مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1142

(142)
جلسة 20 من مايو (آيار) سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة حسن السيد أيوب وحسني جورجي غبريال ومحمد عزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 110 لسنة 2 القضائية

( أ ) رخصة – مبان – تعديل الرخصة – نص المادة 119 من القانون رقم 172 لسنة 1956 الخاص بالبلديات على عدم جواز تشييد البناء أو ترميمه أو تغييره أو هدمه قبل الحصول على رخصة من رئيس البلدية – مخالفة الرخصة للمخطط التنظيمي – يجيز تعديلها بما يتفق معه – أساس ذلك ومداه – مثال.
(ب) رخصة – مبان – اختصاص – وقف العمل في البناء في إنشائه أو تعديل الرخصة السابق منحها – القرار الصادر بذلك من رئيس المجلس البلدي بناء على توجيه من وزير الشئون البلدية والقروية – هو قرار صادر من مختص – أساس ذلك.
1- إن ما ينعاه الطاعن على القرارين المطعون فيهما الصادرين في أكتوبر سنة 1959 بوقف العمل في البناء المرخص له بإنشائه، ثم تعديل رخصة البناء السابق صرفها له – من مخالفتهما للقانون في غير محله، ذلك أن المادة 119 من القانون رقم 172 الصادر في 23 من يناير سنة 1956 الخاص بالبلديات تنص على أنه "لا يجوز لأي كان أن يشيد أي بناء أو يجري أي عمل من أعمال الترميم أو التغيير أو التمهيد أو الهدم في بناء قائم قبل أن يحصل على رخصة مسبقة من رئيس البلدية ويجب أن تكون هذه الأعمال موافقة للأنظمة التي تضعها البلدية" والثابت أن وزير الشئون البلدية والقروية أرسل إلى رئيس البلدية الكتاب رقم 11362 ط/ 13/146370/46462 بتاريخ 11 من أكتوبر سنة 1959 بالسماح للطاعن بمتابعة البناء "مع وجوب أخذ تعهد عليه بأن يصب السقف الباتون المسلح بحيث يكون سطحه العلوي في سوية رصيف الشارع وأن يقوم بعمل الاحتياطيات اللازمة عند صب السقف وتدعيمه بعمل الدعامات والأساسات الضرورية لإمكان رجوع بنائه فوق مستوى الرصيف ليتبع خط التنظيم المقترح للشارع والمبين على الخريطة المرافقة وذلك ليصبح الشارع الرئيسي المخترق للبلدة بعرض 12 متراً" وقد سلمت صورة من هذا الخطاب إلى الطاعن بمعرفة رئيس البلدية في 17 من أكتوبر سنة 1956.
والمستفاد من هذا الخطاب أن وزير الشئون البلدية والقروية وهو الوزير المختص قد وافق على المخطط التنظيمي الذي كان مقترحاً بالنسبة للشارع الواقع فيه عقار الطاعن إذ المفروض أن مطالبة الوزير لصاحب الشأن بتعديل مبانيه بما يتفق ومخطط تنظيمي معين يتضمن موافقة ضمنية على هذا المخطط وعندئذ لا يخلو الأمر من احتمالين إما أن تكون الرخصة قد صرفت إلى الطاعن بعد اعتماد المخطط التنظيمي الجديد أو قبل اعتماده، ففي الحالة الأولى تكون قد صرفت بالمخالفة له وبالتالي تكون مخالفة للقانون ويجوز إلغاؤها أو تعديلها – وفي الحالة الثانية ليس ما يمنع قانوناً الجهة الإدارية من إدخال تعديلات عليها بما يتفق مع المخطط الجديد عملاً بالأثر المباشر لاعتماد هذا المخطط طالما أن ذلك لا يمس ما تم من أعمال طبقاً للرخصة.
