مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1269

(154)
جلسة 24 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن أيوب وعزت عبد المحسن وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 61 لسنة 5 القضائية

( أ ) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - قرار إداري - تعويض - اختصاص القضاء الإداري بالفصل في طلبات التعويض عن القرارات الإدارية التي يختص أصلاً بطلب إلغائها، ما لم يمنع بنص صريح في القانون.
(ب) قرار إداري - تعويض - فصل - اختصاص - طلبات ضباط مصلحة السجون تعويضهم عن فصلهم بغير الطريق التأديبي - دخولها في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة أو اللجان الأخرى المنصوص عليها في القانون رقم 174 لسنة 1957- أساس ذلك.
(جـ) موظف - فصل بغير الطريق التأديبي - اللجان المشكلة لهذا الغرض - المختص بتشكيلها - ضباط مصلحة السجون - وجوب معاملة رجال البوليس فيما يتعلق بتطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - لا يغير من ذلك تتبعهم إلى وزير الحربية والبحرية - اختصاص وزير الحربية دون الداخلية بتشكيل لجنة للنظر في عزلهم بغير الطريق التأديبي - أساس ذلك.
(د) موظف - فصل بغير الطريق التأديبي - أداة الفصل - ضباط مصلحة السجون - فصلهم بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة مشكلة لهذا الغرض - عدم التقيد في تشكيل هذه اللجنة بأي قيد من حيث الأعضاء أو عددهم أو نوع وظائفهم أو رتبهم - القول بوجوب تشكيلها برئاسة قاض - غير صحيح - أساس ذلك.
(هـ) قرار إداري - سببه - فصل بغير الطريق التأديبي - نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 ومذكرته التفسيرية على أسباب هذا الفصل - عدم الإفصاح عن توافر سبب منها في القرار الصادر بالفصل - لا يعني عدم قيامه على سببه - أساس ذلك.
(و) موظف - ضباط مصلحة السجون - فصل بغير الطريق التأديبي - سببه - ملف الخدمة ليس هو المصدر الوحيد لأحوال الموظف - خلو ملف خدمة الموظف مما يمس كفايته أو يسئ سمعته - لا ينفي عدم ملاءمته للعهد الجديد - الملاءمة للعهد الجديد يجب أن تتوافر في الموظف الكفء القادر المنتج ذي السمعة الحسنة ليكون بمنأى عن الفصل طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - تمتع الجهة الإدارية بسلطة تقديرية في هذا الشأن - لا يحد سلطتها هذه إلا الانحراف أو سوء استعمال السلطة.
1 - إن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يختص دائماً بالحكم في طلب التعويض عن القرارات الإدارية التي يختص بطلب إلغائها أصلاً إلا إذا منع بنص صريح في القانون من ذلك، وطالما أنه لا يوجد نص قانوني مانع من هذا القبيل فإن المحكمة تكون مختصة بنظره.
2 - إن القانون رقم 97 لسنة 1957 خاص بالقوات المسلحة التي عرفها بأنها هيئة عسكرية نظامية تتألف من ضباط وصولات وضباط صف وجنود القوات العاملة الآتية: -
( أ ) القوات الرئيسية وتتكون من:
1 - الجيش.
2 - القوات البحرية.
3 - القوات الجوية.
(ب) القوات الفرعية وتتكون من:
1 - قوات السواحل.
2 - قوات الحدود.
3 - القوات البحرية بمصلحة المواني والمنائر.
(ج) القوات الإضافية وهي:
(1) قوات الاحتياط. (2) الاحتياط التكميلي (الضباط وضباط الصف المكلفين). (3) قوات الحرس الوطني. (4) القوات الأخرى التي تقتضي الضرورة إنشاءها.
ولم يذكر من بينهم ضباط مصلحة السجون مما يدل على أن المشرع لم يعتبرهم من رجال القوات المسلحة؛ وبالتالي فإن القانون رقم 174 لسنة 1957 في شأن التظلم من قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة المشار إليها آنفاً والذي نص في المادة الأولى منه على أن "تنشأ بوزارة الحربية لجنة تسمى اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة وتختص دون غيرها بالفصل بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة وتنشأ لجنة أخرى تسمى اللجنة الإدارية بكل من أفرع القوات المسلحة يصدر بتنظيمها واختصاصاتها قرار من وزير الحربية" هذا القانون لا يمكن أن يسري عليهم إذ هو لم يخول هذه اللجان اختصاصاً في شئون ضباط مصلحة السجون، وبالتالي تكون دعاوى التعويض المرفوعة من ضباط مصلحة السجون من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره وذلك إعمالاً لنص المادتين 8، 9 من القانون رقم 165 لسنة 1955 والقانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
3 - إذا كان الثابت أن المطعون ضدهم من ضباط مصلحة السجون فإنه تطبيقاً للمادة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 1933 التي نصت على أن "تعتبر الخدمة في السجون خدمة بوليس بالنسبة لضباط المصلحة المذكورة وتسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بضباط البوليس ما لم تنص على خلاف ذلك" يعاملون معاملة رجال البوليس فيما يتعلق بتطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 خصوصاً وأنه لا القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بتنظيم هيئات البوليس ولا أي قانون آخر لاحق تعرض لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1933 بالإلغاء والتعديل كما أن تبعيتهم إلى وزير الحربية والبحرية على أثر ضم مصلحة السجون إلى وزارة الحربية لا يؤثر على حقهم في الإفادة من القانون سالف الذكر من حيث وجوب معاملتهم معاملة رجال البوليس ومن ثم فإن وزير الحربية والبحرية يكون مختصاً وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بتشكيل لجنة للنظر في عزلهم بغير الطريق التأديبي، ذلك أن المعول عليه على حسب أحكام القانون المذكور في تعيين الجهة المختصة بتشكيل اللجنة المذكورة هو تبعية الموظف لوزير معين، ومن ثم يكون القرار الصادر من السيد/ وزير الحربية والبحرية في أكتوبر سنة 1952 بتشكيل اللجنة التي نظرت أمر المطعون ضدهم قد صدر ممن يملكه قانوناً - ويكون القول بأن ذلك القرار بالتشكيل كان واجباً صدوره من وزير الداخلية قولاً لا سند له في القانون.
