي منحتها وصلاحيتها لممارسة المهنة، ومن ثم فإنه يدخل في مجال التعادل أن يكون المؤهل الأجنبي من كلية طب وأن يكون معترفاً به من جانب الدولة أي أن يؤهل صاحبه لممارسة المهنة على غرار الشهادة الصادرة من كلية الطب السورية، ثم يأتي بعد ذلك التعادل من حيث الدوام وبرنامج الدراسة. ولما كان الثابت أن المدعي حصل على شهادة من معهد فرنسي خاص غير معترف بشهاداته، وأن هذه الشهادة فقدت عنصراً جوهرياً يقتضيه القانون لتقدير التعادل لكونها لا تؤهل حاملها لممارسة مهنة جراحة وطب الأسنان، فإن السلطة المخولة للجنة تعادل الشهادات تكون في خصوصها سلطة مقيدة بنص القانون ومفهومه، ويكون القرار الصادر من اللجنة المذكورة إنما هو قرار تنفيذي يتضمن مركزاً قانونياً مصدره القانون، ومن ثم يجوز للسلطة الإدارية سحب قراراتها التي من هذا القبيل في أي وقت متى استبان لها مخالفتها للقانون، إذ ليس ثمة حق مكتسب في هذه الحالة يمتنع على الجهة الإدارية المساس به. وبناء على ما تقدم يكون القراران المطعون فيهما على وفق القانون ولا يقبل الاحتجاج إزاءهما بأي حق مكتسب، وتكون الدعوى متعينة الرفض.
ومن حيث إن المدعي قد طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة بدمشق في 7 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 طلب فيها: "1 - قبول الطعن شكلاً. 2 - قبوله موضوعاً وإلغاء القرار المطعون فيه وإجابة المطالب الواردة في استدعاء الدعوى الأساسية، وتضمين الجهة المدعى عليها المطعون ضدها الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة. مع الاحتفاظ بسائر الحقوق" واستند في أسباب طعنه إلى أن المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 لا تسمح بشطب تسجيل الطبيب إلا لعلة تأسيساً على وثائق مزورة على أن يكون الشطب مؤقتاً وبعد إقامة الدعوى العامة انتظاراً لنتيجة هذه الدعوى. وقد حصر المشرع حق الوزارة في الشطب في هذه الحالة الوحيدة فليس يوجد أي نص آخر بالشطب في غيرها وهذا واضح من مقارنة نص هذه المادة بنص المادة السابقة من المرسوم التشريعي رقم 154 لسنة 1949 التي ألغيت والتي كانت تبيح لوزير الصحة شطب التسجيل إذا كان قد تم بطريق التزوير أو بطرق احتيالية أو بوسائل أخرى غير مشروعة، فلما حلت محلها المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 أسقطت عبارة "بطرق احتيالية أو بوسائل أخرى غير مشروعة" وحصرت الشطب في حالة واحدة هي حالة استناد التسجيل إلى وثائق مزورة مع إحاطتها بضمانات هي إقامة دعوى الحق العام وتوقيت الشطب انتظاراً لنتيجة البت في هذه الدعوى من القضاء المختص. ولا يغير من الأمر شيئاً أن يكون قد حدث خطأ في التقدير أو التطبيق عند إتمام التسجيل، على أن الواقع أن مثل هذا الخطأ لم يقع عند تسجيل المدعي والترخيص له، ذلك أن قوانين التعادل قد عينت اللجنة المختصة بإقرار هذا التعادل وأسندت إليها مهمة التحقق من أمر الشهادة المعروضة عليها من مختلف الوجوه المتعلقة بالدوام ومواد الدراسة والفحوص والسوية العلمية، وقد درست لجنة تعادل الشهادات كل هذه الوجوه وقررت معادلة شهادة المدعي ثم كلفته دخول الفحص الإجمالي الذي اجتازه بنجاح وبذا أصبحت شهادته معادلة لشهادة جامعة دمشق ورخص له في ممارسة المهنة. وليس في القانون ما يوجب أن يكون المؤهل الأجنبي معترفاً به