أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 656

جلسة 22 من إبريل سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، ومحمد صادق الرشيدي، وأمين فتح الله.

(106)
الطعن رقم 84 لسنة 35 القضائية

( أ ) وقف. "وكالة ناظر الوقف عن المستحق". "مسئولية ناظر الوقف". وكالة.
ناظر الوقف أمين على مال الوقف ووكيل عن المستحقين فيه. خضوع العلاقة بين ناظر الوقف والمستحق لأحكام الوكالة. مسئولية ناظر الوقف عن التقصير الجسيم. مسئوليته عن التقصير اليسير إذا كان له أجر وذلك بالقدر الذي يرتبط بالمسئوليتين المدنية والجنائية. سريان عقود الإيجار التي أبرمها طالما لم يثبت تقصير ناظر الوقف.
(ب) خبرة. "مهمة الخبير".
اقتصار مهمة الخبير على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء الرأي في المسائل الفنية دون المسائل القانونية.
1 - لما كانت العلاقة بين ناظر الوقف والمستحق تخضع لأحكام الوكالة ولحكم المادة 50 من القانون رقم 48 لسنة 1946 التي تنص على أنه يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين - والناظر مسئول عما ينشأ عن تقصيره الجسيم كما يسأل عن تقصيره اليسير إذا كان له أجر وذلك بالقدر الذي يرتبط بالمسئوليتين المدنية والجنائية وطالما أنه لم يثبت تقصير ناظر الوقف فإنه لا يصح أن يعدل عن عقود الإيجار التي أبرمها. وإذ لم يبين الحكم المطعون فيه السند القانوني لقضائه بمسئولية ناظر الوقف عن أجر المثل ولم يحقق عناصر هذه المسئولية ولم يعرض ما إذا كان يعمل بأجر أو بغير أجر وما إذا كان قد ثبت تقصيره ومدى ذلك التقصير، فإن الحكم يكون قد أعجز بذلك محكمة النقض عن ممارسة وظيفتها في مراقبة صحة تطبيقه للقانون مما يتعين نقضه.
2 - تقتصر مهمة الخبير على تحقيق الواقعة في الدعوى وإبداء رأيه في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه دون المسائل القانونية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1911 لسنة 1955 مدني كلي الإسكندرية ضد الطاعن بصفته الشخصية وبصفته حارساً على وقفي أحمد أغا عابدين وعائشة خاتون البيضاء بصحيفة معلنة في 6/ 10/ 1955 طلب فيها الحكم بإلزامه بصفته حارساً بأن تقدم له حساباً مؤيداً بالمستندات عن استحقاقه في الوقفين المبينين بالصحيفة وذلك عن المدة من 1/ 11/ 1943 حتى تاريخ حلهما في 14/ 9/ 1952 وكذلك عن نصيبه في ريع أعيان هذين الوقفين عن المدة التالية لحلهما حتى تاريخ تقديم الحساب، وبإلزامه بصفته الشخصية بتقديم حساب عن نصيبه في المنزل المملوك لهما المبين بالصحيفة وذلك منذ سنة 1943 حتى تاريخ تقديم لحساب مع ندب خبير لفحص هذا الحساب وإلزام الطاعن بأن يدفع له ما يظهر في ذمته. وقال شرحاً لدعواه إن هيئة التصرفات بمحكمة طنطا الابتدائية الشرعية أقامت الطاعن ناظراً على وقفي المرحومين أحمد أغا عابدين وعائشة خاتون البيضاء البالغ مساحتهما طبقاً لآخر بيان لمصلحة الشهر العقاري 145 ف 20 ط 23 س وأنه يخصه في أطيان هذين الوقفين 48 ف و7 ط و10 س وقد دأب الطاعن على تأجيرها - بعد عمل مزاد وهمي في بعض السنوات وبغير مزاد في سنوات أخرى - بأجرة قدرها 18 جنيه للفدان في السنة مع أن أجر المثل للفدان لا يقل عن 35 جنيه في السنة ويحصل على الفرق لنفسه كما أنه يشارك الطاعن في ملكية منزل بمدينة طنطا ملكية خاصة ويقوم الطاعن بتأجيره وقبض ريعه. وإذ لم يحاسبه الطاعن عن حصته في الوقف منذ أكتوبر سنة 1943 على أساس أجر المثل كما لم يسلمه شيئاً من ريع المنزل منذ 1943 فقد أقام دعواه بالطلبات سالفة البيان. وبعد أن قدم الطاعن ما لديه من كشوف الحساب، حكمت محكمة أول درجة بتاريخ 17/ 12/ 1969 بندب خبيرين أحدهما زراعي والآخر هندسي بمكتب خبراء وزارة العدل بالإسكندرية