مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1133

(141)
جلسة 20 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل، حسن السيد أيوب، إسماعيل أبو الخير قولي وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 65 لسنة 2 القضائية

( أ ) عقد إيجار – عقد إداري – ترخيص – القانون رقم 106 لسنة 1958 في شأن عدم خضوع المحلات العامة المملوكة للدولة والبلديات والمؤسسات العامة لقوانين الإيجار النافذة في الإقليم السوري، وقرار الوزير المختص بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وبإخلاء المستثمر منها – جعلهما العقود المبرمة بشأن هذه المحلات تراخيص عامة – أثر ذلك – استقلال الإدارة بإلغائها – أسباب هذا الإلغاء ومدى استحقاقه التعويض عنه.
(ب) دعوى – تعويض – قبول الدعوى – المادتان الثانية والثالثة من القانون رقم 106 لسنة 1958 – منعهما الطعن في قرارات الوزير بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وقراراته بإخلاء المستثمر منها – عدم شمول المنع لدعوى التعويض عن هذه القرارات – أساس ذلك.
(جـ) عقد إداري – تعويض – نظرية فعل الأمير – شروطها – عدم توافرها في حالة صدور قرار من الوزير المختص بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وإخلاء المستثمر منها بالتطبيق للقانون رقم 106 لسنة 1958 – أساس ذلك.
1 - إن القانون رقم 106 لسنة 1958 بشأن عدم خضوع المحلات العامة المملوكة للدولة والبلديات والمؤسسات العامة لقوانين الإيجار النافذة في الإقليم السوري وقرار الوزير المختص بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وبإخلاء المستثمر منها من شأنهما أن يجعلا العقد الصادر للطاعن ترخيصاً عاماً لا مجرد عقد إيجار عادي ومن ثم يجوز للإدارة في العقود الإدارية بما في ذلك التراخيص العامة أن تستقل بفسخها ولو في أثناء مدتها إذا أخل المرخص له بالتزاماته وفي هذه الحالة لا يستحق تعويضاً أما إذا ما قدرت أن هناك مصلحة عليا أكبر تتحقق بإلغاء الترخيص ففي هذه الحالة الأخيرة لا بد من تعويض للمرخص له عما عساه أن يكون قد أصابه من ضرر.
2 - إن الدفع بعدم القبول الذي شيدته الحكومة على المادتين 2، 3 من القانون رقم 106 لسنة 1958 المتعلق بعدم خضوع المحلات العامة المملوكة للدولة والبلديات والمؤسسات العامة لقوانين الإيجار النافذة في الإقليم السوري في غير محله، ذلك أن المادة الأولى منهما تقضي بالآتي: "يحدد الوزير المختص العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام بقرار منه لا يخضع لأي طريق من طرق المراجعة". وتنص المادة الثانية منهما على أنه "يجوز بقرار من الوزير المختص إخلاء العقارات المستثمرة والتي تعتبر قائمة بخدمة لها صفة النفع العام خلال شهرين من تاريخ تبليغ القرار إلى ذوي الشأن وإلا جاز إخلاؤها بالطرق الإدارية ولا يخضع قرار الإخلاء لأي طريق من طرق المراجعة".
ويبين من صراحة النصين السابقين أن عدم الخضوع لأي طريق من طرق المراجعة إنما ينصب على القرار الذي يصدره الوزير المختص بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وعلى القرار الذي يصدره الوزير المختص بإخلاء تلك العقارات ولا يمتد إلى دعاوى المطالبة بالتعويض عن تلك القرارات بحال من الأحوال؛ إذ أن هذه الدعاوى لا يمنع من سماعها إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة؛ ومن ثم يكون الدفع المبدى من الحكومة على غير أساس من القانون وبالتالي خليقاً بالرفض.
3 - إذا كانت العلاقة بين الطاعن والإدارة هي عقد إداري، فإن شروط نظرية فعل الأمير التي استند إليها الطاعن في تقرير أحقيته في التعويض، غير متوافرة في حالته، ذلك أن شروطها هي:
(1) أن يكون ثمة عقد من العقود الإدارية.