من الدولة التي منحته معاهدهاً، ولو أراد المشرع هذا لذكره صراحة ضمن الشروط التي نص عليها. أما منع ممارسة المهنة في الدولة مانحة الشهادة فليس لعلة عدم كفاية المعلومات أو نقص في برامج الدراسة وإنما اعتبارات أخرى لا علاقة لها بالمعلومات أو بالكفاية العلمية. ومهما يكن من أمر فإن المدعي قد ترتب له حق ومركز قانوني لا يمكن المساس بهما، وقد كسبهما بمقتضى قرارات ليست من قبيل القرارات المعدومة الأمر الذي لا يجوز معه سحبها بعد مضي ستين يوماً مهما شابها من عيب ضماناً لاستقرار الأوضاع الإدارية واطمئنان الأفراد إلى احترام حقوقهم المكتسبة، وإذا كان ثمة قرار غير مشروع ومخالف للقانون فهو القرار الأخير المطعون فيه القاضي بشطب الترخيص الصادر للمدعي.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قد عقبت على هذا الطعن بمذكرة أودعتها ديوان مجلس الدولة في 2 من تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1960 أحالت فيها إلى دفاعها السابق وإلى الأسباب التي بني عليها حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه، وزادت على ذلك أنه يتضح من مطالعة المادة 20 معطوفة على المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 أن شرط حصول المرخص له على لقب دكتور واجب ولكنه ليس كافياً وحده بدون التعادل واجتياز الفحص الإجمالي. وأنه يؤخذ من كتاب وزارة الخارجية الفرنسية أن مزاولة مهنة طب الأسنان في فرنسا لا يسمح بها إلا لمن يحمل شهادة من كلية جراحة الأسنان التابعة لكلية الطب، وليست شهادة المدعي منها ولو أنه كان فرنسياً لما سمح له بممارسة المهنة في فرنسا ولا بدخول فحص (الكولوكيوم) وأن نص المادة السادسة في كلا المرسومين التشريعيين رقم 154 لسنة 1949 ورقم 96 لسنة 1952 إنما هو حكم خاص لحالة بذاتها وهي بناء الترخيص على وثائق مزورة. وهي بناء الترخيص على وثائق مزورة البت في صحة الوثائق أو تزويرها بوصفه صاحب الكلمة النهائية في هذا الموضوع، ولذا جعل قرار الإدارة مؤقتاً ريثما يصدر القضاء حكمه النهائي فيجرى القرار الإداري على وفقه دون أن يسبقه فيتناقض معه. على أن الحالة في هذه الدعوى بعيدة كل البعد عن مجال المادة السادسة آنفة الذكر. إذ أن الإدارة رخصت للمدعي في مزاولة مهنة طب الأسنان دون أن تكون لديه الشهادة القانونية التي تبرر هذا الترخيص، ولما كانت سلطتها في هذا الشأن مقيدة وقرارها هو قرار تنفيذي يتضمن مركزاً قانونياً مصدره القانون، فإنها يكون لها حق سحبه في أي وقت متى استبان لها مخالفته للقانون. وإذا كانت المخالفة في الترخيص موضوع هذه الدعوى جسيمة وصارخة فإن القرار يكون معدوماً وينزل إلى مجرد العمل المادي. وختمت الجهة الإدارية مذكرتها بطلب "الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي تقدم إلى وزارة الصحة والإسعاف العام في 7 من آذار (مارس) سنة 1953 بطلب ذكر فيه أنه كان ينتسب منذ 5 من كانون الثاني (يناير) سنة 1930 إلى مدرسة جراحة الأسنان أمراض الفم في باريس، وأنه تخرج من هذه المدرسة في 27 من تموز (يوليه) سنة 1935 حاملاً شهادة الدبلوم التي تمنحها في طب الأسنان رقم 513 المؤرخة 27 من تموز (يوليه) سنة 1935، ولما كان راغباً في مزاولة مهنة طب الأسنان في سوريا فإنه يطلب تسجيله لدى الوزارة، وفي 14 من آذار (مارس) سنة 1953 أرسلت