أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 25 - صـ 808

جلسة 7 من مايو سنة 1974

برياسة السيد المستشار عباس حلمي عبد الجواد وعضوية السادة المستشارين: عدلي بغدادي ومحمد طايل راشد وعثمان حسين عبد الله ومحمد توفيق المدني.

(133)
الطعن رقم 169 لسنة 37 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقود". عقد.
التزام محكمة الموضوع في تفسير العقود بالأخذ بما تفيده عباراتها بأكملها وفي مجموعها. تفسيرها لعبارة دون اعتبار لما يكملها من عبارات. نسخ لنصوص العقود ومخالفة لقواعد التفسير.
(2) عقد. "عقد إداري".
العقود الإدارية تحكمها أصول القانون الإداري دون أحكام القانون الخاص. مصادرة التأمين من قبيل الجزاءات المالية التي توقعها الإدارة دون حاجة إلى حكم قضائي. القضاء باعتبار قواعد الأجرة المتأخرة لجهة الإدارة تعويضاً كافياً يغني عن مصادرة التأمين. مخالف للقانون.
1 - إذ كان لا يجوز للمحكمة وهي تعالج تفسير المحررات أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عبارات المحرر، بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها، فإن الحكم المطعون فيه إذ وقف عند البندين 17، 18 وفسر عباراتهما دون اعتبار لما يكملهما من عبارات البنود الأخرى ومنها البند 3 فإنه يكون قد نسخ نصوص العقد وخالف بذلك قواعد التفسير.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن قضاءه بفوائد الأجرة المتأخرة على المطعون ضده، هو تعويض كاف للطاعنة يغني عن مصادرة التأمين، في حين أن العقد أساس الدعوى قد توافرت فيه الخصائص الذاتية للعقد الإداري بإبرامه بين جهة إدارية عامة الطاعنة (مصلحة مصايد الأسماك) وبين المطعون ضده، خصصت له بمقتضاه أجزاء من الملك العام هو بعض مناطق التبرع والمصارف العامة للانتفاع بها انتفاعاً خاصاً لقاء جعل معين بشروط غير مألوفة في القانون الخاص منها حق جهة الإدارة في إلغاء العقد ومصادرة التأمين بمجرد الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه، وكان من المقرر أن العقود الإدارية تحكمها أصول القانون الإداري دون أحكام القانون الخاص، وكانت هذه الأصول تقضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن الاتفاق على حق جهة الإدارة في مصادرة التأمين لإخلال المتعاقد معها بالالتزامات التي يرتبها عليه العقد يعتبر من قبيل الجزاءات المالية التي تملك الجهة توقيعها عليه وكانت هذه الجزاءات لا تستهدف تقويم اعوجاج في تنفيذ الالتزامات التعاقدية بقدر ما تتوخى تحقيق الصالح العام، وكان السبيل لذلك هو منح جهة الإدارة الحق في توقيع الجزاءات الاتفاقية بقيام موجبها دون حاجة للالتجاء إلى القضاء لاستصدار حكم بها، لما كان ما سلف فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وقضى برد مبلغ التأمين إلى المطعون ضده على الرغم من أحقية الطاعنة في مصادرته يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 622 سنة 1951 بندر أسيوط على مصلحة مصايد الأسماك - الطاعنة - طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 120 جنيهاً وقال في بيان دعواه إن الطاعنة رخصت له في صيد الأسماك بإحدى المناطق الواقعة بمركز أبنوب لمدة ثلاث سنوات تبدأ في من تاريخ إطلاق المياه في المنطقة في 18/ 9/ 1949 وتنتهي في 31/ 5/ 1952 لقاء أجرة سنوية قدرها 180 جنيهاً تسدد على ثلاثة أقساط متساوية تستحق في يونيه وسبتمبر وأكتوبر من كل سنة وأنه أودع عند الترخيص له تأميناً قدره 60 