أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 144

جلسة 23 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(24)
الطعن رقم 285 لسنة 34 القضائية

( أ ) بيع "البيع الوفائي". إثبات. "الإثبات بالبينة والقرائن".
جواز إثبات أن الشرط الوقائي مقصود به إخفاء رهن عقاري بكافة طرق الإثبات.
(ب، ج) إثبات. "الإثبات بالقرائن".
استنباط القرائن في إثبات الغش من أقوال شهود سمعهم الخبير بدون حلف يمين ومن المعانية التي أجراها ومن المستندات المقدمة إليه. ما يجوز إثباته بالبينة يجوز إثباته بالقرائن.
(د) رسوم. "رسوم قضائية". شهر عقاري. إصلاح زراعي. "تقدير قيمة الأطيان".
تقدير ثمن الأطيان الزراعية وفقاً لقوانين الرسوم القضائية والشهر والإصلاح الزراعي. مناطها تطبيق أحكام تلك القوانين. عدم تعديها إلى تقرير أسعار المثل في معاملات الناس.
(هـ) بيع. "البيع الوفائي". بطلان. "أثر الإجازة".
بطلان البيع الوفائي الذي يستر رهناً. أساسه عدم المشروعية. لا تلحقه الإجازة.
1 - إن المادة 339 من القانون المدني الملغى بعد تعديلها بالقانون رقم 49 لسنة 1923 إذ أجازت إثبات أن الشرط الوفائي مقصود به إخفاء رهن عقاري بكافة طرق الإثبات دون التفات إلى نصوص العقد فإن ذلك منها لم يكن إلا تطبيقاً للقواعد العامة التي تجيز إثبات الغش بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن وعلى ذلك فإن تلك المادة لا تتضمن أي استثناء تنفرد به عن سائر العقود المنطوية على الغش من حيث طرق الإثبات.
2 - لمحكمة الموضوع أن تستنبط القرائن التي تعتمد عليها في إثبات الغش من أقوال شهود سمعهم الخبير دون حلف يمين ومن المعاينة التي أجراها ذلك الخبير ومن المستندات التي قدمها الخصوم إليه دون أن تكون ملزمة بإجراء أي تحقيق بنفسها.
3 - لا يجوز إثباته بالبينة يجوز أيضاً إثباته بالقرائن ولمحكمة الموضوع حرية اختيار طريق الإثبات الذي تراه موصلاً للكشف عن الحقيقة ما دام الإثبات جائزاً بجميع الطرق.
4 - الأسس التي بينتها قوانين الرسوم القضائية والشهر والإصلاح الزراعي بشأن تقدير ثمن الأطيان الزراعية قاصرة على تطبيق أحكام تلك القوانين ولا تتعدى ذلك إلى تقدير أسعار المثل في معاملات الناس.
5 - أساس بطلان البيع الوفائي الذي يستر رهناً وهو أنه غير مشروع ومن ثم فلا تلحقه الإجازة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاما على المطعون ضده الدعوى رقم 29 سنة 1959 مدني كلي قنا طالبين الحكم بإثبات صحة عقد البيع الوقائي المؤرخ أول يونيه سنة 1949 والمتضمن بيع المطعون ضده لهما ثلاثة أفدنة موضحة به مقابل ثمن قدره 600 ج وقالا بياناً للدعوى أنه اشترط في عقد البيع أن يسدد البائع الثمن خلال ثلاث سنوات من تاريخه وإذ كانت تلك المدة قد انقضت دون أن يستعمل حقه في الاسترداد فقد أصبح بيع الوفاء بيعاً باتاً وصار من حقهما أن يرفعا الدعوى بطلباتهما سالفة الذكر. طلب البائع "المطعون ضده" رفض الدعوى استناداً إلى بطلان العقد لكونه يستر رهناً واستدل على ذلك ببقاء العين المبيعة في حيازته وبأن الثمن المدفوع لا يتناسب مع الثمن الحقيقي للأطيان المبيعة. وبتاريخ 25 يناير سنة 1962 ندبت محكمة قنا الابتدائية خبيراً زراعياً للانتقال إلى الأطيان المبيعة لتقدير ثمنها وقت التعاقد وتحقيق وضع اليد عليها، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت تلك المحكمة بتاريخ 30 مايو سنة 1963 برفض الدعوى. استأنف المشتريان "الطاعنان" هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 85 سنة 38 ق. وبتاريخ 25 مارس سنة 1964 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن المشتريان في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنان في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان إن محكمة أول درجة ندبت خبيراً لتقدير ثمن الأطيان المبيعة ولتحقيق وضع اليد عليها ثم اعتمدت على هذا التقرير وحده في إثبات أن الثمن المدفوع لا يتناسب مع الثمن الحقيقي وأن الحيازة قد بقيت للبائع، وهما القرينتان اللتان استدلت بهما على أن البيع يستر رهناً وأنه لذلك يكون باطلاً، مع أن المادة 339 من القانون المدني الملغى حين أجازت إثبات إخفاء بيع الوفاء للرهن بكافة طرق الإثبات - خلافاً لنصوص العقد - فقد كان ذلك منها استثناءً من القواعد العامة لا يجوز التوسع فيه. وعلى ذلك يجب أن تقتصر تلك الإباحة على المحكمة ذاتها فتجري التحقيق بنفسها ولا تكل هذا الأمر إلى خبير يسمع الشهود بغير حلف يمين. وإذ كانت محكمة أول درجة لم تجر أي تحقيق بنفسها وإنما اعتمدت في قضائها على أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير بغير حلف يمين وأيدتها في ذلك محكمة الاستئناف ولم تستجب لطلب الطاعنين منها لإجراء التحقيق بنفسها، وكانت أيضاً قد التفتت عن شهادة إدارية تثبت وضع يدهما على الأطيان المبيعة، ورفضت طلب ضم قضية ثابت منها أن الثمن غير بخس. فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وأخل بحقهما في الدفاع. ولا يجديه استشهاده في هذا الخصوص بقضاء سابق لمحكمة النقض يقضي بأن للمحكمة أن تعتمد في إثبات وضع اليد على تحقيق أجراه الخبير وأقوال شهود سمعهم دون حلف يمين لأن شرط ذلك أن لا تكون عقيدة المحكمة مستمدة من هذا التحقيق وحده بل يكون قد ساهم في تكوينها عناصر أخرى وأن تعرض المحكمة لأقوال الشهود الذين سمعهم الخبير فتذكر أسباب قبولها لشهادة البعض دون البعض الآخر.