مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثالث (من أول إبريل سنة 1961 إلى آخر سبتمبر سنة 1961) - صـ 1296

(156)
جلسة 24 من يونيه سنة 1961

برياسة السيد/ محمد عفت رئيس المجلس وعضوية السادة سيد إبراهيم الديواني ومصطفى كامل إسماعيل وعبد الفتاح بيومي نصار ومحمد مختار العزبي. المستشارين.

القضية رقم 158 لسنة 6 القضائية

( أ ) قرار إداري - وقف تنفيذه - الأصل في القرار الإداري هو النفاذ إلى أن تبطله الإدارة أو تسحبه أو يقضى بإلغائه - انطواء وقف تنفيذه على الخروج عن هذا الأصل - مؤدى ذلك، عدم جواز الحكم بوقف التنفيذ إلا لضرورة تدارك نتائج يتعذر تداركهما بالتنفيذ - مثال.
(ب) عمدة - الترشيح لمنصب العمدية مشروط بإلمام المرشح بالقراءة والكتابة دون معرفتها أو إحسانها - ارتباط هذا الشرط بطبيعة الوظيفة ومدى احتياج العمل الإداري للقدر الذي تستجيب معه الوظيفة الخاصة المرفق - سلطة الإدارة في تقدير هذا الشرط - خضوع هذا التقدير لرقابة القضاء الإداري - بيان ذلك.
(جـ) عمدة - كشف المرشحين للعمدية - الاعتراض على من وردت أسماؤهم - الصفة في الاعتراض - لا تتوافر في فاقد شرط الإلمام بالقراءة والكتابة ولم يدرج في هذا الكشف.
1 - إن الأصل في القرار الإداري هو نفاذه وسريان حكمه إلى أن تبطله الإدارة نفسها استناداً إلى سبب من أسباب البطلان، أو تسحبه في الحدود التي يجوز السحب فيها، أو يقضى بإلغائه لمخالفته للقانون أو لفساد الباعث عليه فساداً يوصمه بعيب إساءة استعمال السلطة. وبهذه المثابة فإن وقف تنفيذ القرار ينطوي على خروج من هذا الأصل؛ ومن ثم فلا يسوغ إلا حيث تدعو ضرورة لتفادي نتائج يتعذر تداركها لو لم يقض بوقف تنفيذه. ولما كان القرار الإداري بتعيين العمدة مما يخضع لقضاء الإلغاء ولا يحصنه تسلسل الإجراءات المتتالية السابقة على صدوره، ولا يفوت على المدعي ما يتعذر تداركه من نتائج، شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري بتعيين موظف أو ترقية، فلا يتسنى الحكم بوقف التنفيذ إلا حيث يصاحب القرار من الظروف والملابسات ما يتعذر تداركه من النتائج أو حيث يكون منطوياً على تجن واضح من الإدارة وافتئات يستلزم حماية المدعي مؤقتاً حتى يقضي بإلغاء القرار أن تكشف من واقع الحال ما يدعو إلى ذلك. وما دام أن اسم المدعي يمكن أن يعرض على الاتحاد القومي ولو بعد سبق عرض أسماء الجائز ترشيحهم وصدور قراره في شأنهم وذلك استناداً إلى الحكم فيما لو فرض وقضى لصالحه - الأمر الذي تنتفي معه في الحالة المعروضة وجود النتائج التي يتعذر تداركها والتي هي قوام وقف التنفيذ؛ فإنه ترتيباً على ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما انتهى إليه من وقف تنفيذ قرار لجنة الطعون المشار إليه.
