أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 550

جلسة أول إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وإبراهيم الديواني.

(88)
الطعن رقم 147 لسنة 35 القضائية

( أ ) إفلاس. "بطلان تصرفات المفلس خلال فترة الريبة". بطلان.
بطلان تصرفات المدين المفلس وفقاً للمادة 228 من قانون التجارة. شرطه أن يصدر التصرف خلال فترة الريبة وأن يعلم المتصرف إليه باختلال أشغال المدين.
(ب) استئناف. "الحكم في الاستئناف". "تسبيبه".
إلغاء محكمة الاستئناف للحكم الابتدائي. عدم التزامها تفنيد ذلك الحكم متى أقامت قضاءها على أسباب تكفي لحمله.
1 - يشترط للحكم ببطلان تصرف المدين المفلس على مقتضى نص المادة 228 من قانون التجارة أن يقع التصرف على أمواله خلال فترة الريبة وأن يعلم المتصرف إليه باختلال أشغال المدين، فإذا كان الحكم قد حصل هذه الشروط من وقائع الدعوى الثابتة بأوراقها ومن أقوال الشهود التي أطمأن إليها ومن القرائن التي ساقها باعتبارها أدلة متساندة تؤدي في مجموعها إلى ما انتهى إليه من أن بيع المنقولات - الصادر من المفلس - وقع صورياً بالتواطؤ بين المفلس والمتصرف إليه لإبعادها عن جماعة الدائنين، وبالتالي إلى إبطال تصرف المفلس واعتبارها من موجودات التفليسة فإن الحكم لا يكون قد شابه قصور.
2 - لا تلتزم محكمة الاستئناف إذا ما ألغت الحكم الابتدائي ببحث أو تفنيد ذلك الحكم ما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب تكفي لحمله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المرحوم محمود محمد عسكرية مورث المطعون عليهم عدا الأخير تقدم بطلب لرئيس محكمة القاهرة الابتدائية لإصدار الأمر بوضع الأختام على محل تجارة "فريد حسن الحناوي" ولتحديد جلسة للحكم بشهر إفلاسه. رفض طلب وضع الأختام وقيدت دعوى الإفلاس برقم 250 لسنة 1961 تجاري إفلاس القاهرة، ولدى نظرها بجلسة 7/ 11/ 1961 مثل الطاعن وطلب قبول تدخله خصماً فيها والحكم بأحقيته لمنقولات معصرة الزيوت - السرجة - الكائنة بالعقار رقم 4 بشارع المنجدين بالغورية قولاً بأنها ليست مملوكة للمدين المطلوب الحكم بشهر إفلاسه إذ بيعت جبراً بناء على محضر حجز ورسا مزاد بيعها عليه بثمن قدره 172 جنيهاً استلمه المحضر الذي كان يباشر إجراءات البيع. وفي 22/ 5/ 1962 قضت محكمة أول درجة بشهر إفلاس فريد حسن الحناوي واعتبار يوم 10/ 1/ 1959 تاريخاً مؤقتاً لتوقفه عن الدفع وبتعيين المطعون عليه الثامن وكيلاً للدائنين وأرجأت الفصل في دعوى أحقية الطاعن لمنقولات السرجة لمناقشته في بعض نقاطها، وأبدى وكيل الدائنين دفاعه في هذه الدعوى بقوله إن المفلس أخذ يتصرف في أمواله منذ إقامة دعوى الإفلاس عليه وفي أثناء فترة الريبة بتصرفات صورية وبطريق التواطؤ مع آخرين منهم الطاعن، من ذلك أن زوجته استصدرت حكماً بإلزامه بنفقة لها وأوقعت حجزاً على أدوات "السرجة" وأنه وإن رسا مزادها على الطاعن إلا أنه لم ينقل هذه الأدوات بل أبقاها في مكانها وقام بتشغيل السرجة بواسطة أولاد المفلس نفسه مما يقطع بعلمه باختلال أشغال المفلس وبتواطئه معه إضراراً بالدائنين بما يترتب عليه إبطال التصرف عملاً بالمادة 228 من قانون التجارة ورفض دعوى الطاعن. وبتاريخ 9/ 10/ 1962 قضت المحكمة بإحالة دعوى الأحقية إلى التحقيق ليثبت وكيل الدائنين أن الحكم الصادر بالنفقة لزوجة المفلس في الدعوى رقم 245 لسنة 1960 أحوال شخصية الدرب الأحمر وما تلاه من تنفيذ جبري تم في 10/ 7/ 1961 ورسا بموجبه مزاد منقولات "السرجة" موضوع النزاع على الطاعن ومن تنازل المفلس للطاعن عن رخصة المحل هي جميعها أعمال صورية تمت بطريق التواطؤ بين أطرافها وأن الطاعن كان على علم باختلال أشغال المفلس. وبعد أن سمعت المحكمة شهادة الشهود قضت في 13/ 11/ 1963 بأحقية الطاعن للمحل موضوع النزاع - السرجة - بمجوداته المبينة بمحضر الجرد