جنيهاً كما أوفى بالقسط الأول من الأجرة المستحقة عن السنة الأولى، وإذ لم تتحقق الغاية من الترخيص بسبب عدم توالد الأسماك لتأخير إطلاق المياه عن موعدها، فقد أقام دعواه بطلباته السابقة. أجابت الطاعنة على الدعوى بأن المطعون ضده لم يسدد سوى القسط الأول من أجرة السنة الأولى وقعد عن الوفاء بباقي الأقساط مما دعاها إلى طرح حق الصيد في المنطقة عن السنتين الباقيتين في المزاد طبقاً لشروط الترخيص فرسا المزاد على شخص آخر مقابل 81 جنيهاً في السنة. ووجهت إلى المطعون ضده دعوى فرعية طلبت فيها إلزامه بأن يدفع لها مبلغ 318 جنيهاً وفوائده وهو قيمة الباقي من أجرة السنة الأولى والفرق بين أجرة السنتين الأخيرتين وبين القيمة التي رسا بها المزاد مع الحكم بأحقيتها في مصادرة التأمين طبقاً لشروط الترخيص. وبتاريخ 16/ 5/ 1951 أحالت المحكمة الجزئية الدعوى إلى محكمة أسيوط الابتدائية حيث قيدت برقم 369 سنة 1951 وفي 28/ 11/ 1964 قضت تلك المحكمة في الدعوى الأصلية برفضها، وفي الدعوى الفرعية بإلزام المطعون ضده بأن يدفع للطاعنة مبلغ 318 جنيهاً والفوائد بواقع 4% بالنسبة إلى مبلغ 258 جنيهاً من 18/ 4/ 1951 حتى السداد، وبالنسبة إلى مبلغ 60 جنيهاً اعتباراًً من 6/ 3/ 1956 حتى السداد استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 6 سنة 40 ق أسيوط. وفي 22/ 1/ 1967 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وفي الدعوى الأصلية بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ التأمين وقدره 60 جنيهاً وبرفض الاستئناف المرفوع عن الدعوى الفرعية طعنت الطاعنة في هذا الحكم فيما قضى به في الدعوى الأصلية بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن بني على سببين تنعى الطاعنة بهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ونسخ نصوص العقد سند الدعوى وتقول في بيان ذلك أنها تمسكت أمام محكمة الموضوع في حقها في مصادرة التأمين المدفوع من المطعون ضده لإخلاله بالتزامه بدفع الأجرة المتعاقد عليها في مواعيدها وذلك استناداً إلى الحق المخول لها في البنود 3، 17، 18 من العقد سالف الذكر غير أن الحكم المطعون فيه وقف في تفسيره للعقد عند حد بعض بنوده والتفت عما سواها واستخلص منها أن التأمين لا تجوز مصادرته في حالة عدم الوفاء بالأجرة على أساس أنه ليس ضماناً لدفعها وإنما هو ضمان لتنفيذ شروط العقد الأخرى في حين أن نصوص العقد تقضي بمصادرة التأمين في تلك الحالة، وبهذا يكون الحكم قد نسخ نصوص العقد وخالف قواعد التفسير، كما اعتبر الحكم أن القضاء للطاعنة بفوائده الأجرة المتأخرة بمثابة تعويض كاف لها يغني عن مصادرة التأمين مع أن لها الحق في مصادرته عند عدم وفاء المطعون ضده بأداء الأجرة إعمالاً لنصوص العقد الإداري المبرم بينهما، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون علاوة على مخالفته لقواعد التفسير قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي بسببيه في محله ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برد قيمة التأمين إلى المطعون ضده على أساس عدم أحقية الطاعنة في مصادرته قولاً من الحكم بأنه "بالنسبة لمبلغ التأمين فقد اشترط في العقد في بنده الثامن عشر أنه إذا وقعت من المستأجر المطعون ضده أو أحد رجاله أية مخالفات للاشتراطات المبينة بالعقد فيكون للحكومة الطاعنة الحق إما في إلغاء هذه الشروط بدون تنبيه ولا اتخاذ إجراءات إدارية أو قضائية ومصادرة التأمين المدفوع أو بتوقيع