(2) أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة.
(3) أن ينشأ عنه ضرر للمتعاقد لا يشترط فيه درجة معينة من الجسامة.
(4) افتراض أن الإدارة المتعاقدة لم تخطئ حين اتخذت عملها الضار فمسئوليتها عقدية بلا خطأ.
(5) أن يكون الإجراء الصادر من الإدارة غير متوقع.
(6) أن يلحق المتعاقد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.
والشرطان الخامس والسادس غير متوافرين في خصوصية هذه الدعوى، إذ طالما أن عقد المدعي قد أضحى بالقانون رقم 106 لسنة 1958 عقد استثمار، فإن للجهة الإدارية أن تلغيه في أي وقت وقبل نهاية مدته، ومن ثم يكون الإخلاء قد أصبح متوقعاً بطبيعته كما أن هذا التشريع عام يصدق على كل مستغل للعقارات ذات النفع العام، فإن كان قد مس المدعي ضرر، فليس هذا من قبيل الضرر الخاص الذي لا يشاركه فيه سواه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
من حيث إن إجراءات هذا الطعن وعناصر هذه المنازعة سبق أن بينتها هذه المحكمة في الحكم الصادر منها بهيئة سابقة في 21 من أيلول (سبتمبر) سنة 1960 الذي قضى بقبول الطعن شكلاً وقبل الفصل في موضوعه باستيفاء بعض نقاط الدعوى فلا حاجة إلى إعادة ترديدها مرة أخرى في هذا الحكم وحسب المحكمة فيه أن تبرز موجزاً لها حاصله أن الطاعن قال في طعنه إنه في 10 من يناير سنة 1956 اشترى حقوق استثمار مقهى وحديقة الروضة الموصوفتين بالمحضرين 631 و632 من المنطقة العقارية السادسة بحمص من السيد/ أحمد العشا المستأجر الأصلي لهذين العقارين من بلدية حمص منذ سنة 1948 وقد صادق رئيس بلدية حمص على نقل الحقوق التي اشتراها إليه مقابل بدل الإيجار الذي التزم به المستأجر الأصلي ومقداره 27 ألف ليرة سورية سنوياً على أن يتحمل كافة الالتزامات الناشئة من هذا العقد وأضاف الطاعن إلى ما تقدم أن الحقوق التي آلت إليه تخوله أن يظل مستثمراً للعقارين الذين يعتبران من أملاك الحكومة الخاصة طبقاً لقوانين الإيجار التي تعطيه الحق في تجديد العقد وبقائه شاغلاً للمأجور وأنه اعتماداً على هذه القوانين قام بعدة تحسينات في الأعيان المؤجرة ولكن حدث بعد ذلك ما لم يتوقعه إذ صدر القانون ذو الرقم 106 في 30 من تموز (يوليه) 1958 وأخرج عقود استثمار العقارات المملوكة للدولة والبلديات والمؤسسات العامة المنشأة لتقوم بخدمة لها صفة النفع العام من أحكام قوانين الإيجار وخول الوزير المختص سلطة تحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام بقرار منه، وتنفيذاً لحكم هذا القانون أصدر السيد وزير الشئون البلدية والقروية بدمشق القرار ذا الرقم 1053 باعتبار العقارين آنفي الذكر من العقارات التي لها صفة النفع العام وإخلائهما خلال شهرين من تبليغ ذوي الشأن هذا القرار فأخلاهما فعلاً في 12 من نيسان (إبريل) 1959 وحرم من الذي استأجره وتحمل في سبيل ذلك أضراراً غير متوقعة هي اضطراره أن يسرح عماله مع تعويضهم وتحمله نفقات الإصلاحات والتحسينات التي قام بها ولم يحصل على فائدة من العقارين، واستطرد الطاعن ذاكراً: أن ما أدخلته الجهة الإدارية على مركزه التعاقدي معها يعتبر "فعل الأمير" الذي تواضع فقهاء القانون على أحكامه وعلى ضرورة التعويض عنه إن لم يكن متوقعاً حين العقد وإذا مس المتعاقد بضرر خاص، ثم نعت الضرر الذي أصابه بأنه من هذا النوع وأنه لم يصب إلا عدداً محدوداً من الأفراد هم المستأجر السابق لفندق أبي الفداء وهو، ثم قدر هذا التعويض بمبلغ 165 ألف ليرة منها 30 ألف ليرة دفعها تعويضاً للعمال والباقي عبارة عن خمسة أضعاف بدل الإيجار الذي زادت التحسينات مقداره حتى بلغ 47.700 ليرة وهو المبلغ الذي يدفعه المستأجر الجديد سنوياً وإذ عهدت الإدارة باستثمار هذين العقارين إلى غيره فيكون القصد من القرار الإداري محل الطعن هو تغيير شخصي فقط.