لمعاينة الأعيان موضوع الدعوى وتقدير أجر مثلها في كل سنة من سنوات الحساب ومقارنته بالقيمة التي أجرت بها تلك الأعيان فعلاً، ومراجعة المصروفات وبيان مدى مطابقتها لمصروفات المثل. وقدم الخبيران تقريريهما ووجه الطاعن عدة اعتراضات إلى تقرير الخبير الزراعي. وانحصر الخلاف بين الطرفين على حساب السنوات من 1945 حتى 1957. وبتاريخ 25/ 4/ 1962 حكمت المحكمة بإعادة المأمورية إلى مكتب الخبراء لتحقيق هذه الاعتراضات. وبعد أن قدم الخبير تقريره الثاني حكمت المحكمة بتاريخ 22/ 5/ 1963 بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 6739 ج و673 م. استأنف الطاعن هذا الحكم المستأنف رقم 479 سنة 19 ق الإسكندرية. ومحكمة الاستئناف حكمت بتاريخ 15/ 12/ 1964 بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 6653 ج و673 م. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن حاصل السبب الأول مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 349 من قانون المرافعات السابق بما يستوجب بطلانه، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم خلا من أي بيان لوقائع الدعوى وطلبات الخصوم ودفاعهم فيها وما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية بأن أشار الحكم إلى اعتراضاته على تقرير الخبير الأول في إيجاز يجعل من المتعذر فهم مدلول هذه الاعتراضات ورد الخبير عليها، ثم اكتفى الحكم بالقول بأن الخبير الثاني فند أكثر الاعتراضات التي قدمها الطاعن وأخذ ببعضها دون أن يبين الحكم تلك الاعتراضات التي لم يفندها الخبير ولا الاعتراضات التي لم يأخذ بها. هذا إلى أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أورد وقائع النزاع مجملة بدرجة تصل إلى حد التجهيل.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في ديباجته ملخصاً لوقائع النزاع وطلبات الخصوم في الدعوى والمراحل التي مرت بها والأسباب التي بنى عليها الطاعن استئنافه وهي تتضمن بياناً كاملاً لاعتراضاته على تقرير الخبير الأول كما قرر الحكم أنه يأخذ بأسباب الحكم الابتدائي الصادر في 22/ 5/ 1963 وقد أحال هذا الحكم إلى الحكم الصادر في 17/ 12/ 1959 بندب الخبير المبين فيه بالتفصيل كل وقائع الدعوى وطلبات الخصوم وأوجه دفاعهم فيها، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتقرير الخبير الثاني فأصبح هذا التقرير جزءاً متمماً لأسبابه بما حواه من بيان للاعتراضات التي وجهها الطاعن إلى تقرير الخبير الأول وما قام الخبير الثاني ببحثه منها ونتيجة هذا البحث. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أورد ضمن بياناته ما يحقق غرض الشارع ويفي بمقصوده فيما نصت عليه المادة 349 من قانون المرافعات السابق من وجوب أن يذكر في الحكم "نص ما قدمه الخصوم من طلبات أو دفاع أو دفوع وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية" ومن ثم يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في باقي أسباب الطعن الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه لا يجوز محاسبته عن نصيب المطعون عليه في ريع الوقف إلا عن القيمة الواردة بعقود الإيجار وأنه لا يسأل عن أجر المثل إلا إذ كان غير أمين، غير أن الحكم المطعون فيه ألزمه بدفع نصيب المطعون عليه الريع على أساس أجر المثل الذي قدره الخبير في السنوات السابقة على قانون الإصلاح الزراعي دون أن يرد على دفاع الطاعن ويغير أن يقيم الدليل على خطئه، هذا إلى أنه لما كان للحكم أن يحيل بشأن هذه المسألة القانونية إلى تقرير الخبير بل كان عليه أن يفصل فيها.