والبيع المؤرخ 10/ 7/ 1961 ولرخصة المحل المذكور وبعدم دخولهما ضمن أموال التفليسة. استأنف مورث المطعون عليهم والمطعون عليه الثامن هذا الحكم بالاستئناف رقم 24 لسنة 81 قضائية تجاري القاهرة والمحكمة قضت في 26/ 1/ 1965 بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالسببين الأول والثاني وبالوجه الثاني من السبب الثالث القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع بجدية المزاد الذي اشترى به منقولات "السرجة" وبعدم تواطئه مع المفلس وذلك تأسيساً على أنه اشتراها من مزاد جبري علني لم يتم بناء على دين نفقة زوجة المفلس وحده وإنما استيفاء لديون أخرى مستحقة لدائنين آخرين للمفلس استصدروا بها أحكاماً ضده وعلى أن المزاد قد تم بحضور ممثل مصلحة الضرائب وبعض الدائنين، وأنه استأجر العين الكائن بها السرجة من مالكها بعد أن رسا مزاد منقولاتها عليه وأنه قام بتشغيل السرجة شركة بينه وبين أفراد أسرته بمعرفة ابن المفلس لخبرته، غير أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفاع كما التفت عن الأسباب التي ساقها حكم محكمة أول درجة وقضى بإلغائه دون أن يرد عليها مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن بأحقيته في أدوات ومنقولات "السرجة" وباعتبارها من موجودات التفليسة على ما قرره من أن "الثابت من الاطلاع على الأوراق أن السيدة كريمة محمد أمين زوجة المفلس قد أقامت ضده دعوى بطلب نفقة شرعية بعريضة أعلنته بها في 25/ 4/ 1961 وذلك على الرغم من انتفاء العلة في إقامة الدعوى المذكورة حيث كانت تقيم معه بمنزل الزوجية وهو ما شهد به عبد المؤمن محمد عبد الوهاب الذي تطمئن المحكمة إلى أقواله وقد أيدها أن فريد حسن الحناوي ما لبث أن تقدم بإقرار فرض فيه على نفسه لزوجته المذكورة نفقة شهرية قدرها 40 جنيه وذلك في 10/ 5/ 1961 وكان أن أصدرت محكمة الأحوال الشخصية حكمها في 20/ 5/ 1961 بالتصديق على الصلح بين الزوجين على ذلك الأساس، كما تأيدت هذه الأقوال أيضاً بما ثبت من أن الزوجة قد أعلنت في منزل زوجها وهو المنزل رقم 172 بشارع الجيش بعريضة دعوى أقيمت ضدها وهو ما يقطع بصورية دعوى النفقة، متى تقرر ذلك وكان الثابت أن بيع محتويات السرجة الخاصة بالمفلس وهي موضوع النزاع، ذلك البيع الذي تم بطريق المزاد في 10/ 7/ 1961 كان بناء على محضر الحجز الذي توقع عليها في 2/ 7/ 1961 بناء على طلب زوجته السيدة كريمة محمد أمين وذلك بموجب ما استحق لها من نفقة طبقاً للحكم الآنف الذكر، فإن مفاد ذلك أن التصوير الذي لجأ إليه المفلس بالتواطؤ مع زوجته قد انتهى إلى الغاية منه ببيع السرجة المملوكة له بيعاً صورياً تهرباً من دائنيه الذين أخذوا يلاحقونه بالمطالبة بعد أن اضطربت أحواله المالية وبعد أن ركنا في ذلك إلى مؤازرة المستأنف عليه - الطاعن - معتمدين على صلته القديمة بالمفلس وهي الصلة التي أشار إليها الشاهد المتقدم الذكر ولم ينفها أحد لا من الخصوم ولا من الشهود الآخرين في الدعوى، وكان أن اشترى المستأنف عليه السرجة في المزاد ونقد المحضر ثمن البيع لا ليتملك السرجة فيشتريها كما ادعى بل ليبقي عليها في ملك المفلس على أن تكون في منأى من دائنيه حيث إنه من الغريب على مثله بحكم ماضيه في العمل القضائي أن يقتحم ميداناً لاستثمارات الأموال يتطلب فوق الدراية بظروفه التجارية نوعاً من الممارسة الصناعية ليس له بها سابق عهد وهو ما ذكره عبد اللطيف إبراهيم شاهد المستأنف عليه نفسه حين قرر أن ذلك الأخير جاءه يستفسر عن مسألة أولية في الميدان الذي أراد اقتحامه وهو ما إذا كان شراء سرجة من الأعمال التي تدر كسباً أم لا، أما ما زعمه المستأنف عليه - الطاعن - من أنه أقبل على شراء السرجة سبيلاً إلى إزجاء الفراغ الذي وجد نفسه فيه بعد إحالته إلى المعاش، فإنه زعم يبطله ما سبق تقريره من أن العمل في السرجة بما يتطلب من دراية