أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 349

جلسة 13 من فبراير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد.

(56)
الطعن رقم 47 لسنة 35 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب واقعية". مرض الموت. وصية.
وجوب إبداء الطعن في التصرف بصدوره في مرض الموت في صيغة صريحة جازمة. عدم جواز التحدي لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) إثبات. "الإنكار والجهالة". محكمة الموضوع. "سلطتها في الإثبات".
سلطة محكمة الموضوع في أن تأمر بالتحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما في حالة ادعاء الوارث جهله بتوقيع مورثه أو إنكاره.
(ج) إثبات. "إجراءات الإثبات". استئناف. "نظر الاستئناف".
سلطة محكمة الاستئناف في الاعتماد على التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى.
1 - لا يكفي لاعتبار الدفاع متضمناً الطعن في التصرف بصدوره من المورثة في مرض الموت مجرد الإشارة فيه إلى أن المورثة كانت مريضة بمرض ما، بل يجب أن يبدى هذا الطعن في صيغة صريحة جازمة تدل على تمسك صاحبه بأن التصرف صدر في مرض الموت ومقصوداً به التبرع فتسري عليه أحكام الوصية. وطالما أن الطاعن لم يتمسك بهذا الطعن أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - لا تلتزم المحكمة في حالة إنكار الوارث توقيع مورثه على الورقة أو ادعائه بجهله هذا التوقيع بتحقيق هذا الطعن بطريق المضاهاة، وإنما يكون لها وفقاً لصريح نص المادة 262 من قانون المرافعات، إذا لم تر في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها في شأن صحة هذا التوقيع، أن تأمر بالتحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما، ومن ثم فإن محكمة الموضوع إذ رأت أن تحقق الطعن بالجهالة الذي أبداه الطاعن بسماع الشهود ورأت في التحقيق الذي أجرته ما يكفي لتكوين عقيدتها في شأن صحة التوقيع وما يغنيها عن الالتجاء إلى المضاهاة فإنها تكون قد مارست سلطتها في تقدير الأدلة ولم تخطئ في القانون.
3 - لمحكمة الاستئناف أن تعتمد على التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى إذا رأت أنه حقق الغاية منه، وأن فيه ما يكفي لتكوين عقيدتها، وذلك دون أن تلتزم بإجراء تحقيق جديد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 728 سنة 1963 كلي القاهرة على الطاعن طالبة الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 5 ديسمبر سنة 1962 الصادر إليها من مورثته المرحومة حسنة حسين أبو العلا عن حصة قدرها النصف بالمشاع في كامل أرض وبناء المنزل الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وكف منازعته لها في تلك الحصة وتسليمها إليها فعلياً. وقالت في بيان دعواها إن مورثة الطاعن باعتها الحصة المذكورة بثمن إجمالي وجزافي قدره 500 جنيه دفعته إليها جميعه ولما توفيت امتنع الطاعن عن التوقيع على العقد النهائي الذي كانت قد قدمت بشأنه طلباً للشهر العقاري قبل وفاة البائعة.
دفع الطاعن بجهله توقيع مورثته على هذا العقد وبعد أن حلف اليمين على ذلك قضت المحكمة في 29/ 4/ 1963 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن أن مورثة الطاعن حسنه حسين أبو العلا وقعت ببصمتها وبختمها على عقد البيع سند الدعوى المؤرخ 5/ 12/ 1962 وصرحت المحكمة للطاعن بالنفي بذات الطرق. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حجزت الدعوى للحكم إلا أن الطاعن طلب فتح باب المرافعة للطعن على العقد بالتزوير فأجابته المحكمة إلى هذا الطلب لكنه لم يسلك هذا الطريق وبتاريخ 24/ 6/ 1963 قضت تلك المحكمة (أولاً) برفض الطعن بالجهالة على العقد سند الدعوى المؤرخ 5/ 12/ 1962 (ثانياً) بصحة ونفاذ عقد البيع المذكور المؤرخ 5/ 12/ 1962 والصادر من مورثة الطاعن حسنه حسين أبو العلا للمطعون ضدها والمتضمن بيعها لها حصة قدرها 12 ط من 24 ط شيوعاً في كامل أرض وبناء المنزل المبين الحدود والمعالم بهذا العقد وبالعريضة لقاء ثمن قدره 500 جنيه وبالتسليم مع كف منازعة الطاعن للمطعون ضدها في هذا النصيب. