أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 25 - صـ 164

جلسة 16 من يناير سنة 1974

برياسة السيد نائب رئيس المحكمة المستشار أحمد حسن هيكل وعضوية السادة المستشارين: جودة أحمد غيث وإبراهيم السعيد ذكرى وإسماعيل فرحات عثمان وجلال عبد الرحيم عثمان.

(29)
الطعن رقم 33 لسنة 39 القضائية "أحوال شخصية"

(1 و2 و3) وقف "التغيير في الوقف". دعوى "سماع الدعوى".
أحوال شخصية. بطلان "بطلان التصرفات".
(1) التصرفات التي تندرج تحت المادة 137/ 1 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية 78 لسنة 1931 ومن بينها التغيير في الوقف. الإشهاد ليس شرطاً لصحتها قبل العمل بقانون الوقف 48 لسنة 1946، بل هو شرط لسماع الدعوى بها عند الإنكار. بعد صدور قانون الوقف. الإشهاد شرط لصحة هذه التصرفات. إغفال إثبات الإذن بالانتقال خارج مقر المحكمة في إشهاد التغيير الحاصل في سنة 1938 لا بطلان.
(2) التغير في الوقف. قاصر على موضوع التغيير دون أن يتعدى إلى غيره من شروط ونصوص كتاب الوقف. مثال بشأن الشروط العشرة في كتاب الوقف.
(3) النص في كتاب الوقف على حق الواقفة في تكرار الشروط العشرة. استعمال حقها في واحد منها لا يسقط حقها في استعجاله بعد ذلك.
(4) حكم "تسبيب الحكم". استئناف "الحكم في الاستئناف".
تأييد الحكم المطعون فيه، الصادر بعد النقض والإحالة، للحكم الابتدائي، والإحالة إليه في أسبابه فيما لا تعارض فيه. لا عيب.
1 - مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة/ 137 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والمادة 364 من هذه اللائحة قبل إلغائها بالقانون رقم 629 لسنة 1955، وأنه منذ صدور هذه اللائحة - كما كان الحال في ظل اللائحتين الشرعيتين الصادرتين في سنة 1897 وسنة 1910 - وحتى تاريخ العمل بقانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 في 17/ 6/ 1946، لم يكن الإشهاد شرطاً لصحة التصرفات التي تندرج تحت المادة 137 سالفة الذكر ومن بينها التغيير في الوقف، وإنما كان شرطاً لسماع الدعوى بهذه التصرفات في حالة الإنكار فقط، فإذا كان هناك إقرار من الخصم فلا تحتاج الدعوى إلى مسوغ للسماع، أما بعد العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 فقد جعل المشرع الإشهاد شرطاً لصحة هذه التصرفات، وهو ما نص عليه في المادة الأولى منه، وما أوضحته المذكرة التفسيرية للقانون تعليقاً على هذه المادة. ولما كان الثابت في الدعوى أن التغيير في الوقف المطلوب إبطاله حصل في 1/ 9/ 1938 وقبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 وأنه لا نزاع بين الخصوم على صدوره من الواقفة، فإن التصرف به يكون صحيحاً متى استوفى شرائطه الفقهية دون نظر إلى وجود إشهاد رسمي به أو ما إذا كان قد أذن لكاتب المحكمة بالانتقال إلى المكان الذي ضبط فيه، لما كان ذلك فلا محل للطعن بالبطلان على هذا الإشهاد استناداً إلى أن كاتب المحكمة الذي أحيل إليه ضبطه قد حرره خارج مقر المحكمة دون أن يثبت فيه أنه كان مأذوناً بالانتقال.
