أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 20 - صـ 495

جلسة 27 من مارس سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.

(80)
الطعن رقم 88 لسنة 35 القضائية

ارتفاق. "الارتفاقات الإدارية" أموال عامة.
اعتبار الارتفاقات الإدارية المقررة لخدمة مال عام أموالاً عامة لتعلقها بالمال العام الذي تخدمه. عدم انقضائها إلا بانتهاء تخصيصها لهذه المنفعة أو بتخصيصها لجهة نفع أخرى غير تلك التي من أجلها تقرر الارتفاق.
الارتفاقات الإدارية المقررة لخدمة مال عام تعتبر أموالاً عامة لتعلقها بالمال العام الذي تخدمه فيكون لها لذلك ما للأموال العامة من خصائص وحصانة وتبقى ما بقى المال العام المخدوم مخصصاً للمنفعة العامة، ولا تنقضي إلا بانتهاء تخصيصه لهذه المنفعة أو بتخصيصه لجهة نفع أخرى غير تلك التي من أجلها تقرر الارتفاق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن مصلحة الأملاك أقامت الدعوى رقم 32 سنة 1950 كلي أسوان وقالت شرحاً لها إنها بمقتضى عقد مؤرخ 30 أغسطس سنة 1922 ومسجل في 19 سبتمبر سنة 1922 باعت إلى المرحوم عثمان سليم قطعة أرض مساحتها 6 فدان وقيراط واحد و9 أسهم بالقطعة رقم 18 "أ" بحوض 18 بناحية أبو الريش قبلي ولما كانت هذه الأرض ملاصقة لجبانة مستعملة فقد نص في البند الثالث من العقد على حظر البناء في هذه القطعة على مسافة تقل عن 200 متراً في تلك الجبانة، وقد تصرف المشتري في أجزاء من هذه القطعة، وأنه ومن تصرف إليهم قد خالفوا نص البند الثالث من ذلك العقد وأقاموا مساكن على الأرض المبيعة على مسافة تقل عن المسافة المحظور البناء فيها، وإذ كان نص هذا البند يقرر للحكومة ارتفاقاً إدارياً على الأرض المبيعة يمتنع معه على ملاك هذه الأرض إقامة مساكن فيها على مسافة تقل عن 200 متر من الجبانة المذكورة وكان المدعى عليهم (المطعون ضدهم) قد أقاموا مباني على تلك الأرض في المنطقة المحظور البناء فيها مخالفين بذلك نص البند الثالث على عقد البيع المذكور ولائحة الجبانات فقد أقامت المصلحة الطاعنة الدعوى عليهم بطلب إزالة هذه المباني وإلا قامت بإزالتها بمصاريف ترجع بها عليهم. وفي 28 فبراير سنة 1954 قضت محكمة الدرجة الأولى بندب خبير للانتقال إلى العين موضوع النزاع ومعاينتها ومعاينة الجبانة وتحقيق ما إذا كانت لا تزال مستعملة في دفن الموتى وبيان المباني المقامة بالقطعة المبيعة للمرحوم عثمان سليم والمسافة بين هذه المباني وبين الجبانة وبيان المالك لكل منها، وقدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن الأرض المبيعة لعثمان سليم تقع قبلي الجبانة المذكورة والتي لا زالت معدة للدفن. وأن المباني التي أقيمت على هذه الأرض بتعد عنها بمسافة 124 متراً، وأنه أنشئ خط سكة حديد بجسر مرتفع وأن هذا الخط أصبح فاصلاً طبيعياً بين الجبانة وبين أرض النزاع ويبعد عن تلك المساكن بمسافة 96 متراً وعن الجبانة بـ 28 متراً. وفي 20 مارس سنة 1955 قضت تلك المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على أن الارتفاق المقرر للجبانة على الأرض المبيعة قد انقضى عملاً بالمادة 1029 من القانون المدني بعد أن أصبح خط السكة الحديد فاصلاً طبيعياً بين هذه الأرض وبين الجبانة. فاستأنفت الحكومة هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 7 سنة 37 ق طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها. وفي 16 ديسمبر سنة 1964 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. وفي 13 فبراير سنة 1965 طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل أولهما القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم المطعون فيه الذي أيد الحكم الابتدائي وأخذ بأسبابه أسس قضاءه على زوال الفائدة من الارتفاق الإداري المقرر لصالح الجبانة المجاورة لأرض النزاع نتيجة إنشاء خط حديدي يعتبر فاصلاً طبيعياً بين الجبانة وبين الأرض التي أقيمت عليها المساكن وبناء مساكن أخرى خلاف مساكن المطعون ضدهم في المنطقة المحظور البناء فيها، وهذا من الحكم قصور في التسبيب ذلك أنه سلم بأن الحظر من البناء الذي نصت عليه المادة الأولى من لائحة الجبانات الصادرة بالأمر العالي الرقيم 30/ 10/ 1837 وما تضمنه البند الثالث من عقد البيع إنما فرض لاعتبارات تتعلق بالصحة العامة، وهذه الاعتبارات تظل قائمة ما دامت الجبانة معدة للدفن ولا تزول ولا يزول تبعاً هذا القيد بمجرد مد خط للسكك الحديدية يفصل بين تلك المساكن وبين الجبانة أو بمخالفة المطعون ضدهم وغيرهم لهذا الحظر، ومن ثم يكون تسبيب الحكم غير سائغ ولا يكفي لحمل قضائه. ويتحصل السبب الثاني في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أنه وإن أصاب في تكييف قيد عدم البناء على الأرض المبيعة بأنه ارتفاق إداري مصدره المادة الأولى من لائحة الجبانات فقد أخطأ فيما قرره من انقضاء هذا الارتفاق نتيجة إنشاء