أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 717

جلسة 6 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وأحمد حسن هيكل، وإبراهيم علام، وإبراهيم الديواني.

(115)
الطعن رقم 231 لسنة 35 القضائية

( أ ) تنفيذ. "تنفيذ الأحكام والأوامر الأجنبية". تحكيم. اختصاص.
تنفيذ الحكم أو الأمر الأجنبي. شرطه. اختصاص المحكمة التي أصدرته وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي الواردة في قانون الدولة التي صدر فيها الحكم دون قواعد الاختصاص النوعي أو المحلي. شرط التحكيم الوارد في العقد لا يتعلق بقواعد الاختصاص القضائي الدولي ولا يؤثر في تطبيقها. صدور الحكم وفقاً لقواعد الاختصاص الدولي في القانون السوداني. الحكم بتنفيذه لا مخالفة فيه للقانون.
(ب) تنفيذ. "تنفيذ الأحكام الأجنبية". قانون. "تنازع القوانين من حيث المكان". حكم.
خضوع قواعد المرافعات لقانون القاضي. قاعدة وجوب اشتمال الحكم على الأسباب التي بنيت عليه هي من قواعد المرافعات التي تخضع لقانون القاضي. الحكم الذي لا يشتمل على أسبابه قابل للتنفيذ وفقاً لقانون جمهورية السودان. جواز الحكم بتنفيذه في مصر متى توافرت الشروط الأخرى المقررة في هذا الخصوص. لا يمنع من ذلك الحكم المادة 347 من قانون المرافعات المصري السابق الذي يتعلق بالأحكام الصادرة في مصر طالما لم يثبت أن تبادل الأحكام بين الدولتين تتطلب المراجعة.
(ج) تنفيذ. "تنفيذ الأحكام الأجنبية".
الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا. عدم إمكان النص على تنفيذه في الخارج. اتخاذ ما رسمه قانون المرافعات من إجراءات تنفيذه في الجمهورية العربية المتحدة. الأمر بتنفيذه. صحيح.
(د) معاهدات دولية.. قانون. "التصديق على المعاهدة الدولية".
أحكام وفاق 17 مايو سنة 1902 ملزم لكل من السودان والجمهورية العربية المتحدة. ليس لأحدهما التحلل منه أو تعديله عملاً بأحكام القانون الدولي العام في المعاهدات. التصديق على الوفاق. اعتباره قانوناً من قوانين الدولة.
1 - مفاد نص المادة 293/ 1 من قانون المرافعات السابق أنه يشترط ضمن ما يشترط لتنفيذ الحكم أو الأمر الأجنبي أن تكون المحكمة التي أصدرته مختصة بإصداره وأن تحديد هذا الاختصاص يكون وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها الحكم وأن العبرة في ذلك بقواعد الاختصاص القضائي الدولي دون تدخل من جانب المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي في قواعد الاختصاص الداخلي للتحقق من أن المحكمة التي أصدرته كانت مختصة نوعياً أو محلياً بالفصل في النزاع. وإذ كان شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين الطرفين لفض المنازعات التي تثار بينهما بشأنه - بفرض قيامه - لا يتعلق بقواعد الاختصاص القضائي الدولي ولا يؤثر في تطبيقها باعتبار الحكم المطلوب تنفيذه صادراً من محكمة مختصة دولياً بنظره وفقاً لقواعد الاختصاص الدولي في القانون السوداني فإن الحكم المطعون فيه الصادر بتنفيذ حكم محكمة الخرطوم العليا لا يكون قد خالف القانون [(1)].
2 - إذ نصت المادة 22 من القانون المدني على أن "يسري على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات". فقد أفادت خضوع قواعد المرافعات لقانون القاضي وذلك باعتبار أن القضاء وظيفة من وظائف الدولة يؤديها وفقاً لقواعد المرافعات المقررة في قانونها دون قواعد المرافعات في أي دولة أخرى وباعتبار أن ولاية القضاء إقليمية بما يوجب أن تكون القواعد اللازمة لمباشرته هي الأخرى إقليمية. وإذ كانت قاعدة وجوب اشتمال الحكم على الأسباب التي بنيت عليه هي من قواعد المرافعات التي تخضع لقانون القاضي [(2)] وهو - بالنسبة للحكم المطلوب تنفيذه في مصر والصادر من محكمة الخرطوم العليا - قانون جمهورية السودان وكان يبين من ذلك الحكم أنه وإن لم يشتمل على أسباب إلا أنه قابل للتنفيذ في جمهورية السودان ومن ثم يمكن إصدار الأمر بتنفيذه في مصر إذا استوفيت باقي الشرائط الأخرى المقررة في هذا الخصوص. ولا يقدح في ذلك ما قضت به المادة 347 من قانون المرافعات السابق من وجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة ذلك أن الخطاب بهذا النص متعلق بالأحكام التي تصدر في مصر طالما أنه لم يثبت أن تبادل الأحكام بين الدولتين يتطلب المراجعة.