2 - إنه وإن كان الإلمام بالقراءة والكتابة هو شرط من الشروط القانونية الواجب توافرها فيمن يجوز ترشيحه عمدة، وأنه من ثم يخضع لرقابة المحكمة، إلا أن هذا الشرط - بحسب طبيعته - تكتنفه ضوابط التقدير. وأن الحد الأدنى من هذا الإلمام المتطلب يمكن أن يختلف من وظيفة إلى أخرى حسب مقتضيات الحال ومدى استجابة هذا الشرط لمطالب الوظيفة ذاتها بل يمكن أن يتذبذب معياره بحسب الزمان والمكان، وأنه وإن كان الإلمام بالقراءة والكتابة في مرتبة أدنى من تطلب معرفة القراءة والكتابة، وأدنى - بالأولى - من تطلب إحسان القراءة والكتابة، إلا أن الحد الذي يتلاءم معه القول باستيفاء هذا الشرط يرتبط في واقع الأمر بطبيعة الوظيفة ذاتها ومدى احتياج العمل الإداري لهذا القدر من الإلمام حتى تستجيب الوظيفة لحاجة المرفق. ومن مقتضى هذا أن يكون لجهة الإدارة سلطة تقديرية في هذا الخصوص تقوم على أساس من وقائع صحيحة تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي تنتهي إليها بحيث يكون قولها بتوافر هذا الشرط لمن يعجز عن القراءة والكتابة أصلاً غير قابل للاعتداد به، وكذلك الحال إذا انتهت جهة الإدارة إلى القول بعدم توافر هذا الشرط لمن يثبت سبق حصوله على مؤهل دراسي أو تفصح ورقة الاستكتاب عن جودة الخط والبراءة من الخطأ أو كان الخطأ يسيراً مغتفراً والخط واضحاً بحيث لا يختلف اثنان على وصف كاتبه بالإلمام بالقراءة والكتابة، ومن المعلوم أن القراءة والكتابة أمران مختلفان وأن الإلمام بأحدهما لا يستوجب بالطبيعة الإلمام بالأمر الثاني منهما وإن كان توافر أحدهما في الشخص يلازم توافر ثانيهما في الغالب الأعم. وبالتالي فلا يكتفي بأن يتحقق في طالب الترشيح شرط الكتابة بل يجب أن يتحقق لديه أيضاً الإلمام بالقراءة. ومن هذه الزاوية فإنه من الميسور أن يكون المدعي حافظاً للقرآن الكريم دون أن يتوفر له شرط الإلمام بكتابته. وبمراجعة إشارة البلاغ وقطعة الإملاء اللتين استكتبتهما اللجنة المدعي، يظهر أن ما انتهت إليه اللجنة من القول بعدم توافر الشرط المذكور في حق المدعي يقوم على أساس من التقدير في حدود الضوابط السابق إيضاحها ترى المحكمة الاعتداد به.
3 - متى ثبت أن المدعي فاقد لشرط الإلمام بالقراءة والكتابة، ولا محل لإدراج اسمه في كشف الجائز ترشيحهم لوظيفة عمدة. فلا تكون له ثمة صفة في الاعتراض على من ورد اسمه في هذا الكشف.


إجراءات الطعن

بتاريخ 12 من ديسمبر سنة 1959 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1959 من المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في الدعوى رقم 117 لسنة 6 القضائية المرفوعة من السيد/ علي محمد علي مصطفى ضد رئيس لجنة الطعون بمديرية الجيزة ومأمور مركز العياط ومدير مديرية الجيزة ووزير الداخلية التنفيذي القاضي "بوقف تنفيذ قرار لجنة الطعون الصادر بتاريخ 16 من فبراير سنة 1959 فيما تضمنه من رفض إدراج اسم المدعي بكشف من تتوافر فيهم شروط العمدية لناحية كفر شحاتة مركز العياط. وبإلغاء القرار المطعون فيه المذكور وما يترتب على ذلك من آثار كالمبين بالأسباب، وألزمت الحكومة مصروفات الدعوى بشقيها ومبلغ جنيهان مقابل أتعاب المحاماة" وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في صحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بصفة مستعجلة بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف تنفيذ قرار اللجنة الصادر بتاريخ 16 من فبراير سنة 1958 وفي الموضوع بإلغائه فيما تضمنه من إلغاء القرار المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 20 من ديسمبر سنة 1959، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 