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1726 سنة 80 ق طالباً إلغاءه ورفض الدعوى. وبتاريخ 29/ 11/ 1964 قضت تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. وبتقرير تاريخه 26/ 1/ 1965. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وطلبت المطعون ضدها رفض الطعن. وقدمت النيابة العامة مذكرة انضمت فيها إلى المطعون ضدها في هذا الرأي وصممت عليه بالجلسة المحددة لنظر الطعن.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن في أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه طعن أمام محكمة الموضوع على العقد بالبطلان لانعدام إرادة المتصرفة وقت التصرف وأقام هذا الطعن على (أولاً) أنها كانت في حالة غيبوبة مما يبطل التصرف (ثانياً) أن عقد البيع صدر منها في مرض الموت وأنه لذلك يخضع لحكم المواد 477 و478 و916 من القانون المدني ولم تشر محكمة أول درجة في حكمها إلى هذا الطعن من قريب أو بعيد ولما تمسك الطاعن بهذا الدفاع أمام محكمة الاستئناف أطرحته بمقولة إن الطاعن قد أثاره بوصفه دليلاً على عدم توقيع المورثة قاصداً منه أنها كانت في حالة غيبوبة مستمرة تحول دون توقيعها على العقد وأن المحكمة ترى أن هذا الدفاع غير جدير بالنظر إليه لعدم قيام الدليل على جديته. وقد أخطأ الحكم المطعون فيه في هذا الذي قرره ذلك أنه أياً كان وصف الطاعن لدفاعه هذا وقصده منه فإنه وجه دفاع قانوني كان يجب على المحكمة أن تلتفت إليه وتنزل على أساسه حكم القانون الصحيح على التصرف المطعون عليه، وإذ لم تفعل فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون أما قولها بتجرد هذا الدفاع عن الدليل فإنه غير صحيح لأن أوراق الدعوى حوت الأدلة والقرائن التي تسانده فالعقد مؤرخ 5/ 12/ 1962 ووفاة المتصرفة حصلت في 27/ 12/ 1962 وقدم الطاعن شهادة طبية تفيد مرضها من ستة أشهر سابقة على وفاتها وأنها كانت في حالة شيخوخة وناهزت التسعين من عمرها كما دلت الأوراق على أن المطعون ضدها كانت تشاركها في السكنى وأنه لم يكن في مقدورها دفع الثمن المذكور في العقد وأنها كانت تخدم المورثة وتعيش في كنفها كما أنه من غير المعقول أن تدفع المطعون ضدها الثمن جمعيه في مجلس العقد وقد شهد شاهداها بأنهما لم يريا الثمن وهو يدفع وإن كانت المشترية قد قالت لهما بأنها دفعته فهذه الأدلة والقرائن كلها ترشح إلى أن التصرف تم في مرض موت المورثة، وإذ التفتت محكمة الاستئناف عنها وعن دفاع الطاعن في هذا الشأن على الصورة الواردة في حكمها المطعون فيه، فإن هذا الحكم يكون قاصر التسبيب ومخطئاً في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه يبين من أوراق الملف المضمون أن الطاعن قد طعن على العقد أمام محكمة أول درجة بجهله توقيع مورثته عليه وأشار عرضاً في إحدى مذكراته إلى أنها كانت مريضة ولا تعي شيئاً وتحقيقاً لهذا الدفاع ضمنت المحكمة قضاءها بإحالة الدعوى إلى التحقيق إثبات واقعة توقيع المورثة على العقد بختمها وببصمة إصبعها وحصول ذلك بعلم منها وصرحت المحكمة للطاعن بنفي ذلك. ولما استأنف الطاعن حكم محكمة أول درجة ذكر في صحيفة استئنافه في السبب الثاني "أنه إن صح صدور العقد موضوع الدعوى من المورثة فإنه يدفع ببطلان التصرف لانعدام إرادة المتصرفة لما كانت عليه من حالة مرضية خطيرة أفقدتها الوعي والإرادة وقد تأيد ذلك بشهادة أحد الشهود في التحقيق ورغم ذلك فقد التفت الحكم المستأنف عن ذلك الدفاع رغم أنه جوهري" كما ورد على لسان الحاضر عن الطاعن بجلسة 18 يناير سنة 1964 أمام محكمة الاستئناف قوله "إن المتصرفة كانت مريضة بتصلب الشرايين" ولم يقدم الطاعن أي مذكرات أمام محكمة الاستئناف واكتفى بتقديم حافظة (8 دوسيه) تحوي شهادة طبية مؤرخه 1/ 1/ 1963 من الدكتور ألبرت عزيز يقرر فيها أن المورثة توفيت ليلة 28/ 12/ 1962 نتيجة تزيف من دوالي في المعدة بسبب تليف في الكبد وأنها كانت تحت العلاج من مدة ستة أشهر وشهادة وفاة المورثة ثابت بها أن عمرها 81 سنة ولم يبين فيها نوع المرض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أقر