4 - إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 جاء بنص المادة الثانية والرابعة لتحديد أداة الفصل فنصت الأولى منها على أن الموظفين الذين هم في درجة مدير عام فأعلى يكون فصلهم بمرسوم، أما من عدا هؤلاء فيكون فصلهم بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة تشكل في كل مصلحة عامة على وجه معين ذكرته، ونصت المادة الرابعة على أن يفصل رجال القوات المسلحة بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من القائد العام للقوات المسلحة ويفصل رجال قوات البوليس المدنية والنظامية بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من وزير الداخلية وتكون تسوية حالة هؤلاء جميعاً وفقاً للقواعد التي يقررها مجلس الوزراء.
ويبين من الأحكام المتقدمة أنها لم تستلزم بالنسبة للقوات المسلحة أو قوات البوليس المدنية والنظامية أن تشكل اللجان على نحو معين كما فعلت بالنسبة للجان التي تنظر في أمر الموظفين المدنيين ومن ثم يكون الأمر مفوضاً قانوناً تفويضاً مطلقاً من كل قيد في تشكيل أعضاء هذه اللجان سواء من حيث نوعهم مدنيين أو عسكريين أو عددهم أو درجات وظائفهم أو رتبهم العسكرية - ولما كان المطعون ضدهم - كما سبق القول - يعاملون معاملة ضباط البوليس وتسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بضباط البوليس ما لم ينص على خلاف ذلك - فإنه يجوز تشكيل اللجنة التي تنظر في فصلهم بغير الطريق التأديبي على غرار اللجنة التي تنظر أمر ضباط البوليس بأن يكون تشكيلها مطلقاً وغير مقيد بأي قيد من حيث عدد الأعضاء ونوع وظائفهم أو رتبهم. وعلى ذلك فليس ثمة من مانع قانوني أن يعهد وزير الحربية والبحرية استناداً إلى الفقرة "ب" من المادة الرابعة من المرسوم بقانون 181 لسنة 1952 إلى لجنة بنظر أمرهم من غير القوات التي يتبعونها بل وإلى لجنة كل أعضائها من القوات المسلحة، ومن ثم يكون قول المطعون ضدهم بأنه كان واجباً تشكيل اللجنة المذكورة على النحو الوارد في المادة الثانية من القانون برئاسة قاض قولاً لا سند له في القانون - وبالتالي يكون تشكيل اللجنة التي نظرت في أمر المطعون ضدهم صحيحاً ولا مطعن عليه.
5 - إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 جاء نصها كما يلي "يكون فصل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية":
ويبين من تعداد هذه الأسباب أنها نوعان، النوع الأول منهما هو عدم الصلاحية والنوع الثاني هو الشوائب والشبهات القوية التي تمس كرامة الوظيفة أو الشرف أو حسن السمعة.
وقد أضافت المذكرة التفسيرية لهذا المرسوم بقانون إلى غير الصالح بطبيعته للعمل طائفة أخرى من الصالحين له الذين لم يتوافر فيهم النوع الثاني من الأسباب وهي طائفة الموظفين القادرين المنتجين الذين لا يلائمهم العهد الجديد وقد يكون من بين هذه الطائفة المشهود له بالكفاية وحسن السمعة.
ولما كانت هذه الأسباب أمام اللجنة وهي تنظر في أمر المطعون ضدهم ومن ثم فهي إذ لم تفصح في قرارها عن توافر سبب منها فيهم فإن ذلك لا يعيب قرارها لأنها لم تكن ملزمة قانوناً بالإفصاح عن أسباب قرارها، ولا يعني أن قرارها لم يقم على سبب يبرره قانوناً إذ المفروض أن القرارات الإدارية غير المسببة تقوم على أسباب صحيحة تبررها إلى أن يثبت العكس.
6 - إن قول الحكم أن خلو ملفات المطعون ضدهم مما يشينهم وكونها عامرة بما يشهد على كفايتهم ونزاهتهم وحسن سمعتهم لمما يدل على أن القرار المطعون صدر دون سبب يبرره - هذا القول مردود بأنه وإن كانت ملفات الخدمة هي الوعاء الطبيعي لكل ما يتعلق بماضي خدمة الموظف وأحواله من ناحية الكفاية والصلاحية للوظيفة إلا أنها ليست هي المصدر الوحيد لأحوال الموظف إذ أن كثيراً ما يحدث أن بعض الوقائع والحقائق التي تتعلق بالموظف لا تسجل بهذه الملفات عمداً أو سهواً.
كما أن خلو ملف الخدمة مما يمس كفاية الموظف أو يسئ سمعته لا يتعارض ولا ينفي عدم ملاءمته للعهد الجديد إذ لا شك أن الملاءمة للعهد الجديد يجب أن تتوافر في الموظف الكفء القادر المنتج ذي السمعة الحسنة ليكون بمنأى عن الفصل طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وإذا ما تخلف فيه فلا تنفعه كفايته وحسن سمعته. ولا جدال في أن الجهة الإدارية تتمتع في هذا الخصوص بسلطة تقديرية واسعة تتحسس بها أحوال الموظفين لمعرفة من يلائم منهم العهد الجديد ومن لا يلائمه ولا يحد سلطتها هذه إلا الانحراف أو سوء استعمال السلطة وهما أمران عجز المطعون ضدهم أفراداً وجماعة عن إسنادهما لها أو التدليل عليهما فضلاً عن أن الثابت من الأوراق أن اللجنة التي نظرت في أمر المدعين كان معظم أعضائها من رجال الثورة وهم بلا شك أقدر الناس على معرفة الموظفين الذين لا يلائمهم ذلك العهد وأبعدهم كذلك عن الأغراض الشخصية.


إجراءات الطعن

في 16 من شهر نوفمبر سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 363 لسنة 7 القضائية المرفوعة من اللواء فريد شكري وآخرين ضد رئاسة مجلس الوزراء ووزير الحربية والبحرية القاضي أولاً - بعدم قبول طلب الإلغاء وإلزام المطعون ضدهم بمصاريف هذا الطلب. وثانياً - بإلزام الحكومة بأن تدفع لورثة المرحوم محمد زكي سليمان ولكل من باقي المطعون ضدهم عدا السابع محمود علي عزت مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وطلب فيها للأسباب التي ضمنها صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع.