22 من يناير سنة 1961، وأخطرت الحكومة والمدعي في 15 من يناير سنة 1961 بميعاد هذه الجلسة، ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 29 من إبريل سنة 1961، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح بالمحضر قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه طالباً أولاً الحكم، بصفة مستعجلة، بوقف تنفيذ قرار لجنة الطعون بمديرية الجيزة الصادر في 16 من فبراير سنة 1959 وذلك فيما تضمنه من رفض إدراج اسمه بكشف من تتوافر فيهم شروط العمدية بناحية كفر شحاتة مركز العياط. ثانياً وفي الموضوع، بإلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من رفض طعن المدعي إدراج أسماء السادة/ محمد صالح الصالحي وصلاح عبد الحليم ومحمد عبد ربه وعبد المولى أبو طالب وعبد المحسن عبد المطلب ومحمد خليفة وعبد المقصود برعي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة بالمصروفات والأتعاب. وقال في بيان ذلك إنه خلت عمدية كفر شحاتة مركز العياط مديرية الجيزة، وحرر المركز كشفاً بأسماء من تتوافر فيهم الشروط الواردة في المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 106 لسنة 1957 وعرض هذا الكشف فتقدم المدعي في الميعاد بطلبين أولهما خاص بإغفال إدراج اسمه رغم توافر كافة الشروط المطلوبة فيه وثانيهما يتعلق بالاعتراض على إدراج بعض المرشحين السابق ذكرهم بالكشف المشار إليه. وقد استند المدعي بالنسبة للطلب الأول على أن كافة الشروط متوافرة فيه إذ أنه مولود بالقرية، ومقيم بها، وحسن السمعة والسيرة، ومقيد بجدول الانتخاب، وغير محروم من مباشرة الحقوق السياسية، وسنه تزيد على خمس وعشرين سنة، وهو يملك حوالي سبعة أفدنة بزمام القرية، وملم بالقراءة والكتابة، ولم يسبق له أن فصل تأديبياً من وظيفة عمدة أو شيخ. أما عن طعنه الخاص بإدراج بعض الأشخاص الآخرين فأساسه أن السيد/ محمد صالح الصالحي لا يقيم بالقرية وكذلك الشأن بالنسبة للسيد/ صلاح عبد الحليم فضلاً عن أنه لم يشتر أطيان إلا بعد خلو الوظيفة، أما السيد/ محمد عبد ربه فإنه لا يملك سوى فدانين وكذلك السيد/ عبد المولى أبو طالب فهو لا يملك شيئاً ويزرع ثلاثة أفدنة بأرض الإصلاح الزراعي، وأن السيد/ عبد المحسن عبد المطلب يعمل بقالاً ولا يباشر الزراعة ولا يملك شيئاً، كما أن السيدين/ محمد خليفة وعبد المقصود برعي لا يملكان إلا حصة بسيطة لا تذكر. الأمر الذي يجعل قرار لجنة الطعون مشوباً بسوء استعمال السلطة لأنه قصد إلى محاباة عائلة نائب العمدة فأورد بالكشف ستة من أقاربه في الوقت الذي حاولت اللجنة إبعاد المدعي وآخرين من أهالي القرية.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن طلب المدعي وقف التنفيذ لا تتوافر فيه عناصر الاستعجال والمشروعية، فالقرار المطعون ليس من القرارات التي يتعذر تداركها إذ من الممكن أن تعيد الوزارة إجراءات الترشيح للعمدية فيما لو رأت المحكمة إلغاء القرار المطعون فيه. ومن حيث المشروعية فإنه يلاحظ أن عمدية كفر شحاتة خلت بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1958 بوفاة شاغلها، وحرر كشف بالجائز ترشيحهم للعمدية، وعرض خلال المدة من 4 من ديسمبر سنة 1958 إلى 13 من ديسمبر سنة 1958. وبتاريخ 16 من ديسمبر تقدم المدعي بطعن يطلب فيه إدراج اسمه بكشف الجائز ترشيحهم للعمدية وحذف أسماء من أدرجوا بالكشف دون وجه حق، وعرض الطعن على لجنة الطعون بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1958 حيث استكتبته اللجنة فاتضح لها بالدليل المادي أنه غير ملم بالكتابة والقراءة وبناء عليه رفض طلبه الأول. وأما بالنسبة لطلبه