ومن حيث إن الجهة الإدارية ردت على الدعوى أولاً بالقول إن العقد ليس عقداً إدارياً وإنما هو عقد إيجار سواء في ذلك العقد الأصلي أو العقد الثاني وأن القضاء العادي هو المختص بنظر المنازعات الناشئة عنه ومن ثم دفعت بعدم قبول الدعوى لعدم الاختصاص ولكنها لم تصر على هذا الدفع.
وطلبت احتياطياً رفضها بمقولة إن التعويض يجب أن يبنى على خطأ الإدارة في إصدارها القرار رقم 1053 سواء من جهة عدم الاختصاص أو وجود عيب في الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو لخطأ في تأويلها أو تطبيقها أو إساءة استعمال السلطة ولم يحدث خطأ من الوزير المختص في إصدار القرار السالف الذكر وأنه قام بالإجراءات التي فرضها القانون في استعمال السلطة التقديرية التي عهد إليه بها وقد خوصم هذا القرار أولاً بدعوى وجهها الطاعن إليه أمام المحكمة العليا سابقاً طالباً بطلانه لما نعاه عليه من عيوب فرفضت دعواه ومن ثم فلا حق للطاعن في أي تعويض كما لا يمكنه الإفادة من نظرية فعل الأمير إذ الأمر الذي حدث كان متوقعاً ومن شرائط إعمال حكم هذه النظرية أن يكون الفعل المستوجب للتعويض غير متوقع عند التعاقد.
ومن حيث إن الحكم الصادر من هذه المحكمة السابق الإشارة إليه انتهى إلى الكشف عما استهدفه الطاعن من هذه الدعوى وهو مطالبته بالتعويض عما أصابه من أضرار على أثر إخلائه العقارين المستثمرين تمثلت في تعويض عماله الذين اضطر إلى تسريحهم وما تكبده في إنشاء التحسينات والإصلاحات، وإلى تقرير أن القانون رقم 106 لسنة 1958 وقرار وزير البلديات الرقيم 1053 من شأنهما أن يجعلا العقد الصادر للطاعن ترخيصاً عاماً، لا مجرد عقد إيجار عادي، ومن ثم يجوز للإدارة في العقود الإدارية بما في ذلك التراخيص العامة أن تستقل بفسخها، ولو في أثناء مدتها وإذا أخل المرخص له بالتزاماته، وفي هذه الحالة لا يستحق تعويضاً، أما إذا ما قدرت أن هناك مصلحة عليا أكبر تتحقق بإلغاء الترخيص، وفي هذه الحالة الأخيرة لا بد من تعويض للمرخص له عما عساه أن يكون قد أصابه من ضرر، ثم رأت أنه من اللازم قبل الفصل في موضوع الدعوى تحري الأسباب الخاصة بالطاعن التي حملت الإدارة على إخلائه من هذين العقارين وأن تكون مشفوعة بالمستندات المؤيدة لهذه الأسباب.
