أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 155

جلسة 23 من يناير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد.

(26)
الطعن رقم 580 لسنة 34 القضائية

( أ ) حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي. استئناف. "سلطة محكمة الاستئناف".
قضاء الحكم بندب خبير في أسبابه قطعياً بإلزام الطاعن بالريع باعتباره غاصباً. عدم الطعن في هذا الحكم. صيرورة هذا القضاء حائزاً لقوة الأمر المقضي. ما ورد في أسباب الحكم المطعون فيه بشأن هذا البحث يعد نافلة.
(ب) التزام. "حق الحبس". نقض. "أسباب الطعن". "سبب جديد".
عدم التمسك أمام محكمة الاستئناف بحق الحبس. عدم جواز إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - متى كان الطاعن لم يطعن بالاستئناف على ما تضمنته أسباب الحكم بندب خبير من قضاء قطعي بإلزامه بالريع باعتباره غاصباً رغم إعلانه بذلك الحكم حتى فات ميعاد الطعن فيه وحاز هذا القضاء قوة الأمر المقضي فإنه ما كان يجوز له النعي على قضاء ذلك الحكم في هذا الشق منه أمام محكمة الاستئناف إذ تحول قوة الأمر المقضي دون ذلك. ولا يغير من الأمر شيئاً أن أسباب الحكم المطعون فيه تناولت بحث هذا الأمر مرة أخرى إذ ما كان لمحكمة الاستئناف أن تعاود بحثه. ومن ثم يكون ما ورد في هذه الأسباب بشأن هذا البحث نافلة.
2 - إذا لم يتمسك الطاعن أمام محكمة الاستئناف بحقه في حبس أطيان التركة موضوع النزاع حتى تتم تصفية التركة أو حتى يستوفي ما دفعه عن المطعون ضده من الديون فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 163 سنة 1957 كلي قنا على الطاعن طالبة الحكم (أولاً) وبصفة مستعجلة بإلزامه بأن يدفع لها نفقة شهرية مؤقتة تتناسب مع ما لها من حقوق مغتصبة (ثانياً) بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 2070 ج قيمة ريع الأطيان المبينة بالعريضة على ثلاثة سنوات تبدأ من تاريخ وفاة المورث في نوفمبر سنة 1954. وقالت في بيان دعواها أن زوجها المرحوم بندري جرجس كان قد تنازل قبل وفاته في أواخر نوفمبر سنة 1954 لابنه الطاعن عن جميع أطيانه واحتفظ لنفسه بحق الانتفاع بها مدى حياته على أن يكون لها من بعده حق الانتفاع بمساحة 23 ف و16 ط و3 س المبينة بالعريضة طوال حياتها إلا أن الطاعن اغتصب هذه المساحة ولم يمكنها من الانتفاع بها وأنها لذلك تطالبه بريعها عن المدة المذكورة، دفع الطاعن بأنه وإن كان للمطعون ضدها حق الانتفاع بتلك الأطيان إلا أن التركة مثقلة بالديون ولم تصف بعد كما لم تتم تسوية ضريبة التركات ورسوم الأيلولة وأن المورث كان قد أجر تلك الأطيان عن سنة 54/ 1955 وحصل إيجارها مقدماً وأنه لذلك لا محل لمساءلته عن ريع تلك السنة وانتهى إلى أنه ليس بغاصب ويتعين لذلك محاسبته على أساس القيمة الإيجارية وأبدى استعداده لأن يدفع للمطعون ضدها 20 جنيه شهرياً بمقولة أن هذا المبلغ يتناسب مع صافي ريع تلك الأطيان وبتاريخ 1/ 6/ 1957 قضت محكمة أول درجة بصفة مستعجلة بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضدها من 1/ 6/ 1957 حتى يقضي نهائياً في الموضوع نفقة مؤقتة قدرها ثلاثون جنيهاً في كل شهر. وعدلت المطعون ضدها طلبها الموضوعي إلى إلزام الطاعن بأن يدفع لها 3550 جنيه قيمة ريع المدة من نوفمبر سنة 1954 حتى نوفمبر سنة 1959 وما يستجد من الريع حتى تاريخ التسليم مع إلزامه بتسليم الأطيان المبينة الحدود والمعالم بالعريضة وبتاريخ 28/ 12/ 1959 قضت محكمة أول درجة (أولاً) بإلزام الطاعن بأن يسلم المطعون ضدها الأطيان الزراعية البالغ مساحتها 13 ف و16 ط و3 س المبينة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى (ثانياً) وقبل الفصل في موضوع باقي الطلبات بندب الخبير الزراعي بمكتب الخبراء الحكومي بقنا لتقدير صافي ريع تلك الأطيان في المدة من تاريخ وفاة المورث حتى نوفمبر سنة 1959. قدم الخبير المنتدب تقريراً قدر فيه ريع الفدان الواحد من أطيان النزاع