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المادة 339 من القانون المدني الملغي بعد تعديلها بالقانون رقم 49 لسنة 1923 إذ أجازت إثبات أن الشرط الوفائي مقصود به إخفاء رهن عقاري بكافة طرق الإثبات دون التفات إلى نصوص العقد فإن ذلك منها لم يكن إلا تطبيقاً للقواعد العامة التي تجيز إثبات الغش بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن. وعلى ذلك فإن تلك المادة لا تتضمن أي استثناء تنفرد به عن سائر العقود المنطوية على الغش من حيث طرق الإثبات. ومتى تقرر هذا فإنه يكون للمحكمة أن تستنبط القرائن التي تعتمد عليها في إثبات الغش من أقوال شهود سمعهم الخبير دون خلف يمين ومن المعاينة التي أجراها ذلك الخبير ومن المستندات التي قدمها الخصوم إليه دون أن تكون ملزمة بإجراء أي تحقيق بنفسها. وإذ كان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتمد في إثبات حيازة البائع للأطيان المبيعة وبخس الثمن - وهما القرينتان اللتان استدل بهما على أن عقد بيع الوفاء يخفي رهناً - على أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير وعلى المعاينة التي أجراها وعلى المستندات التي قدمها الخصوم إليه وكان الحكم قد عرض تلك الأقوال ودلل على صحتها بما جاء مؤيداً لها من المعاينة والمستندات وكان استخلاصه لذلك سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها في قضائها فإنه لا يكون فيما قررته محكمة الاستئناف من عدم حاجتها إلى تحقيق تجريه بنفسها وفي استبعادها للشهادة الإدارية المقدمة من الطاعنين للتدليل بها على وضع يدهما وما ساقته لتبرير رفضها الأخذ بمستندات الطاعنين الدالة على تقرير الثمن سنة 1944، لا يكون في ذلك كله خطأ في تطبيق القانون أو إخلال بحق الدفاع.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولان إن القانون لم يجعل الاستعانة بذوي الخبرة طريقاً من طرق إثبات وضع اليد أو تقدير الثمن لأن تحقيق وضع اليد يكون بالبينة، والبينة يجب أن تكون في مجلس القضاء، ولأن كيفية تقدير الثمن قد بينها المشرع في قوانين الرسوم القضائية والشهر العقاري والإصلاح الزراعي. أما ندب الخبراء فلا يكون إلا حيث يستعصي على المحكمة إجراء التحقيق ولما كان تحقيق وضع اليد وتقدير الثمن ممكناً للمحكمة ومع ذلك ندبت خبيراً وكلت إليه الأمرين معاً فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أن ما يجوز إثباته بالبينة يجوز أيضاً إثباته بالقرائن، وإذ كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع حرية اختيار طريق الإثبات الذي تراه موصلاً للكشف عن الحقيقة ما دام الإثبات جائزاً بجميع الطرق. وكانت الأسس التي بينتها قوانين الرسوم القضائية والشهر والإصلاح الزراعي قاصرة على تطبيق أحكام تلك القوانين ولا تتعدى ذلك إلى تقرير أسعار المثل في معاملات الناس فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه إذ طبق القانون المدني الملغى على واقعة الدعوى باعتبار أن العقد انعقد في أول يونيه سنة 1949 وقضى بناء على بطلان العقد برفض الدعوى، لم يلتفت إلى أن وضع يد المشترين في سنة 1954 أوجد حالة قانونية جديدة قد تكون إجازة لعقد البيع من الطرفين وقد تكون عقداً جديداً عقد بينهما في سنة 1954 متضمناً بيعاً باتاً منجزاً رضي فيه البائع بتسليم المبيع ثم حازه المشتريات حيازة هادئة مستمرة مدة تزيد على ست سنوات وهو ما يكسبهما الملكية بوضع اليد، وإذ لم يعرض الحكم لهذا كله وهو في صدد تكييف عقد فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ويقول الطاعنان أنه لا ينال من هذا النعي أنهما لم يعرضا دفاعهما هذا أمام محكمة الموضوع لأنه وقد تعلق بتكييف عقد فقد كان عليها أن تفطن له من تلقاء نفسها.
وحيث إن هذا النعي غير سديد أيضاً ذلك أن أساس بطلان البيع الوقائي الذي يستر رهناً هو أنه غير مشروع ومن ثم لا تلحقه الإجازة فإذا كان ذلك وكانت الدعوى قد رفعت بطلب صحة التعاقد المؤرخ أول يونيه سنة 1949 وليس بطلب صحة تعاقد آخر انعقد بعده، ولم يتمسك الطاعنان أمام محكمة الموضوع بقيام عقد جديد أو بتملكهما المبيع بالتقادم المكسب فإنه لا يجوز لهما إثارة هذا الدفاع الذي يخالطه واقع لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.