الوزارة هذه الشهادة إلى لجنة معادلة شهادات الطب الأجنبية لأطباء الأسنان لبيان ما إذا كانت معادلة لشهادة طب الأسنان التي تصدر من كلية الطب في الجامعة السورية أم لا. وقد أجابت اللجنة الوزارة في 24 من كانون الثاني (يناير) سنة 1954 بأنه لدى دراسة الشهادة المقدمة من المذكور والصادرة من كلية طب الأسنان في باريس في 27 من تموز (يوليه) سنة 1935 - "تبين أنها تعادل شهادة طب الأسنان الصادرة من الجامعة السورية". وعلى أثر هذا تقدم المدعي إلى الوزارة في 6 من شباط (فبراير) سنة 1954 بطلب يلتمس فيه دخول فحص (الكولوكيوم) لدورة استثنائية. وفي 15 من شباط (فبراير) سنة 1954 اجتمعت اللجنة المختصة في مستشفى كلية الطب في الجامعة السورية بصورة استثنائية وأجرت الاختبارات المنصوص عليها في القرار رقم 9/ ت المؤرخ 19 من شباط (فبراير) سنة 1953 للمذكور، وقررت أن هذه الاختبارات أسفرت عن نجاحه بدرجة وسط. وفي 22 من شباط (فبراير) سنة 1954 أعطى وزير الصحة والإسعاف العام للمدعي شهادة باجتيازه الفحص الإجمالي ذكر فيها أنه تبين من ضبط لجنة الفحص الإجمالي لأطباء الأسنان المؤرخ 15 من شباط (فبراير) سنة 1954 المؤلفة بموجب قرار وزارة الصحة والإسعاف العام رقم 5/ ت المؤرخ 3 من كانون الثاني (يناير) سنة 1953 المتضمن نتيجة فحص الدورة الاستثنائية المنعقدة في مستشفى كلية الطب في الجامعة السورية، أن طبيب الأسنان السيد/ فجادور طوغمانيان المقبول في الدورة المذكورة قد اجتاز الفحص بدرجة وسط، وبناء على هذا تم تسجيل المدعي في سجلات أطباء الأسنان في 27 من شباط (فبراير) سنة 1954 والترخيص له في مزاولة المهنة تحت رقم 9/ أ في 13 من آذار (مارس) سنة 1954. وقد مارس المهنة بالفعل في سوريا استناداً إلى أحكام المرسوم التشريعي رقم 96 الصادر في 22 من أيلول (سبتمبر) سنة 1952، إلى أن تشككت الوزارة بمناسبة معينة خاصة بشخص آخر في القيمة العلمية للشهادة الحاصل عليها. فاستطلعت رأي الحكومة الفرنسية في شأنها. وبناء على مذكرة إدارة العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الفرنسية المؤرخة 20 من آذار (مارس) سنة 1959 التي ورد بها أن مدارس طب الأسنان الفرنسية كلها مؤسسات خاصة، وأن الشهادات التي تمنحها غير معترف بها ولا تخول حاملها حق ممارسة جراحة الأسنان، وأن شهادة الدولة لجراحة الأسنان التي تمنحها الهيئة الفاحصة في كلية الطب تحت رقابة مديرية التعليم العالي في وزارة التربية الوطنية هي وحدها التي تخول حاملها حق ممارسة جراحة الأسنان وأمراض الفم في الأراضي الفرنسية، اجتمعت لجنة تعادل شهادات الطب الأجنبية في 30 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 وأعادت النظر في الموضوع، وانتهت إلى اتخاذ قرار يتضمن رجوعها عن رأيها السابق في تعادل شهادة المدعي مع شهادة كلية الطب في الجامعة السورية (فرع طب الأسنان)، واقترحت إلغاء الترخيص المعطى له ومنعه من مزاولة العمل، وعلى هذا شطبت الوزارة اسمه من سجل أطباء الأسنان ومنعته من مزاولة المهنة.