2 - إن ما ينعاه المدعي على القرارين المطعون فيهما الصادرين بوقف العمل في البناء المرخص بإنشائه وتعديل الرخصة السابق صرفها له من أنهما صدرا من غير مختص، ذلك أن المختص بإصدارهما وفقاً للقانون رقم 172 الصادر في 23 من يناير سنة 1956 الخاص بالبلديات هو رئيس المجلس البلدي بموافقة مكتب البلدية مردود بأن الثابت من الأوراق أن هذين القرارين قد صدرا من رئيس المجلس البلدي المختص بتوجيه من وزير الشئون البلدية والقروية، ذلك التوجيه الذي يملكه بمقتضى القرار الجمهوري الصادر في 13 من آذار (مارس) سنة 1958 بتنظيم وزارة الشئون البلدية والقروية بالإقليم الشمالي الذي قرر اختصاصات وصلاحيات إدارية من بينها وضع مشروعات التخطيط العام ومشروعات المرافق العامة للمدن والقرى ومشروعات الإسكان أو اعتمادهما وتجهيز الاختبارات الفنية لمناقصات هذه المشروعات ومراقبة تنفيذها – ونص على تكوين إدارة عامة للتخطيط والتنظيم والإسكان وإدارة أخرى لشئون البلديات – وليس من شأن هذا التوجيه أن يجعل القرارين المطعون فيهما صادرين من وزير الشئون البلدية والقروية – وإن كان رئيس المجلس البلدي المختص قد أخذ بهذا التوجيه وأبلغه للطاعن (المدعي).


إجراءات الطعن

في 4 من سبتمبر سنة 1960 أودع السيد فؤاد جرجس حنا سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 110 لسنة 2 قضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بدمشق في الدعويين رقم 11، 183 لسنة 2 قضائية المقامتين من الطاعن ضد رئيس بلدية صافيتا والسيد وزير الشئون البلدية والقروية والقاضي "بقبول الدعويين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات وخمسين ليرة أتعاب المحاماة" وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن (1) ضم الاضبارة رقم 183 لسنة 1960 والمضموم إليها الاضبارة رقم 11 (2) قبول استدعاء الدعوى شكلاً (3) قبولها موضوعاً وإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 7 من يوليه سنة 1960 وإبطال القرارين الإداريين موضوع الدعوى والمطعون فيهما (4) إعادة الكفالة والرسوم القضائية والحكم على الجهة المدعى عليها مع أتعاب المحاماة – وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من المطعون ضدهما وعرض على دائرة فحص الطعون المنعقدة بمدينة دمشق في 23 من شباط سنة 1961 فأصدرت قرارها في 25 منه بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وقد نظرته هذه المحكمة في جلستها المنعقدة بمدينة دمشق في يوم 11 من آذار سنة 1961 وبعد سماع ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت إصدار الحكم إلى اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام في 15 من أكتوبر سنة 1959 الدعوى رقم 11 لسنة 2 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد المطعون ضدهما طلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر في أول أكتوبر سنة 1959 من رئيس بلدية صافيتا بناء على برقية وصلت إليه من وزير الشئون البلدية والقروية بوقف العمل في البناء المرخص للمدعي بإنشائه في مدينة صافيتا مع الحكم على جهة الإدارة بالمصروفات وأتعاب المحاماة وطلب في عريضة الدعوى الحكم بوقف تنفيذ ذلك القرار ريثما يبت في الموضوع – وبتاريخ 22 من نوفمبر سنة 1959 أقام المدعي دعواه الثانية رقم 183 لسنة 1959 أمام ذات المحكمة ضد المطعون ضدهما طلب فيها ضمها إلى دعواه الأولى لوحدة الموضوع والخصوم والحكم بإلغاء القرار الجديد الصادر من وزير الشئون البلدية والقروية في 11 من أكتوبر سنة 1959 بتعديل رخصة البناء