أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 22

جلسة 2 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سليم راشد أبو زيد، محمد صدقي البشبيشي، محمد سيد أحمد حماد، علي عبد الرحمن.

(4)
الطعن رقم 550 لسنة 34 القضائية

( أ ) صورية. "صورية نسبية". إثبات. "الإثبات بالبينة". إرث. وصية. نظام عام. بيع.
الطعن من الوارث في بيع صادر من المورث بأنه في حقيقته وصية. صورية نسبية. للوارث أن يثبت ذلك بجميع الطرق بما فيها البيئة.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تكييف العقود". دعوى. "دعوى صحة ونفاذ العقد".
القضاء في أمر صحة ونفاذ العقد يتوقف على تكييفه ومعرفة الأحكام القانونية التي تنطبق عليه من حيث الصحة والنفاذ.
(جـ) إثبات. "الإثبات بالقرائن". وصية. "طعن الوارث في تصرفات مورثه".
صدور التصرف من المورث إلى غير وارث. عدم جواز إعمال القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني. للوارث الذي يطعن في التصرف بأنه وصية أن يثبت احتفاظ المورث بحيازة العين التي تصرف فيها كقرينة قضائية تخضع لمطلق تقدير القاضي.
(د) وصية. وارث. حيازة. "شرط توافرها".
بحث محكمة الموضوع وضع يد المتصرف للتعرف على حقيقة نيته. ليس عليها البحث في أركان الحيازة القانونية وشروطها المكسبة للملكية بالتقادم.
(هـ) عقد "تكييف العقد". دعوى. "أساس الدعوى". وصية.
تكييف المحكمة العقد بأنه وصية لا بيع. تطبيق حكم القانون المنطبق على وصفه الصحيح. لا يعد تغييراً لأساس الدعوى. مثال في وصية.
1 - الطعن من الوارث في عقد البيع الصادر من المورث بأنه في حقيقته وصية وأنه لم يدفع فيه ثمن خلافاً لما ذكر فيه إنما يعد طعناً منه بصورية هذا العقد صورية نسبية بطريق التستر ومن حقه كوارث أن يثبت هذا الدفاع بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة لأن التصرف يكون في هذه الحالة قد صدر إضراراً بحقه في الإرث الذي تتعلق أحكامه بالنظام العام فيكون تحايلاً على القانون.
2 - لا تستطيع محكمة الموضوع البت في أمر صحة ونفاذ العقد الصادر من المورث سواء باعتباره بيعاً أو باعتباره وصية إلا بعد أن تحدد نوعه إذ يتوقف على هذا التحديد معرفة الأحكام القانونية التي تنطبق عليه من حيث الصحة والنفاذ، ولا يجوز للمحكمة حتى بفرض أن التركة تتسع لنفاذ التصرف في الحالين أن تقضي بنفاذه قبل أن تبت في أمر تكييفه وهل هو بيع أو وصية.
3 - عدم انطباق شروط المادة 917 من القانون المدني لكون المتصرف إليه غير وارث وإن كان يؤدي إلى عدم جواز إعمال القرينة القانونية المنصوص عليها في هذه المادة وبالتالي إلى عدم إعفاء الوارث الذي يطعن على التصرف بأنه ستر وصية من إثبات هذا الطعن إلا أن ذلك لا يمنعه من أن يتحمل هو عبء إثبات طعنه هذا وله في سبيل ذلك أن يثبت احتفاظ المورث بحيازة العين التي تصرف فيها كقرينة قضائية يتوصل بها إلى إثبات مدعاه والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ بها شأنها في ذلك شأن سائر القرائن القضائية التي تخضع لمطلق تقديره.