3 - لما كان الحكم المطلوب الأمر بتنفيذه صادراً من محكمة الخرطوم العليا فإنه لا يمكن أن ينص فيه على تنفيذه خارج الدولة الأخرى المطلوب تنفيذ الحكم الأجنبي فيها. وإذ اتخذ المطعون عليه السبيل القانوني الذي رسمه قانون المرافعات للأمر بتنفيذ الحكم في الجمهورية العربية المتحدة فلا على الحكم المطعون عليه إن هو أمر بتنفيذه ويكون النعي عليه بأن الحكم المطلوب بالأمر بتنفيذه قد تضمن أن تنفيذه إنما يكون في جمهورية السودان، على غير أساس.
4 - أحكام وفاق 17 مايو سنة 1902 - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - ملزم لكل من الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان وليس لإحداهما أن تعدل عن الطريقة المرسومة والتحلل من أحكامه بعمل منفرد وذلك أخذاً بأحكام القانون الدولي العام في شأن المعاهدات، ولأنه وقد صدق على الوفاق من مجلس الوزراء ونشر في الوقائع الرسمية فإنه يكون قانوناً من قوانين الدولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 710 سنة 1963 مدني كلي المنصورة ضد الطاعن بصفته والمطعون عليه الثاني وطلب الأمر بتنفيذ الحكم الصادر بتاريخ 4/ 11/ 1962 من محكمة الخرطوم العليا بجمهورية السودان رقم 535 سنة 1961 مدنية، وقال بياناً لدعواه أنه استصدر ضد الطاعن والمطعون عليه الثاني الحكم المشار إليه من محكمة الخرطوم العليا بإلزامهما بالتضامن أو بالانفراد بأن يدفعا له مبلغ 2438 ج و760 م سودانياً أي ما يعادل 3036 ج و866 م مصرياً. وإذ مثل المدعى عليهما في الدعوى تمثيلاً صحيحاً أمام محكمة الخرطوم العليا بجمهورية السودان وقضى بإلزامهما بالمبلغ المشار إليه فقد أقام دعواه بالطلبات سالفة البيان. وبتاريخ 18/ 12/ 1963 قضت المحكمة بوضع الصيغة التنفيذية على الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا بجمهورية السودان في الدعوى رقم 535 سنة 1961 مدنية وجعله بمثابة حكم واجب التنفيذ بأراضي الجمهورية العربية المتحدة. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 54 سنة 16 ق. وبتاريخ 8 فبراير سنة 1965 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. وقرر الطاعن بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه قضى بالأمر بتنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 535 سنة 1961 مدنية من محكمة الخرطوم العليا في أراضي الجمهورية العربية المتحدة دون أن يتحقق من أنه قد صدر من جهة قضائية مختصة طبقاً لقانون البلد الصادر فيه، إذ أن القانون السوداني يجيز فض المنازعات بطريق التحكيم وقد اتفق الطرفان بمقتضى العقد المبرم بينهما على فض المنازعات التي تترتب عليه بطريق التحكيم واختارا هيئة يرأسها أحد المحاسبين بالخرطوم وصرحا لهذا المحكم باختيار محكمين آخرين يوافق عليهما الطرفان كتابة مما مؤداه اختصاص هيئة التحكيم هذه وحدها بالفصل في النزاع الناشئ بين الطرفين إلا أن الحكم المطعون فيه قضى بتنفيذ حكم محكمة الخرطوم العليا مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة 493/ 1 من قانون المرافعات السابق تنص على "لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي 1 - أن الحكم أو الأمر صادر من هيئة قضائية مختصة وفقاً لقانون البلد الذي صدر فيه.." مما مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه يشترط ضمن ما يشترط لتنفيذ الحكم أو الأمر الأجنبي أن تكون المحكمة التي أصدرته مختصة بإصداره وأن تحديد هذا الاختصاص إنما يكون وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها الحكم، وأن العبرة في ذلك بقواعد الاختصاص القضائي الدولي دون تدخل من جانب المحكمة المطلوب منها إصدار الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي في قواعد الاختصاص الداخلي للتحقق من أن المحكمة التي أصدرته كانت مختصة نوعياً أو محلياً بالفصل في النزاع. لما كان ذلك وكان شرط التحكيم الوارد بالعقد المبرم بين الطرفين لفض المنازعات التي تثار بينهما بشأنه - بفرض قيامه - لا يتعلق بقواعد الاختصاص القضائي الدولي ولا يؤثر في تطبيقها باعتبار الحكم المطلوب تنفيذه صادراً من محكمة مختصة دولياً بنظره وفقاً لقواعد الاختصاص الدولي في القانون السوداني، وكان الحكم المطعون فيه لم يخالف هذا النظر فإن النعي عليه بمخالفة القانون في هذا