أسباب الحكم الابتدائي مقرراً أن ترجيحه لأقوال شاهدي المطعون ضدها على شاهدي الطاعن كان بناء على أسباب سائغة معقولة رد على دفاع الطاعن آنف الذكر بقوله "وكذلك الشأن بالنسبة للسبب الثاني الخاص بالمرض فإن المحكمة تطرحه لأنه قد أثير بوصفه دليلاً على عدم توقيع المورثة وأنها كانت في غيبوبة مستمرة، وهو قول تراه المحكمة غير جدير بالنظر إليه لعدم قيام الدليل عليه ولعدم جديته" لما كان ذلك، وكان ما ساقه الطاعن من دفاع في صحيفة استئنافه وفي محضر جلسة 18 يناير سنة 1964 لا يعتبر طعناً في التصرف بصدوره من المورثة مرض الموت إذ لا يكفي لاعتبار الدفاع متضمناً هذا الطعن مجرد الإشارة فيه إلى أن المورثة كانت مريضة بمرض ما بل يجب أن يبدى هذا الطعن في صيغة صريحة جازمة تدل على تمسك صاحبه بأن التصرف صدر في مرض الموت بالذات ومقصوداً به التبرع فتسري عليه أحكام الوصية. لما كان ذلك فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذ هو لم يعتبر دفاع الطاعن متضمناً الطعن، على العقد لصدوره من المورثة في مرض الموت وبالتالي لم يرد على هذا الطعن، كما أنه طالما أن الطاعن لم يتمسك بهذا الطعن أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه على أقوال الشاهدين اللذين أشهدتهما المطعون ضدها في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة بعد أن اطمأنت المحكمة إلى هذه الأقوال ورجحتها على أقوال شاهدي الطاعن وكان شاهدا المطعون ضدها هذان اللذان أخذ الحكم المطعون فيه بأقوالهما قد شهدا - على ما سجله الحكم الابتدائي في تقريراته التي أخذ بها الحكم المطعون فيه - بأن المورثة حضرت مجلس العقد ووقعت عليه أمامها بختمها وببصمة إصبعها وأقرت لهما بقبضها الثمن المذكور في العقد وهذا كله ينفي ما ادعاه الطاعن من أنها كانت في هذا الوقت فاقدة الوعي والإرادة وفي حالة غيبوبة، وكان الطاعن من جهة أخرى لم يقدم دليلاً ما على هذا الذي ادعاه سوى أقوال شاهديه التي أطرحتها المحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - لعدم اطمئنانها إليها والشهادة الطبية التي قدمها والتي لا تفيد شيئاً في إثبات فقد المورثة الوعي والإرادة وقت التصرف فإن الحكم المطعون فيه إذ أطرح ذلك الدفاع استناداً إلى أنه غير جدي ولم يقم دليل على صحته، فإنه لا يكون مخطئاً في القانون أو مشوباً بالقصور وبالتالي يكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في الاستدلال ذلك أنه على الرغم من توافر القرائن في الدعوى على أن المطعون ضدها قد استغلت مركزها من المورثة من حيث إقامتها معها في كنفها وحصلت على ما ليس لها حق فيه مما كان يكفي وحده لرفض دعواها، فإن محكمة أول درجة مع ذلك أمرت بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية (المطعون ضدها) أن العقد صدر من مورثة الطاعن ومعنى هذا أن الإثبات يجب أن ينصب على جميع أركان العقد من رضاء وأهلية ومبيع وثمن لكن التحقيق لم يتناول شيئاً من هذه العناصر ولم يقم دليل على توافرها فلا محكمة أول درجة استظهرتها ولا محكمة الاستئناف أقامت وزناً لنعي الطاعن على استدلال محكمة أول درجة، وإذ كانت القرينة على انعدام رضاء المورثة قد توافرت من أنها كانت في التسعين من عمرها وكانت مريضة بتليف في الكبد ونزيف في المعدة ولمدة ستة شهور سابقة على الوفاة وكانت الأهلية في مثل هذه السن غالباً ما تكون غير كاملة بل إن الشيخوخة في ذاتها عارض من عوارض الأهلية قد تؤدي إلى توقيع الحجر وكان شاهدا المطعون ضدها قد قررا بأنهما لم يريا دفع الثمن إلى المورثة بل سمعا من المطعون ضدها أنها دفعته، فإن جميع أركان العقد تكون غير متوافرة وإذ اعتبرها الحكم المطعون فيه متوافرة وأن الدليل قد قام عليها فإنه يكون مشوباً بالخطأ في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، بأن دفاع الطاعن أمام محكمة أول درجة قام على الطعن في العقد بجهله توقيع مورثته عليه وأشار عرضاً إلى مرض المورثة وشيخوختها وتحقيقاً لهذا قضت المحكمة بعد تحليف الطاعن اليمين المنصوص عنها في المادة 394 من القانون