4 - تحدث محكمة الموضوع - وهي بصدد الفصل في حقيقة ما انتواه المتصرف من تصرفه بالعقد محل النزاع - عن وضع يد المتصرف إنما يكون من حيث إنه قرينة من القرائن التي يستدل بها على أنه قد قصد أن يكون تمليك المتصرف له مضافاً إلى ما بعد موت المتصرف وبهذا فلم يتخل له عن الحيازة التي يتخلى له عنها لو كان التصرف منجزاً ومن ثم فلا يكون على المحكمة في هذه الحالة أن تبحث أركان الحيازة القانونية وشروطها إذ هذا البحث لا يكون لازماً إلا إذا كانت بصدد الفصل في حيازة بالمعنى الذي يستوجبه القانون في دعاوى الحيازة أو كسب الملك بالتقادم.
5 - متى كانت محكمة الاستئناف قد انتهت إلى أن التكييف الصحيح للعقد بحسب ما عناه العاقدان هو أنه وصية وليس بيعاً فإنه كان عليها أن تنزل عليه حكم القانون المنطبق على وصفه الصحيح ولا يعتبر ذلك منها تغييراً لأساس الدعوى لأنها لا تتقيد في التكييف بالوصف الذي يعطيه المدعي للحق الذي يطالب به بل عليها أن تتحرى طبيعة هذا الحق لتصل بذلك إلى التكييف القانوني الصحيح له وتطبق عليه حكم القانون. وإذا كانت الوصية بحسب أحكام القانون رقم 71 لسنة 1946 المنطبق على واقعة الدعوى سواء أكانت لوارث أو لغيره تصح وتنفذ في ثلث التركة من غير إجازة الورثة وكان المطعون ضدهن قد طلبن اعتبار التصرف وصية وهو ما يفيد عدم منازعتهن في صحته ونفاذه على أساس هذا الوصف فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى برمتها دون أن يبحث ما إذا كان المقدار الموصى به يدخل في حدود ثلث التركة أو لا يدخل، يكون مخطئاً في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاما الدعوى 216 لسنة 1962 مدني كلي شبين الكوم يطلبان الحكم لهما بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 15 من أغسطس سنة 1961 والصادر لهما من المرحوم محمد إبراهيم يوسف الفقي عن 4 ف و6 س بثمن قدره 850 جنيهاً واختصما في الدعوى أولاد البائع عبد العزيز وأمينة وبهية ونبوية وزهرة وعزيزة وفاطمة ثم القاصر محمد شكري ابن عزيزة المتوفاة في شخص وليه الطبيعي السيد أحمد قطب كما أقامت أمينة وبهية ونبوية وفاطمة ومحمد شكري الدعوى 218 سنة 1962 مدني كلي شبين الكوم على بعض الورثة بتثبيت ملكيتهم إلى نصيبهم في تركة مورثهم المذكور وقدره 4 ف و6 س شائعة في 11 ف و9 ط و 5/ 9 المباني والمنقولات. وفي الدعوى الأولى أقر عبد العزيز بصحة توقيع مورثه على عقد البيع بينما طعنت عليه أمينة وبهية ونبوية وزهرة وفاطمة (المطعون ضدهن الأربعة الأول وأخرى) بجهلهن توقيع مورثهن عليه وأضفن أنه بفرض صدوره من المورث فإنه يخفي وصية وبعد أن حلفن يمين عدم العلم طبقاً للمادة 394 من القانون المدني قضت المحكمة في 13 من يناير سنة 1963 بإيقاف السير في الدعوى 218 سنة 1962 كلي شبين الكوم، وفي الدعوى 216 سنة 1962 بإحالتها إلى التحقيق ليثبت الطاعنان أن التوقيع المنسوب لمورث المطعون ضدهم على عقد البيع الابتدائي المؤرخ 15 أغسطس سنة 1961 المطلوب الحكم بصحته هو توقيع صحيح وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 28 من إبريل سنة 1963 بصحة هذا العقد ونفاذه دون أن تتعرض في أسباب حكمها للطعن على العقد بأنه يخفي وصية فاستأنف المطعون ضدهن الأربعة الأول وفاطمة محمد إبراهيم الفقي – التي تركت الخصومة في الاستئناف - هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا وقيد استئنافهن برقم 229 سنة 13 قضائية وتمسك المطعون ضدهن الأربعة الأول المستأنفات بأن العقد في حقيقته وصية ولم يدفع فيه ثمن خلافاً لما نص عليه فيه وتعين على محكمة أول درجة إغفالها تحقيق هذا الدفاع.
وبتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1963 قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدهن الأربعة الأول أن عقد البيع في حقيقته وصية وأن المشتريين - الطاعنين - لم يدفعا ثمناً وليس لديهما مال يمكنهما من دفعه وأن المورث استقل بوضع يده على المبيع حتى وفاته وأنه ما كان بحاجة لبيع شيء من ملكه ومقدار ما تركه من مال. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 25 يونيو سنة 1964 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى تأسيساً على ما استخلصته من شهادة شهود الإثبات من أن التصرف في حقيقته مضاف إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية وذكرت المحكمة أنها لا تملك إعمال حكم الوصية لأن ذلك يعتبر تغييراً لأساس الدعوى. وبتاريخ 23 من أغسطس سنة 1964 طعن الطاعنان بطريق النقض في هذا الحكم وفي الحكم السابق عليه الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن بالنسبة للحكم الصادر في 19 ديسمبر سنة 1963 وبنقض الحكم الصادر في 25 من يونيو سنة 1964 في خصوص السبب الرابع من أسباب الطعن وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم الأول الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق الخطأ في القانون من وجهين وفي بيان الوجه الأول يقولان إن المحكمة إذ أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن عقد البيع الابتدائي المؤرخ 15 من أغسطس سنة 1961 هو في حقيقته وصية تكون قد جعلت تكييف العقد - وهو مسألة قانونية - محلاً للإثبات مع أن هذا التكييف من عمل المحكمة ولا يجوز أن يترك أمره للشهود.
ويتحصل الوجه الثاني في أن الحكم المذكور خالف المادة 156 من قانون المرافعات لإحالته الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن حقيقة العقد وصية وليس بيعاً وهو أمر غير منتج في الدعوى لأنه كان ظاهراً أمام المحكمة وقت إصدار هذا الحكم أنه سواء كان العقد بيعاً أم وصية فإنه في الحالين صحيح ونافذ ذلك بأنه كان تحت نظر المحكمة الدعوى 218 سنة 1962 المرفوعة من الورثة بطلب تثبيت ملكيتهم لنصيبهم في التركة والتي يقرون فيها بأن قيمة هذه التركة لا تقل عن أربعة آلاف جنيه وعلى ذلك تنفذ الوصية باعتبار أن الأطيان المتصرف فيها وقيمتها حسب العقد 850 جنيهاً تدخل في حدود ثلث التركة بإقرار المطعون ضدهن الأربعة الأول في دعواهن تلك.
وحيث إن النعي بالوجه الأول غير سديد ذلك أن ما دفع به المطعون ضدهن الأربعة الأول من أن عقد البيع المطلوب الحكم بصحته هو في حقيقته وصية وأنه لم يدفع فيه ثمن خلافاً لما ذكر فيه إنما هو طعن منهن بصورية هذا العقد صورية نسبية بطريق التستر ومن حقهن كورثة أن يثبتن دفاعهن هذا بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة لأن التصرف يكون في هذه الحالة قد صدر إضراراً بحقهن في الإرث الذي تتعلق أحكامه بالنظام العام فيكون تحايلاً على القانون ومن ثم فإذا قضى الحكم الصادر في 19 ديسمبر سنة 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضدهن الأربعة الأول أن عقد البيع في حقيقته وصية وأن المشتريين - الطاعنين - لم يدفعا ثمناً وليس لديهما مال يمكنهما من دفعه وأن المورث الذي كان مليئاً استقل بوضع يده على المبيع حتى وفاته وأنه ما كان بحاجة لبيع شيء من ملكه فإن الحكم يكون بذلك قد قضى بإثبات الصورية المدعاة من الورثة وإثبات الوقائع المادية التي ساقوها لتأييد هذه الصورية وكل ذلك مما يجوز إثباته بالبينة أما تكييف العقد فيجيء دوره بعد أن تتبين المحكمة من التحقيق الذي أمرت به حقيقة نوع العقد الذي قصده الطرفان ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في القانون بمقولة إنه ترك للشهود البت في أمر تكييف العقد على غير أساس. والنعي في وجهه الثاني مردود بأن المحكمة لا تستطيع البت في أمر صحة ونفاذ العقد سواء باعتباره بيعاً أو باعتباره وصية إلا بعد أن تحدد نوعه إذ يتوقف على هذا التحديد معرفة الأحكام القانونية التي تنطبق عليه من حيث الصحة والنفاذ ولا يجوز للمحكمة حتى بفرض أن التركة تتسع لنفاذ التصرف في الحالين أن تقضي بنفاذه قبل أن تبت في أمر تكييفه وهل هو بيع أو وصية.