ومن حيث إنه تنفيذاً لذلك الحكم قدمت وزارة البلديات مذكرة أبانت فيها الأسباب التي دعت إلى إصدار القرار المطعون فيه وهي الآتية:
1 - المقهى يقع في مكان هام في بلدة حمص وتعتبر حديقته المنتزه الوحيد لأهالي بلدة حمص.
2 - أساء استثمار المقهى فانخفض مستواه تبعاً لذلك.
3 - أهمل في مراعاة شروط الاستثمار فانخفض مستوى المقهى من حيث الخدمة والأثاث والمشروبات.
وساقت على ما تقدم الأدلة الآتية:
1 - التقرير المؤرخ 14 من فبراير سنة 1955 الذي أعدته لجنة من أعضاء المجلس البلدي.
2 - الإنذار رقم 1434/ ص تاريخ 16 من أغسطس سنة 1956 الموجه من رئيس بلدية حمص الذي تضمنته الإشارة إلى أن معظم كراسي المقهى بالية ومحطمة ولا تصلح للاستعمال.
3 - كتاب بلدية حمص رقم 3099/ ص تاريخ 21 من سبتمبر سنة 1958 الذي طلبت فيه الإخلاء لما تبين لها من إهماله وسوء إدارته للمقهى.
4 - كتابها رقم 4177/ ص تاريخ 29 من سبتمبر سنة 1960 الذي أوضحت فيه البلدية تفاصيل المخالفات التي اقترفها وهي:
أ - أثاث المقهى لا يتناسب مع تصنيف المقهى بأنه في الدرجة الأولى.
ب - خدم المقهى قليلون وخبرتهم غير كافية مما جعل رواده يلجئون إلى الشكوى منهم.
جـ - المأكولات والمشروبات التي كان يقدمها لم تكن من النوع الجيد.
د - عدم العناية بأحواض الحديقة ومزروعاتها القائمة مما يشوه منظر الحديقة.
هـ - إهماله في تأمين التدفئة المركزية في فصل الشتاء.
و - عدم إضاءته المقهى والحديقة إضاءة فنية تقبلها البلدية.
ز - إقامته غرفة من الخشب "رواقاً" في شمال المطعم فأساء بذلك إلى منظر الحديقة.
حـ - إقامته غرفة من الخشب "رواقاً" في الجهة الشرقية من الحديقة وأنشأ أيضاً مطعماً للعائلات وحديقة تابعة له وكذلك بركة ماء ودورة مياه وإنشاءات أخرى شوهت منظر الحديقة وكان ذلك جميعه بغير إذن من البلدية ومخالفاً لشروط العقد رغم تكرار التنبيه عليه من رجال البلدية بضرورة مراعاة هذه الشروط التي وضعتها بغية المحافظة على مستوى المقهى والحديقة اللتين لم تكن تستهدف من استثمارهما الربح المادي ولكن المستثمر جد في الحصول عليه على حساب أهل تلك البلدة، ومن ثم كان لا مناص لها من ضرورة الاستجابة إلى طلبهم بإلغاء هذا الترخيص وأن تعهد به إلى غيره ليقوم بهذه الشروط حتى تضع حداً لشكاوى الجمهور وبغية المحافظة على مستوى المقهى والحديقة الذي وضعته لهما باعتبار المقهى من مقاهي الدرجة الأولى وأنها أضحت بهذه الشروط الجمهور كما أصبحت لها رقابة حازمة على الاستثمار يكفل لها دائماً مراعاة هذه الشروط ودفعت بعدم قبول الدعوى اعتماداً على نص المادتين 2 و3 من القانون رقم 106 لسنة 1958 ثم انتهت إلى القول بأن المستثمر السابق أخل بشروط الاستثمار (السابقة) إخلالاً فاحشاً وجوهرياً وأساء التصرف وشوه منظر الحديقة التي كانت مقصداً لزائري مدينة حمص وأن شكوى المواطنين لم تنقطع منه طوال مدة استثماره. ونعتت طلب التعويض بأنه مطلب غير جدي وآية ذلك أنه على أثر الشكاوى العديدة التي رفعها المواطنون عام 1957 والإشاعات التي استفاضت في تلك السنة والتي رددت محاباة بلدية حمص للمستثمر