2 - التغيير في الوقف يكون قاصراً على الموضوع الذي حصل فيه التغيير ولا يتعدى إلى غيره من الشروط والنصوص الأخرى الواردة بكتاب الوقف. ولما كان الثابت من إشهاد 27/ 6/ 1938 أنه لا يوجد به ما يدل على أن الواقفة قد أسقطت ما اشترطته لنفسها من الشروط العشرة وكان لا وجه لاستدلال الطاعنين بالعبارة التي ضمنتها الواقفة الإشهاد المذكور من "أنها جعلت العمل والمعول عليه فيما غيرت فيه اليوم هو ما جاء بهذا الإشهاد وما لا يخالفه أو ينافيه مما هو مدون بكتب الوقف والتغيير السابقة عليه إذ هي لا يفيد ما فهمه الطاعنون منها من أن الواقفة أسقطت حقها في الشروط العشرة، لأن معنى قولها "أنها جعلت العمل والمعمول عليه فيما غيرت فيه اليوم هو ما جاء بهذا الإشهاد" هو وجوب العمل فيما غيرت فيه بالأحكام الثلاثة التي أوردها الإشهاد. وقولها "وما لا يخالفه أو ينافيه مما هو مدون بكتب الوقف والتغيير السابقة عليه" أنها جعلت العمل أيضاً بما لا يخالف هذه الأحكام الثلاثة مما جاء في كتب الوقف والتغيير السابقة، فيكون الذي لا يخالف التغيير من الكتب السابقة ويجب استمرار العمل به هو ما عدا هذه الأمور الثلاثة، ومنه الشروط العشرة، الأمر الذي يفيد أن هذه العبارة هي تأكيد لمضمون التغيير، ودليل على بقاء الشروط العشرة على عكس ما يقوله الطاعنون، وبدليل قول الواقفة في هذا الإشهاد أنها "أشهدت على نفسها بما لها من الشروط العشرة المذكورة أنها غيرت فيها - أي في كتب الوقف - بالصيغة الآتية....." وليس أدل على أن الواقفة لم تقصد في هذا الإشهاد، إسقاط حقها في الشروط العشرة أنها نصت في إشهاد تغيير 1/ 9/ 1938 على أنها تنازلت عن الشروط العشرة، وأن هذا التنازل من الآن، وهو ما لم تفعله في إشهاد 27/ 6/ 1938. لما كان ذلك فإن إشهاد التغير الصادر في 1/ 9/ 1938 يكون قد وقع ممن يملكه.
3 - قول الطاعنين بأن الواقفة لا تملك التغيير - في إشهاد الوقف - بإشهاد أول سبتمبر سنة 1938 لأن مجرد استعمال حقها في واحد من الشروط العشرة بإشهاد التغيير الصادر في 27/ 6/ 1938 يسقط حقها في استعماله بعد ذلك، مردود بأن الواقفة قد نصت على حقها في تكرار هذه الشروط، بعبارة تفيد صراحة بمنطوقها جواز تكرار استعمال الشروط العشرة، وأن هذه الشروط لا تنتهي بوقوع أي شرط منها على أي فعل تراه الواقفة.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي، وكان يبين من مراجعة أسباب الحكمين أنه لا خلاف بينهما في وجهات النظر، فتعتبر أسباب الحكم الابتدائي في هذه الحالة مكملة لأسباب الحكم المطعون فيه فيما لا تعارض فيه، ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه أنه أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي، ويكون النعي عليه - بأنه لا وجه لإحالة إلى هذه الأسباب لأن دفاع الطاعنين بعد نقض الحكم الأول والإحالة منبت الصلة بدفاعهم السابق - في غير محله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن...... أقاموا الدعوى 673 سنة 1960 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد كل من........ وزارة الأوقاف يطلبون الحكم ببطلان إشهاد الصادر من محكمة عابدين الشرعية بتاريخ أول سبتمبر سنة 1938 وما ترتب عليه من أثار، مؤسسين دعواهم على أنه بموجب الإشهاد الصادر أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية في 2 رجب سنة 1352 هجرية الموافق 9 نوفمبر سنة 1933 وقفت المرحومة...... المنزل رقم 16 بشارع طور سيناء والمنزل رقم 21 بشارع الشيخ قمر قسم الوايلي محافظة القاهرة على نفسها مدة حياتها ومن بعدها يكون ذلك جميعه وفقاً على شقيقها...... ينتفع بالموقوف المذكور كانتفاع الواقفة مدة حياته، ثم من بعده يكون ذلك جميعه وقفاً على أولاده ينتفعون بالموقوف المذكور بالتساوي بينهم مدة حياتهم، وشرطت في وقفها هذا شروطاً منها أن النظر على هذا الوقف يكون للواقفة مدة حياتها ثم من بعدها يكون لشقيقها...... ثم من بعده يكون لابنه..... إلى آخر من شرطت لهم النظر بالإشهاد المذكور، كما شرطت لنفسها دون غيرها الشروط العشرة وهي الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والزيادة والنقصان والتغيير والتبديل والإبدال والاستبدال وزيادة ونقص ما ترى زيادته أو نقصانه من الشروط في هذا الوقف وأن تفعل هذه الشروط كلها أو بعضها وتكرر ما تفعله منها مراراً عديدة كلما شاءت مدة حياتها، ولكنها أقرت بأنه لا حق لها من الآن في تغيير مركز أخيها....... من حيث استحقاقه في هذا الوقف وتنظره عليه، كما أقرت بأنها لا حق لها من الآن في تغيير أنصبة أولاد أخيها - الطاعنين - بالزيادة أو النقصان ولها الحق في فعل الشروط فيما عدا ذلك، وقد توفى شقيقيها حال حياتها في 3/ 6/ 1937 عن أولاده الطاعنين، وبموجب إشهاد التغيير الصادر أمام محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية بتاريخ 27/ 6/ 1938 غيرت في الأوقاف الثلاثة المبينة بهذا الإشهاد ومنها وقفها الصادر بتاريخ 9/ 11/ 1933 بأن أخرجت ربيبتها المطعون عليها الأولى هي وأولادها وذريتها من وقف المنزل رقم 14 بشارع القربية قسم الدرب الأحمر وجعلت لها مبلغاً تتقاضاه شهرياً من الأوقاف الثلاثة، وبموجب إشهاد التغيير الصادر أمام محكمة عابدين الشرعية في أول سبتمبر سنة 1938 غيرت في مصارف الوقف بأن جعلته على نفسها مدة حياتها ومن بعدها يكون وقفاً على المطعون عليها الأولى تنتفع به وبما شاءت منه بسائر وجوه الانتفاع الشرعية، ثم من بعدها يكون وقفاً مصروفاً على أولادها وعلى زوجها بالتساوي بينهم على الوجه المشروع بهذا الإشهاد. وإذ توفيت الواقفة في 16/ 9/ 1943 وتمسكت المطعون عليها الأولى بهذا الإشهاد الأخير زاعمة أن الوقف جمعيه قد صار إليها بموجبة ولا حق للطاعنين فيه رغم بطلان الإشهاد لصدوره ممن لا يملكه، فقد انتهوا إلى طلب الحكم بطلباتهم سالفة البيان. وبتاريخ 31/ 5/ 1964 حكمت المحكمة بإخراج وزارة الأوقاف من الدعوى بلا مصروفات وبرفض دعوى الطاعنين. استأنف المدعون وورثة من توفى منهم هذا الحكم طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد الاستئناف برقم 98 سنة 81 ق القاهرة للأحوال الشخصية، وبتاريخ 21/ 2/ 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبطلان إشهاد التغيير الصادر بتاريخ أو سبتمبر سنة 1938 من محكمة عابدين الشرعية وبطلان ما ترتب عليه من آثار ومنع منازعة المطعون عليها الأولى في ذلك. طعنت المطعون عليها الأولى في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 17 سنة 35 ق "أحوال شخصية"، وبتاريخ 5/ 4/ 1967 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف القاهرة مؤسسة قضائها على أن الواقفة إنما أسقطت عن نفسها التغيير في أنصبة أولاد أخيها بالزيادة أو النقصان وأبقت على حقها فيما عدا ذلك بحيث