السبب يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم المطعون فيه قضى بالأمر بتنفيذ الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا في إقليم الجمهورية العربية المتحدة من أن هذا الحكم جاء خالياً من الأسباب الواقعية والقانونية بما يجعله باطلاً طبقاً للمادة 347 من قانون المرافعات السابق وهو بطلان متعلق بالنظام العام في الجمهورية العربية المتحدة ولو لم يشترط القانون السوداني اشتمال الحكم على أسباب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المادة 22 من القانون المدني إذ نصت على "يسري على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات". فقد أفادت خضوع قواعد المرافعات لقانون القاضي وذلك باعتبار أن القضاء وظيفة من وظائف الدولة يؤديها وفقاً لقواعد المرافعات المقررة في قانونها دون قواعد المرافعات في أي دولة أخرى، وباعتبار أن ولاية القضاء إقليمية بما يوجب أن تكون القواعد اللازمة لمباشرته هي الأخرى إقليمية. لما كان ذلك وكانت قاعدة وجوب اشتمال الحكم على الأسباب التي بنيت عليه هي من قواعد المرافعات التي تخضع القانون القاضي وهو قانون جمهورية السودان في الحكم المطلوب تنفيذه في الدعوى الحالية، وكان يبين من ذلك الحكم أنه وإن لم يشتمل على أسباب إلا أنه - وعلى ما جاء بالشهادة المؤرخة 15/ 12/1962 المرفقة به - قابل للتنفيذ في جمهورية السودان وبالتالي يمكن إصدار الأمر بتنفيذه في مصر إذا استوفت باقي الشرائط الأخرى المقررة في هذا الخصوص، وكان لا يقدح في ذلك ما قضت به المادة 347 من قانون المرافعات السابق من وجوب اشتمال الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة ذلك أن الخطاب بهذا النص متعلق بالأحكام التي تصدر في مصر، طالما أنه لم يثبت أن تبادل الأحكام بين الدولتين يتطلب المراجعة. لما كان ما تقدم فإن النعي بالخطأ في تطبيق القانون لهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا والذي طلب الأمر بتنفيذه قد ورد فيه أن تنفيذه إنما يكون في جمهورية السودان، إلا أن الحكم المطعون فيه أمر بالتنفيذ في الجمهورية العربية المتحدة مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان الحكم المطلوب الأمر بتنفيذه صادراً من المحاكم السودانية فإنه لا يمكن أن ينص فيه على تنفيذه خارج الدولة الأخرى المطلوب تنفيذ الحكم الأجنبي فيها. وإذ اتخذ المطعون عليه الأول السبيل القانوني الذي رسمه قانون المرافعات للأمر بتنفيذ الحكم الصادر من محاكم جمهورية السودان في إقليم الجمهورية العربية المتحدة فلا على الحكم المطعون فيه إن هو أمر بتنفيذ الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا في الجمهورية العربية المتحدة بعد أن استظهرت المحكمة توافر الشرائط القانونية المقررة في المواد من 491 إلى 497 من قانون المرافعات السابق المتعلقة بالأمر بتنفيذ الأحكام والأوامر والسندات الأجنبية ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم قضى بالأمر بتنفيذ الحكم الصادر من محكمة الخرطوم العليا في الجمهورية العربية المتحدة استناداً إلى تحقق الشروط المقررة في وفاق 17 مايو سنة 1902 هذا في حين أن هذا الوفاق أصبح عاطلاً عن التنفيذ لا تعمل به الحكومة السودانية ولا تنفذ بموجبه الأحكام الصادرة من محاكم الجمهورية العربية المتحدة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن أحكام وفاق 17 مايو سنة 1902 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ملزم لكل من الجمهورية العربية المتحدة وجمهورية السودان وليس لأحدهما أن تعدل عن الطريقة المرسومة فيه والتحلل من أحكامه بعمل منفرد وذلك أخذاً بأحكام القانون الدولي العام في شأن المعاهدات ولأنه وقد صدق على الوفاق من مجلس الوزراء ونشر في الوقائع الرسمية ومجموعة القوانين والقرارات المصرية فإنه يكون قانوناً من قوانين الدولة لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد اعتد بهذا الوفاق ورتب على ذلك اعتبار الحكم المطلوب الأمر بتنفيذه قد صدر وفقاً للإجراءات المنصوص عليها فيه فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.


[(1)] نقض 2 يوليه سنة 1964 مجموعة المكتب الفني س 15 ص 909 ونقض 26/ 6/ 1963 س 14 ص 913.
[(2)] راجع نقض 28/ 1/ 1969 مجموعة المكتب الفني السنة 20 ص 176.