أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 368

جلسة 20 من فبراير سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

(59)
الطعن رقم 93 لسنة 35 القضائية

( أ ) إعلان. "الإعلان في النيابة". استئناف. بطلان. "البطلان غير المتعلق بالنظام العام". حكم "الأحكام الحضورية والغيابية".
عدم جواز تمسك المستأنف عليه الذي صح إعلانه بالاستئناف ببطلان إعلان غيره من المستأنف عليهم في النيابة لعدم كفاية التحريات. العبرة في اعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً هي بحقيقة الواقع.
(ب) أموال. "الأموال الخاصة المملوكة الدولة". الاستيلاء. ملكية. تقادم. "تقادم مكسب".
عدم جواز تملك الموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم. المادة 970 مدني معدلة. جواز تملكها بالاستيلاء وفق نص المادة 874 مدني.
(ج) استيلاء. "الأراضي الداخلة في زمام البلاد". ملكية.
خروج الأراضي الداخلة في زمام البلاد على نطاق الأراضي غير المزروعة التي كان يجوز تملكها بالاستيلاء.
1 - إعلان الأوراق القضائية في النيابة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو في موطنه وإن كان لا يصح اللجوء إليه قبل قيام المعلن بالتحريات الكافية الدقيقة عن محل إقامة المعلن إليه، إلا أن بطلان الإعلان لعدم كفاية هذه التحريات لا يجوز أن يتمسك به إلا من شرع هذا البطلان لمصلحته وقدما ما يدل على أن المعلن لو بذل جهداً آخر في التحري لاهتدى إلى موطنه فيما بقى من الميعاد المحدد للإعلان، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الذي صح إعلانه بالاستئناف التحدي ببطلان إعلان غيره من المستأنف عليهم بهذا الاستئناف. كما أنه لا شأن ولا مصلحة له في تعييب الحكم بخطئه في وصفه بأنه حضوري بالنسبة لخصوم آخرين، بفرض وقوع هذا الخطأ، وما دام الحكم حضورياً بالنسبة إليه، هذا إلى أن العبرة في اعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً هي بحقيقة الواقع لا بما تصفه به المحكمة.
2 - عدل القانون رقم 147 لسنة 1957 نص المادة 970 من القانون المدني بأن أضاف إليه حكماً جديداً يقضي بعدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة الدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم وقد اقتصر على تعديل هذا النص ولم يتناول المادة 874 من القانون المدني التي تتحدث عن الاستيلاء باعتباره سبباً مستقلاً بذاته لكسب الملكية والتي كانت تجيز الفقرة الثالثة منها لكل مصري أن يتملك بهذا الطريق ما يزرعه أو يغرسه أو يبني عليه من الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها وذلك بمجرد حصول الزرع أو الغراس أو البناء ودون اشتراط لمضي مدة ما على وضع يده وإنما تفقد هذه الملكية بعدم الاستعمال مدة خمس سنوات متتابعة خلال الخمس عشرة سنة التالية للتملك. أما القانون رقم 39 لسنة 1959 فقد اقتصر على حظر التعدي على الأراضي التي منع القانون رقم 147 لسنة 1957 تملكها بالتقادم وتخويل الجهة الإدارية صاحبة الشأن حق إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري، ومن ثم فلا يكون للتعديل الذي أدخل بالقانونين المذكورين على المادة 970 الواردة ضمن النصوص الخاصة بالتقادم المكسب أثر على نص المادة 874 من القانون المدني لاختلاف سبب كسب الملكية في كل منهما.