تملك إخراجهم من الوقف وحرمانهم من الاستحقاق فيه، وهو حال يغاير حال الزيادة والنقصان في أنصبتهم ولا يعارضه. وعجل الطاعنون الاستئناف ضد المطعون عليها الأولى ووزارة الأوقاف، وطلب المطعون عليه الثاني التدخل خصماً منضماًً إلى المطعون عليها الأولى لأنها باعت له المنزل رقم 16 أ بشارع طور سينا. دفعت وزارة الأوقاف بعدم قبول الاستئناف شكلاً بالنسبة لها لرفعه بعد الميعاد، وبتاريخ 15/ 6/ 1969 حكمت المحكمة برفض الاستئناف بالنسبة لوزارة الأوقاف لرفعه بعد الميعاد، وبقبول المطعون عليه الثاني خصماً منضماً إلى المطعون عليها الأولى وفي الموضوع برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنون بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك يقولون أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بدفاع جيد مؤداه أن إشهاد التغيير الصادر في أول سبتمبر سنة 1938 حرر في منزل... لا في مقر المحكمة دون أن يثبت كاتب المحكمة المحال عليه ضبطه أنه كان مأذوناً بالانتقال وهو ما يبطل الإشهاد وقد رد الحكم على هذا الدفاع بأن عدم الإذن بالانتقال لا يترتب عليه إبطال الإشهاد، وحسب الكاتب أن يذكر أنه مأذون بضبطه حتى يكون عمله صحيحاً لأن هذا الإذن يشمل الانتقال إلى أي مكان لضبط الإشهاد، في حين أن الإشهادات الشرعية طبقاً للمادتين 137، 364 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية لا تكون صحيحة لا إذا ضبطت في مقر المحكمة أو الجهة التي يؤمر ويؤذن بالانتقال إليها، وهذا الإذن بالانتقال لازم إذا وجد ما يبرره ويتعين إثباته في الإشهاد وهو ما أغفله الكاتب الذي حرر إشهاد التغيير، علاوة على أن الإذن بالضبط لا يغني عن الإذن بالانتقال من مقر المحكمة، ولم يغير قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 من أحكام هاتين المادتين إلا ما تعلق منها بالجهة المنوط بها سماع الإشهاد، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن نص الفقرة الأولى من المادة 137 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أنه "يمنع عند الإنكار وسماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط التي تشترط فيه إلا إذا وجد بذلك إشهاد ممن يملكه على يد حاكم شرعي بالقطر المصري أو مأذون من قبله كالمبين في المادة 364 - من هذه اللائحة كان مقيداً بدفتر إحدى المحاكم الشرعية المصرية" والنص في المادة 364 من هذه اللائحة قبل إلغائها بالقانون رقم 629 لسنة 1955 على أنه "تؤخذ الإشهادات في المحاكم الكلية لدى الرئيس أو من يحليها عليه من القضاة أو الكتاب. وفي المحاكم الجزئية لدى قضاتها أو من يحيلونها عليه من الكتاب ويجوز الانتقال لأخذ الإشهاد متى كان في دائرة المحكمة" يدل على أنه منذ صدور هذه اللائحة - كما كان الحال في ظل اللائحتين الشرعيتين الصادرتين في سنة 1897، سنة 1910 - وحتى تاريخ العمل بقانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 في 17/ 6/ 1946 لم يكن الإشهاد شرطاً لصحة التصرفات التي تندرج تحت المادة 137 سالفة الذكر ومن بينها التغيير في الوقف وإنما كان شرطاً لسماع الدعوى بهذه التصرفات في حالة الإنكار فقط فإذا كان هناك إقرار من الخصم فلا تحتاج الدعوى إلى مسوغ للسماع، أما بعد العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 فقد جعل المشرع الإشهاد شرطاً لصحة هذا التصرفات