من حيث بدل الإيجار وحول الغبن الفاحش الذي أصاب البلدية من هذا الاستثمار قدم هو طلباً إلى البلدية بالموافقة على إخلائه من الأعيان المؤجرة بحجة أن استثماره للمقهى لا يؤدي إلى فوائد مادية ملحوظة تتيح له زيادة مقابل الإيجار ومعنى ذلك أن الإخلاء لا يصيبه بأي ضرر وأن هذه المحكمة أقرت في حكمها الأول أن العقد يعتبر ترخيصاً عاماً ولها أن تفسخ هذا الترخيص عند نهاية مدته دون أن يكون عليها أن تعوض المرخص له إذ انتهى عقد الاستثمار في 29 من يونيه سنة 1951 أي بعد انتهاء مدته الأصلية وأن توالي تجديد العقد بصورة ضمنية حتى صدور القرار المطعون فيه يعني أن العقد كان يتجدد لمدة سنة فأخرى حسب ميعاد دفع مقابل الاستثمار، وقد صدر القرار المطعون فيه في 27 من أكتوبر سنة 1958 ولكن لم يتم تنفيذه إلا في 12 من إبريل سنة 1959 ومعنى ذلك أن القرار صدر في أواخر عام 1958 ولم ينفذ إلا بعد نهاية هذا العام بعدة أشهر، وبذلك يكون الترخيص قد انتهى في موعده، وزيادة على ذلك فقد أعفي من مقابل الاستثمار من تاريخ صدور القرار حتى الإخلاء الفعلي وذيلتها بالقول بأن أموال البلدية تعتبر أموالاً عامة وأن الحكم بالتعويض عليها لمستثمر أساء استغلال الأعيان المستثمرة سوف يمنع من صرف هذه الأموال على رعاية المصلحة العامة في إنشاء الطرق والحدائق والتخطيط وإقامة المساكن الشعبية وأن ما توافر من أسباب سبق ذكرها يجعل دعواه حرية بالرد (الرفض).
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة تعقيباً على ما جاء في مذكرة وزارة الشئون البلدية والقروية ضمنها ما يأتي:-
1 - العقد الذي أبرم مع سلفه ومعه بعد ذلك لا يعتبر ترخيصاً إدارياً بل يعتبر عقد إيجار عادي إذ أسلوب التراخيص الإدارية غير معروف في الإقليم الشمالي ولأنه ورد على ملك يعتبر ملكاً خاصاً للدولة والدليل على هذه الملكية الخاصة تسجيلها في السجل العقاري برقم 631 و632 في صحيفة هذا السجل الذي لا يسجل فيه إلا الملك الخاص ولا يسجل فيه الملك العام وذلك طبقاً لنص المادة 6 من القرار رقم 188 المتعلق بالسجل العقاري والمؤرخ 15 من مارس سنة 1926 ويؤيد هذا ما استقر عليه الاجتهاد في الجمهورية العربية المتحدة إذ طالما أن العقد لم يتضمن شروطاً غير مألوفة في العقود الخاصة فلا يكون عقداً إدارياً ولو كانت الجهة الإدارية تنوي التعاقد معه بأسلوب التراخيص الإدارية لأصدرت قراراً بذلك ولكنها لم تفعل وتعاقدت معه طبقاً للشروط العامة التي تحكم كل العقود الخاصة.
2 - القانون رقم 106 لسنة 1958 لم يعتبر التصريح بإشغال العقارات العائدة للبلديات والمؤسسات العامة ترخيصاً إدارياً إلا من تاريخ هذا القانون ولا يمكن بأي حال اعتبار العقد الذي كان قائماً قبل صدوره ترخيصاً إدارياً إذ أنه لم يأت بنص يقرر فيه الأثر الرجعي لهذا القانون وحتى إذا ما قيل بأن هذا القانون يعتبر ذا صفة كاشفة عن حقيقة كانت قائمة قبل صدوره فإن هذه الحقيقة تتعلق بنوع العقارات وهل هي عقارات عامة أو خاصة ولكنها لا تتعلق بالأسلوب الذي لجأت إليه الإدارة في تعاقدها مع الغير على استثمار هذه العقارات.
