أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 463

جلسة 20 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.

(75)
الطعن رقم 182 لسنة 35 القضائية

( أ ) اختصاص. "اختصاص ولائي". أحوال شخصية. "مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين".
عدم اختصاص المحاكم الشرعية بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين غير المسلمين إذا اتحد الطرفان في المذهب. اختصاص المجلس الملي للطائفة بنظرها. المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك. معترف به. القانون رقم 8 لسنة 1915.
(ب) حكم. "حجية الحكم". إثبات. "حجية الأحكام الشرعية".
حجية الحكم الشرعي النهائي. مناطها. صدوره في حدود ولاية المحاكم الشرعية.
1 - طائفة الروم الكاثوليك هي من الطوائف التي كان معترفاً لمجلسها الملي - في عهد السيادة العثمانية على مصر - بولاية القضاء في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة. وقد نص القانون رقم 8 لسنة 1915 في مادته الأولى على استمرار السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية إلى حين الإقرار على أمر آخر بالتمتع بما كان لها من الحقوق عند زوال السيادة العثمانية وأن يكون لهذه السلطات القضائية والهيئات التي بواسطتها تمارس تلك السلطات أعمالها بصفة مؤقتة - جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرمانات والبراءات العثمانية. ومن ثم فإن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك أصبح معتمداً ويستمد ولاية القضاء في مسائل الأحوال الشخصية لهذه الطائفة من القانون رقم 8 لسنة 1915، حالة أن المحاكم الشرعية إنما تختص بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين غير المسلمين إذا اختلف الطرفان مذهباً، أما إذا اتحدا في المذهب فلا تكون لها ولاية الفصل في هذه المنازعات وإنما يختص بها المجلس الملي لهذه الطائفة وهو اختصاص ولائي متعلق بالنظام العام.
2 - لمحكمة الموضوع - إذا احتج لديها بحكم شرعي نهائي - أن تبحث ما إذا كان هذا الحكم قد صدر في حدود ولاية المحاكم الشرعية فتثبت له الحجية أو لم يصدر في حدود هذه الولاية فيكون معدوم الحجية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى 460 سنة 1960 كلي الإسكندرية طالباً الحكم بإلزام المطعون ضدهما الأولى في مواجهة المطعون ضده الثاني بأن تدفع له مبلغ 405 ج والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد وبطلان الحجوز التنفيذية الموقعة تحت يد المطعون ضده الثاني. وقال شرحاً لها إنه بتاريخ 26 يناير سنة 1954 قضت محكمة العطارين الشرعية في الدعوى رقم 974 سنة 1953 بفرض نفقة زوجية للمطعون ضدها الأولى عليه مقدارها 13 ج شهرياً ابتداء من أول يناير سنة 1952 وقد تأيد هذا الحكم في الاستئناف رقم 197 سنة 1954 الإسكندرية، وتنفيذاً لهذا الحكم أوقعت المطعون ضدها الأولى حجوزاً تنفيذية مرتبه لدى المطعون ضده الثاني وقبضت مبالغ مجموعها 405 ج وإذ كان هذا الحكم قد صدر من محكمة لا ولاية لها بنظر النزاع الذي فصل فيه وذلك لاتحاد الطرفين في الديانة والملة لأنهما ينتميان إلى طائفة الروم الكاثوليك التي يختص المجلس الملي لهذه الطائفة بنظر منازعات الأحوال الشخصية التي تقوم بين أبنائها، كما أن الحكم المذكور قرر النفقة على أساس انعقاد الزواج صحيحاً مع أنه وقع باطلاً بسبب القرابة الروحية، وقد قضي في 28 يناير سنة 1955 من المجلس الملي المذكور ببطلان هذا الزواج واعتباره كأن لم يكن وتأيد هذا الحكم من المحكمة الاستئنافية