الخط الحديدي ذلك أن الارتفاقات الإدارية تعتبر أموالاً عامة لتعلقها بالأموال العامة التي تخدمها ومن ثم تكون لها صفات هذه الأموال العامة فلا تنقضي إلا بزوال صفة المال العام عن العقارات التي تخدمها وتبقى ما بقيت هذه الأموال العامة المخدومة مخصصة للنفع العام، ولهذا فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر هذا الارتفاق الإداري منقضياً لزوال الفائدة منه على الرغم من استمرار صفة المال العام للعقار المخدوم وهو الجبانة فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، كما خالف المادة 1029 من القانون المدني التي استند إليها إذ أنها تشترط لتحرر صاحب العقار المرتفق من الارتفاق كله أو بعضه أن يفقد الارتفاق كل منفعة للعقار المرتفق أولاً تبقى له إلا فائدة محدودة لا تتناسب مع الأعباء الواقعة على العقار المرتفق به وإذ كان الثابت أن الوضع بالنسبة للعقارين المرتفق والمرتفق به لم يتغير منذ حصول التصرف في الأرض المقرر عليها حظر البناء فإن الحكم المطعون فيه إذ استند إلى هذه المادة للقول بانقضاء الارتفاق المقرر للجبانة على الأرض المبيعة يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه أنه سجل في تقريراته أن الجبانة المجاورة للأرض المبيعة إلى عثمان سليم - سلف المطعون ضدهم - ما زالت معدة للدفن وأن المباني التي أقامها المطعون ضدهم في هذه الأرض تقع على مسافة تقل عن مائتي متر، كما قرر الحكم أن الحظر من البناء المنصوص عليه في عقد البيع الصادر من مصلحة الأملاك إلى المرحوم عثمان سليم هو ارتفاق إداري مصدره المادة الأولى من لائحة الجبانات الصادرة بالأمر العالي الرقيم 30/ 10/ 1937 ومقرر لمصلحة الجبانة المجاورة للأرض المبيعة، لكن الحكم استند في قضائه برفض دعوى الطاعنة إلى أن الحكمة من حظر إقامة مساكن على مسافة تقل عن مائتي متر من الجبانة والمنصوص عليه في المادة الأولى من لائحة الجبانات هي حماية الجبانات من زحف المساكن عليها، علاوة على اعتبارات خاصة بالصحة العامة وأن خط السكة الحديدية الذي أنشأته الحكومة يعتبر فاصلاً طبيعياً بين الجبانة وبين المساكن المطلوب إزالتها وهذا الفاصل يمنع زحف المساكن على الجبانة وأنه لا محل للمحكمة الأخرى الخاصة باعتبارات الصحة العامة بعد أن انتشرت المساكن في المنطقة المحظور البناء فيها، ورتب الحكم على ذلك اعتبار الارتفاق الإداري المذكور منقضياً طبقاً للمادة 1029 من القانون المدني لزوال الفائدة من تقريره، وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه سنداً لقضائه ينطوي على مخالفة للقانون وفساد في الاستدلال ذلك أن الارتفاقات الإدارية المقررة لخدمة مال عام تعتبر أموالاً عامة لتعلقها بالمال العام الذي تخدمه فيكون لها لذلك ما للأموال العامة من خصائص وحصانة وتبقى ما بقي المال العام المخدوم مخصصاً للمنفعة العامة ولا تنقضي إلا بانتهاء تخصيصه لهذه المنفعة أو بتخصيصه لجهة نفع أخرى غير تلك التي من أجلها تقرر الارتفاق. ولما كان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه - على ما سبق بيانه - أن الجبانة المجاورة لأرض النزاع ما زالت مستعملة لدفن الموتى وبالتالي لم تفقد صفتها كمال عام فإنه يكون لها بمقتضى المادة الأولى من لائحة الجبانات ارتفاق إداري على الأرض المجاورة لها يمتنع معه على ملاكها إقامة مساكن فيها على مسافة تقل عن مائتي متر من الجبانة، وهذا الارتفاق الإداري لا ينقضي إلا بانتهاء تخصيص الجبانة للمنفعة العامة المخصصة لها. لما كان ذلك وكان ما استند إليه الحكم المطعون فيه من أن خط السكة الحديدية يعتبر فاصلاً طبيعياً يمنع زحف المساكن على الجبانة وأنه لا محل للحكمة الخاصة باعتبارات الصحة العامة بعد أن انتشرت المساكن في المنطقة المحظور البناء فيها هو استدلال فاسد، إذ أن هذا الفاصل ليس من شأنه إهدار المسافة المحظور البناء فيها، كما أن انتشار المساكن المقامة بالمخالفة للمادة الأولى من لائحة الجبانات إنما هو إمعان في مخالفة حكم هذه المادة ولا يؤدي هذا الانتشار إلى زوال الاعتبارات المتعلقة بالصحة العامة التي من أجلها فرض المشرع هذا الحظر بل أنه على النقيض يؤدي إلى زيادة الأضرار بالصحة العامة، فإن الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى برفض الدعوى تأسيساً على انقضاء الارتفاق الإداري المقرر على الأرض المبيعة إلى المرحوم عثمان سليم - سلف المطعون ضدهم - فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم تكون دعوى مصلحة الأملاك على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك إلغاء الحكم المستأنف والقضاء لها بطلباتها. وما دام هذا هو حكم القانون فإنه لا مناص من إعماله مهما كان الضرر الذي يصيب المدعى عليهم من ذلك، أما علاج ما ينشأ عن تنفيذ الحكم من أضرار بالغة لأصحاب المساكن المقضي بإزالتها فإنه بيد الحكومة ومن شئونها وحدها.