3 - إذا اعتبر العقد عقداً إدارياً فإن نظرية "فعل الأمير" منطبقة بجميع أركانها.
4 - إذا لم تكن شرائط هذه النظرية متوافرة فإن مسئولية الإدارة تظل قائمة عملاً بفكرة التوازن المالي في العقود الإدارية ومع التسليم بحق الإدارة في إلغاء وتعديل العقود الإدارية في أثناء قيامها فإن هذا الحق يولد عليها مسئولية هي تعويض الضرر الذي يصيب المتعاقد الآخر معها ولو لم يرتكب خطأ وذلك طبقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا ومصر.
5 - أساس دعواه نظرية فعل الأمير التي توجب المسئولية ولو لم يكن هناك خطأ وكذلك فكرة التوازن المالي في العقود الإدارية وطالما أن ضرراً أصابه فيتعين على الجهة الإدارية أن تعوض عنه سواء في ذلك أكان هذا الضرر ناجماً عن خطأ وقعت فيه أو لم يكن خطأ من جانبها.
6 - يؤيد دعواه أن الجهة الإدارية ألغت العقد دون مبرر يدعو لذلك من مصلحة عامة وهي لم تلغه لأنه أساء الإدارة ولكنها فعلت ذلك لتمكن لغيره أن يحل محله بشروط أقل مستوى من تلك التي كانت موجودة في عقده كما أنها اتبعت مع المستثمر الجديد أسلوب التعاقد المباشر ولم تلجأ إلى أسلوب المزايدة كما دفعت له مبلغ ثلاثين ألف ليرة لإصلاح العقار المؤجر بينما دفعت له هو مبلغ أقل، ثم عقد مقارنة بين الشروط في العقدين وانتهى منها إلى القول بأن الشروط الجديدة أقل ضماناً للمصلحة العامة من الشروط التي كانت قائمة وقت استثماره.
ومن حيث إن الخلف بين طرفي المنازعة يدور حول طبيعة العقد القائم بين الجهة الإدارية وبين الطاعن وهل هذا العقد يعتبر ترخيصاً عاماً أم عقداً إدارياً وعن حق الجهة الإدارية في إلغائه وهل تتولد عنه مسئولية تعاقدية أو قانونية من جراء هذا الإلغاء وهل هذا العقد ألغي قبل نهاية مدته وهل لهذه الدعوى، وهي دعوى تعويض، من أساس قانوني أو واقعي تقوم عليه.
ومن حيث إن المحكمة ترى قبل أن تعرض المسائل الخلافية الموضوعية المثارة بين طرفي المنازعة ضرورة الرد على الدفع الذي تقدمت به الحكومة وهو الدفع بعدم القبول الذي شيدته على المادتين 2، 3 من القانون رقم 106 لسنة 1958 المتعلق بعدم خضوع المحلات العامة المملوكة للدولة والبلديات والمؤسسات العامة لقوانين الإيجار النافذة في الإقليم السوري وتنص المادة الأولى منهما بالآتي: "يحدد الوزير المختص العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام بقرار منه لا يخضع لأي طريق من طرق المراجعة". وتنص المادة الثانية منهما "يجوز بقرار من الوزير المختص إخلاء العقارات المستثمرة والتي تعتبر قائمة بخدمة لها صفة النفع العام خلال شهرين من تاريخ تبليغ القرار إلى ذوي الشأن وإلا جاز إخلاؤها بالطرق الإدارية ولا يخضع قرار الإخلاء لأي طريق من طرق المراجعة".
