أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 571

جلسة 8 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وإبراهيم الديواني، وعبد العليم الدهشان.

(92)
الطعن رقم 148 لسنة 35 القضائية

( أ ) عقد. "فسخ العقد".
الحكم بالفسخ في العقد الملزم للجانبين. لا يكفي أن يكون عدم التنفيذ راجعاً إلى غير السبب الأجنبي. يشترط أن يكون طالب التنفيذ مستعداً للقيام بالتزامه الذي نشأ عن العقد. ليس له طلب الفسخ لعدم التنفيذ إذا كان قد أخل هو بالتزامه.
(ب) بيع. "التزامات البائع". "نقل الملكية". دعوى. "دعوى صحة التعاقد".
المقصود بدعوى صحة ونفاذ عقد البيع تنفيذ الالتزام بنقل الملكية تنفيذاً عينياً.عدم إجابة طلب المدعي إلا إذا كان انتقال الملكية وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكناً. عدم قبول طلب صحة ونفاذ العقد إذا تبين أن الملكية لم تنتقل إلى البائع حتى تاريخ الفصل في الدعوى لعدم تسجيله عقد شرائه وأن المشتري لم يختصم في دعواه البائع للبائع له. [(1)]
1 - لا يكفي للحكم بالفسخ أن يكون الفسخ وارداً على عقد ملزم للجانبين وأن يكون عدم التنفيذ راجعاً إلى غير السبب الأجنبي وإنما يشترط أيضاً أن يكون طالب التنفيذ مستعداً للقيام بالتزامه الذي نشأ عن العقد والمتفق على المبادرة إلى تنفيذه من يوم تحريره، فإذا كان قد أخل هو بالتزامه هذا فلا يحق له أن يطلب فسخ العقد لعدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ ما في ذمته من التزام.
2 - لما كان المقصود بدعوى صحة ونفاذ البيع هو تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل الملكية إلى المشتري تنفيذاً عينياً والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية فإن المشتري لا يجاب إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية وتسجيل الحكم يصدر له في الدعوى ممكناً، فإذا ظهر للمحكمة من أوراق الدعوى أن الملكية لم تنتقل إلى البائع حتى تاريخ الفصل في الدعوى لأن عقد شرائه لم يسجل وأن المشتري لم يختصم في دعواه البائع للبائع له ليطلب الحكم بصحة العقد الصادر منه توطئة للحكم بصحة عقده هو حتى إذا ما سجل الحكم الصادر بصحة العقدين انتقلت الملكية إليه، فإن طلب المشتري الأخير صحة ونفاذ عقده يكون غير مقبول.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 36/ 63 مدني كلي دمياط ضد الطاعن وطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 26 فبراير سنة 1963 والمتضمن بيع الطاعن له تسعة أفدنة بناحية كفر البطيخ مركز كفر سعد مبينة الحدود والمعالم بالعقد وبصحيفة الدعوى. وقال في بيان دعواه إنه بموجب العقد السالف الذكر باعه الطاعن المساحة المشار إليها مقابل مبلغ 2286 ج دفع منه عند التعاقد 850 جنيهاً وهذا القدر المبيع ضمن مساحة أكبر كان البائع قد اشتراها من آخرين بعقد ابتدائي غير مسجل تاريخه 4 يونيه سنة 1961 واتفق على أن يسدد المشتري الباقي من الثمن على عدة أقساط يستحق أولها وقدره 286 جنيهاً في 25 فبراير سنة 1963 ويستحق الباقي وقدره 150 جنيهاً في 15 مارس سنة 1963. وإذ رفض الطاعن قبض القسط الأول الذي عرضه عليه المطعون ضده في البرقية المؤرخة 25 فبراير سنة 1963 وبالإنذار الذي وجهه إليه في 20 مارس سنة 1963 ولم يقم بما تعهد به من تقديم طلب إلى الشهر العقاري ومن تسليمه مستندات التمليك ومن تحويل عقود إيجار الأرض المبيعة إليه فقد أقام دعواه بطلباته المتقدمة. دفع الطاعن الدعوى بأن المطعون ضده لم يودع خزانة المحكمة سوى القسط الأول المستحق في 25 فبراير سنة 1963 وجاء إيداعه في 23 أكتوبر سنة 1963 بعد أن اعتبر العقد مفسوخاً طبقاً للشرط الفاسخ الصريح الوارد به فضلاً عن أن هذا الإيداع جاء مشروطاً. وأقام الطاعن بدوره الدعوى رقم 50/ 63 مدني كلي دمياط ضد المطعون عليه طالباً الحكم بفسخ عقد البيع المشار إليه مستنداً إلى دفاعه المتقدم وإلى أنه وجه للمطعون ضده إنذاراً بالفسخ في 5 مارس سنة 1963. وضمت محكمة أول درجة الدعويين وقضت بتاريخ 25 ديسمبر سنة 1963 في الدعوى رقم 50/ 63 بفسخ العقد موضوع النزاع وفي الدعوى رقم 36/ 63 برفضها. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 39 سنة 16 ق، وبتاريخ 5 يناير سنة 1965 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى رقم 50/ 63 وفي الدعوى رقم 36/ 63 بصحة ونفاذ العقد. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطاعن ينعى بالأسباب الأربعة الأولى على الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه في الدعوى رقم 50/ 63 مدني كلي دمياط الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه في الدعوى المشار إليها برفض فسخ عقد البيع المؤرخ 26 فبراير سنة 1963 على ما قرره من أن الطاعن امتنع عن تسلم القسط الأول من ثمن المبيع الذي عرضه عليه المطعون ضده في البرقية المؤرخة 25 فبراير سنة 1963 وبالإنذار الذي وجهه إليه في 20 مارس سنة 1963 في مقابل تنفيذ التزامه المنصوص عليه في العقد بتحويل عقود إيجار الأرض موضوع البيع له وبتقديم طلب لشهر العقد وأن للمطعون ضده بذلك الحق في حبس ثمن البيع والتمسك بطلب فسخ العقد، هذا في حين أن الثابت من عقد البيع أن الطاعن لم يلتزم بتحويل عقود إيجار الأرض المبيعة للمطعون ضده وبأن يقدم طلباً لشهر ذلك العقد في موعد معين أنه بذلك لم تقم رابطة بين هذين الالتزامين وبين التزام المطعون ضده بسداد الباقي من ثمن البيع والذي يقضي العقد بالوفاء به بدون قيد ولا شرط، وهو ما لا يقوم معه للمطعون ضده حق في الدفع بعدم تنفيذ التزامه لأن مجال هذا الدفع هو فيما تقابل من التزامات طرفي العقد، وأنه يلزم لاعتبار الطاعن متخلفاً عن تنفيذ التزاميه السالفي الذكر أن ينذره المطعون ضده بوجوب هذا التنفيذ قبل أن يتأخر هو في تنفيذ التزامه بسداد القسط الأول من الثمن وقبل أن يقوم للطاعن الحق في طلب فسخ العقد بالإنذار الذي وجهه إليه في 5 مارس سنة 1963 ولا عبرة بالبرقية التي أرسلها إليه المطعون ضده في 25 فبراير سنة 1963 وبالإنذار الذي وجهه إليه في 20 مارس سنة 1963 يعرض عليه فيهما القسط الأول من الثمن لأن البرقية ليست وسيلة قانونية للتنبيه والعرض فضلاً عن أنها جاءت متأخرة عن الموعد المحدد لسداد ذلك القسط، ولأن الإنذار لم يتضمن عرضاً كاملاً للثمن بل اقتصر على القسط المشار إليه فقط مع أن القسط الثاني كان قد حل أجل الوفاء به فضلاً عن أنه لا حق للمطعون ضده في حبس الثمن بعد أن تنازل عن هذا الحق بعرض بعض هذا الثمن أثناء سير الدعوى. وإذ قضى الحكم المطعون فيه رغم ذلك بفسخ العقد المشار إليه فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استظهر من عبارات العقد أن الطاعن قد التزم بأن يحول للمطعون ضده عقود الإيجار المحررة على المستأجرين للأرض المبيعة من وقت تحريره في 21 فبراير سنة 1963 وبأن تقدم من هذا التاريخ طلباً للشهر العقاري بتسجيل العقد وذلك قبل قيام المطعون ضده بتنفيذ التزامه المنصوص عليه فيه بدفع الثمن، وإذ خلص الحكم من ذلك وعلى أساس التزام المعنى الواضح من العبارات الظاهرة بالعقد إلى أن التزام المشتري - المطعون ضده - بأداء الثمن كان متراخياً، إلى ما بعد قيام البائع - الطاعن - بالتزامية المشار إليهما باعتبار أن هذا المعنى الواضح هو الذي يعبر عن قصد المتعاقدين، وكان لا يكفي للحكم بالفسخ أن يكون الفسخ وارداً على عقد ملزم للجانبين وأن يكون عدم التنفيذ راجعاً إلى غير السبب الأجنبي وإنما يشترط أيضاً أن يكون طالب التنفيذ مستعداً للقيام بالتزامه الذي نشأ عن العقد والمتفق على المبادرة إلى تنفيذه من يوم تحريره. فإذا كان قد أخل هو بالتزامه هذا فلا يحق له أن يطلب فسخ العقد لعدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ ما في ذمته من التزام. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى مما استظهره إلى أن الطاعن لم يبدأ بتنفيذ التزاميه على النحو السالف بيانه ورتب على ذلك قضاءه برفض طلب الفسخ، وكان غير صحيح ما يثيره الطاعن من أن المطعون عليه لم يتمسك بالتزامي الطاعن بتحويل عقود الإيجار إليه وتقديم طلب لشهر العقد قولاً منه بأنه لم ينذره بذلك وأنه تنازل عن حقه في حبس الثمن بعريضة جزءاً منه أثناء سير الدعوى ذلك لأن الثابت مما حصله الحكم أن المطعون عليه تمسك في جميع المراحل بتنفيذ الطاعن لالتزاميه المشار إليهما سواء في برقيته المؤرخة 25 فبراير سنة 1963 أو في الإنذار الذي وجهه إليه في 23 مارس سنة 1963 أو في إيداعه لجزء من الثمن خزانة المحكمة بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1963 مشترطاً عدم صرفه إلا بعد تحويل عقود الإيجار إليه. لما كان ما تقدم فإن النعي على الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض دعوى الفسخ بما يثيره الطاعن بأسباب الطعن السالف بيانها يكون على غير أساس مما يتعين معه رفض الطعن في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه في خصوص قضائه في الدعوى رقم 36/ 63 مدني كلي دمياط بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 21 فبراير سنة 1963 الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الثابت مما حصله الحكم المطعون فيه أن العقد المؤرخ 21 فبراير سنة 1963 والذي باع الطاعن بموجبه للمطعون ضده أرضاً زراعية مساحتها تسعة أفدنة والذي طلب هذا الأخير الحكم بصحته ونفاذه هو عقد محرر عن أرض غير مملوكة للطاعن لأنه اشتراها من آخرين ضمن مساحة أكبر بمقتضى عقد عرفي تاريخه 4 يونيه سنة 1961 مما كان يتعين معه اختصام البائعين للطاعن ليصدر الحكم بصحة العقدين إذ لا يستطيع الطاعن أن ينقل ملكية هذه الأرض للمطعون ضده إلا بعد أن تنتقل ملكيتها إليه، غير أن الحكم المطعون فيه قضى - رغم عدم تسجيل عقد البائعين للطاعن - بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 21 فبراير سنة 1963 والمشار إليه وهو مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه لما كان المقصود بدعوى صحة ونفاذ البيع هو تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل الملكية إلى المشتري تنفيذاً عينياً والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية، فإن المشتري لا يجاب إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية وتسجيل الحكم الذي يصدر في الدعوى ممكناً، فإذا ظهر للمحكمة من أوراق الدعوى أن الملكية لم تنتقل إلى البائع حتى تاريخ الفصل في الدعوى لأن عقد شرائه لم يسجل وأن المشتري لم يختصم في دعواه البائع للبائع له ليطلب الحكم بصحة العقد الصادر منه توطئة للحكم بصحة عقده هو حتى إذا ما سجل الحكم الصادر بصحة العقدين انتقلت الملكية إليه، فإن طلب المشتري الأخير صحة ونفاذ عقده يكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - غير مقبول. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد بشأن عقد البيع الذي يطالب المطعون ضده الحكم بصحته ونفاذه ما يلي "أنه بمراجعة عقد البيع الابتدائي المبرم بين الطرفين بتاريخ 21 من فبراير سنة 1963 يبين أن المستأنف عليه - الطاعن - باع للمستأنف - المطعون ضده - تسعة أفدنة ضمن ما اشتراه هو من آخرين بعقد ابتدائي تاريخه 4 من يونيه سنة 1961 لم يسجل وذلك لقاء ثمن قدره 2286 جنيه دفع منه وقت التعاقد 850 جنيه وتم الاتفاق على تقسيط الباقي على عدة أقساط"، وكان مفاد ذلك من الحكم أنه قد سلم في أسبابه بأن ملكية الأطيان المتنازع عليها لم تنتقل إلى الطاعن بسبب عدم تسجيل عقد شرائه لها المؤرخ 4 يونيه سنة 1961 حتى تاريخ الفصل في الاستئناف، وإذ طلب المطعون ضده الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 21 فبراير سنة 1963 دون عقد الشراء المؤرخ 4 يونيه سنة 1961 ولم يختصم المطعون عليه البائعين للبائع له ليطلب الحكم بصحة البيع الصادر منهم للطاعن، فإن دعواه بطلب صحة ونفاذ التعاقد الحاصل بينه وبين الطاعن قبل أن يسجل هذا الأخير عقد شرائه للعين المتصرف فيها تكون غير مقبولة. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبولها وبصحة ونفاذ هذا التعاقد فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه في خصوص هذا الشق من قضائه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه في هذا الخصوص ولما تقدم يتعين الحكم في موضوع الاستئناف رقم 39/ 16 ق المنصورة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى رقم 36/ 63 مدني كلي دمياط بصحة ونفاذ العقد موضوع النزاع وبعدم قبول الدعوى المذكورة.


[(1)] نقض 39/ 5/ 1966 س 17 ص 1196.