أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 627

جلسة 17 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

(102)
الطعن رقم 207 لسنة 35 القضائية

( أ ) التزام. "سبب الالتزام". بطلان.
عدم ذكر سبب الالتزام في العقد لا يؤدي إلى بطلانه. افتراض وجود سبب مشروع للالتزام ما لم يقم الدليل على غير ذلك. المادتان 136 و137 مدني.
(ب) هبة. "هبة مستترة". عقد.
جواز حصول الهبة تحت ستار عقد آخر. شرطه. استيفاء العقد الساتر للهبة الشروط المقررة له في القانون. المادة 488 مدني.
1 - المادة 136 من القانون المدني وإن كانت توجب أن يكون للالتزام سبب مشروع إلا أنها لم تشترط ذكر هذا السبب في العقد، بل إن المادة 137 تنص على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ما لم يقم الدليل على غير ذلك وهو ما يقطع بأن عدم ذكر سبب الالتزام في العقد لا يؤدي إلى بطلانه.
2 - تجيز المادة 488 من القانون المدني حصول الهبة تحت ستار عقد آخر، وكل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفياً الشروط المقررة له في القانون، وإذ كان الحكم قد انتهى في أسبابه إلى أن تصرفات مورث الطاعن - التي اعتبرها هبات مستترة - قد صدرت منجزة ومستوفية الشكل القانوني بتلاقي الإيجاب والقبول على مبيع معين لقاء ثمن مقدر، وكان ذكر الباعث الدافع للهبة في العقد الساتر لها يتنافى مع سترها، وكان الطاعن لم يقدم - على ما سجله ذلك الحكم - الدليل على ما ادعاه من عدم مشروعية السبب في هذه التصرفات، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4497 سنة 1958 أمام محكمة القاهرة الابتدائية طلب فيها الحكم ببطلان جميع التصرفات الصادرة من المرحوم عبد الحميد جاد عطية إلى شقيقيه المرحومين محمود جاد عطية وعائشة جاد عطية - مورثي المطعون ضدهم - والتي شملت مباني العقار رقم 24 بشارع معروف ونصف العقار رقم 3 بعطفة الحلواني والعقار رقم 11 بحارة الباسطي وكذلك محل البقالة الواقع أسفل المنزل الأول ومستودع الغاز الذي يقع أسفل المنزل الثاني وهي كل ما كان يملكه البائع كما طلب الطاعن تثبيت ملكيته لهذه المباني والمحلين التجاريين بوصفه ابن المتصرف والوارث الوحيد له وأسس طلب البطلان بادئ الأمر على أن هذه التصرفات صورية وقصد بها حرمانه من الإرث ثم عاد وأسسه على أن هذه التصرفات هبات مستترة في شكل عقود بيع وأنها باطلة لما شابها من تدليس المشترين على البائع ولما وقع من إكراه منهما عليه - وبتاريخ 9 من مايو سنة 1964 قضت المحكمة الابتدائية برفض الدعوى فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافه برقم 9236 سنة 81 قضائية وبتاريخ 24 يناير سنة 1964 قضت محكمة الاستئناف برفض هذا الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف وفي 23 من مارس سنة 1965 طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن في السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وفي بيان ذلك يقول إنه لما كانت العقود محل النزاع هي عقود هبات مستترة إذ لم يدفع فيها ثمن باعتراف طرفي التعاقد بجلسة 28 مايو سنة 1944 أمام المجلس الحسبي العالي - عند نظر استئناف حكم الحجز - وليست عقود البيع فإنه كان يتحتم ذكر السبب الحقيقي فيها وهو الباعث الدافع للهبة ولا يكفي ظهور نية التبرع إذ التبرع صفة فقط وإذ خلت هذه العقود - وهي جميعاً عقود هبات مستترة - من ذكر هذا السبب فإنها تكون باطلة بالتطبيق للمادة 136 من القانون المدني ويكون الحكم إذ اعتبرها صحيحة بمقولة إنها استوفت أركانها القانونية مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ويقوم على فهم خاطئ للمادة 136 من القانون المدني ذلك أن هذه المادة وإن كانت توجب أن يكون للالتزام سبب مشروع إلا أنها لم تشترط ذكر هذا السبب في العقد بل إن المادة 137 تنص على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ما لم يقم الدليل على غير ذلك وهو ما يقطع بأن عدم ذكر سبب الالتزام في العقد لا يؤدي إلى بطلانه - لما كان ذلك وكانت المادة 488 من القانون المدني تجيز حصول الهبة تحت ستار عقد آخر وكل ما يشترطه القانون