وهو ما نص عليه في المادة الأولى منه إذ تقول "من وقت العمل بهذا القانون لا يصح الوقف، ولا الرجوع فيه، ولا التغيير في مصارفه وشروطه ولا الاستبدال به من الواقف، إلا إذا صدر بذلك إشهاد ممن يملكه، لدى إحدى المحاكم الشرعية المصرية، على الوجه المبين بالمادتين الثانية والثالثة. وضبط بدفتر المحكمة", وما أوضحته المذكرة التفسير للقانون تعليقاً على هذه المادة بقولها "وقد اتجه التشريع وجهة أخرى لا يتقيد فيها بمذهب الإمام أبي حنيفة وتفتح الطريق للقضاء على البقية الباقية التي يسمح بها الحكم الشكلي وليكون التشريع الخاص بالوقف متسقاً في آثاره مع التشريعات الأخرى الخاصة بالتصرفات العقارية، ولحمل الناس على أن يعنوا عناية تامة بتوثيق الوقف وما يتعلق به توثيقاً يتفق مع أهميته، لذلك اختار هذا المشروع أن يجعل الحكم الإجرائي حكماً موضوعياً وأن يأخذ بأن جميع ما يحصل بعد العمل بهذا القانون من الوقف أو التغيير في مصارفه وشرطه أو الاستدلال به من الوقف لا يكون صحيحاً إلا إذا صدر به إشهاد ممن يملكه لدى إحدى المحاكم الشرعية وقيد بدفترها، كما جاء بهذه المادة، ولما كان الثابت في الدعوى أن التغيير في الوقف المطلوب إبطاله حصل في 1/ 9/ 1938 وقبل العمل بالقانون رقم 48 لسنة 1946 وأنه لا نزاع بين الخصوم على صدوره من الواقفة فإن التصرف به يكون صحيحاً متى استوفى شرائطه الفقهية دون نظر إلى وجود إشهاد رسمي به أو ما إذا كان قد أذن لكاتب المحكمة بالانتقال إلى المكان الذي ضبط فيه، لما كان ذلك فلا محل للطعن بالبطلان على هذا الإشهاد استناداً إلى أن كاتب المحكمة الذي أحيل إليه ضبطه قد حرره خارج مقر المحكمة دون أن يثبت فيه أنه كان مأذوناً بالانتقال وإذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى رفض هذا الدفاع فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أن الواقفة بإصدارها الإشهاد المؤرخ 27/ 6/ 1938 بإخراج المطعون عليها الأولى وأولادها وذريتها من الاستحقاق في جميع أوقافها وجعلهم من أصحاب المرتبات والنص فيه على "أنها جعلت العمل والمعول عليه فيما غيرت فيه اليوم هو ما جاء بهذا الإشهاد وما لا يخالفه أو ينافيه مما هو مدون وأن يكتب الوقف والتغيير السابقة عليه" قد أسقطت بذلك حقها في الشروط العشرة وأبطلت مشيئتها في تغيير الأوضاع الجارية المدونة في كتب والتغيير السابقة على إشهاد التغيير المذكور فلا تملك بعد ذلك إصدار إشهاد التغيير المؤرخ أو سبتمبر سنة 1938 الذي جعلت فيه وقف المنزل رقم.... من بعدها على... ثم على أولادها وزوجها وقصرت.... على استحقاقها الموضح بهذا الإشهاد وألغت استحقاقها بإشهاد 27/ 6/ 1938 ويقول الطاعنون أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف ببطلان إشهاد 1/ 9/ 1938 استناداً إلى هذا الدفاع، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعول عيه واكتفى بالقول بأن الواقفة لم تحرم نفسها من حق الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان في إشهاد 27/ 6/ 1938 فيكون لها الحق في إجراء التغيير، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التغيير في الوقف يكون قاصراً على الموضوع الذي حصل فيه التغيير ولا يتعدى إلى غيره من الشروط والنصوص الأخرى الواردة بكتاب الوقف، ولما كان الثابت من إشهاد 27/ 6/ 1938 أنه لا يوجد ما يدل على أن الواقفة قد أسقطت ما اشترطته