السابق صرفها للمدعي لإنشاء مبنى في مدينة صافيتا وقال شرحاً لدعواه الأولى إنه يملك العقار رقم 737 بمنطقة صافيتا العقارية وهو يقع على الشارع العام بالمدينة وقد طلب الترخيص له في البناء على هذا العقار فصرفت له في 12 من سبتمبر سنة 1959 الرخصة رقم 79 بالبناء وبينما هو ماض في عملية البناء فوجئ بالقرار المطعون فيه بوقف العمل مما اضطره لرفع دعواه بطلب الحكم بإلغاء هذا القرار لأن وقف البناء معناه سحب الرخصة وهو ما لا يملكه مدير البلدية وطبقاً للمادة 121 من قانون البلديات لا يكون هذا السحب إلا بقرار مسبب وبموافقة مكتب البلدية هذا إلى أن القرار المطعون فيه لم يسند إلى الرخصة السابق صرفها للمدعي أي خطأ شابها فهي منصرفة على أساس مخطط المدينة القائم وقت الترخيص والحقيقة أن القرار المطعون فيه صدر بقصد تحقيق منفعة لشخص استطاع أن يحمل وزارة الشئون البلدية والقروية على أن تتدخل في الموضوع فهو يملك عقاراً مقابلاً لعقار المدعي وله مصلحة في وقف بناء عقار المدعي وقال إن عقار هذا الشخص مؤلف من ثلاثة طوابق وأن مخطط المدينة عندما يراد فيه توسيع شارعها من جهته فإن ذلك يكلف البلدية تعويضاً كبيراً عن هذا العقار بينما توسيع الشارع من الجهة المقابلة التي بها عقار المدعي سيكلف البلدية تعويضاً أقل وقال المدعي إن ذلك الشخص لا يملك سوى خمسة دكاكين منها دكانان بارزان عن الأبنية المجاورة وأن التفكير في تعديل المخطط لا يبرر سحب الرخصة – وقد ردت الإدارة على الدعوى طالبة الحكم برفضها وقالت إنها لم توقف العمل بالرخصة وإنما كلفت المدعي بأن يقدم تعهداً بأن ينسجم البناء مع المخطط الجديد للمدينة.
وأضافت الإدارة أن القرار المطعون فيه قد نسخه كتاب أصدرته وزارة الشئون البلدية والقروية يوضح القصد من القرار الأول وهو لا يهدف إلى منع المدعي من البناء وإنما هدفه أخذ تعهد منه بأن يتبع في البناء بعض الأمور الفنية التي قد يتطلبها المخطط الجديد وأن وزارة الشئون البلدية والقروية بكتابها الأخير لا تمنع المدعي من الاستمرار في البناء إذا قدم التعهد المطلوب وتقيد بالأمور الفنية المطلوبة منه وأن هذا الكتاب يعتبر سحباً للكتاب الأول المطعون فيه – وطلب المدعي في دعواه الثانية الحكم بإلغاء القرار الجديد الصادر من وزير الشئون البلدية والقروية في 11 من أكتوبر سنة 1959 بتعديل رخصة البناء وذلك بعدم السماح له بالبناء ما لم يتعهد بأن يصب سقف الباتون المسلح بحيث يكون سطحه العلوي في مستوى رصيف الشارع وأن يعمل دعامات وأساسات لإمكان رجوع بنائه فوق مستوى الرصيف ليتبع خط التنظيم المقترح للشارع ليصبح الشارع الرئيسي للبلدة بعرض اثني عشر متراً – وبجلسة 7 من تموز (يوليه) سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدعويين وأقامت قضاءها على أن إعطاء رئاسة البلدية رخصة لا يحول دون طلب التقيد بشروط جديدة من قبل صاحب الرخصة إذا دلت الدراسات الفنية على ضرورة تخطيط البلدة تخطيطاً جديداً تبعاً للمصلحة العامة.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم مستنداً في طعنه إلى ذات الأسباب التي أوردها في صحيفتي الدعويين وأضاف إليها أن القرار الأول بوقف البناء والقرار الثاني الذي فرض عليه القيام بأعمال معينة تكلفه خمسة عشر ألف ليرة سورية هذان القراران مشوبان بمخالفة للقانون لأن مؤداهما سحب الرخصة وهذا السحب صادر من سلطة غير مختصة لأن هذا الحق مخول لرئيس البلدية وحده بموجب المادة 121 من قانون البلديات ويشترط لهذا السحب أن يكون بقرار معلل وبموافقة مكتب البلدية وهذان الشرطان غير متوافرين وفضلاً عن