بالسوق وبصناعة عصر الزيوت وطحن الحبوب لا يرد على ذهن من هو مثل المستأنف عليه فإنه ينطوي على مخاطرة غير مأمونة العاقبة في أمواله. ولا شك أنه مهما أراد توجيه فراغه فإن حرصه على ماله كان قميناً به أن يحوله عن هذا الطريق بما ينطوي عليه من مجهول يحول حتى بينه وبين تزجية الفراغ فيه، الأمر الذي يبين من إسناده أمور السرجة إلى أحمد الحناوي، وفضلاً عما تقدم فإن ما قرره خميس محمد يعقوب محضر محكمة الدرب الأحمر وقد استشهده المستأنف عليه لم يتجاوز ما هو متعلق بواقعة حصول بيع محتويات السرجة بالمزاد وهي واقعة غير مختلف عليها بين طرفي الخصومة، دون أن يسترسل الشاهد في بيان وجوه الخلف بين طرفي الدعوى في شأن قيمة هذه الموجودات وما إذا كان بيعها قد تم بأقل من الثمن الذي تساويه وما كانت المحكمة تركن إلى ما يقوله الشاهد في هذا الصدد وهو الحريص على أن يجعل البيع الذي نفذه في منأى عن الشبهات بالنسبة لذلك الثمن، ولم يرد في شهادة شاهدي المستأنف عليه - الطاعن - الباقيين وهما عبد اللطيف إبراهيم ومحمد عبد الهادي ما يدل على حقيقة ما تساويه محتويات السرجة موضوع النزاع وقت البيع بصرف النظر عن الثمن الذي حصله المحضر باعتباره عنصراً من عناصر تقدير الصورية فإنه لم يبق ما يكذب شاهدي المستأنف من أن هذه المحتويات كانت تساوي ما يزيد كثيراً على المبلغ الذي بيعت به، خصوصاً أنه كان من الطبيعي أن يقدر عند البيع قيمة الجدك بعد أن ظهر أن المستأنف عليه ولو أنه اشترى مفردات الأدوات منها مستقلة بعضها عن بعض طبقاً لمحضر الجرد فإنه قد أبقى الماكينات مركبة لتستمر السرجة في عملها رغم حصول البيع" ولما يشترط للحكم ببطلان تصرف المدين المفلس على مقتضى نص المادة 228 من قانون التجارة أن يقع التصرف منه على أمواله خلال فترة الريبة وأن يعلم المتصرف إليه باختلال أشغال المدين وكان الواضح مما أورده الحكم المطعون فيه على النحو سالف بيانه أنه حصل هذه الشروط من وقائع الدعوى الثابتة بأوراقها ومن أقوال الشهود التي اطمأن إليها ومن القرائن التي ساقها باعتبارها أدلة متساندة تؤدي في مجموعها إلى ما انتهى إليه من أن بيع أدوات السرجة ومنقولاتها وقع صورياً بالتواطؤ بين المفلس والمتصرف إليه - الطاعن - لإبعادها عن جماعة الدائنين وبالتالي إلى إبطال تصرف المفلس فيها واعتبارها من موجودات التفليسة، وكانت محكمة الاستئناف لا تلتزم إذا ألغت الحكم الابتدائي ببحث أو تفنيد ذلك الحكم ما دامت قد أقامت قضاءها - وفق ما سلف البيان - على أسباب تكفي لحمله، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم نسب إليه التناقض في دفاعه إذ أقر في مذكرته الختامية المودعة في الاستئناف أنه عرف كيف يستثمر أمواله في العقارات خلافاً لما زعمه في دفاعه أمام محكمة أول درجة من أنه وجد في السرجة ضالته في الاستثمار، مع أن الثابت في مذكرتيه في درجتي التقاضي أنه أبدى دفاعاً متماثلاً في هذا الخصوص وهو ما يعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن استغلال الطاعن للسرجة كان صورياً ولحساب المفلس خدمة له مستنداً في ذلك إلى عدة قرائن منها أن الطاعن رغم شرائه أدوات السرجة مستقلة عنها قد أبقاها بها لاستغلالها وعهد بذلك إلى ابن المفلس، فلا عليه إن هو اتخذ مما قرره الطاعن في مذكراته من أنه جرى على استغلال أمواله في العقارات قرينة على عدم خبرته في صناعة عصر الزيوت تؤيد القرائن الأخرى التي ساقها. وإذ تؤدي هذه القرائن في مجموعها إلى النتيجة التي استخلصتها المحكمة فلا سبيل للطاعن لإثارة الجدل بشأن إحداها ذلك أن ما استخلصه الحكم من عمل الطاعن السابق على شرائه السرجة ومن موقفه منها بعد الشراء هو مما يتعلق بفهم الواقع في الدعوى فلا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض، ومن ثم فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.