أولاً وأصلياً - إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
ثانياً واحتياطياً - إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الحكومة بالتعويض والقضاء برفض هذا الطلب. مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وبعد إعلان صحيفة الطعن إلى طرفي الخصومة في الدعوى وعرض على دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 17 من أكتوبر سنة 1959 إحالته إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة 15 من نوفمبر سنة 1959 وفيها وفي الجلسات التالية سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات وملاحظات الطرفين على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وأخيراً أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1952 أقام المطعون ضدهم دعواهم أمام محكمة القضاء الإداري ضد رياسة مجلس الوزراء ووزير الحربية والبحرية بعريضة قالوا فيها إنه بتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1952 كتبت إليهم مصلحة السجون التي يتبعونها تبلغهم بأنه قد صدر في 26 من أكتوبر سنة 1952 قرار مجلس الوزراء بإحالتهم إلى المعاش وأضافوا إلى ما تقدم أن الإجراءات التي اتخذت في شأنهم وانتهت بصدور هذا القرار جاءت مجافية للقانون ومخالفة لأحكامه واستشهدوا في هذا المساق بفتوى صدرت من الشعبة الأولى لقسم الرأي بمجلس الدولة التي قررت أن ضباط مصلحة السجون يعاملون معاملة ضباط البوليس فيما يتعلق بتطبيق المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952، وبفتوى صدرت من قسم الرأي مجتمعاً بمجلس الدولة رقم 38/ 2/ 1 - 346 بتاريخ 6 من نوفمبر سنة 1955 أبرزت أن ضباط مصلحة السجون ليسوا من ضباط القوات المسلحة وأن القوانين واللوائح التي تطبق عليهم هي تلك التي تطبق على رجال البوليس ثم استطردوا ذاكرين أن مصلحة السجون ليست مصلحة عسكرية ومن ثم تخرج من اختصاص القائد العام للقوات المسلحة وإن كانت في الوقت ذاته تتبع إدارياً وزير الحربية ويطبق على ضباطها القوانين واللوائح الخاصة بضباط البوليس ومن ثم تجب التفرقة بين الجهة التي تتبعها هذه المصلحة وبين القواعد الواجب تطبيقها على ضباطها الأمر الذي يستلزم أن يكون لهؤلاء الضباط وضع خاص عند تطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 عليهم وأن هذا المرسوم قد أملته اعتبارات خاصة كما حدد لسريانه فترة مؤقتة فهو قانون استثنائي وقد أورد نصوصاً صريحة فيما يتبع في شأن فصل رجال البوليس وفصل رجال القوات المسلحة بغير الطريق التأديبي ومن ثم يجب تفسيره بدقة وعدم التوسع في تطبيقه ومن ثم لا يجوز أن يطبق في شأن ضباط مصلحة السجون حكم الفقرة "ب" من المادة - 4 من هذا المرسوم لأنها لا تطبق إلا على رجال البوليس فقط ذلك لأن من بينهم ضباط من الجيش وأن الذي يطبق في شأنهم هو حكم المادة الثانية منه وهو ما انتهى إليه قسم الرأي مجتمعاً وإذ نظرت أمرهم لجنة من القوات المسلحة وهي غير مختصة بذلك كما سلف البيان لأن اللجنة المختصة بأمرهم هي التي يصدر بتشكيلها قرار من وزير الحربية والبحرية على ضوء نص المادة - 2 من المرسوم المذكور ومن ثم يكون قرار إحالتهم إلى المعاش لم تتوافر فيه الشروط المطلوبة لصحته وسلامته وبالتالي جاء مخالفاً للقانون ومجافياً لنصوصه وأحكامه ومن ثم لا تلحقه أية حماية أو حصانة، وردوا على ذلك بأن إحالتهم إلى المعاش من شأنها أن تمس بهم الضر وتسئ إلى سمعتهم وتؤذي شرفهم ونزاهتهم وأن استمرار تنفيذ قرار الإحالة مع جدية وجوه الطعن عليه يجعل من حقهم أن يطلبوا:
أولاً - وقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء الصادر في 26 من أكتوبر سنة 1952 وما تلاه من الأوامر الإدارية المبلغة إليهم في 23 من نوفمبر سنة 1952 بإحالتهم إلى المعاش وما يترتب عليها من آثار.
ثانياً - عند النظر في الموضوع - إلغاء القرارات المشار إليها وجميع ما يترتب عليها من الآثار مع إلزام المدعى عليه بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ولما نظرت محكمة القضاء الإداري الطلب الأول من طلبات المطعون ضدهم قرر المطعون ضدهما السيد عبد العزيز شريف والسيد محمود علي عزت (الخامس والسابع) ترك الخصومة فأجابتهما المحكمة إلى طلبهما وقضت بالنسبة للباقين برفض طلب وقف التنفيذ بتاريخ 11 من فبراير سنة 1953 وبجلسة 10 من مارس سنة 1954 قرر الحاضر عن المدعين بتنازل الصاغ محمد زكي سليمان عن دعواه.
وبجلسة 2 من نوفمبر سنة 1955 أضاف المطعون ضدهم إلى طلباتهم طلباً جديداً هو الحكم لهم بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ.
وفي 10 من إبريل سنة 1957 تقدم المطعون ضده العاشر "الصاغ محمد زكي سليمان بعريضة قال فيها إن تنازله السابق بجلسة 10 من مارس سنة 1954 انصب على طلب إلغاء القرار وأنه لم يتنازل عن طلب التعويض لأن هذا الطلب لم يكن طلباً بعد فلا يصح أن ينسب إليه تنازل عن طلب لم يكن حدث بعد.
وبعريضة مؤرخة 18 من ديسمبر سنة 1957 قدم القائمقام عبد العزيز شريف عريضة ذكر فيها أن تنازله كان قاصراً على طلب الإلغاء ولم يتنازل عن طلب التعويض.
وبجلسة 24 من سبتمبر سنة 1958 قضت تلك المحكمة:
أولاً - بعدم قبول طلب الإلغاء وألزمت المطعون ضدهم المصروفات الخاصة بهذا الطلب.