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم التشريعي رقم 96 الصادر في 22 من أيلول (سبتمبر) سنة 1952 "لا تجيز لأحد أن يزاول مهنة الطب إلا بعد تسجيلها في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله منها على ترخيص في ممارسة المهنة" وتشترط المادة الثانية من هذا المرسوم للتسجيل والحصول على الترخيص المشار إليه شروطاً في الطالب من بينها ما ورد في الفقرة (ب) من "أن يكون قد نال شهادة ولقب دكتور في الطب من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كليات الطب العثمانية في العهد العثماني أو من كلية طب أجنبية تعادل شهادتها شهادة كلية الطب في الجامعة السورية، على أن يجتاز في هذه الحالة الأخيرة فحصاً إجمالياً (كولوكيوم) تعين شروطه ورسومه بقرار من وزارة الصحة" وأضافت هذه المادة أنه "تعين بقرار من وزارة الصحة والإسعاف العام لجنة مؤلفة من الأمين العام رئيساً وأربعة أطباء أعضاء اثنين من وزارة الصحة واثنين من كلية الطب في الجامعة السورية، مهمتها النظر في تعادل الشهادات الأجنبية مع شهادة الجامعة السورية" وأنه "تجري كلية الطب الفحص الإجمالي بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها" وقد نصت المادة السادسة من المرسوم التشريعي آنف الذكر على أنه "إذا ظهر بأن تسجيل الطبيب في سجل الأطباء تم بالاستناد إلى وثائق مزورة جاز لوزير الصحة والإسعاف العام شطب اسم هذا الطبيب مؤقتاً من سجل الأطباء. وذلك بعد إقامة دعوى الحق العام عليه بجرم التزوير، ويستمر مفعول هذا الشطب ريثما يصدر القضاء حكمه في القضية بقرار مكتسب قيمة القضية المقضية". كذلك نصت المادة العشرون من هذا المرسوم وهي الواردة في الفصل الخامس الذي تناول الأحكام الخاصة بأطباء الأسنان على أنه "لا يجوز لأحد مزاولة الطب وجراحة الأسنان بأية صفة عامة كانت أو خاصة إلا بعد تسجيله في سجل أطباء وجراحي الأسنان في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله على ترخيص منها بعد تسجيله في نقابة أطباء الأسنان، ويشترط للتسجيل والترخيص أن يكون الطالب قد نال شهادة بطب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية أو كلية طب أجنبية ضمن الشروط المبينة في المادة الثانية من هذا المرسوم التشريعي. ولا تأثير للقب (دكتور) الذي تمنحه بعض الكليات من معاملة تعادل الشهادات الأجنبية وإنما يجرى التعادل بالنسبة لبرنامج الدراسة وعدد سنيها" كما نصت المادة 21 من المرسوم ذاته على أن "تسري أحكام المواد من (2) إلى (15) على أطباء وجراحي الأسنان".
ومن حيث إنه يخلص من استقراء النصوص المتقدم إيرادها أن الشارع استلزم لمزاولة مهنة الطب - بما في ذلك طب الأسنان وجراحتها - وجوب تسجيل الطبيب في وزارة الصحة والإسعاف العام، وبالنسبة إلى أطباء الأسنان في سجل أطباء وجراحي الأسنان في الوزارة. ثم حصوله منها على ترخيص في مباشرة المهنة بعد تسجيله في نقابة أطباء الأسنان وأنه اشترط لإجراء هذا التسجيل ومنح الترخيص شروطاً فيما يتعلق بالأطباء عامة من بينها الحصول على المؤهل العلمي وكذا لقب دكتور في الطب من كلية الطب في الجامعة السورية أو من كليات الطب العثمانية في العهد العثماني أو من كلية طب أجنبية تعادل شهادتها كلية الطب في الجامعة السورية، وبالنسبة إلى أطباء الأسنان خاصة أن يكون الطالب قد نال شهادة في طب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية، أو من كلية طب أجنبية على أن تخضع الشهادة في هذه الحالة الأخيرة للشروط الواردة في المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1954 والخاصة بالشهادات الممنوحة من كليات