لصحة الهبة المستترة أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفياً الشروط المقررة له في القانون وكان ذكر الباعث الدافع للهبة في العقد الساتر لها يتنافى مع سترها وكان الحكم الصادر في 9 مايو سنة 1964 من محكمة الدرجة الأولى والمؤيد بالحكم المطعون فيه قد انتهى في أسبابه إلى أن تصرفات مورث الطاعن قد صدرت منجزة ومستوفية الشكل القانوني بتلاقي الإيجاب والقبول على مبيع معين لقاء ثمن مقدر. وكان الطاعن لم يقدم - على ما سجله ذلك الحكم - الدليل على ما ادعاه من عدم مشروعية السبب في هذه التصرفات فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله يكون على غير أساس.
وحيث عن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه البطلان وفي بيان ذلك يقول إن الهبة المستترة وإن لم تخضع لأحكام الهبة الشكلية إلا أنها تخضع لأحكامها الموضوعية ومنها وجوب خلوها من التدليس ومن الإكراه الذي يتمثل في عقود الهبة في الحنو والعطف على الموهوب له وأنه لما كان الواهب - الطاعن - ذكر في دعوى الحجر 149 سنة 43 عابدين أن تصرفاته لشقيقيه كانت بسبب حنوه وعطفه عليهما لإقامتهما معه وكان هذان قد استغلا هذا العطف والحنان لابتزاز مال الواهب فحملاه على أن يصدر لهما التصرفات موضوع الدعوى، فإن ما قرره الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه من أن الإكراه غير متوفر يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه قد نفى عدم مشروعية السبب والإكراه اللذين ادعاهما الطاعن بأن هذا الطاعن لم يقدم أي دليل على وقوع إكراه على المورث وأن المورث نفسه حين رفع دعواه المستعجلة سنة 1957 بعد مضي أربع عشرة سنة على التصرف أقر فيها بقيام التصرف صحيحاً ومنجزاً لمورثي المدعى عليهم (المطعون ضدهم) في شأن الرقبة وأنه لو كان سبب التصرف غير مشروع أو كان ثمة إكراه قد وقع عليه لذكر ذلك في هذا الحين - ولما كان هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه سائغاً في نفي الإكراه الذي ادعى الطاعن وقوعه من المتصرف إليهما على مورثه المتصرف وكان صدور الهبة من مورث الطاعن إلى أخويه بدافع من حنوه وعطفه عليهما لا يتحقق به التدليس أو الإكراه الذي يفسد إرادته فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث خطأه في فهم واقع الدعوى من وجهين (الأول) أنه كان قد قرر في دفاعه أن الواهب والموهوب له قد عدلا عن الهبات بالتراضي وهو ما تجيزه المادة 500 من القانون المدني وقدم أدلته على ذلك ولم تأخذ محكمة الدرجة الأولى بوجهة نظره ولكن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع رغم تمسكه به أمام محكمة الاستئناف (الوجه الثاني) أن محكمة أول درجة جعلت عقوق الطاعن سبباً دافعاً للهبة ودللت على هذا العقوق بطلبه الحجر على والده مع أن تصرفات المورث المطلوب إبطالها وقعت قبل طلب الحجر وكانت هي السبب في تقديم هذا الطلب وأنه رغم توضيح ذلك لمحكمة الاستئناف فقد أصدرت حكمها بتأييد الحكم الابتدائي مقررة أنه رد على دفاع الطاعن وأن هذا الأخير لم يأت بجديد وهو ما يعيب حكمها بالقصور.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود بأنه لما كان الطاعن قد أورد في مذكرته الختامية التي قدمها إلى محكمة الاستئناف وبالصحيفة الخامسة منها "وأنه يكرر بأنه لا يطالب بالرجوع في الهبة ولا يطالب بإبطالها لسبب لاحق على صدورها بل يقول بأن الهبات الصادرة من مورثه باطلة بطلاناً مطلقاً" فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذ أغفل دفاع الطاعن القائم على رجوع المورث في هبته ولم يرد عليه بعد أن تنازل الطاعن صراحة عن التمسك به أمام محكمة الاستئناف والنعي في وجهه الثاني مردود بأن الحكم الابتدائي - المؤيد بالحكم المطعون فيه - ذكر في أسبابه "أن الثابت من ظروف الدعوى أن المدعي كان عاقاً لأبيه وأنه عمل جاهداً لتوقيع الحجر عليه" وهذا الذي قرره الحكم لا يفيد أنه استدل على عقوق الطاعن بتقديمه طلب توقيع الحجر وإنما يفيد أن الحكم استفاد هذا العقوق من ظروف الدعوى الأخرى.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.