محملة على بعضها في السنة الواحدة من سنوات النزاع بواقع 50 جنيه فيكون جملة ريع الـ 23 ف و10 ط و3 س في الخمس سنوات 5855 ج و468 م يخصم منه ما سدده الطاعن من أموال أميرية وجملتها 452 ج و840 م فيكون صافي الريع المستحق 5402 ج و628 م. عادت المطعون ضدها وعدلت طلباتها إلى إلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ 9724 ج و772 م قيمة ريع المدة من سنة 1954 حتى سنة 1962 يخصم منه مبلغ 1800 جنيه قيمة ما تسلمته من نفقة عن المدة من 1/ 6/ 1957 حتى يونيه سنة 1962. واعترض الطاعن على تقرير الخبير لتقديره ريعاً للفدان يزيد عما قدرته المطعون ضدها وأضاف بأن الأطيان المؤجرة لآخرين يضعون اليد عليها حتى الآن عملاً بقوانين الامتداد وبتاريخ 29/ 4/ 1963 قضت محكمة أول درجة بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدها مبلغ 3066 ج و706 م قيمة صافي الريع عن المدة من نوفمبر سنة 1954 حتى نوفمبر سنة 1962 بعد خصم الأموال الأميرية ومبلغ 1830 جنيهاً قيمة ما تسلمته من نفقة حتى يونيه سنة 1962 استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط (دائرة قنا) بالاستئناف رقم 60 سنة 38 ق طالباً إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليها (المطعون ضدها) وأشار بصحيفته إلى أن الاستئناف يشمل الحكم الصادر في 28/ 12/ 1959 وبتاريخ 25/ 11/ 1964 قضت تلك المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وبتقرير تاريخه 23/ 12/ 1964 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت المطعون ضدها مذكرة قالت فيها أن الحكم الصادر في 28/ 12/ 1959 حكم قطعي ونهائي بالنسبة للتسليم لتنازل الطاعن عن استئنافه الذي كان قد أقامه بشأنه وبالنسبة لمسئوليته عن الريع بوصفه غاصباً لأنه لم يطعن على هذا الشق منه في الميعاد القانوني وإذ كانت أسباب الطعن تدور حول هذين الأمرين فإنها تطلب رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرتين طلبت فيهما رفض الطعن وصممت على هذا الرأي بالجلسة المحددة لنظره.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في الإسناد ومسخ دفاعه وفي بيان ذلك يقول أنه أقام دفاعه على أساسين أولهما وجود مانع قانوني يمنع من التسليم لأن التركة مثقلة بديون لم تصف وقد سدد بعضها من ماله الخاص وثانيهما أن المورث كان قد أجر الأطيان موضوع النزاع ضمن أطيان أخرى مما يقتضي محاسبته عن الريع على أساس سبعة أمثال الضريبة إلا أن محكمة أول درجة قضت بالتسليم وبندب خبير لتقدير صافي الريع على أساس أن مديونية التركة لا تمنع المطعون ضدها من استلام تلك الأطيان للانتفاع بها واستغلالها وأن يده عليها يد غاصب لأنه لم يقدم ما يدل على تأجير المورث لها في سنة 1954/ 1955 ولما ردد هذا الدفاع أمام الخبير ولم يحققه بحجة أن الحكم الصادر بندبه قد قطع في هذا النزاع عاد وتمسك به بصحيفة استئنافه وقدم الأوراق المؤيدة لصحته إلا أن الحكم المطعون فيه لم يأخذ به أيضاً بمقولة إنه ينكر أمام محكمة أول درجة حيازته للأطيان واستغلالها من تاريخ وفاة والده. وهذا الذي قاله الحكم يخالف دفاعه الذي أبداه في جميع مراحل النزاع كما يخالف الأوراق والمستندات التي قدمها للخبير ولمحكمة الاستئناف ومن ثم فقد أخطأ الحكم في الإسناد خطأ حجبه عن تحقيق دفاعه مما يعيبه ويستوجب نقضه. وينعى الطاعن في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن دفاعه قام منذ البداية على أن الأرض المطالب بتسليمها مؤجرة للغير بمعرفة المورث الذي قبض أجرة سنة 54/ 1955 مقدماً وامتدت عقود الإيجار بقوة القانون وقدم الطاعن للخبير ولمحكمة الاستئناف المستندات المؤيدة لذلك وطلب إعادة المأمورية للخبير لتحقيق هذا الدفاع ولإجراء الحساب على أساس الإيجار المحدد قانوناً بعد خصم الأموال والرسوم المفروضة على الأطيان إن ثبت صحة دفاعه إلا أن محكمة الاستئناف أغفلت تحقيقه ولم تتحدث عن أي من مستنداته رغم أن من