ذلك فإن رخصة البناء المنصرفة له تتفق والمخطط التنظيمي النافذ في البلدة كما هو ثابت من تأشيرة مهندس البلدية في 3 أكتوبر سنة 1959 في حين أن القرار المطعون فيه يريد فرض مخطط ما زال فكرة لم تبرز إلى عالم الوجود ولم يكتسب الصفة القانونية التي تضفي عليه صفة الإلزام كما أن القرار مشوب بعيب الانحراف وهذا ظاهر مما جاء في القرار الثاني المطعون فيه من أن الغرض من التعديلات المطلوبة هو أن يصبح الشارع الرئيسي المخترق للبلدة بعرض 12 متراً في حين أنه طبقاً للمخطط الحالي أيضاً فإن عرض الشارع 12 متراً وقد بنيت جميع هذه المنطقة من الشارع على الجانبين ولم يبق دون بناء إلا أرض الطاعن وكذلك أرض العقيد سمير جبور وهذا يدل على أن الغرض من القرار ليس توسيع الشارع الرئيسي في البلدة وإنما الغرض منه تحقيق مصلحة السيد جاسر جبور ويؤدي تنفيذ القرار المطعون فيه إلى انحراف في استقامة الشارع حتى يجرى توسيع الثلاثة أمتار ونصف المطلوبة من الجهة الشمالية بدلاً من الجهة الجنوبية التي تقع فيها دكاكين جاسر جبور ومن ثم فإن العمل بالقرار المطعون فيه فضلاً عن أنه يشوه المدينة ويجعل شارعها الرئيسي غير مستقيم فإنه قد اتخذ لمصلحة فرد معين فقط ولا يتصل بالمصلحة العامة ثم قال الطاعن أن المخطط الحالي للشارع الموجود به عقاره وضع في سنة 1948 ومنذ ذلك التاريخ تعطى رخص البناء على أساسه وفي 13 من آذار سنة 1958 اتخذ قرار رقم 15 صدق بموجبه على المخطط التنظيمي للبلدة وأبقى الشارع الواقع به عقار الطاعن كما هو لأنه أصبح مبنياً بأكمله وطوله أربعة كيلو مترات وعقب الطاعن على ما ورد في حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه من أنه يتعين تفسير نصوص قانون البلديات طبقاً للأوضاع القائمة عند صدوره وإذ كانت وزارة الشئون البلدية والقروية قد أنشئت سنة 1958 بعد العمل بقانون البلديات وتقررت لها صلاحيات إدارية معينة فينبغي أن تفسر التشريع بما يلائم الوضع الجديد وقد يقتضي هذا ألا يعمل بنص بذاته أو يوقف العمل به إلى حين لتكون النصوص النافذة منسجمة مع بعضها بعضاً انسجاماً تتحقق معه المصلحة العامة وقال الطاعن إن هذا التفسير الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يخالف أحكام الدستور والقوانين النافذة الأخرى.
وقدمت الحكومة مذكرة بالرد على الطعن قالت فيها إن القرار الأول صدر في أول أكتوبر سنة 1959 بوقف العمل وأن القرار الثاني صدر في 11 من أكتوبر سنة 1959 سحبت فيه الإدارة قرارها الأول وسمحت له بمواصلة البناء طبقاً للرخصة الممنوحة له مع أخذ تعهد عليه بأن يراعي شروطاً معينة عند البناء وأن هذه الشروط اقتضتها المصلحة العامة وضرورات التخطيط العام للمدينة التي تشرف عليها وزارة الشئون البلدية والقروية وتقوم بتنفيذها طبقاً لأحكام القانون رقم 124 الصادر في 13 من مارس سنة 1958 وأضافت الحكومة أن لجهة الإدارة وفقاً لما استقر عليه الفقه والقضاء أن تتناول التراخيص والإجازات التي تمنحها لذوي الشأن بالتعديل والتغيير والإلغاء إذا ما اقتضت ذلك مصلحة عامة لأن التراخيص بحكم طبيعتها مؤقتة وقابلة للسحب والتعديل سواء أكانت صادرة استناداً إلى سلطة مطلقة أو تقديرية ولا صحة لما ذهب إليه الطاعن من أنه اكتسب حقاً في البناء وفقاً للترخيص الممنوح له طبقاً للقوانين وطبقاً للتخطيط الذي كان سارياً وقتئذ لمخالفة هذا القول للأصول المقررة ولأن التعديل الوارد على الرخصة لا يمس ما أقامه الطاعن من مبان أو يتعارض مع الرسوم التي تم اعتمادها وإنما هي تعديلات تضيف إلى البناء بعض شروط ارتأتها الهيئة المختصة