ثانياً - إلزام الحكومة بأن تدفع لورثة المطعون ضده العاشر المرحوم محمد زكي سليمان ولكل من باقي المدعين عدا السابع محمود علي عزت مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت هذا القضاء فيما يتعلق بطلب إلغاء القرار المطعون فيه على القول بأن هذا القرار صدر تطبيقاً للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بشأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي الذي نصت المادة السابعة منه على أنه استثناء من أحكام المادتين 3، 10 من قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا القانون ومن ثم يكون هذا الشق من الدعوى غير مقبول ولا مقنع في قول المدعين بأن القرار معيب شكلاً لاستناده إلى اقتراح لجنة غير مختصة بالنظر في أمرهم وبعدم توافر سبب من أسباب الفصل التي عناها هذا المرسوم فيهم إذ هذه المادة قضت بقفل باب الطعن بإلغاء القرارات الصادرة بالتطبيق لأحكام هذا المرسوم سواء التي طبقت فيها أحكام هذا المرسوم تطبيقاً صحيحاً أو التي قد يشوبها عيب من العيوب التي كانت تبيح الطعن بالإلغاء طبقاً لقانون مجلس الدولة لأن الشارع أراد بتحريم الطعن بالإلغاء استثناء من قانون مجلس الدولة أن يمنع المنازعة والجدل في العودة إلى خدمة الحكومة عن طريق الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بغية استقرار العمل في المرافق الحكومية.
وفيما يتعلق بطلب التعويض فإن الشارع لم يمنع من سماعه كما فعل في الطلب السابق ولكن مع ذلك يلزم لسماع دعوى التعويض أن يكون هناك ضرر ناشئ من فعل خاطئ وأن يكون الضرر نشأ مباشرة من هذا الفعل ومن ثم تعرضت للقرار المطعون فيه لبيان إن كان قد أصاب أو أخطأ وردت القول بأن كل قرار إداري يجب أن يقوم على سبب يبرره واستظهرت من المادة الأولى للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الأسباب المسوغة للفصل وهي أن يكون الموظف غير صالح للعمل أو تعلق به شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة كما أبرزت ما عنته المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم من مفهوم الموظف غير الصالح للعمل وهو غير القادر على أداء الوظيفة أو القادر غير المنتج أو القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد وأبانت بأن قرار مجلس الوزراء الذي أحالهم إلى المعاش صدر بناء على توصية اللجنة التي شكلت للنظر في أمرهم ومن ثم يكون قد قام على ذات الأسباب التي قامت عليها توصية اللجنة المذكورة التي وردت في ديباجتها "إشارة إلى المرسوم بقانون الآنف الذكر وإلى التطورات الأخيرة وضرورة إعادة تنظيم القوات المسلحة بما يلائم العهد الحالي" ثم قالت إن ما ذكرته هذه التوصية يعتبر الغاية من القرار والهدف الذي توخاه الشارع وقصد تحقيقه من وراء إحالة المطعون ضدهم إلى المعاش ولا يعتبر السبب الذي يقوم عليه القرار الذي يجب أن يكون مستمداً من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وهو ينحصر في عدم صلاحية الموظف أو قيام شائبة به أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة؛ ومن ثم يكون القرار وحالته هذه خلواً من سبب من هذه الأسباب وألمعت إلى قرار لجنة التطهير الذي استند إليه قرار الفصل وما ذكره من إعادة تنظيم القوات المسلحة بما يلائم الوضع الحالي، ولما كان هذا هدف القرار وغايته لا سببه رأت وهي في سبيل تقصي مدى صحة القرار أو خطئه أن ترجع إلى ملفات خدمة المطعون ضدهم لمعرفة ما إذا كانت تفصح عن مسوغ للفصل، ثم انتهت إلى القول بأنها راجعت تلك الملفات فوجدتها خالية من كل ما يشين بل وتدل على أنهم من المشهود لهم بالكفاية التامة وحسن السمعة ومن ثم ذهبت إلى القول بأن فصلهم من الخدمة جاء بغير مسوغ وخاطئاً مما يستتبع مسئولية الحكومة عن الضرر الناشئ عنه وهو لا شك حاصل لهم.
ومن حيث إن الطعن بني على القول بأنه أثر صدور القانون رقم 174 لسنة 1957 أصبح مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري غير مختص بنظر هذه الدعوى إذ نصت المادة الأولى منه على أن تنشأ بوزارة الحربية لجنة تسمى اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة وتختص دون غيرها بالنظر في المنازعات الإدارية الخاصة بضباط القوات المسلحة ونصت المادة الخامسة على أن "تختص هذه اللجنة بالنظر في التظلمات الخاصة بالقرارات التي تصدرها لجان الضباط المختلفة كما جاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون ما يأتي" لما كان التجاء الضباط إلى مجلس الدولة وزيادة القضايا في المدة الأخيرة زيادة كبيرة علاوة على صدور أحكام من هذه الجهة بإلغاء قرارات لجان الضباط بواسطة قضاة مدنيين بعيدين عن تفهم مقتضيات الخدمة العسكرية وتقدير مسببات قرارات لجان الضباط من تصرفات الضباط سواء في الحرب أو السلم.... لذلك رئي أن تشكل لجنة ضباط عليا تنظر تظلمات الضباط من قرارات لجانهم" وإذ فصلت محكمة القضاء الإداري في هذه المنازعة بشقيها يكون قضاؤها صادراً فيما لا تختص بنظره ويكون هذا القضاء مخالفاً للقانون متعيناً الطعن فيه وأن هذا القضاء أخطأه التوفيق في موضوع الدعوى حين قال إن القرار الصادر بالفصل لم يقم على سبب يبرره قانوناً إذ فاته أن إعادة تنظيم القوات المسلحة بما يلائم العهد الجديد يتحد فيها السبب مع الهدف والأمر مرده إلى الصلاحية وجوداً أو عدماً إذ الصالحون للأعباء الجديدة هم الذين يتولون أمورها أما غيرهم من غير الصالحين فقد شرعت أحكام المرسوم رقم 181 لسنة 1952 لفصلهم وإبعادهم عنها وإذ أوصت اللجنة بفصلهم إنما كان ذلك منها تقريراً بعدم صلاحيتهم ومن ثم جاء من بعدها قرار مجلس الوزراء وقرر عدم الصلاحية هذه وليس ثمة تعارض بين ما ارتأته هذه اللجنة وما أثبته لهم الحكم المطعون فيه من توافر الكفاية وحسن السمعة التي حصلها من واقع ملفات خدمتهم لأن ملف الخدمة وإن كان الوعاء الطبيعي لحياة الموظف الوظيفية إلا أنه لا يشمل حتماً ولزاماً كل ما يتعلق بهذه الحياة من بيانات وعناصر لها وزنها في تقدير سلوك الموظف وقد تغيب عن الملفات والتقارير ولكنها لا تغيب عن اللجنة التي شكلت بالتطبيق للمادة الرابعة من المرسوم المذكور؛ ومن ثم يكون القرار الصادر بالفصل أقيم على صحيح سببه المستمد من أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وبريئاً من أي خطأ يبرر تعويض المطعون ضدهم عما أصابهم من ضرر وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتعويض يكون حكماً مخالفاً للقانون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من وجهي الطعن وهو عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في طلب التعويض، فمردود بأن هذا القضاء يختص دائماً بالحكم في طلب التعويض عن القرارات الإدارية التي يختص بطلب إلغائها أصلاً إلا إذا منع بنص صريح في القانون من ذلك، وطالما أنه لا يوجد نص قانوني مانع من هذا القبيل فإن المحكمة تكون مختصة بنظره.