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم الثاني الصادر في الموضوع بتاريخ 25 يونيه سنة 1964 الخطأ في تطبيق القانون من أربعة وجوه وفي بيان الوجه الأول يقولان إن المحكمة طبقت المادة 917 من القانون المدني والتي تشترط أن يكون التصرف المطعون فيه صادراً إلى أحد الورثة حتى يتسنى اعتباره وصية مع أنهما ليسا من ورثة البائع وقد نبها محكمة الموضوع إلى ذلك.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يشر إلى المادة 917 من القانون المدني ولم يعمل القرينة القانونية المنصوص عليها فيها وإنما أقام قضاءه باعتبار التصرف الذي تضمنه عقد البيع المطعون عليه مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه لذلك أحكام الوصية على ما شهد به شهود الإثبات الذين اطمأنت إليهم المحكمة ورجحت أقوالهم على أقوال شهود النفي من أن عقد البيع لم يظهر إلا بعد وفاة المتصرف وأنه ظل واضعاً يده على الأطيان المتصرف فيها حتى وفاته وأن المتصرف إليهما - الطاعنين - لا يستطيعان دفع الثمن المذكور في العقد كما استندت المحكمة إلى ما ثبت لها من المستندات المقدمة في الدعوى من أن المتصرف كان مليئاً ولم يكن في حاجة إلى البيع، ولما كان ذلك وكان للوارث - على ما سلف بيانه في الرد على الوجه الأول من السبب الأول - أن يثبت طعنه على التصرف بأنه يستر وصية إضراراً بحقه في الميراث بكافة طرق الإثبات وكان عدم انطباق شروط المادة 917 من القانون المدني لكون المتصرف إليه غير وارث وإن كان يؤدي إلى عدم جواز إعمال القرينة القانونية المنصوص عليها في هذه المادة وبالتالي إلى عدم إعفاء الوارث الذي يطعن على التصرف بأنه يستر وصية من إثبات هذا الطعن إلا أن ذلك لا يمنعه من أن يتحمل هو عبء إثبات طعنه هذا وله في سبيل ذلك أن يثبت احتفاظ المورث بحيازة العين التي تصرف فيها كقرينة قضائية يتوصل بها إلى إثبات مدعاه والقاضي بعد ذلك حر في أن يأخذ بهذه القرينة أو لا يأخذ شأنها في ذلك شأن سائر القرائن القضائية التي تخضع لمطلق تقديره، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استند في قضائه بأن العقد في حقيقته وصية إلى التحقيق الذي أجرته المحكمة والذي تحمل فيه المطعون ضدهن الأربعة الأول عبء الإثبات وإلى القرائن التي ساقها الحكم فإنه لا يكون مخالفاً للقانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه بتطبيقه المادة 917 من القانون المدني غير مصادف محلاً فيه.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه استند في القول بأن التصرف وصية وليس بيعاً إلى أن البائع كان يضع اليد على الأطيان المتصرف فيها حتى وفاته بوساطة وكيله وحفيده الأحمدي عبد العزيز وأسند إلى شاهد الإثبات الأخير القول بقيام هذه الوكالة مع أنه لا يوجد بالأوراق ما يدل على وجودها وأنه على فرض قيام هذه الوكالة فإن الوكيل هو زوج المشترية الطاعنة الأولى وأولى أن يكون وضع يده نيابة عنها لا نيابة عن جده هذا إلى أن الحكم لم يعن بتحديد ماهية وضع اليد وأركانه حتى يزيل الغموض عنه كما أن مجرد حيازة المتصرف لما تصرف فيه لا يكفي للقول بأن التصرف وصية بل يجب أن يقترن ذلك بثبوت الاحتفاظ بالحق في الانتفاع بالعين مدى الحياة على ما تقضي به المادة 917 من القانون المدني.