غرامة على المستأجر تقدر الحكومة قيمتها بالنسبة للمخالفة بدون أي معارضة من المستأجر بحيث لا تزيد هذه الغرامة عن 20 جنيهاً عن كل مخالفة، ولا يتجاوز بأي حال من الأحوال قيمة التأمين المدفوع؛ كما نص في البند السابع عشر على أن التأمين دفع تأميناً على القيام بالشروط ولا يرد إليه إلا بعد قيامه بجميع أحكام هذه الشروط، ولما كان يبين من مطالعة شروط العقد أنه اتفق على كيفية صيد الأسماك والاشتراطات التي تتطلبها المستأنف ضدها - الطاعنة - في حالة الصيد وأن المستأجر مسئول عن كافة التلفيات مما ترى معه المحكمة أن القصد من مصادرة التأمين هو الإخلال بالاشتراطات المتفق عليها وليس التأمين ضماناً لدفع الإيجار يصادر في حالة عدم الوفاء به. "ولما كان الثابت من العقد آنف الذكر أن عبارة البند الثالث منه يجري نصها كالآتي: "إذا تأخر المستأجر عن دفع أي قسط بعد أربعة أيام من تاريخ استحقاقه دفعه فيكون للحكومة الحق المطلق في معاملته بحسب أحكام البند 18 من هذه الشروط". وكانت هذه العبارة تفيد أنه في حالة تخلف المطعون ضده عن دفع الأقساط المستحقة في الآجال المحددة لذلك فإنه يحق للمصلحة الطاعنة معاملته على مقتضى أحكام البند الثامن عشر من العقد، والتي من بينها حقها في مصادرة التأمين المدفوع لما كان ذلك وكان لا يجوز للمحكمة وهي تعالج تفسير المحررات أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عبارات المحرر، بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفي مجموعها فإن الحكم المطعون فيه إذ وقف عند البندين السابع عشر والثامن عشر وفسر عباراتهما دون اعتبار لما يكملها من عبارات البنود الأخرى ومنها البند الثالث فإنه يكون قد نسخ نصوص العقد وخالف بذلك قواعد التفسير. لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن قضاءه بفوائد الأجرة المتأخرة على المطعون ضده، هو تعويض كاف للطاعنة يغني عن مصادرة التأمين في حين أن العقد أساس الدعوى قد توافرت فيه الخصائص الذاتية للعقد الإداري بإبرامه بين جهة إدارية عامة - الطاعنة - وبين المطعون ضده، خصصت له بمقتضاه أجزاء من الملك العام هو بعض مناطق التبرع والمصارف العامة للانتفاع بها انتفاعاً خاصاً لقاء جعل معين بشروط غير مألوفة في القانون الخاص منها حق جهة الإدارة في إلغاء العقد ومصادرة التأمين بمجرد الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه وكان من المقرر أن العقود الإدارية تحكمها أصول القانون الإداري دون أحكام القانون الخاص وكانت هذه الأصول تقضي وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن الاتفاق على حق جهة الإدارة في مصادرة التأمين لإخلال المتعاقد معها بالالتزامات التي يرتبها عليه العقد يعتبر من قبيل الجزاءات المالية التي تملك الجهة توقيعها عليه وكانت هذه الجزاءات لا تستهدف تقويم اعوجاج في تنفيذ الالتزامات التعاقدية بقدر ما تتوخى تحقيق الصالح العام وكان السبيل لذلك هو منح جهة الإدارة الحق في توقيع الجزاءات الاتفاقية بقيام موجبها دون حاجة للالتجاء إلى القضاء لاستصدار حكم بها لما كان ما سلف فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وقضى برد مبلغ التأمين إلى المطعون ضده على الرغم من أحقية الطاعنة في مصادرته، يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ولما سلف بيانه يتعين تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب المطعون ضده رد مبلغ التأمين إليه وبأحقية الطاعنة في مصادرة هذا المبلغ.