أما القول بأن هذه الدعوى تدخل في اختصاص اللجان المنصوص عنها في القانون رقم 97 لسنة 1957 الذي أخرج من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري مثل هذه الدعوى. فمردود بأنها هيئة عسكرية نظامية تتألف من ضباط وصولات وضباط صف وجنود القوات العاملة الآتية:
( أ ) القوات الرئيسية وتتكون من.
1 - (الجيش).
2 - القوات البحرية.
3 - القوات الجوية.
(ب) القوات الفرعية وتتكون من:
1 - قوات السواحل.
2 - قوات الحدود.
3 - القوات البحرية بمصلحة المواني والمنائر.
(ج) القوات الإضافية:
( أ ) قوات الاحتياط. (ب) الاحتياط التكميلي (الضباط وضباط الصف المكلفين). (ج) قوات الحرس الوطني. (د) القوات الأخرى التي تقتضي الضرورة إنشاءها - ولم يذكر من بينهم ضباط مصلحة السجون مما يدل على أن المشرع لم يعتبرهم من رجال القوات المسلحة وبالتالي فإن القانون رقم 174 لسنة 1957 في شأن التظلم من قرارات لجان الضباط بالقوات المسلحة المشار إليها آنفاً والذي نص في المادة الأولى منه على أن تنشأ بوزارة الحربية لجنة تسمى اللجنة العليا لضباط القوات المسلحة وتنشأ لجنة أخرى تسمى اللجنة الإدارية بكل أفرع القوات المسلحة يصدر بتنظيمها واختصاصاتها قرار من وزير الحربية هذا القانون لا يمكن أن يسري عليهم إذ هو لم يخول هذه اللجان اختصاصا ماً في شئون ضباط مصلحة السجون، وبالتالي تكون دعاوى التعويض المرفوعة من ضباط مصلحة السجون من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره وذلك إعمالاً لنص المادتين 8، 9 من القانون رقم 165 لسنة 1955 والقانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة وبذلك يكون الوجه الأول من وجهي الطعن على الحكم على غير أساس من القانون وجديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من وجهي الطعن في الحكم فإن الفصل فيه يستلزم البحث فيما إذا كان القرار المطعون فيه قد صدر سليماً ممن يملكه ومستنداً إلى سبب من الأسباب المبررة لفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي الواردة بالمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وطبقاً للإجراءات التي نص عليها أم أن هناك عيوباً شابته يترتب عليها بطلانه وبالتالي مسئولية الحكومة عن الضرر المترتب عليه.
ومن حيث إن وجهة نظر المطعون ضدهم تقوم على نعت هذا القرار بأنه لم يقم على سبب يبرره مستمد من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وأن اللجنة التي نظرت أمرهم لم تكن مختصة بذلك فضلاً عن أنها لم تبد أسباباً لهذا القرار ولم يتبين ما إذا كان فصلهم راجعاً إلى عدم الصلاحية أو عدم الملاءمة وما دام الأمر كذلك فإن فصلهم وهم من الضباط ذوي الكفاية المتوافرة فيهم جميع عناصر الصلاحية الخلقية والفنية كما تشهد بذلك ملفات خدمتهم وهي الوعاء الطبيعي للحياة الوظيفية يكون مخالفاً للقانون أما القول بأن الملف ليس هو الوعاء الطبيعي لحياة الموظف وليس الدليل على صلاحيته للوظيفة ففيه حرمان كامل للموظف من ضمان هام إذ لا يمكن تحصيل سبب الفصل إلا من عناصر لها أصل ثابت في الأوراق وبغير ذلك تنعدم كل رقابة إدارية فعالة على شرعية القرارات الإدارية ومما يؤيد ضرورة الأخذ بما جاء في هذه الملفات أن المادة رقم 9 من القانون رقم 97 لسنة 1957 في شأن شروط الخدمة والترقية للضباط في القوات المسلحة قضت على أن اللجنة المختصة بتعيين الضباط والاستغناء عن خدماتهم تصدر قراراتها مسببة من واقع التقارير المودعة في ملفاتهم ومن الأوراق الرسمية الأخرى ومن المعلومات الشخصية للأعضاء فالنص على وجوب التسبيب من شأنه أن يطمئن الضباط وبالنسبة لهم قد لا تحوي الملفات كل ما يتصل بشأنهم ومن ثم أجاز النص التعويل على المعلومات الشخصية لأعضاء اللجنة - أما بالنسبة للموظف المدني فإن الملف يحوي كل أمر يتعلق به ومن ثم يجب التعويل على ما جاء في الملف دون غيره وإذ هم من الموظفين المدنيين كباقي موظفي الدولة المدنيين ويعاملون بقانون المعاشات الملكية القديم والجديد المعامل به ضباط البوليس وليسوا من ضباط القوات المسلحة وهو الأمر الذي سلم به الحاضر عن الحكومة أمام محكمة القضاء الإداري وما داموا كذلك فإن أمرهم وقد عرض على لجنة ليست مشكلة بأمر وزير الداخلية بل عرض على لجنة مشكلة بأمر القائد العام للقوات المسلحة وحتى لو