الطب الأجنبية، وهي أن تكون معادلة لشهادة كلية الطب في الجامعة السورية، وأن يجتاز حاملها فحصاً إجمالياً (كولوكيوم) تعين شروطه ورسومه بقرار من وزارة الصحة. أي أن يمر اعتماد هذه الشهادة وترتيب أثرها عليها بمرحلتين (أولاهما) تحقيق تعادلها مع شهادة كلية طب الأسنان في الجامعة السورية وتتولاه لجنة تعادل الشهادات الأجنبية مع شهادة الجامعة السورية (والثانية) اجتياز الفحص الإجمالي الذي تجريه كلية الطب بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها. وقد أورد الشارع حكماً خاصاً بأطباء الأسنان أفردهم به وهو عدم الاعتداد بلقب دكتور الذي تمنحهم إياه بعض الكليات، فقضى بأن حصول الطالب على هذا اللقب لا يعفيه من وجوب إعمال تعادل شهادته الأجنبية مع شهادة كلية طب الأسنان في الجامعة السورية على الرغم من حيازته هذا اللقب، إذ نص في المادة 20 بالنسبة إلى أطباء الأسنان على وجه التخصيص على أنه لا تأثير للقب دكتور الذي تمنحه بعض الكليات من معاملة تعادل الشهادات الأجنبية. وإذ أشار النص إلى أن اللقب المذكور تمنحه بعض الكليات فإن مفهوم هذا أن ثمة كليات أخرى لا تمنحه ومع ذلك فلا ينتقص هذا من قيمة مؤهلها ولا يمنع من إجراء التعادل، أي أن الشارع لم يشأ أن يرتب على عدم منح هذا اللقب اعتبار الشخص فاقداً لشرط من شروط صلاحية مؤهله للتعادل، بل إنه أطرح اللقب في هذه الحالة ولم يجعل له تأثيراً إيجابياً أو سلبياً أي سواء منح أو لم يمنح، وبين على وجه التحديد من قبيل التيسير للوصول إلى تحقيق التعادل أن الأساس المعول عليه والضابط الواجب الاحتكام إليه في إجراء هذا التعادل إنما هو برنامج الدراسة وعدد سنيها، وحكمة ذلك ظاهرة إذ تقوم على الاستيثاق من جدية الدراسة وعمقها وموضوع موادها وكفاية الوقت المخصص لاستيعابها نظرياً وعملياً، بالمقابلة لمنهج الدراسة وعدد سنيها في كلية طب الأسنان بالجامعة السورية. وقد أثبت المدعي إقامته في فرنسا في تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1930 حتى أيلول (سبتمبر) سنة 1936 بالشهادة المسلمة إليه في 20 من شباط (فبراير) سنة 1961 من القنصلية العامة لسويسرا القائمة على الشئون الفرنسية في حلب. أما برنامج الدراسة فلم يكن ليعوز لجنة التعادل أو ليعجزها أن تضعه بين سمعها وبصرها وهي تقرر التعادل.
ومن حيث إنه متى كان برنامج الدراسة وعدد سنيها بالإضافة إلى المؤهل وبقطع النظر عن اللقب هما المرجع في تعادل شهادة طب الأسنان الأجنبية مع شهادة طب الأسنان من كلية الطب في الجامعة السورية ومناط هذا التعادل، فإن قرار لجنة تعادل الشهادات الأجنبية في 24 من كانون الثاني (يناير) سنة 1954 - وهي لجنة فنية تؤلف من الأمين العام لوزارة الصحة والإسعاف العام رئيساً، ومن أربعة أطباء أعضاء منهم اثنان من وزارة الصحة والاثنان الآخران من كلية الطب في الجامعة السورية - بتعادل شهادة المدعي بعد فحصها والتدقيق فيها على الأساس المتقدم إنما يكون إثباتاً لحقيقة واقعة، والواقع لا يرتفع، ولا يغير من هذا كون الشهادة صادرة في البلد الأجنبي من معهد خاص أو معهد رسمي، أو كونها معترفاً بها من الدولة الأجنبية لمزاولة المهنة في إقليمها أم غير معترف بها، ما دامت قيمتها العلمية قد تحققت وتماثلها مع الشهادة التي تمنحها كلية الطب في الجامعة السورية قد تأكد بقرار اللجنة