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأن الثابت من التحقيق الذي قامت به محكمة الاستئناف في 19 من فبراير سنة 1964 نفاذاً للحكم الصادر منها في 19 من ديسمبر سنة 1963 أن شاهد الإثبات الأخير قرر أن الأحمدي - زوج الطاعنة الأولى وحفيد المورث - كان وكيلاً عنه حتى وفاته ينوب عنه في وضع يده على الأرض المتصرف فيها، كما أقر الأحمدي بوكالته هذه في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة عندما سئل شاهداً، بل إن الطاعنين أكدا قيام تلك الوكالة بمذكرتهما المقدمة إلى محكمة الاستئناف والمودعة ملفه برقم 16، ومن ثم كان النعي على الحكم في هذا الصدد غير صحيح. والنعي في شقه الثاني مردود بأنه وقد استخلصت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة أن الأحمدي عبد العزيز كان يضع يده على الأرض المتصرف فيها بصفته نائباً عن المورث فإن قول الطاعنين بأن الأولى اعتبار وضع يد هذا الوكيل نيابة عن زوجته الطاعنة الأولى وليس نيابة عن المورث يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. كذلك فإن النعي على الحكم لعدم بيانه أركان وضع اليد مردود بأن المحكمة وقد كانت بصدد الفصل في حقيقة ما انتواه المتصرف من تصرفه بالعقد محل النزاع فإن تحدثها في هذا المقام عن وضع يد المتصرف إنما يكون من حيث إنه قرينة من القرائن التي يستدل بها على أنه قصد أن يكون تمليك المتصرف له مضافاً إلى ما بعد موت المتصرف ولهذا فلم يتخل له عن الحيازة التي يتخلى له عنها لو كان التصرف منجزاً ومن ثم فلا يكون على المحكمة في هذه الحالة أن تبحث أركان الحيازة القانونية وشروطها إذ هذا البحث لا يكون لازماًً إلا إذا كانت بصدد الفصل في حيازة بالمعنى الذي يستوجبه القانون في دعاوى الحيازة أو كسب الملك بالتقادم. والنعي في شقه الأخير مردود بما سبق بيانه رداً على الوجه الأول من هذا النعي من أن الحكم المطعون فيه لم يؤسس قضاءه على القرينة الواردة بالمادة 917 من القانون المدني حتى يقال بعدم توافر شروطها.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه الفساد في الاستدلال فيما استند إليه من أن البائع لم يكن في حاجة إلى البيع وأن المشتريين لم يكن في استطاعتهما أداء الثمن لأن احتياج البائع ليس من مستلزمات البيع ولا من أركانه وعدم قدرة المشتري على أداء الثمن لا تمنع من إمكان حصوله عليه عن طريق القرض وغيره كما أن ثبوت عدم دفع الثمن لا يؤدي إلا إلى اعتبار العقد هبة مستترة في صورة عقد بيع وهو ما لا ينفي أن التصرف منجز ومن ثم تكون القرائن التي استند إليها الحكم منها ما هو منهار ومنها ما هو غير سائغ وإذ كان لا يعرف أيهما كان أساساً جوهرياً لقضائه فإن ذلك يؤدي إلى انهيار باقي القرائن الأخرى.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه دلل على أن العقد في حقيقته وصيه وليس بيعاً بما تبين من أقوال شهود الإثبات التي اطمأنت المحكمة إليها ومن المستندات المقدمة في الدعوى من أن العقد لم يظهر إلا بعد وفاة المورث وأنه ظل واضعاً اليد على الأطيان المتصرف فيها طوال حياته ولم يتخل عن حيازتها للمتصرف لهما - الطاعنين - وأن المتصرف كان موسراً وفي غير حاجة إلى بيع شيء من أرضه وأن المتصرف لهما لم يكن لديهما مال يدفعان منه الثمن المذكور في العقد، ولما كانت هذه الأدلة والقرائن من شأنها أن تؤدي في مجموعها إلى ما رتبه الحكم عليها وليس بينها ما لا يصلح للاستدلال به على هذه النتيجة وكان تقدير الأدلة والقرائن مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في تقديره لقرينة من شأنها أن تؤدي إلى الدلالة التي استخلصها هو منها ولا يجوز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها فإن النعي بهذا الوجه يكون جدلاً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره.