المدني، بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المطعون ضدها المتمسكة بالعقد أن المورثة البائعة وقعت على العقد بختمها وببصمة إصبعها وكان ذلك على علم منها وصرحت المحكمة للطاعن بالنفي. وإذ ثبت للمحكمة من أقوال شاهدي المطعون ضدها التي رأت الأخذ بها صحة توقيع المورثة وحصوله بعلم وإدراك منها ودفع الثمن فقد قضت بصحة ونفاذ العقد وإذ استأنف الطاعن وأثار دفاعه بانعدام إرادة المورثة فقد رد عليه الحكم المطعون فيه بما سلف بيانه في الرد على السبب الأول وبما لم تر فيه هذه المحكمة عيباً - وإذ كان فيما قرره الحكم المطعون فيه أخذاً من أقوال شاهدي المطعون ضدها التي اطمأنت إليها المحكمة ما يثبت توافر رضاء المورثة بالتعاقد واستكمالها للأهلية اللازمة لذلك ودفع الثمن إليها إذ أن هذين الشاهدين إنما شهدا بأن المورثة البائعة أقرت أمامها بقبض الثمن المذكور في العقد ولم يذكرا أن المطعون ضدها هي التي أقرت لهما بدفعه كما يزعم الطاعن في هذا السبب. لما كان ما تقدم وكانت الشيخوخة لا تعتبر بذاتها من عوارض الأهلية خلافاً لما يزعم الطاعن فإن ما يثيره بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه بطلان وأخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن إذ دفع بجهله توقيع مورثته على العقد وحلف يميناً بأنه لا يعلم أن هذا التوقيع لمورثته فقد كان يجب على المحكمة طبقاً للمادة 262 من قانون المرافعات أن تأمر بإجراء المضاهاة وتحيل الأمر إلى الطب الشرعي وإذ لم تفعل واكتفت بالإثبات بشهادة الشهود وقصرت في سؤالهما عن الوقائع الجوهرية ثم أخذت على الطاعن أنه لم يطعن على العقد بالتزوير فإنها تكون مخطئة في القانون، كما شاب البطلان الإجراء الذي أصدرت حكمها على أساسه لأن الوارث لا يطلب منه الطعن بالتزوير بل حسبه الطعن بالجهالة وهو لا يستطيع الطعن بالتزوير لأنه لا يعلم حال المورثة، كما خالف الحكم المطعون فيه القانون لأن محكمة الاستئناف اكتفت بالتحقيق الذي أجرته المحكمة الابتدائية مع أن الاستئناف يعيد الدعوى إلى ما كانت عليه قبل صدور الحكم المستأنف، وهذا كان يقتضي من محكمة الاستئناف أن تعيد التحقيق في أوجه الدفاع التي قدمها الطاعن وأن تطلب منه من جديد أن يتخذ إجراءات الطعن بالتزوير إن كان من رأيها أنه يجب على الوارث سلوك هذا الطريق.
وحيث إن هذا الطعن غير سديد، ذلك بأنه في حالة إنكار الوارث توقيع مورثه على الورقة أو ادعائه بجهله هذا التوقيع فإن المحكمة لا تلزم بتحقيق هذا الطعن بطريق المضاهاة - كما يدعي الطاعن - وإنما يكون لها وفقاً لصريح نص المادة 262 من قانون المرافعات - إذا لم تر في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها في شأن صحة هذا التوقيع - أن تأمر بالتحقيق بالمضاهاة أو بسماع الشهود أو بكليهما ومن ثم فإن محكمة الموضوع إذ رأت أن تحقق الطعن بالجهالة الذي أبداه الطاعن بسماع الشهود ورأت في التحقيق الذي أجرته ما يكفي لتكوين عقيدتها في شأن صحة التوقيع وما يغنيها عن الالتجاء إلى المضاهاة فإنها تكون قد مارست سلطتها في تقدير الأدلة ولم تخطئ في القانون. لما كان ذلك وكانت محكمة الموضوع لم تتطلب من الطاعن أن يسلك سبيل الادعاء بالتزوير بل إنه هو الذي طلب بعد حجز القضية للحكم من المحكمة الابتدائية تمكينه من الطعن على العقد بالتزوير فاستجابت المحكمة لهذا الطلب ولكنه لم يسلك هذا الطريق، وقد أشار الحكم المطعون فيه لمسلكه هذا واتخذ منه قرينة على عدم جديته في الطعن على العقد بما طعن عليه به دون أن يتطلب منه اتخاذ هذا الطريق أو يقرر أنه كان لزاماً عليه سلوكه. لما كان ما تقدم وكان لمحكمة الاستئناف أن تعتمد على التحقيق الذي أجرته محكمة الدرجة الأولى إذا رأت أنه قد حقق الغاية منه وأن فيه ما يكفي لتكوين عقيدتها وذلك دون أن تلتزم بإجراء تحقيق جديد، وكان الحكم المطعون فيه قد تناول الرد على أوجه دفاع الطاعن التي أثارها أمام محكمة الاستئناف على ما سلف بيانه في الرد على السببين السابقين، فإن النعي بهذا السبب يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.