قيل بأن وزير الحربية هو الذي أمر بتشكيلها فإن هذا التشكيل جاء مخالفاً للتشكيل كما ذكرته المادة الثانية في فقرتها الثانية ومن ثم لم تتوافر لقرار الفصل شروط سلامته وغير مجد القول بعد ذلك بأن هذا القرار صدر من مجلس الوزراء الذي ملكه القانون سلطة فصلهم لأنه متى رسم القانون طريقاً معيناً للفصل وحتم موافقة لجنة قبل صدور قرار الفصل فإن صدر بغير موافقة هذه اللجنة بالذات يكون مخالفاً للقانون خاصة أنهم غير معروفين لأعضاء اللجنة التي نظرت أمرهم ولم تطلع على ملفات خدمتهم وإذ رأت في توصيتها إنهاء حياتهم الوظيفية وهم في ربيع هذه الحياة وهم الذين تزخر ملفات خدمتهم بما يشهد لهم من صلاحية ونزاهة واستقامة وشرف وحسن سمعة والبعد عن كل ما يمس كرامة الوظيفة أو يحط من قدرها فيكون هذا الفصل المبكر قبل بلوغهم السن القانونية للإحالة إلى المعاش مخالفاً للقانون قد أصابهم بضرر بالغ وحرمهم من مرتباتهم ومن فرص الترقية إلى درجات أعلى ومن تسوية معاشهم حسب مدة خدمة أطول من التي حسبت لهم، وأنه ليس من المقبول عقلاً القول بأن المرسوم آنف الذكر حدد مقدار التعويض الذي يمنح للموظف الذي يحال إلى المعاش بموجبه بأن قرر له الحق في مرتبه كاملاً لمدة عامين لأن هذا القول يتجافى مع مبادئ العدالة بل ويهدرها لأنه يسوي بين حالة من توافر في شأنه سبب من الأسباب التي ذكرها للإحالة إلى المعاش والذي لم يتوافر فيه سبب من أسباب الإحالة إلى المعاش بل وفصل دون مبرر مشروع؛ ومن ثم يكون الحكم الذي قضى بأحقيتهم في هذا التعويض حكماً سديداً ومتفقاً مع أحكام القانون ولا ينال منه طعن هيئة المفوضين أمام هذه المحكمة؛ إذ كان لهذه الهيئة رأي آخر مغاير لما جاء في الطعن ذهب إلى تقرير هذه الأحقية ودلل عليها بأفصح بيان وأفصح عبارة.
ومن حيث إن دفاع الحكومة في هذا الطعن كما جاء على لسان الحاضر عنها في الجلسة وفي المذكرات والأوراق المقدمة منها يتلخص فيما يأتي:
(1) مجلس الوزراء هو وحده الذي يقرر فصل الموظف بغير الطريق التأديبي إعمالاً للمرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وعمل اللجنة التي نص على تشكيلها هذا المرسوم عمل تحضيري وليس لرأيها صفة الإلزام على الوزير الذي يعرض عليه أو على مجلس الوزراء صاحب القول الفصل في هذا الأمر.
(2) يتضح من نصوص هذا المرسوم الخاصة بالإجراءات وأداة الفصل أنه قسم الموظفين إلى قسمين فقط:
القسم الأول: الموظفون المدنيون وينقسمون بدورهم إلى قسمين ( أ ) الذين هم في درجة مدير عام فأعلى ويكون فصلهم بمرسوم. (ب) من عدا هؤلاء.
القسم الثاني: ويحتوي على قسمين أيضاً وهم ( أ ) رجال القوات المسلحة (ب) قوات البوليس المدنية والنظامية.
وأنه لم يستلزم في أمر الطائفة الأولى من المدنيين العرض على لجنة معينة واستلزم بالنسبة لمن عداهم عرض أمر فصلهم أولاً على لجنة تشكل في كل مصلحة على وجه معين (تراجع المادة الثانية بفقرتيها).
أما فيما يتعلق بالعسكريين فإن القانون استلزم ضرورة تشكيل لجنة كذلك للنظر في أمر فصلهم من الخدمة ولكنه أطلق يد الجهة الإدارية في التشكيل ولم يضع قيوداً عليها في ذلك فجعل فصل رجال القوات المسلحة بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من القائد العام للقوات المسلحة وجعل فصل رجال قوات البوليس المدنية والنظامية بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من وزير الداخلية (تراجع المادة - 4 بفقرتيها (أ - ب).
(3) الأسباب التي بني عليها المطعون ضدهم طعنهم على قرار فصلهم غير صحيحة إذ صدر هذا القرار من مجلس الوزراء بعد توصية لجنة شكلت بأمر وزير الحربية والبحرية إعمالاً لنص المادة الرابعة آنفة الذكر وهي الخاصة بالعسكريين والموظف غير المدني لا يمكن أن تطبق في شأنه المادة الثانية من المرسوم المنطبق وهي الخاصة بالمدنيين دون غيرهم وطالما أنهم من القوات العسكرية التي ليست من القوات المسلحة والتي ليست في الوقت نفسه من قوات البوليس المدني أو النظامي ومن ثم لا بد من رد أمرهم إلى الأصل العام الذي قررته في شأنهم المادة الرابعة آنفة الذكر وهي التي أوجدت طريقاً مستقلاً عن الطريق الذي أوجدته المادة الثانية وهو مع استقلاله يعتبر موازياً له وقائماً بذاته عن هذا الطريق وليس استثناء منه وأن لفظ استثناء في صدر المادة الرابعة ظاهرياً.