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الثابت من مذكرتي الطاعن المقدمتين أمام محكمة أول درجة لجلستي 13/ 12/ 1961 و22/ 5/ 1963 ومن صحيفة الاستئناف ومذكرته المقدمة أمام محكمة الاستئناف أنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن محاسبته عن نصيب المطعون عليه في ريع استحقاقه في الوقف يجب أن يكون على أساس العقود التي أبرمها فعلاً إلا إذا ثبت خطؤه، واستند إلى أنه كان يؤجر أطيان الوقف بأجرة قدرها 18 ج في الفترة من سنة 1945 حتى سنة 1952 الزراعية وهي السنوات السابقة على قانون الإصلاح الزراعي ويؤجرها على أساس سبعة أمثال الضريبة طبقاً لهذا القانون في الفترة من سنة 1953 حتى سنة 1957 الزراعية، وقدم الأوراق التي استدل بها على صحة دفاعه وهي قائمة مزاد مؤرخة 19/ 8/ 1943 رسا بمقتضاها مزاد إيجار أطيان الوقف على/ إسماعيل عابدين عن سنوات 1944 و1945 و1946 الزراعية بأجرة قدرها 16 ج للفدان وعقد إيجار عن هذه السنوات طبقاً لهذه القائمة وإقرار صادر من المستأجرين من إسماعيل عابدين يتضمن أنه ترك الأطيان المؤجرة بعد السنة الأولى وأنهم كانوا يقومون بسداد الأجرة بواقع 18 ج للفدان إلى الطاعن حتى سنة 1949 وقائمة مزاد مؤرخة 15/ 8/ 1949 رسا مزاد الإيجار بمقتضاها على/ عبد الكريم هلال رزق عن السنوات 1950 و1951 و1952 الزراعية بأجرة قدرها 18 ج للفدان وعقد إيجار عن هذه السنوات طبقاً لهذه القائمة، ولما كانت العلاقة بين ناظر الوقف والمستحق تخضع لأحكام الوكالة ولحكم المادة 50 من القانون رقم 48 لسنة 1946 التي تنص على أنه "يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين.. والناظر مسئول عما ينشأ عن تقصيره الجسيم نحو أعيان الوقف وغلته وهو مسئول أيضاً عما ينشأ عن تقصيره اليسير إذا كان له أجر على النظر "وكانت هذه الأحكام تتفق في أن الناظر باعتباره وكيلاً يسأل عن تقصيره الجسيم كما يسأل عن تقصيره اليسير إذا كان له أجر وذلك بالقدر الذي يرتبط بالمسئوليتين المدنية والجنائية وطالما أنه لم يثبت تقصير ناظر الوقف على النحو السالف بيانه فإنه لا يصح - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يعدل عن العقود التي أبرمها، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن المشار إليه بأن "الخبير الثاني قد احتسب الريع على أساس قانون الإصلاح الزراعي ومن قبله على حسب إيجار المثل بعد سماعه لبعض الشهود" وانتهى الحكم إلى أنه يرى اعتماد تقرير الخبير الثاني لأنه بني على أسس سليمة، وإذ يبين من الاطلاع على هذا التقرير أنه رأى محاسبة الطاعن على أساس أجر المثل في السنوات السابقة على قانون الإصلاح الزراعي، وفقاً لما ذهب إليه الخبير الأول، وكان هذا الخبير قد احتسب الأجر عن هذه المدة طبقاً لأجر المثل لما تراءى له من صورية المستندات التي قدمها الطاعن. لما كان ذلك، وكان يبين مما أورده الحكم على النحو سالف البيان أنه لم يبين السند القانوني لقضائه بمسئولية الطاعن عن أجر المثل في السنوات السابقة على قانون الإصلاح الزراعي ولم يحقق عناصر هذه المسئولية ولم يعرض لما إذا كان الطاعن يعمل بأجر أو بغير أجر وما إذا كان قد ثبت لديه تقصيره ومدى ذلك وهل يصل إلى حد التقصير الجسيم الذي يجعل الناظر ضامناً دائما أم هو من قبيل التقصير اليسير الذي لا يسأل عنه إلا إذا كان يعمل في الوقف بأجر، وكان يتعين على الحكم أن يقول كلمته في هذه المسائل القانونية، ولا يغني عن ذلك إحالته إلى تقرير الخبير الذي تقتصر مهمته على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء رأيه في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه، وكان الحكم قد أعجز بذلك محكمة النقض عن ممارسة وظيفتها في مراقبة صحة تطبيقه للقانون، فإنه يتعين نقضه لهذا السبب وفي هذا الخصوص دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.