لنفسها من الشروط العشرة، وكان لا وجه لاستدلال الطاعنين بالعبارة التي ضمنتها الواقفة الإشهاد المذكور من "أنها جعلت العمل والمعمول عليه فيما غيرت فيه اليوم هو ما جاء بهذا الإشهاد وما لا يخالفه أو ينافيه مما هو مدون بكتب الوقف والتغيير السابقة عليه". إذ هي لا تفيد ما فهمه الطاعنون منها من أن الواقفة أسقطت حقها في الشروط العشرة لأن معنى قولها "أنها جعلت العمل والمعول عليه فيما غيرت فيه اليوم هو ما جاء بهذا الإشهاد وهو وجوب العمل فيما غيرت فيه بالأحكام الثلاثة التي أوردها الإشهاد. (وأولها) إخراج المطعون عليها الأولى وأولادها وذريتها من وقف المنزل رقم....... وجعل مرتب لها قدره...... تتقاضاه شهرياً من الأوقاف الثلاثة ثم من بعدها يكون لذرتها على ما هو مدون بإشهاد التغيير (وثانيها) إخراج الخيرات من مبلغ 30 جنيهاً وردها لأصل الوقف (وثالثها) اشتراط عزل الناظر إذ تأخر عن صرف المرتب المخصص للمطعون عليها الأولى، وقولها "وما لا يخالفه أو ينافيه مما هو مدون بكتب الوقف والتغيير السابقة عليه" أنها جعلت العمل أيضاً بما لا يخالف هذه الأحكام الثلاثة مما جاء في كتب الوقف والتغيير السابقة، فيكون الذي لا يخالف التغير من الكتب السابقة ويجب استمرار العمل به هو ما عدا هذه الأمور الثلاثة ومنه الشروط العشرة: الأمر الذي يفيد أن هذه العبارة هي تأكيد لمضمون التغييرات ودليل على بقاء الشروط العشرة على عكس ما يقوله الطاعنون، وبدليل قول الواقفة في هذا الإشهاد أنها "أشهدت على نفسها بما لها من الشروط العشرة المذكورة أنها غيرت فيها - أي في كتب الوقف - بالصيغة الآتية..... وليس أدل على أن الواقفة لم تقصد في هذا الإشهاد إسقاط حقها في الشروط العشرة أنها نصت في إشهاد تغيير 1/ 9/ 1938 على أنها تنازلت عن الشروط العشرة وأن هذا التنازل من الآن، وهو ما لم تفعله في إشهاد 27/ 6/ 1938 أما القول بأن الواقفة لا تملك التغيير بإشهاد أول سبتمبر سنة 1938 لأن مجرد استعمالها في واحد من الشروط العشرة بإشهاد التغيير الصادر في 27/ 6/ 1938 يسقط حقها في استعماله بعد ذلك، فهو مردود بأن الواقفة قد نصت على حقها في تكرار هذه الشروط إذ قالت في كتاب وقف 9/ 11/ 1933 "وأن تفعل كل هذه الشروط أو بعضها وتكرار ما تفعله منها مراراً عديدة كلما شاءت مدة حياتها"، وهي عبارة تفيد صراحة بمنطوقها جواز تكرار استعمال الشروط العشرة وأن هذه الشروط لا تنتهي بوقوع أي شرط منها على أي فعل تراه الواقفة، لما كان ذلك فإن إشهاد التغير الصادر في 1/ 9/ 1938 يكون قد وقع ممن يملكه. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أحال إلى ما أورده الحكم الابتدائي من أسباب لا تتعارض معه مع أنه لا وجه للإحالة لأن دفاع الطاعنين بعد نقض الحكم الأول والإحالة منبت الصلة بدفاعهم السابق، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي، وكان النزاع في الدعوى يدور حول صحة إشهاد التغيير الصادر من الموافقة في 1/ 9/ 1938 وانتهى القضاء فيه إلى صحة هذا الإشهاد ورفض دعوى الطاعنين، وكان يبين من مراجعة أسباب الحكمين أنه لا خلاف بينهما في وجهات النظر فتعتبر أسباب الحكم الابتدائي في هذه الحالة مكملة لأسباب الحكم المطعون فيه فيما لا تعارض فيه، ومن ثم فلا يعيب الحكم المطعون فيه أنه أحال إلى أسباب الحكم الابتدائي ويكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.