3 - إن الأراضي الداخلة في زمام البلاد تخرج عن نطاق الأراضي غير المزروعة التي كان يجوز تملكها بالاستيلاء طبقاً للمادة 874 مدني وبالتالي فلا يرد عليها التملك بالاستيلاء سواء كانت وسيلته هي الترخيص أو التعمير.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول (محافظة القاهرة) أقام على الطاعن الدعوى رقم 1074 سنة 1955 مدني القاهرة طلب فيها الحكم بتثبيت ملكية الحكومة لقطعة الأرض المبينة بالعريضة وتسليمها خالية من المنشآت المقامة عليها وبإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 68 ج و186 م مقابل الانتفاع المستحق حتى آخر ديسمبر سنة 1954 وما يستجد بواقع مائة مليم سنوياً عن المتر المربع حتى تمام الإزالة والتسليم. وأسس دعواه على أن الطاعن أقام بناء على جزء من هذه الأرض - وهي من أملاك الدولة الخاصة - وهو يعلم أنها غير مملوكة له فيكون سيء النية وملزماً بدفع مقابل الانتفاع المطالب به. وأثناء سير الدعوى أدخل الطاعن المطعون ضدهما الأخيرتين ضامنتين له بوصفهما وارثتين للمرحوم محمود محمد مصطفى - البائع له - وفي 13 ديسمبر سنة 1962 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض الدعوى تأسيساً على أن قطعة الأرض محل النزاع من الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها وقد تملكها الطاعن بالبناء عليها طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 874 من القانون المدني. استأنف المطعون ضدهما الأول والثاني هذا الحكم بالاستئناف رقم 249 سنة 80 ق القاهرة. وفي 19 ديسمبر سنة 1964 قضت محكمة استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف وبتثبيت ملكية المطعون ضده الأول لقطعة الأرض المبينة بصحيفة الدعوى وإلزام الطاعن بتسليمها له وبأن يدفع له الريع بواقع مائة مليم عن كل متر مربع واحد من تاريخ رفع الدعوى حتى الإزالة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه إبتناءه على إجراءات باطلة ذلك أن إعلان المطعون ضدهما الأخيرتين - وارثتي البائع له - بصحيفة الاستئناف وقع باطلاً لأنه وجه إليهما في النيابة دون إجراء التحريات الكافية للبحث عن محل إقامتها وقد طلب المطعون ضدهما الأولان المستأنفان إعلان هاتين المستأنف عليهما في العنوان المذكور في عقد البيع الصادر منهما إلى الطاعن من أن الثابت في ورقة إعلانهما بدعوى الضمان أمام محكمة أول درجة أنهما تقيمان في محل آخر، وعلاوة على أن إعلانهما بصحيفة الاستئناف الحاصل في النيابة قد وقع باطلاً فإن محكمة الاستئناف لم تقرر إعادة إعلانهما حتى يعتبر الحكم الذي يصدر حضورياً في حقهما وأصدرت حكمها المطعون فيه ووصفته بأنه حكم حضوري على خلاف نص المادة 95 مرافعات.
وحيث إن هذا النعي مردود، بأن إعلان الأوراق القضائية في النيابة بدلاً من إعلانها لشخص المراد إعلانه أو في موطنه وإن كان لا يصح اللجوء إليه قبل قيام المعلن بالتحريات الكافية الدقيقة عن محل إقامة المعلن إليه، إلا أن بطلان الإعلان لعدم كفاية هذه التحريات لا يجوز أن يتمسك به إلا من شرع هذا البطلان لمصلحته وقدم ما يدل على أن المعلن لو بذل جهداً آخر في التحري لاهتدى إلى موطنه فيما بقى من الميعاد المحدد للإعلان، ومن ثم فلا يقبل من الطاعن الذي صح إعلانه بالاستئناف التحدي ببطلان إعلان غيره من المستأنف عليهم بهذا الاستئناف. لما كان ذلك وكان لا شأن ولا مصلحة للطاعن أيضاً في تعييب الحكم بخطئه في وصفه بأنه حضوري بالنسبة للمطعون ضدهما الأخيرتين - بفرض وقوع هذا الخطأ - ما دام الحكم حضورياً بالنسبة إليه، هذا إلى أن العبرة في اعتبار الحكم حضورياً أو غيابياً هي بحقيقة الواقع لا بما تصفه به المحكمة، فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون لأنه أقام قضاءه بتثبيت ملكية أرض النزاع للدولة على أن هذه الأرض لا يجوز تملكها بالتقادم أو بالاستيلاء وذلك على اعتبار أن المادة 874 من القانون المدني قد نسخت بالتعديل الذي طرأ على المادة 970 بالقانونين 147 سنة 1957، و39 سنة 1959 مع أن هذا التعديل لم يتناول إلا التملك بالتقادم ولا يعرض للتملك بسبب الاستيلاء وهو سبب لكسب الملكية مستقل عن التقادم ويختلف عنه في موضوعه، هذا إلى أن تعديل المادة 970 مدني ليس له أثر رجعي، وثابت أن الطاعن قام بالبناء على أرض النزاع قبل هذا التعديل وبذلك تملكها قبل نفاذه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض ادعاء الطاعن بتملك أرض النزاع بالبناء عليها عملاً بالفقرة الثالثة من المادة 874 من القانون المدني، على أن هذه الفقرة التي كانت تجيز تملك الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها بطريق الاستيلاء المصحوب بالتعمير قد نسخت بالتعديل الذي طرأ على المادة 970 من القانون المدني