حقه أن يبدي هذا الدفاع أمامها لأول مرة لأن استئناف الحكم الموضوعي يستتبع حتماً استئناف الحكم التمهيدي السابق صدوره في القضية في شقيه وبذلك فقد عار الحكم قصور في التسبيب، وينعى الطاعن في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور والإبهام والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه استند في تأييد الحكم الابتدائي إلى الأسباب التي عددها هذا الحكم وإلى ما فهمته المحكمة خطأ من أن تأجير الأطيان حصل منه ابتداء وأنه كان وسيطاً بين المطعون ضدها والمستأجرين مع أن التأجير صدر من المورث وامتد تلقائياً كما لم يكن هناك وساطة في التأجير هذا إلى أن معارضته في تسليم الأطيان للمطعون ضدها قبل تصفية ديون التركة لا يؤدي إلى اعتباره غاصباً وواضعاً يده عليها بنفسه ما دام أن الأوراق المقدمة منه والتي لم تنشر إليها المحكمة تنفي ذلك، وبذلك يكون ما قرره الحكم المطعون فيه في هذا الشأن مشوباً بالفساد في الاستدلال، وكذلك فإن ما ذكره الحكم من أن قول الطاعن بتأجير العين لآخرين هو مجرد زعم يدل على أن المحكمة لم تعن ببحث المستندات التي قدمها ولم تلتفت إلى ما انطوت عليه هذه المستندات من وقائع مؤثرة في النزاع ذلك بأن الطاعن قدم للمحكمة عقود الإيجار وكشفاً بأسماء المستأجرين ودفتر المورث وهي جميعاً تؤيد صحة دفاعه في هذا الخصوص، وينعى الطاعن في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك يقول إن دفاعه قام على أنه دفع جانباً كبيراً من ديون التركة من ماله الخاص وأن من حقه حبس الأطيان موضوع النزاع حتى تتم تصفية التركة أو حتى يقتضي ما دفعه من المطعون ضدها من تلك الديون وإذ كان حق الحبس على ما أفصح عنه القانون المدني الجديد يقوم على مبدأ عام مؤداه أنه إذا كان الدائن مديناً في ذات الوقت للمدين فمن حقه أن يستوفي دينه من الدين الذي عليه وأنه ما دام القانون يخول له حق الحبس في هذه الحالة فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبره غاصباً لما له الحق في حبسه فإنه يكون مخطئاً في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كانت جميع أوجه الطعن المتقدمة الذكر تنصرف إلى حكم محكمة أول درجة الصادر في 28/ 12/ 1959 والذي قضى بتسليم العين موضوع النزاع للمطعون ضدها وبندب خبير لتقدير صافي الريع وقطع في أسبابه بأنه ليس للطاعن أن يعلق استلام المطعون ضدها لتلك الأطيان والانتفاع بها على تسوية ديون التركة، كما قطع بأن يده عليها يد غاصب ولهذا يلزم بريعها على أساس ريع المثل لا على أساس القيمة الإيجارية، وكان الطاعن قد طعن بالاستئناف رقم 329 سنة 35 ق أسيوط على قضاء هذا الحكم بالتسليم ثم عاد وتنازل عن استئنافه وحكم في 19/ 12/ 1961 بإثبات هذا التنازل ولم يطعن على ما تضمنته أسباب ذلك الحكم من قضاء قطعي بإلزامه بالريع باعتباره غاصباً رغم إعلانه بذلك الحكم في 15/ 5/ 1960 على ما أقر به الطاعن نفسه في صحيفة الاستئناف رقم 329 سنة 35 ق أسيوط المعلنة كطلبه للمطعون ضدها في 1/ 6/ 1960 المودعة برقم 6 من ملف الاستئناف وإلى أن فات ميعاد الطعن فيه وحاز هذا القضاء قوة الأمر المقضي فإنه ما كان يجوز له النعي على قضاء ذلك الحكم في هذا الشق منه أمام محكمة الاستئناف إذ تحول قوة الأمر المقضي دون ذلك. ولا يغير من الأمر شيئاً أن أسباب الحكم المطعون فيه تناولت بحث هذا الأمر مرة أخرى إذ ما كان لمحكمة الاستئناف أن تعاود بحثه. ومن ثم يكون كل ما ورد في هذه الأسباب بشأن هذا البحث نافلة، فأياً كان خطأ الحكم فيه فإنه لا يؤثر في سلامته. ومتى كان الطعن على قضاء محكمة أول درجة الصادر في 28/ 12/ 1959 ممتنعاً بعد أن حاز قوة الأمر المقضي وكان الطاعن علاوة على ذلك لم يتمسك أمام محكمة الاستئناف بحقه في حبس الأطيان موضوع النزاع حتى تتم تصفية التركة أو حتى يستوفي ما دفعه عن المطعون ضدها من الديون فإنه لا يقبل منه إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.