وحيث إن الوجه الرابع يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون بقضائه برفض الدعوى برمتها إذ أنه بفرض صحة ما انتهى إليه من أن التصرف في حقيقته وصية فإنه كان يتعين عليه أن يقضي بنفاذ هذه الوصية في حدود ثلث التركة ولا يعتبر هذا منه تغييراً لأساس الدعوى لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها - كما ذهب إلى ذلك خطأ - لأن من يملك الأكثر يملك الأقل والمحكمة التي تستطيع أن تقضي بصحة التصرف بوصفه بيعاً تستطيع من باب أولى أن تقضي بصحته بوصفه وصية لا تنفذ إلا في حدود ثلث التركة ولأن تكييف العقد بكيفه الصحيح لا يعتبر تغييراً لأساس الدعوى بل هو من صميم عمل المحكمة في أية دعوى ولهذا فقد كان على محكمة الاستئناف بعد أن انتهت إلى تكييف التصرف بأنه وصية وأن تقرر نفاذ هذه الوصية ما دامت تخرج من الثلث بحسب عناصر التقدير التي كانت ماثلة أمامها في الدعوى رقم 218 سنة 1962 المرفوعة من الورثة المطعون ضدهم أو أن تكتفي المحكمة بالتقرير بصحة التصرف بوصفه وصية لا تنفذ إلا في حدود ثلث التركة تاركة للمتقاضين تحديد ما إذا كانت تلك الوصية تخرج من الثلث أم لا تخرج بعد تقدير التركة اتفاقاً أو قضاء وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك وقضى برفض الدعوى فإنه يكون مخطئاً في القانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه متى كانت محكمة الاستئناف قد انتهت إلى أن التكييف الصحيح للعقد بحسب ما عناه العاقدان هو أنه وصية وليس بيعاً فإنه كان عليها أن تنزل عليه الحكم القانوني المنطبق على وصفه الصحيح ولا يعتبر ذلك منها تغييراً لأساس الدعوى لأنها لا تتقيد في التكييف بالوصف الذي يعطيه المدعي للحق الذي يطالب به بل عليها أن تتحرى طبيعة هذا الحق لتصل بذلك إلى التكييف القانوني الصحيح له وتطبق عليه حكم القانون ولما كانت الوصية بحسب أحكام القانون رقم 71 سنة 1946 المنطبق على الواقعة سواء كانت لوارث أو لغيره تصح وتنفذ في ثلث التركة من غير إجازة الورثة وكان المطعون ضدهن الأربعة الأول المنازعات قد طلبن اعتبار التصرف وصية وهو ما يفيد عدم منازعتهن في صحته ونفاذه على أساس هذا الوصف فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى برمتها دون أن يبحث ما إذا كان المقدار الموصى به يدخل في حدود ثلث التركة أو لا يدخل يكون مخطئاً في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص وحده. ولما كان الفصل في الدعوى على الأساس المتقدم الذكر يستلزم الإحاطة بجميع أموال التركة من عقار ومنقول وكان الحكم المطعون فيه وأوراق الدعوى الأخرى خلواً من هذا البيان فإنه يتعين بعد نقض الحكم وإحالة القضية.