المختصة، إذ تحدث المشرع عن "شهادة من كلية طب أجنبية" على وجه الإطلاق دون تحديد أو قيد أو تخصيص من حيث طبيعة هذه الكلية أو وضعها، ومن ثم فإن قرار لجنة التعادل يكون قد صدر في نطاقه صحيحاً مطابقاً للواقع والقانون، ويكون رجوعها في هذا القرار، بعد بضع سنين، بحجة قيامه على خطأ في الواقع قولاً بأن المدعي لا يحمل أي شهادة قانونية في غير محله لانتفاء هذا الخطأ من جهة ولصحة القرار في ذاته وفي الحقيقة الواقعية التي أثبتها من جهة أخرى، ولا سيما أن ما أجابت به إدارة العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية الفرنسية من أن مدارس طب الأسنان الفرنسية كلها مؤسسات خاصة غير حكومية وأن الشهادات التي تمنحها لا تخول حاملها حق ممارسة طب الأسنان وجراحته في الأراضي الفرنسية - ومرجع هذا إلى أسباب واعتبارات خاصة تتعلق بسياسة الدولة الفرنسية ونظمها الداخلية - لا يعني إهدار القيمة العلمية الذاتية لشهادة المدعي أو إنكار صفة التخصص في تدريس طب الأسنان وجراحته والأهلية لذلك على المعهد الذي منحه إياها والذي يباشر نشاطه التعليمي في ظل القوانين الفرنسية. وإذا صح أن سلطة لجنة التعادل هي سلطة مقيدة فيما يتعلق بتطبيق الشروط القانونية الواجب توافرها لإمكان إجراء التعادل، فإن ثمة عنصر تقدير في النهاية تتمتع به اللجنة دون ريب عند إعمال هذا التعادل فيما يختص بموازنة القيمة العلمية للمؤهل المطروح عليها بشهادة طب الأسنان في الجامعة السورية وتقرير معادلتها إياها أو رفض الموافقة... على هذه المعادلة بما لا معقب عليها فيه، الأمر الذي يستتبع تحصين قرار اللجنة في هذه الناحية بانقضاء ميعاد سحبه.
ومن حيث إنه متى تحقق التعادل بناء على قرار اللجنة الفنية صاحبة الاختصاص في ذلك، تعين لإمكان تسجيل اسم الشخص في وزارة الصحة والإسعاف العام وحصوله منها على الترخيص اللازم لمزاولة مهنة طب الأسنان وجراحتها، استيفاء شرط تكميلي واجب بالنظر إلى كون المؤهل الذي تقرر تعادله صادراً من معهد طب أجنبي، وهذا الشرط هو اجتياز فحص إجمالي (كولوكيوم) تجريه كلية الطب بتكليف من وزارة الصحة وحضور ممثل عنها، ودخول هذا الفحص يتعلق به حق الطالب بمجرد اعتماد تعادل الشهادة، والغاية منه هي التأكد من جدارة حامل هذه الشهادة وكفاية معلوماته الطبية وسلامتها من الناحيتين النظرية والعملية وصلاحيته لممارسة المهنة. وهذا الفحص الإجمالي هو الذي يقابل ويحاذي في فرنسا الاختبار الذي تجريه هيئة المحلفين الفاحصة في كلية الطب بها تحت رقابة مديرية التعليم العالي في وزارة التربية الوطنية والذي هو بمثابة مرحلة ختامية وإجراء تكميلي - على حد ما أوضحه السيد عميد كلية طب الأسنان بجامعة دمشق لدى مناقشة المحكمة إياه بجلسة 25 من شباط (فبراير) سنة 1961 - لتقويم المؤهل وشروط أساس تخويل حامله - متى كان متمتعاً بالجنسية الفرنسية - حق ممارسة المهنة في الأراضي الفرنسية. وإذ كان غير الفرنسي لا تتاح له مزاولة المهنة في فرنسا، فمن الطبيعي أن يكون تقدمه للفحص الإجمالي في بلده وأن يقوم هذا الفحص بالنسبة إليه مقام فحص هيئة المحلفين في فرنسا بالنسبة إلى الفرنسيين، وأن يكون مؤهله هو سند دخول الفحص، ونجاحه في هذا الفحص - لا المؤهل ذاته - سواء في فرنسا أو في سوريا هو مصدر حقه في الترخيص له في مزاولة المهنة، ولما كانت دراسة