(4) أنهم غير مدنيين ومن ثم تختص الوزارة التي يتبعونها وهي وزارة الحربية والبحرية بلا منازع بالأمر بتشكيل اللجنة التي يعرض عليها أمرهم (الفقرة ب من المادة الرابعة) أما القول بوجوب تطبيق المادة الثانية عليهم كما ذهب المطعون ضدهم فيجافي قصد الشارع الذي أورد في عجز المادة الثانية العبارة الآتية (وفي تطبيق الأحكام المتقدمة يعتبر الموظفون غير التابعين لوزير معين تابعين لرياسة مجلس الوزراء) إذ تدل هذه العبارة دون أدنى ريب على أن العبرة هي تبعية الموظف لوزير معين في تطبيق أحكام هذا المرسوم إذ لم تستثن غير التابعين لوزير معين واتبعتهم لمجلس الوزراء ولم تحفل بعد ذلك بأن تنظر اللجنة التي تؤخذ موافقتها أمرهم وحدهم أو أمرهم مع غيرهم وبالتالي تكون اللجنة التي اقترحت فصلهم مشكلة تشكيلاً سليماً ومختصة باقتراح فصلهم وأنها عندما اقترحت فصلهم إنما رأت عدم صلاحيتهم وهذه اللجنة بالذات أقدر من غيرها على هذا الاقتراح إذ أغلب أعضائها من السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة أنفسهم الذين يعرفون أكثر من غيرهم من الذي يتجاوب مع مبادئ الثورة وأهدافها.
(5) ليس ملف الخدمة هو الوعاء الوحيد لحياة الموظف الوظيفية بل هناك مصادر أخرى تستقى منها المعلومات عن هذه الحياة خاصة إذا روعي أن ملفات خدمة الموظفين في الفترة السابقة على سنة 1952 لا تحتوي على ما يمكن أن يفصح عن حالة الموظف نظراً لزيف هذه المعلومات والمجاملة والفساد الذي كان منتشراً بين الموظفين في عهد الملكية البغيض.
(6) صدر القرار بفصلهم ممن يملكه وقام على صحيح سببه المستمد من المرسوم بقانون إذ جاء في مذكرته التفسيرية أن الموظف غير الصالح يشمل الموظف القادر المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد.
(7) عدم وجود محاضر أخرى غير تلك التي بها التوصية بالإحالة إلى المعاش أمر لا يعيب القرار الصادر ما دام أنه من الممكن التعويل على معلومات أعضاء اللجنة الشخصية بأية طريقة تبدي هذه المعلومات وقد قررت المحكمة الإدارية العليا في قضائها أن لجان التطهير تستطيع أن تكون عقيدتها من معلومات أعضائها الشخصية (يراجع الحكم المنشور في السنة الثالثة ص360 برقم 46 من المجموعات التي يصدرها المكتب الفني لأحكام المحكمة العليا).
(8) القرار الصادر بالإحالة إلى المعاش المطعون فيه برئ من كل خطأ يولد للمطعون ضدهم أي حق في تعويض ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى لهم بهذه الأحقية قد جافاه التوفيق والسداد وبالتالي يتعين إلغاؤه ورفض دعوى المطعون ضدهم.
ومن حيث إنه لا جدال في أن المطعون ضدهم من ضباط مصلحة السجون ومن ثم فإنه تطبيقاً للمادة الأولى من القانون رقم 67 لسنة 1933 التي نصت على أن "تعتبر الخدمة في السجون خدمة بوليس بالنسبة لضباط المصلحة المذكورة وتسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بضباط البوليس ما لم ينص على خلاف ذلك" ويعاملون معاملة رجال البوليس فيما يتعلق بتطبيق أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 خصوصاً وأنه لا القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بتنظيم هيئات البوليس ولا أي قانون آخر لاحق تعرض لأحكام القانون رقم 67 لسنة 1933 بالإلغاء والتعديل كما أن تبعيتهم إلى وزير الحربية والبحرية على أثر ضم مصلحة السجون إلى وزارة الحربية لا يؤثر على حقهم في الإفادة من القانون سالف الذكر من حيث وجوب معاملتهم معاملة رجال البوليس ومن ثم فإن وزير الحربية والبحرية يكون مختصاً وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 بتشكيل لجنة للنظر في عزلهم بغير الطريق التأديبي، ذلك أن المعول عليه على حسب أحكام القانون المذكور في تعيين الجهة المختصة بتشكيل اللجنة المذكورة هو بتبعية الموظف لوزير معين، ومن ثم يكون القرار الصادر من السيد وزير الحربية والبحرية في أكتوبر سنة 1952 بتشكيل اللجنة التي نظرت أمر المطعون ضدهم قد صدر ممن يملكه قانوناً - ويكون القول بأن ذلك القرار بالتشكيل كان واجباً صدوره من وزير الداخلية قولاً لا سند له في القانون.
ومن حيث إن المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 جاء بنص المادة الثانية والرابعة لتحديد أداة الفصل فنصت الأولى منهما على أن الموظفين الذين هم في درجة مدير عام فأعلى يكون فصلهم بمرسوم، أما من عدا هؤلاء فيكون فصلهم بقرار من مجلس الوزراء بعد موافقة لجنة تشكل في كل مصلحة عامة على وجه معين ذكرته، ونصت المادة الرابعة على أن يفصل رجال القوات المسلحة بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من القائد العام للقوات المسلحة ويفصل رجال قوات البوليس المدنية والنظامية بعد موافقة لجنة يصدر بتشكيلها قرار من وزير الداخلية وتكون تسوية حالة هؤلاء جميعاً وفقاً للقواعد التي يقررها مجلس الوزراء.
ومن حيث إنه يبين من الأحكام المتقدمة أنها لم تستلزم بالنسبة للقوات المسلحة أو قوات البوليس المدنية والنظامية أن تشكل اللجان على نحو معين كما فعلت بالنسبة للجان التي تنظر في أمر الموظفين المدنيين ومن ثم يكون الأمر مفوضاً قانوناً تفويضاً مطلقاً من كل قيد في تشكيل هذه اللجان كيفما شاء سواء من حيث نوعهم مدنيين أو عسكريين أو عددهم أو درجات وظائفهم أو رتبهم العسكرية - ولما كان المطعون ضدهم كما سبق القول يعاملون معاملة ضباط البوليس وتسري عليهم القوانين واللوائح الخاصة بضباط البوليس ما لم تنص على خلاف ذلك - فإنه يجوز تشكيل اللجنة التي تنظر فصلهم بغير الطريق التأديبي على غرار اللجنة التي تنظر أمر ضباط البوليس بأن يكون تشكيلها مطلقاً وغير مقيد بأي قيد من حيث عدد الأعضاء ونوع وظائفهم أو رواتبهم.