ومن حيث إنه يبين من صراحة النصين السابقين أن عدم الخضوع لأي طريق من طرق المراجعة إنما ينصب على القرار الذي يصدره الوزير المختص بتحديد العقارات التي تقوم بخدمة لها صفة النفع العام وعلى القرار الذي يصدره الوزير المختص بإخلاء تلك العقارات ولا يمتد إلى دعاوى المطالبة بالتعويض عن تلك القرارات بحال من الأحوال إذ أن هذه الدعاوى لا يمنع من سماعها إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة، ومن ثم يكون الدفع المبدى من الحكومة على غير أساس من القانون وبالتالي خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الموضوع، فإنه إذا كانت العلاقة بين الطاعن بالإدارة هي عقد إداري، فإن شروط نظرية فعل الأمير التي استند إليها الطاعن في تقرير أحقيته في التعويض، غير متوافرة في حالته، ذلك أن شروطها هي:
(1) أن يكون ثمة عقد من العقود الإدارية.
(2) أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة.
(3) أن ينشأ عنه ضرر للمتعاقد لا يشترط فيه درجة معينة من الجسامة.
(4) افتراض أن الإدارة المتعاقدة لم تخطئ حين اتخذت عملها الضار فمسئوليتها عقدية بلا خطأ.
(5) أن يكون الإجراء الصادر من الإدارة غير متوقع.
(6) أن يلحق المتعاقد ضرر خاص لا يشاركه فيه سائر من يمسه القرار العام.
ومن حيث إن الشرطين الخامس والسادس غير متوافرين في خصوصية هذه الدعوى، إذ طالما أن عقد المدعي قد أضحى بالقانون رقم 106 لسنة 1958 عقد استثمار فإن للجهة الإدارية أن تنظره في أي وقت وقبل نهاية مدته، ومن ثم يكون الإخلاء أصبح حقيقياً بطبيعته كما أن هذا التشريع عام يصدق على كل مستغل للعقارات ذات النفع العام، فإن كان قد مس المدعي ضرر، فليس هذا من قبيل الضرر الخاص الذي لا يشاركه فيه سواه.
ومن حيث إنه قد بان من المذكرة التي قدمتها وزارة البلديات والسابق ذكرها، أن المرخص له أخل إخلالاً خطيراً بشروط الترخيص وقد فصلت هذا الإخلال فيها تفصيلاً دقيقاً سبق ذكره، ودللت عليه بأوراق رسمية لم يستطع الطاعن أن ينال من حجتها، واستبان منها أنه اقترف مخالفات كثيرة تجافي شروط العقد، ومن بينها إقامة مواني في الحديقة دون تصريح سابق ورغم معارضة الجهة الإدارية، لم يكن من شأنها تحسين العقار وزيادة قيمته بل شوهت منظره، ومن ثم فإن مخالفة الطاعن لالتزاماته بارتكابه هذه المخالفات تجعل الجهة الإدارية محقة في إلغاء العقد دون تعويض وبالتالي تكون دعواه على غير أساس من القانون.
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما ساقه الطاعن من أن الجهة الإدارية تعاقدت مع آخر على استغلال هذين العقارين بشروط أقل مستوى من تلك التي تعاقد على أساسها ولم تتبع مع المستثمر الجديد أسلوب المزايدة، وأنها دفعت له مبلغ ثلاثين ألف ليرة في سبيل إصلاح العقار المؤجر، ذلك أن هذا كله على فرض صحته – وإن كان يصلح سبباً للطعن في تصرف الجهة الإدارية إلى المستغل الجديد – إلا أنه لا يؤثر على حق الجهة الإدارية في إنهاء عقد المدعي وإخلاء العقارين للمخالفات التي ارتكبها أثناء قيام ذلك العقد.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم وللأسباب الواردة في الحكم المطعون فيه يكون ذلك الحكم قد أصاب الحق في قضائه ويكون الطعن فيه على غير أساس من القانون ويتعين لذلك رفضه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها، ومن ثم يتعين إلزام الطاعن بها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة في موضوع الطعن برفضه وإلزام الطاعن بالمصروفات.