الفحص لا تزيد في معلومات صاحب المؤهل ولا تعطيه مراناً يكسب به خبرة، وإنما هو ضرب من الاختبار العام الإجمالي - فإنه يستوي أن يتم في فرنسا أو خارجها بحسب الأوضاع المقررة لذلك. ولا يمكن القول في الحالة الأخيرة بأن عدم إجرائه في فرنسا للحصول على شهادة الدولة التي تمنحها هيئة المحلفين الفاحصة في كلية الطب بها يعني قصوراً في مواد الدراسة السابقة على هذا الفحص والتي انتهت بمنح المؤهل أو نقصاً في منهجها أو في عدد سنيها أو في معلومات حامل المؤهل الذي لم يدخل الفحص في فرنسا بل أداه في بلده؛ ومن ثم فإن العبرة تكون باجتياز هذا الفحص الذي يتم به تكافؤ الأوضاع والمراكز والمستويات العلمية سواء في فرنسا أو خارجها ويتحقق به استيفاء الشروط المتطلبة قانوناً للترخيص في مزاولة المهنة. ولجنة الفحص الإجمالي، وهي هيئة علمية ذات اختصاص فني بحيث تتمتع بسلطة مطلقة لا معقب عليها في تقدير كفاية الطالب العلمية وصلاحيته أو عدمها لحمل أمانة المهنة ومسئولياتها المتصلة بصحة أفراد الشعب وتملك الحرية التامة في الحكم بنجاحه أو رسوبه، إنما تعمل في هذا الحكم سلطة تقديرية ترخيصية بما لا رجعية فيه بعد إذ يتحصن قرارها في هذا الشأن بانقضاء ميعاد سحبه ويتعلق به حق من صدر له حكمه وما دام المدعي قد حصل على المؤهل اللازم الذي اعتمدته لجنة التعادل وأجرى اختيار على لجنة الفحص فلا وجه للتذرع بوقوع خطأ ما دام لم يقع خطأ بالذات في هذا التقدير. بل إن مثل هذا الخطأ لو فرض وقوعه لما جاز معه إهدار القرار في أي وقت بصفة مطلقة بحجة انعدامه وانحداره إلى مرتبة العمل المادي وأن يكن للجهة الإدارية عذرها فيما ذهبت إليه من فهم لهذه الحقيقة القانونية التي قد يدق فيها تبين وجه الرأي الصحيح وفيما اتخذته من إجراء ترتيباً على هذا الفهم.
ومن حيث إنه إزاء ما سلف بيانه من امتناع الرجوع في قرار لجنة تعادل الشهادات الأجنبية أو القرار الصادر بتسجيل المدعي والترخيص له في مزاولة المهنة بناء على قرار اللجنة المذكورة وقرار لجنة الفحص الإجمالي وعدم جواز المساس بالمركز القانوني الذي ترتب له واستقر تأسيساً على ذلك، لا يكون ثمة محل للتحدي بما أثاره الطرفان من جدل حول تفسير المادة السادسة من المرسوم التشريعي رقم 96 لسنة 1952 في خصوص حق وزير الصحة والإسعاف العام في شطب اسم الطبيب من سجل الأطباء ومدى تطبيق حكم هذه المادة ونطاقها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون المدعي على حق في دعواه وفي طعنه وإذا قضى حكم محكمة القضاء الإداري بدمشق المطعون فيه برفض هذه الدعوى فإنه يكون قد جانب الصواب، ويتعين والحالة هذه إلغاؤه والقضاء بإلغاء القرارين المطعون فيهما الصادر أولهما من لجنة تعادل شهادات الطب الأجنبية بالضبط المؤرخ 30 من كانون الأول (ديسمبر) سنة 1958 برجوع اللجنة عن رأيها في تعادل شهادات المدعي مع شهادة كلية الطب في الجامعة السورية (فرع طب الأسنان) والثاني من وزارة الصحة العمومية والإسعاف العام بكتابها رقم 378/ 3/ 2 المؤرخ 12 من كانون الثاني (يناير) سنة 1956 بشطب اسم المذكور من سجل أطباء وجراحي الأسنان ومنعه من مزاولة المهنة، وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرارين المطعون فيهما والمبينين في أسباب هذا الحكم وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.