العليا لبطريركية الروم الكاثوليك بتاريخ 24 مارس سنة 1955 فإن حكم النفقة الصادر للمطعون ضدها الأولى عليه يكون لذلك معدوم الأثر لصدوره من محكمة لا ولاية لها ويكون لذلك ما قبضته منه المطعون ضدها الأولى نفاذاً لذلك الحكم وقدره 405 جنيهاً بغير حق ويحق له استرداده منها عملاً بالمادة 181 من القانون المدني، كما تكون الحجوز الموقعة منها تحت يد المطعون ضده الثاني وفاء للنفقة المستحقة ابتداء من 24 مارس سنة 1955 تنفيذاً لحكم النفقة المشار إليه لا سند لها. لهذا فقد أقام الدعوى بطلباته سالفة الذكر. ودفعت المطعون ضدها الأولى بسقوط حق الطاعن في استرداد هذا المبلغ بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني وطلبت رفض الدعوى وفي 30 يناير سنة 1964 قضت تلك المحكمة بإلغاء الحجوز التنفيذية الموقعة على مرتب الطاعن تحت يد المطعون ضده الثاني نفاذاً لحكم النفقة رقم 974 سنة 1953 العطارين الشرعية واستئنافه وذلك بالنسبة للنفقة المستحقة للمطعون ضدها الأولى اعتباراً من 24 مارس سنة 1955 وبرفض الدعوى بالنسبة لطلب رد مبلغ 405 ج وقضت في أسباب هذا الحكم برفض الدفع بالتقادم الثلاثي. فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 207 سنة 20 ق طالباً إلغاء الحكم المستأنف والقضاء له بطلباته وأسس استئنافه على أن الحكم الابتدائي أخطأ فيما ذهب إليه من أن حكم النفقة قد صدر من محكمة مختصة لاختلاف الطرفين في الطائفة إذ أن حكم النفقة الاستئنافي قد سلم باتحادهما في الديانة والملة وبأنهما ينتميان إلى طائفة الروم الكاثوليك وأقام قضاءه على أن هذه الطائفة ليس لها مجالس ملية معتمدة وإذ كان لهذه الطائفة مجلس معتمد فإن حكم النفقة سالف الذكر يكون قد صدر من محكمة لا ولاية لها وكان لذلك على محكمة أول الدرجة الأولى ألا تعتد به وتقضي له بطلباته. وفي 17 يناير سنة 1965 قضت محكمة استئناف الإسكندرية بتأييد الحكم المستأنف. وفي 13 مارس سنة 1965 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت المطعون ضدها مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بأن يدفع لها مبلغ 500 ج على سبيل التعويض على اعتبار أن الطعن كيدي. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ورفض طلب التعويض المقدم من المطعون ضدها الأولى.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه السبب الأول الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بانعدام حكم النفقة الصادر ضده لصالح المطعون ضدها الأولى من المحكمة الشرعية لصدوره من محكمة لا ولاية لها في إصداره لاتحادهما في الطائفة والملة إذ أنهما ينتميان إلى طائفة الروم الكاثوليك على ما هو ثابت من المستندات المقدمة منه وأن المجلس الملي لهذه الطائفة هو المختص بمنازعات الأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء الطائفة المذكورة، وقد رفضت محكمة الدرجة الأولى هذا الدفاع تأسيساً على أنهما مختلفان في الطائفة والملة أما الحكم المطعون فيه فقد سلم باتحادهما في الطائفة والملة ولكنه رفض الأخذ بدفاعه تأسيساً على ما قاله من أن للمحاكم الشرعية ولاية الفصل في منازعات الأحوال الشخصية الخاصة بطائفة الروم الكاثوليك لأنه ليس لها مجالس ملية معتمدة وأن حكم النفقة الاستئنافي أقام قضاءه باختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى على هذا الأساس وأن الطاعن لم يطعن فيه بالطرق القانونية فسقط حقه في الطعن فيه وصارت له حجية أمام القضاء المدني، وهذا من الحكم المطعون فيه خطأ في تطبيق القانون لأن لطائفة الروم الكاثوليك مجالس ملية معتمدة بمقتضى القانون رقم 8 سنة 1915، ولأنه لا سبيل للطعن على الحكم الصادر من المحكمة الاستئنافية الشرعية، وما دام هذا الحكم قد صدر من محكمة لا ولاية لها في إصداره فإنه يكون معدوماً ولا يجوز أي حجية أمام المحاكم المدنية.