وفقاً لتقديرها لصالح تخطيط المدينة – وقدم السيد رئيس هيئة المفوضين مذكرة بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيها الحكم برفضه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه الطاعن على القرارين المطعون فيهما من مخالفتهما للقانون فإن المادة 119 من القانون رقم 172 الصادر في 22 من يناير سنة 1956 الخاص بالبلديات تنص على أنه "لا يجوز لأي كان أن يشيد أي بناء أو يجري أي عمل من أعمال الترميم أو التغيير أو التمهيد أو الهدم في بناء قائم قبل أن يحصل على رخصة مسبقة من رئيس البلدية ويجب أن تكون هذه الأعمال موافقة للأنظمة التي تضعها البلدية" والثابت أن وزير الشئون البلدية والقروية أرسل إلى رئيس البلدية الكتاب رقم 11362 ط/ 13/146370/46462 بتاريخ 11 من أكتوبر سنة 1959 بالسماح للطاعن بمتابعة البناء "مع وجوب أخذ تعهد عليه بأن يصب السقف الباتون المسلح بحيث يكون سطحه العلوي في سوية رصيف الشارع وأن يقوم بعمل الاحتياطات اللازمة عند صب السقف وبتدعيمه بعمل الدعامات والأساسات الضرورية لإمكان رجوع بنائه فوق مستوى الرصيف وذلك ليصبح الشارع الرئيسي المخترق للبلدة بعرض 12 متراً" وقد سلمت صورة من هذا الخطاب إلى الطاعن بمعرفة رئيس البلدية في 17 من أكتوبر سنة 1959.
ومن حيث إن المستفاد من هذا الخطاب أن وزير الشئون البلدية والقروية وهو الوزير المختص قد وافق على المخطط التنظيمي الذي كان مقترحاً بالنسبة للشارع الواقع فيه عقار الطاعن إذ المفروض أن مطالبة الوزير لصاحب الشأن بتعديل مبانيه بما يتفق ومخطط تنظيمي معين يتضمن موافقة ضمنية على هذا المخطط وعندئذ لا يخلو الأمر من احتمالين إما أن تكون الرخصة قد صرفت إلى الطاعن بعد اعتماد المخطط التنظيمي الجديد أو قبل اعتماده، ففي الحالة الأولى تكون قد صرفت بالمخالفة له وبالتالي تكون مخالفة للقانون ويجوز إلغاؤها أو تعديلها – وفي الحالة الثانية ليس ما يمنع قانوناً الجهة الإدارية من إدخال تعديلات عليها بما يتفق مع المخطط الجديد عملاً بالأثر المباشر لاعتماد هذا المخطط طالما أن ذلك لا يمس ما تم من أعمال طبقاً للرخصة.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما ينعاه المدعي على القرارين المطعون فيهما من أنهما صدرا من غير مختص؛ ذلك أن المختص بإصدارهما وفقاً للقانون رقم 172 الصادر في 23 من يناير سنة 1956 الخاص بالبلديات هو رئيس المجلس البلدي بموافقة مكتب البلدية، فإن هذا القول مردود بأن الثابت من الأوراق أن هذين القرارين قد صدرا من رئيس المجلس البلدي المختص بتوجيه من وزير الشئون البلدية والقروية، ذلك التوجيه الذي يملكه بمقتضى القرار الجمهوري الصادر في 13 من آذار (مارس) سنة 1958 بتنظيم وزارة الشئون البلدية والقروية بالإقليم الشمالي الذي قرر اختصاصات وصلاحيات إدارية من بينها وضع مشروعات التخطيط العام ومشروعات المرافق العامة للمدن والقرى ومشروعات الإسكان أو اعتمادها وتجهيز الاختبارات الفنية لمناقصات هذه المشروعات ومراقبة تنفيذها – ونص على تكوين إدارة عامة للتخطيط والتنظيم والإسكان وإدارة أخرى لشئون البلديات – وليس من شأن هذا التوجيه أن يجعل القرارين المطعون فيهما صادرين من وزير الشئون البلدية والقروية – وإن كان رئيس المجلس البلدي المختص قد أخذ بهذا التوجيه وأبلغه للطاعن (المدعي).
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض الدعوى ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون ويتعين الحكم برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه برفضه وألزمت الطاعن المصروفات.