وعلى ذلك فليس ثمة مانع قانوني من أن يعهد وزير الحربية والبحرية استناداً إلى الفقرة (ب) من المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 إلى لجنة تنظر أمرهم من غير القوات التي يتبعونها بل وإلى لجنة كل أعضائها من القوات المسلحة، ومن ثم يكون قول المطعون ضدهم بأنه كان واجباً تشكيل اللجنة المذكورة على النحو الوارد في المادة الثانية من القانون برياسة قاض، قولاً لا سند له في القانون، وبالتالي يكون تشكيل اللجنة التي نظرت في أمر المطعون ضدهم صحيحاً ولا مطعن عليه.
ومن حيث إن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 جاء نصها كما يلي "يكون فصل الموظفين العامين غير الصالحين للعمل أو الذين تعلق بهم شوائب أو شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة على الوجه المبين في المواد الآتية":
ومن حيث إنه يبين من تعداد هذه الأسباب أنها نوعان، النوع الأول منهما هو عدم الصلاحية، والنوع الثاني: الشوائب والشبهات القوية التي تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة.
ومن حيث إن المذكرة التفسيرية لهذا المرسوم بقانون أضافت إلى غير الصالح بطبيعته للعمل طائفة أخرى من الصالحين له، الذين لم يتوافر فيهم النوع الثاني من الأسباب وهي طائفة الموظفين القادرين المنتجين الذين لا يلائمهم العهد الجديد وقد يكون من بين هذه الطائفة المشهود له بالكفاية وحسن السمعة.
ومن حيث إن اللجنة وهي تنظر في أمرهم كانت أمامها هذه الأسباب وإذ هي لم تفصح في قرارها عن توافر سبب منها فيهم فإن ذلك لا يعيب قرارها لأنها لم تكن ملزمة قانوناً بالإفصاح عن أسباب قرارها، ولا يعني أن قرارها لم يقم على سبب يبرره قانوناً إذ المفروض أن القرارات الإدارية غير المسببة تقوم على أسباب صحيحة تبررها إلى أن يثبت العكس.
ومن حيث إن المطعون ضدهم ذهبوا إلى أن خلو ملفات خدمتهم مما يمس كفايتهم أو نزاهتهم، وبأن ما ذكرته اللجنة في قرارها من أسباب يستشف منها عدم ملاءمة من أحيل من ضباط القوات المسلحة إلى التقاعد للعهد الجديد لا يصدق عليهم لأنهم من ضباط مصلحة السجون وليسوا من أفراد القوات المسلحة وأن في ذلك دليلاً قاطعاً على انعدام سبب القرار ولكن هذا القول مردود بأن اللجنة فحصت حالة كل من المطعون ضدهم. وانتهت إلى اقتراح عزلهم جميعاً من الخدمة عملاً بسلطتها التقديرية في تحديد الموظف الصالح المستحق للبقاء من الموظف غير الصالح أو الصالح المنتج الذي لا يلائمه العهد الجديد المستحق للعزل. ومن ثم فلا محل لما ذهبوا إليه وسايرهم فيه الحكم المطعون من أن قرار اللجنة التي نظرت في أمر المطعون ضدهم قد انعدم سببه بمقولة أن الأمر اختلط على أعضاء اللجنة فجعلوا من الغاية في فصل المطعون ضدهم سبباً لفصلهم، ومن ثم انعدم سبب القرار المطعون لفصلهم من الخدمة وبالتالي خالف القانون وترتب عليه مسئولية الحكومة عن تعويض الضرر الناشئ عليه، لا محل لذلك لأن قول الحكم بأن خلو ملفات المطعون ضدهم مما يشينهم وكونها عامرة بما يشهد على كفايتهم ونزاهتهم وحسن سمعتهم لمما يدل على أن القرار المطعون صدر دون سبب يبرره - هذا القول مردود بأنه وإن كانت ملفات الخدمة هي الوعاء الطبيعي لكل ما يتعلق بماضي خدمة الموظف وأحواله من ناحية الكفاية والصلاحية للوظيفة إلا أنها ليست هي المصدر الوحيد لأحوال الموظف - إذ أن كثيراً ما يحدث بعض الوقائع والحقائق التي تتعلق بالموظف لا تسجل بهذه الملفات إما عمداً أو سهواً.
كما أن خلو ملف الخدمة مما يمس كفاية الموظف أو يسئ سمعته لا يتعارض ولا ينفي عدم ملاءمته للعهد الجديد وهو السبب الذي ذكرته الجهة الإدارية أخيراً بالكتاب رقم 71 - 3/ 1911 المؤرخ أول يونيه سنة 1961 بأنه سبب فصلهم من الخدمة، بحسب أحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 إذ لا شك أن الملاءمة للعهد الجديد يجب أن تتوافر في الموظف الكفء القادر المنتج ذي السمعة الحسنة ليكون بمنأى عن الفصل طبقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 - وإذا ما تخلف فيه فلا تنفعه كفايته وحسن سمعته ولا جدال في أن الجهة الإدارية تتمتع في هذا الخصوص بسلطة تقديرية واسعة تتحسس بها أحوال الموظفين لمعرفة من يلائمه منهم العهد الجديد ومن لا يلائمه ولا يحد سلطتها هذه إلا الانحراف أو سوء استعمال السلطة وهما أمران عجز المطعون ضدهم أفراداً وجماعة عن إسنادهما لها أو التدليل عليهما، فضلاً عن أن الثابت من الأوراق أن اللجنة التي نظرت في أمر المدعين كان معظم أعضائها من رجال الثورة وهم بلا شك أقوى الناس معرفة بالموظفين الذين لا يلائمهم ذلك العهد وأبعدهم وكذلك عن الأغراض الشخصية.
ومن حيث إنه وقد بان من جماع ما تقدم أن القرار المطعون صدر ممن يملكه وطبقاً للإجراءات التي نص عليها القانون كما قام على صحيح سببه ومن ثم فهو قرار مطابق للقانون ولا مطعن عليه وبالتالي لا يمكن أن يترتب عليه أي حق للمطعون ضدهم في تعويض عنه. وبالتالي فإن الحكم المطعون إذ قضى لهم بالتعويض يكون حكماً غير صائب ومخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه ورفض دعواهم.
ومن حيث إن المطعون ضدهم وقد خسروا دعواهم يتعين إلزامهم بمصروفاتها إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضدهم بالمصروفات.