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن طائفة الروم الكاثوليك هي من الطوائف التي كان معترفاً لمجلسها الملي - في عهد السيادة العثمانية على مصر - بولاية القضاء في المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية التي تقوم بين أبناء هذه الطائفة. ولما كان القانون رقم 8 لسنة 1915 قد نص في مادته الأولى على استمرار السلطات القضائية الاستثنائية المعترف بها حتى الآن في الديار المصرية إلى حين الإقرار على أمر آخر بالتمتع بما كان لها من الحقوق عند زوال السيادة العثمانية وأن يكون لهذه السلطات القضائية أو الهيئات التي بواسطتها تمارس تلك السلطات أعمالها - بصفة مؤقتة - جميع الاختصاصات والحقوق التي كانت تستمدها لغاية الآن من المعاهدات والفرمانات والبراءات العثمانية، فإن المجلس الملي لطائفة الروم الكاثوليك أصبح معتمداً ويستمد ولاية القضاء في مسائل الأحوال الشخصية لهذه الطائفة من القانون رقم 8 لسنة 1915. وإذ كانت المحاكم الشرعية إنما تختص بالفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين غير المسلمين إذا اختلف الطرفان مذهباً أما إذا اتحدا في المذهب فلا تكون لها ولاية الفصل في هذه المنازعات وإنما يختص بها المجلس الملي لهذه الطائفة وهو اختصاص ولائي متعلق بالنظام العام. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قرره في أسبابه أن حكم النفقة الاستئنافي رقم 179 سنة 1954 الإسكندرية الشرعية والصادر لصالح المطعون ضدها، قد سلم باتحاد الطرفين في الطائفة والملة، فإنه إذ قضى على الرغم من ذلك بفرض النفقة للمطعون ضدها على الطاعن يكون قد صدر من محكمة لا ولاية لها أما ما استند إليه ذلك الحكم في تقرير الاختصاص للمحاكم الشرعية من أنه ليس لطائفة الروم الكاثوليك مجالس ملية معتمدة فإنه مخالف للقانون على ما سبق بيانه، ولا يشفع للحكم المذكور ما قرره من مصادقة الطرفين على الدعوى لأنه علاوة على ما أثبته ذلك الحكم من أن الطاعن تمسك بعدم اختصاص المحاكم الشرعية لاتحاده والمطعون ضدها في الملة، فإن عدم اختصاص المحاكم الشرعية الفصل في دعاوى الأحوال الشخصية لغير المسلمين عند اتحاد الطرفين في المذهب يتعلق بالنظام العام. لما كان ما تقدم وكان لمحكمة الموضوع إذا احتج لديها بحكم شرعي نهائي أن تبحث ما إذا كان هذا الحكم قد صدر في حدود ولاية المحاكم الشرعية فتثبت له الحجية أو لم يصدر في حدود هذه الولاية فيكون معدوم الحجية، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتد بالحكم الشرعي الصادر للمطعون ضدها بالنفقة على الرغم من أنه صدر من محكمة لا ولاية لها فإنه بذلك يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن. ولما كان قد تبين صحة الطعن فإن طلب المطعون ضدها الأولى إلزام الطاعن بالتعويض عن هذا الطعن باعتباره كيدياً يكون على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إنه لما كانت محكمة الموضوع لم تتحقق من مقدار المبلغ الذي أداه الطاعن تنفيذاً لحكم النفقة وقد نازعت المطعون ضدها أمام محكمة الموضوع في مقدار المبلغ الذي ادعى الطاعن أنه أداه لها وقدره 405 ج فإن الموضوع يكون لذلك غير صالح للفصل فيه ومن ثم يتعين إحالة القضية إلى محكمة الاستئناف.