الثاني فقد تبين للجنة أنه مقدم من غير ذي صفة طبقاً لنص المادة الخامسة من قانون العمد والمشايخ التي تستوجب صراحة أن يكون الطعن الخاص بطلب حذف أسماء من الكشوف مقدماً ممن يكون اسمه مقيداً فعلاً في هذه الكشوف وهو ما لا يتوافر في المدعي وانتهت الوزارة إلى طلب رفض الدعوى. وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1959 حكمت المحكمة بوقف تنفيذ قرار لجنة الطعون الصادر بتاريخ 26 من فبراير سنة 1959 فيما تضمنه من رفض إدراج اسم المدعي بكشف من تتوافر فيهم شروط العمدية لناحية كفر شحاتة مركز العياط. وبإلغاء القرار المطعون فيه المذكور وما يترتب على ذلك من آثار كالمبين بالأسباب، وألزمت الحكومة بمصروفات الدعوى بشقيها ومبلغ جنيهان مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها فيما يتعلق بوقف تنفيذ قرار لجنة الطعون سالف الذكر استناداً إلى قيام ركن الاستعجال بدعوى أنه يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها حيث إن رفع اسم المدعي من الكشوف يحول بينه وبين الترشيح للعمدية في الميعاد لعدم إمكان عرض اسمه على الاتحاد القومي الذي يعد قراره نهائياً غير قابل للطعن بأية حال من الأحوال، فضلاً عن أن طلب وقف التنفيذ يقوم بحسب ظاهره على أسباب جدية لأن المدعي كتب ما أملى عليه وأن وجود أخطاء إملائية لا تحول دون توافر شرط الإلمام بالقراءة والكتابة في حقه - وفي ذات الوقت انتهت المحكمة إلى إلغاء قرار لجنة الطعون المشار إليه - موضوع الدعوى - وما يترتب على ذلك من آثار تأسيساً على أن شرط الإلمام بالقراءة والكتابة الذي تتطلبه المادة الثالثة من القانون رقم 106 لسنة 1957 في شأن العمد والمشايخ يتوافر للمدعي حيث يلتزم في كتابة كل كلمة ما تتضمن من حروف مما يجعل تركيبها على قدر من الوضوح ييسر لقارئها فهم مضمونها، وأن كل نزول عن هذا القدر يعتبر معه المرشح فاقداً للشرط وفق المادة المنوه عنها، وأنه يبين من الرجوع إلى ورقتي استكتاب المدعي أنه وإن كانتا تتضمنان بعض أخطاء إملائية إلا أن كتابته مقروءة في جميع الكلمات المكتوبة بخط لا بأس به ويسهل لكل قارئ أن يفهم مضمونها، وهو ما يكفي في تقدير المحكمة الإدارية لاعتبار المدعي ملماً بالكتابة، وأن القاعدة أن كل من يستطيع الكتابة فإنه يستطيع القراءة أيضاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم فيما يتعلق بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أن هذا القرار ليس من القرارات التي يتعذر تدارك نتائجها إذ أنه لو قضى بإدراج اسم المدعي لالتزمت الوزارة بإعادة إجراءات الترشيح للعمدية من جديد، ذلك أن إحالة طلبات الترشيح إلى الاتحاد القومي لا يعني بها ترتب نتائج يتعذر تداركها لأن مهمة اللجنة ومن بعدها الاتحاد القومي هي اختيار الصالحين للوظيفة ثم إجراء الانتخاب فيما بين هؤلاء وليس هناك ما يمنع من إعادة الإجراءات بالنسبة إلى المدعي وحده، فيما لو حصل على حكم نهائي بإعادة إدراج اسمه، إذ لا يستلزم القانون اتخاذ جميع الإجراءات لجميع المرشحين جملة واحدة، ومن ثم فلا محل للقول بتوافر شرط الاستعجال في طلب وقف التنفيذ. وبالنسبة للموضوع فإن الطعن يستند إلى أن ما قضى به الحكم المطعون فيه من توافر شرط الإلمام بالقراءة والكتابة في المدعي يخالف القانون والواقع؛ لأن مقتضى هذا الشرط أن يكون العمدة قادراً على القراءة دون صعوبة حتى يتمكن من أداء وظيفته على الوجه الأكمل، وأن يكون قادراً على الكتابة دون أخطاء إملائية كثيرة لأن كتابته ستتداول في جهات إدارية كثيرة، ومن ثم فإن الشرط الموضوعي يكون غير متوافر في المدعي الأمر الذي يقطع بسلامة قرار لجنة الطعون.
ومن حيث إن الأصل في القرار الإداري هو نفاذه وسريان حكمه إلى أن تبطله الإدارة نفسها استناداً إلى سبب من أسباب البطلان، أو تسحبه في الحدود التي يجوز السحب فيها، أو يقضي بإلغائه لمخالفته للقانون أو الفساد الباعث عليه فساداً يوصمه بعيب إساءة استعمال السلطة. وبهذه المثابة فإن وقف تنفيذ القرار ينطوي على خروج من هذا الأصل؛ ومن ثم فلا يسوغ إلا حيث تدعو ضرورة لتدارك نتائج يتعذر تداركها لو لم يقض بوقف تنفيذه. ولما كان القرار الإداري بتعيين العمدة مما يخضع لقضاء الإلغاء ولا يحصنه تسلسل الإجراءات المتتالية السابقة على صدوره، ولا يفوت على المدعي ما لا يتعذر تداركه من نتائج، شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري بتعيين موظف أو ترقيته، فلا يتسنى الحكم بوقف التنفيذ إلا حيث يصاحب القرار من الظروف والملابسات ما يتعذر تداركه من النتائج أو حيث يكون منطوياً على تجن واضح من الإدارة وافتئات يستلزم حماية المدعي مؤقتاً حتى يقضى بإلغاء القرار أن تكشف من واقع الحال ما يدعو إلى ذلك. وما دام أن اسم المدعي يمكن أن يعرض على الاتحاد القومي ولو بعد سبق عرض أسماء الجائز ترشيحهم وصدور قراره في شأنهم وذلك استناداً إلى الحكم فيما لو فرض وقضى لصالحه - الأمر الذي تنتفي معه في الحالة المعروضة وجود النتائج التي يتعذر تداركها والتي هي قوام وقف التنفيذ. فإنه ترتيباً على ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما انتهى إليه من وقف تنفيذ قرار لجنة الطعون المشار إليه.
ومن حيث إنه وإن كان الإلمام بالقراءة والكتابة هو شرط من الشروط القانونية الواجب توافرها فيمن يجوز ترشيحه عمدة، وأنه من ثم يخضع لرقابة المحكمة، إلا أن هذا الشرط - بحسب طبيعته - تكتنفه ضوابط التقدير. وأن الحد الأدنى من هذا الإلمام المتطلب يمكن أن يختلف من وظيفة إلى أخرى حسب مقتضيات الحال ومدى استجابة هذا الشرط لمطالب الوظيفة ذاتها بل يمكن أن يتذبذب معياره بحسب الزمان والمكان، وأنه وإن كان الإلمام بالقراءة والكتابة في مرتبة أدنى من تطلب معرفة القراءة والكتابة، وأدنى - بالأولى - من تطلب إحسان القراءة والكتابة، إلا أن الحد الذي يتلاءم معه القول باستيفاء هذا الشرط يرتبط في واقع الأمر بطبيعة الوظيفة ذاتها ومدى احتياج العمل الإداري لهذا القدر من الإلمام حتى تستجيب الوظيفة لحاجة المرفق. ومن مقتضى هذا أن يكون لجهة الإدارة سلطة تقديرية في هذا الخصوص تقوم على أساس من وقائع صحيحة تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي تنتهي إليها، بحيث يكون قولها بتوافر هذا الشرط لمن يعجز عن القراءة والكتابة أصلاً غير قابل للاعتداد به، وكذلك الحال إذا انتهت جهة الإدارة إلى القول بعدم توافر هذا الشرط لمن يثبت سبق حصوله على مؤهل دراسي أو تفصح ورقة الاستكتاب عن جودة الخط والبراءة من الخطأ أو كان الخطأ يسيراً مغتفراً والخط واضحاً بحيث لا يختلف اثنان على وصف كاتبه بالإلمام بالقراءة والكتابة، ومن المعلوم أن القراءة والكتابة أمران مختلفان وأن الإلمام بأحدهما لا يستوجب بالطبيعة الإلمام بالأمر الثاني منهما وإن كان توافر أحدهما في الشخص يلازم توافر ثانيهما في الغالب الأعم. وبالتالي فلا يكتفي بأن يتحقق في طالب الترشيح شرط الكتابة بل يجب أن يتحقق لديه أيضاً الإلمام بالقراءة. ومن هذه الزاوية فإنه من الميسور أن يكون المدعي حافظاً للقرآن الكريم دون أن يتوفر له شرط الإلمام بكتابته.
ومن حيث إنه بمراجعة إشارة البلاغ وقطعة الإملاء اللتين استكتبتهما اللجنة المدعي يظهر أن ما انتهت إليه اللجنة من القول بعدم توافر الشرط المذكور في حق المدعي يقوم على أساس من التقدير في حدود الضوابط السابق إيضاحها ترى المحكمة الاعتداد به.
ومن حيث إنه متى ثبت أن المدعي فاقد لشرط الإلمام بالقراءة والكتابة ولا محل لإدراج اسمه في كشف الجائز ترشيحهم لوظيفة عمدة، فلا يكون له ثمة صفة في الاعتراض على من ورد اسمه في هذا الكشف.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه لذلك فإنه يتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.