بالقانونين 147 لسنة 1957 و39 لسنة 1959 وأنه لذلك لا يجوز تملك أموال الدولة الخاصة بالتقادم ولا بالاستيلاء إذا لم تكتمل الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة 874 مدني قبل العمل بالقانون الأول. وهذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه غير صحيح في القانون، ذلك بأن القانون رقم 147 لسنة 1957 عدل نص المادة 970 بأن أضاف إليه حكماً جديداً يقضي بعدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم وقد اقتصر على تعديل هذا النص ولم يتناول المادة 874 التي تتحدث عن الاستيلاء باعتباره سبباً مستقلاً بذاته لكسب الملكية والتي كانت تجيز الفقرة الثالثة منها لكل مصري أن يتملك بهذا الطريق ما يزرعه أو يغرسه أو يبني عليه من الأراضي غير المزروعة التي لا مالك لها وذلك بمجرد حصول الزرع أو الغراس أو البناء ودون اشتراط مضي مدة ما على وضع يده، وإنما تفقد هذه الملكية بعدم الاستعمال مدة خمس سنوات متتابعة خلال الخمس عشرة سنة التالية للتملك، أما القانون رقم 39 لسنة 1959 فقد اقتصر على حظر التعدي على الأراضي التي منع القانون رقم 147 لسنة 1957 تملكها بالتقادم وتخويل الجهة الإدارية صاحبة الشأن حق إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري، ومن ثم فلا يكون للتعديل الذي أدخل بالقانونين المذكورين على المادة 970 الواردة ضمن النصوص الخاصة بالتقدم المكسب أثر على نص المادة 874 من القانون المدني لاختلاف سبب كسب الملكية في كل منهما، يؤكد ذلك أن المشرع أصدر القانون رقم 124 لسنة 1958 الذي يخطر تملك الأراضي الكائنة بالمناطق المعتبرة خارج الزمام وقت صدوره بأي طريق كان - عدا الميراث - ما لم يرخص وزير الحربية بتملكها طبقاً لإجراءات المقررة فيه. وقد عرضت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون للجدل الذي ثار بعد صدور القانون المدني القائم حول بقاء أو عدم بقاء المرسوم بالقانون رقم 111 لسنة 1945 الذي مد العمل بأحكام الأمر العسكري رقم 62 لسنة 1940 التي تمنع المصريين والأجانب من تملك تلك الأراضي دون سابق إذن من الحكومة واتجهت المذكرة إلى أن هذا المرسوم بقانون ظل قائماً حتى تاريخ نفاذ القانون رقم 124 لسنة 1958 وهو اتجاه كان يؤدي إلى إهدار الحقوق المستندة إلى المادة 874 من القانون المدني، غير أن المشرع أصدر بعد ذلك القانون رقم 100 لسنة 1964 وجعل حظر التملك شاملاً جميع الأراضي الصحراوية، ونص في المادة 86 منه على إلغاء القانون رقم 124 لسنة 1958 وإلغاء الفقرة الثالثة من المادة 874 من القانون المدني، ولو أن هذه الفقرة كانت قد ألغيت تبعاً لتعديل المادة 970 بالقانونين 147 لسنة 1957، 39 لسنة 1959، لما نص المشرع على إلغائها في القانون رقم 100 لسنة 1964 بل إن هذا القانون الأخير عدل عن اتجاه القانون رقم 124 لسنة 1958 في إهدار الحقوق المستندة إلى هذه الفقرة من المادة 874، وأورد في المادة 75 من القانون رقم 100 لسنة 1964 الأحكام التي تنظم هذه الحقوق وهي تقضي في شأن التعمير بالبناء بأن كل من أتم قبل العمل بالقانون رقم 124 لسنة 1958 إقامة بناء مستقر بحيزه ثابت فيه يعد مالكاً بحكم القانون للأرض المقام عليها بالبناء وللمساحة الملحقة به وتعد مرفقاً له بحيث لا تزيد على المساحة المقام عليها البناء ذاته وبشرط بقاء البناء قائماً حتى تاريخ العمل بهذا القانون (القانون رقم 100 لسنة 1964) ولما كان الثابت بالأوراق أن دفاع الطاعن في هذه الدعوى قام على أنه تملك الأرض محل النزاع بطريق الاستيلاء المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 874 من القانون المدني لأنه أقام بناء عليها قبل أن ترفع عليه الدعوى في سنة 1955 وكان الحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض هذا الدفاع على أن المادة 874 قد نسخت بالتعديل الذي طرأ على المادة 970 مدني وأن الدعوى رفعت على الطاعن قبل اكتمال الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة 874، فإنه يكون مخطئاً في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن. ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن الأراضي الداخلة في زمام البلاد تخرج عن نطاق الأراضي غير المزروعة التي كان يجوز تملكها بالاستيلاء طبقاً للمادة 874 من القانون المدني، وبالتالي فلا يرد عليها التملك بالاستيلاء سواء كانت وسيلته هي الترخيص أو التعمير وكان خطأ الحكم المطعون فيه على النحو السالف بيانه قد حجبه عن تحري حقيقة الواقع في شأن أرض النزاع لمعرفة ما إذا كانت داخلة في الزمام أو غير داخلة فيه، وكانت أوراق الملف المضموم ليس فيها ما يكفي للبت في هذه المسألة، فإنه يتعين بعد نقض الحكم المطعون فيه إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف.