أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
السنة 25 - صـ 1417

جلسة 11 من ديسمبر سنة 1974

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود وعضوية السادة المستشارين: جلال عبد الرحيم عثمان، وسعد الشاذلي، وعثمان مهران الزيني، وعبد السلام الجندي.

(241)
الطعنان رقما 27 و29 لسنة 40 ق "أحوال شخصية"

(1) أحوال شخصية "الاستئناف". استئناف "رفع الاستئناف".
رفع الاستئناف في مسائل الأحوال الشخصية يكون بتقرير في قلم الكتاب. م 877 مرافعات. لا يلزم أن يتضمن التقرير أسباب الاستئناف.
(2) أحوال شخصية "الاستئناف". استئناف "رفع الاستئناف". نقض "أسباب الطعن".
عدم جواز التمسك بسبب النعي بدفاع لا مصلحة للطاعن فيه. مثال بشأن رفع الاستئناف في مسائل الأحوال الشخصية.
(3) استئناف "الحكم فيه". حكم "تسبيب الحكم".
إلغاء محكمة الاستئناف للحكم الابتدائي. عدم التزامها بالرد على ما ورد بذلك الحكم. حسبها أن تقيم قضاءها على أسباب تكفي لحمله.
(4 و5 و6) أحوال شخصية "المسائل الخاصة بغير المسلمين". إثبات.
(4) الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان. عدم جواز البحث في جديتها ولا في بواعثها أو دواعيها.
(5) نطق المسيحي بالشهادتين وثبوت تركه لديانته نهائياً وصيرورته مسلماً إسلاماً حقيقياً. كاف في اعتباره مسلماً. لا حاجة إلى إعلان هذا الإسلام أو اتخاذ إجراء آخر.
(6) صحة الإسلام بالشهادتين. التبري من أي دين آخر لا يعد شرطاً للاستلام.
1 - خص الشارع مسائل الأحوال الشخصية بإجراءات معينة بينها الكتاب الرابع من قانون المرافعات، والنص في المادة 877 منه يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الشارع قد حدد الصورة التي يرفع بها الاستئناف فنص على أن يكون بتقرير ولم يستلزم أن يتضمن هذا التقرير أسباباً كما فعل في المادة 869 عند رفع الطلب ابتداء كما أن إحالة المادة 877 على المادة 870 قاصرة على أمرين هما تحديد الجلسة ودعوى ذوي الشأن إليها، أما ما ينص عليه المشرع في المادة الأخيرة من أن ورقة التكليف بالحضور يجب أن تشتمل على ملخص الطلب فلا قياس عليه بالنسبة للاستئناف تبعاً لأن الشارع لا يتطلب مع التقرير بالاستئناف أسباباً.
2 - لا مصلحة للطاعن في تمسكه بسبب النعي - من بطلان استئناف النيابة للحكم لعدم تحرير أسباب الاستئناف قبل انقضاء ميعاد الطعن - لأنه طالما لا مطعن لديه على استئناف المطعون عليه الأول - لذات الحكم الذي استأنفته النيابة - من ناحية الشكل، فإن قيام هذا الاستئناف بذاته مؤد إلى نفس النتيجة التي يستهدفها استئناف النيابة.
3 - من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا ألغت محكمة الدرجة الثانية حكماً ابتدائياً فإنها لا تكون ملزمة بالرد على جميع ما ورد في ذلك الحكم من الأدلة ما دامت قد أقامت حكمها على أسباب تكفي لحمل قضائها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه باعتبار المورثة مسلمة على تقريرات موضوعية سائغة فإن ما يثيره الطاعن بسبب النعي هو جدل موضوعي في فحوى الدليل وتقدير كفايته أو عدم كفايته في الإقناع ولا دخل لمحكمة النقض به.
4 - المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الأقوال بظاهر اللسان، والتي لا يجوز لقاضي الدعوى أن يبحث في جديتها ولا في بواعثها أو دواعيها.
5 - من المقرر شرعاً أنه إذا نطق المسيحي بالشهادتين وثبت من وقائع الدعوى أنه ترك ديانته المسيحية نهائياً وصار مسلماً إسلاماً حقيقياً فإن ذلك كاف في اعتباره مسلماً شرعاً ومعاملته معاملة المسلمين وسريان أحكام الإسلام عليه بدون حاجة إلى إعلان هذا الإسلام رسمياً أو اتخاذ أي إجراء آخر لاعتباره في عداد المسلمين.
6 - المفتى به في الراجح من مذهب الحنفية هو صحة الإسلام بالشهادتين بلا تبري، لأن التلفظ بالشهادتين أصبح علامة على الإسلام وعنواناً له. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بأن المتوفاة ماتت على دين الإسلام استناداً إلى ما ثبت لديه من البينة الشرعية بأنها نطقت بالشهادتين وأنها كانت تؤدي بعض شعائر الدين الإسلامي من صلاة وصوم وتلاوة للقرآن، ولم يجعل من النطق بالتبري من أي دين آخر شرطاً لاعتبارها مسلمة، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون أو تنكب نهج الشرع الإسلامي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 213 لسنة 1961 أحوال شخصية "نفس" أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد الطاعن والمطعون عليه الثاني طلب فيها الحكم بثبوت وفاة عمته..... بتاريخ 7 من يناير 65 مسلمة وانحصار إرثها الشرعي فيه بصفته ابن أخيها الشقيق المسلم ويستحق جميع تركتها تعصيباً. وقال شرحاً لمدعاه إن عمة أطراف التداعي..... توفيت بتاريخ 7 من يناير 1965 بعد أن اعتنقت الدين الإسلامي ونطقت بالشهادتين، وإذ صار إرثها إليه وحده باعتبار أنه سبق إشهار إسلامه بتاريخ 25 من يونيو 1961، وأنكر عليه الطاعن والمطعون عليه الثاني ذلك وحاولا استصدار إعلام شرعي بوراثتهما اعتباراً بأن المتوفاة مسيحية في المادتين رقم 16 لسنة 1965 وراثات الأزبكية ورقم 14 لسنة 1966 وراثات الإسكندرية الجزئية، ووضعا اليد على تركة المورثة فقد انتهى إلى طلباته سالفة البيان، وأقام المطعون عليه الأول أيضاً الدعوى رقم 918 لسنة 1966 أحوال شخصية "نفس" أمام ذات المحكمة ضد الطاعن والمطعون عليه الثاني وأمين عام مصلحة الشهر العقاري والتوثيق - المطعون عليه الثالث - ذهب فيها إلى أن الأولين استطاعا في غفلة منه استصدار إعلام شرعي بانحصار إرث المتوفاة فيهما في شقيقة لهما محجور عليها من محكمة عابدين في المادة رقم 71 لسنة 1966 وراثات، وإذ صدر هذا الإشهار باطلاً ومن محكمة غير مختصة بإصداره فقد انتهى إلى طلب الحكم بإبطال إشهاد تحقيق الوفاة والوراثة الصادر بتاريخ 13 من فبراير 1966 في المادة رقم 71 لسنة 1966 وراثات محكمة عابدين للأحوال الشخصية وأمر الطاعن والمطعون عليه الثاني بعدم التعرض له بهذا الإشهاد في أي شأن من شئون المتوفاة ومحو كل ما ترتب على هذا الإشهاد من آثار. دفع الطاعن والمطعون عليه الثاني الدعوى الأولى بعدم قبولها لوجوب استصدار حكم بإثبات إسلام المتوفاة بداءة، وبعدم سماعها تبعاً لعدم تقديم أوراق مبينة لصحتها طبقاً للمادة 98 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، كما دفعا الدعوى الثانية بسقوط حق رافعها في إبداء طلبه في الوقت المناسب. وبعد ضم الدعويين حكمت المحكمة بتاريخ 25 من فبراير برفض الدفوع الثلاثة، وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لثبت المطعون عليه الأول وفاة المتوفاة...... وأنها اعتنقت الدين الإسلامي حال حياتها وماتت وهي عليه وأن وراثتها منحصرة فيه بصفة كونه أبن شقيقها دون الطاعن والمطعون عليه الثاني لاختلاف الدين وأن المتوفاة ليس لها وارث آخر ولا مستحق لوصية واجبة وأنها تركت ما يورث عنها شرعاً وأن الطاعن والمطعون عليه الثاني واضعان اليد على التركة وممتنعان عن تسليمها إليه - وبعد سماع شهود الطرفين حكمت المحكمة بتاريخ 17 من فبراير 1968 برفض الدعويين - استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف المقيد برقم 15 لسنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة، كما استأنفته النيابة العامة بالاستئناف رقم 18 لسنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة، دفع الطاعن والمطعون عليه الثاني بسقوط استئناف النيابة لعدم إيداع أسبابه خلال ميعاد التقرير به، وبتاريخ 28 من مارس 1970 حكمت محكمة الاستئناف برفض الدفع ببطلان الاستئناف رقم 18 لسنة 85 ق وبقبوله وفي موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء في الدعوى رقم 213 لسنة 1966 بثبوت وفاة....... في 7 يناير 1965 مسلمة وانحصار إرثها الشرعي في المطعون عليه الأول بصفته ابن أخيها الشقيق المسلم واستحقاقه لجميع تركتها تعصيباً، وفي الدعوى رقم 918 لسنة 1966 بإبطال إشهاد تحقيق الوفاة والوراثة الصادر بتاريخ 13 من فبراير 1966 في المادة رقم 71 لسنة 1966 وراثات عابدين ومحو كل ما ترتب على هذا الإشهاد من آثار وذلك في مواجهة المطعون عليه الثالث بصفته. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بموجب الطعنين رقمي 27، 29 لسنة 40 ق مختصماً في الطعن الأخير نيابة الأحوال الشخصية - المطعون عليها الرابعة - وقدمت النيابة العامة مذكرة في كل طعن أبدت فيهما الرأي برفضهما. وعرض الطعنان على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جديران بالنظر وحددت جلسة لنظرهما، وبالجلسة المحددة قررت المحكمة ضم الطعن الثاني إلى الأول ليصدر فيهما حكم واحد كما التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعنين أقيما على ستة أسباب، ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أسس قضاءه برفض الدفع ببطلان استئناف نيابة الأحوال الشخصية رقم 18 لسنة 85 ق على سند من القول بأن المشرع لا يتطلب في رفع الاستئناف من النيابة سوى مجرد التقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المستأنف ودعوة ذوي الشأن بالطريق الذي رسمه القانون، وأن استئناف النيابة مؤسس على ذات الأسباب التي أوردها الطاعن في استئنافه رقم 15 لسنة 85 ق، في حين أن مفاد المواد 869، 870، 877 من قانون المرافعات أنه يجب لقبول الاستئناف أن يشتمل التقرير بالطعن على البيان الكافي لموضوع الطلب والأسباب التي يستند إليها حتى يكون الخصم على بينة من طلبات المستأنف، مما يتعين معه تقديم الأسباب في ميقات لا يتجاوز ميعاد الطعن نفسه على الأكثر، لا يغني عن ذلك أن الأسباب موحدة في كل من استئنافي النيابة والمطعون عليه الأول لأن النيابة خصم مستقل تمثل المصلحة العامة، علاوة على أن استئناف المطعون عليه الأول لم يعلن إلا في تاريخ لاحق لتقرير النيابة باستئنافها مما لا يتصور معه بداهة علمهما المسبق بأسباب استئنافه، وإذ اكتفت النيابة بالتقرير باستئنافها في 24 من فبراير 1968 ولم تحرر أسباباً له إلا بتاريخ 7 من يونيو 1969 وبناء على توجيه من المحكمة فإن هذا الاستئناف يكون باطلاً.
وحيث إن هذا النعي مردود، وذلك إنه لما كان الشارع قد خص مسائل الأحوال الشخصية بإجراءات معينة بينها الكتاب الرابع من قانون المرافعات، وكان النص في المادة 877 منه على "أن ترفع المعارضة أو الاستئناف بتقرير في قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وتتبع في تحديد الجلسة ودعوى ذوي الشأن إليها ما نص عليه في المادة 870 وفي المادة 877 على أن يحدد رئيس المحكمة أو قاضي محكمة المواد الجزئية جلسة لنظر الطلب أمام المحكمة ويعين الأشخاص الذي يدعون إليها ويعلن قلم الكتاب ورقة التكليف بالحضور التي يجب أن تشتمل على ملخص الطلب بالطريق المعتاد إلا إذا نص في الأمر على الإعلان بطريق البريد وفقاً لما هو مبين في المادة 16 وما بعدها بالطريق الإداري، يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن الشارع قد حدد الصورة التي يرفع بها الاستئناف فنص على أن يكون بتقرير ولم يستلزم أن يتضمن هذا التقرير أسباباً كما فعل في المادة 869 عند رفع الطلب ابتداء، كما أن إحالة المادة 877 على المادة 870 مرافعات قاصرة على أمرين هما تحديد الجلسة ودعوة ذوي الشأن إليها، أما ما نص عليه المشرع في المادة الأخيرة من أن ورقة التكليف بالحضور يجب أن تشتمل على ملخص الطلب فلا قياس عليه بالنسبة للاستئناف تبعاً لأن الشارع لا يتطلب مع التقرير بالاستئناف أسباباً على ما سبق القول، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يتخذ من وحدة الأسباب في استئنافي النيابة والمطعون عليه الأول سبيلاً للرد على الدفع بالبطلان وإنما ساقها وهو في معرض سرد الوقائع، فإن النعي عليه بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس. علاوة على أنه لا مصلحة للطاعن في تمسكه بسبب النعي لأنه طالما لا مطعن لديه على استئناف المطعون عليه الأول من ناحية الشكل فإن قيام هذا الاستئناف بذاته مؤد إلى نفس النتيجة التي يستهدفها استئناف النيابة.
وحيث إن حاصل النعي بالأسباب الثاني والرابع والخامس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم عول فيما انتهى إليه من أن وفاة المورثة مسلمة على قول المطعون عليه الأول أخذاً بأن المستخلص من الفقه الحنفي أنه تكفي الدعوى في هذه الحالة، كما قرر أن الشهادة من باب الولاية وهي مرتبة أقوى من القضاء لأنها ملزمة للقاضي اعتباراً بأن حكم القاضي يستقى من حكم الشهادة، في حين أنه لا يجوز أن يكون الدليل الذي يقدمه الخصم على صحة دعواه هو مجرد أقواله وادعاءاته، كما أن التزام القاضي بالشهادة على نحو ما قرر الحكم يترتب عليه حرمانه من سلطة الترجيح بين البينات والموازنة بين الأدلة وهو أمر غير جائز. هذا إلى أن الحكم على الرغم من إقراره القاعدة الصحيحة بقبول شهادة شهود النفي وإن كانوا غير مسلمين لأنها شهادة من غير المسلم على المسلم تبعاً لا قصداً عمد إلى الأخذ بأقوال شهود الإثبات دون أن يفند أقوال شهود النفي رغم أن محكمة أول درجة اعتدت بشهادتهم وكونت عقيدتها على أساسها بالإضافة إلى ما استبان لها من تصرفات المطعون عليه الأول، وكان يتعين على المحكمة الاستئنافية أن ترد على ما أورده الحكم الابتدائي في خصوصها وأن تواجه المسألة المتنازع عليها وهي اعتناق المورثة الإسلام وموتها عليه مواجهة صريحة. علاوة على أنه لما كان الحكم لم ينقل عن الشاهد الثاني...... ذكره أن المتوفاة نطقت بالشهادتين وكانت شهادة...... غير مقبولة قانوناً للتهمة، لأنها إحدى الموصى لهما بجزء من تركة المتوفاة وشهادتها تجد لها مغنماً إزاء اعتراف المطعون عليه الأول بالوصية الصادرة إليها، وبذلك تصبح الدعوى خالية من الدليل ولا يبقى فيها سوى أقوال....... وحدها وهي غير كافية بذاتها لاستكمال نصاب الشهادة، الأمر الذي يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه بوفاة المورثة مسلمة على قوله....... أن المحكمة تطمئن إلى ما شهد به شهود المستأنف المطعون عليه الأول أمام محكمة الدرجة الأولى، وهم..... وقد قرر الأول أن السيدة....... حضرت إلى مسجد القائد إبراهيم الذي يقع في محطة الرمل بالإسكندرية والذي يعمل هو إماماً له وذلك في شهر سبتمبر 1964 وأرسلت في طلبه عن طريق أحد عمال المسجد وأفهمته أنها مسلمة وتصلي ثم سألته عن كيفية الصلاة وهي جالسة وعن كيفية التيمم ثم أعطته عنوانها فذهب إليها حيث صلت أمامه ونطقت أثناء ذلك بالشهادتين وأنه كان يتردد عليها كل أسبوع حيث تصلي أمامه، وأنه في أواخر ديسمبر كان قد هل شهر رمضان فدعته إلى الإفطار ولما ذهب تلبية للدعوة في الجمعة الأولى من ذلك الشهر علم أنها توفيت في اليوم السابق... وأضاف أن المستأنف هو الوارث الوحيد لها لأنه مسلم وهي ماتت مسلمة كما كرر قوله أن السيدة المذكورة نطقت أمامه بالشهادتين العديد من المرات. وقرر الثاني أنه كان يتردد على بيت..... ابن بلدته المقيم مع السيدة...... حيث كانت تسأله عن أمور الدين الإسلامي وأنها كانت تصوم وتصلي وتقرأ القرآن أمامه وأن المستأنف دون المستأنف عليهما الطاعن والمطعون عليه الثاني - كان يتردد عليها وأنها توفيت وهي مسلمة فلا يرثها إلا هذا، وأضاف أنه علم أنها دفنت في مقابر المسيحيين ولو كان قد حضر الجنازة لمنع ذلك. وقررت كل من الثالثة والرابعة أنهما تعرفان...... منذ عشرين عاماً منذ بدأت الأولى منهما تخدم لديها وأنها أسلمت وماتت مسلمة لأنها كانت تصوم وتصلي وتنطق الشهادتين وأن المستأنف هو الوارث الوحيد لها لأنه مسلم...... وهذه الشهادة التي تطمئن إليها المحكمة قاطعة في أن....... قد أسلمت قبل وفاتها ونطقت بالشهادتين وأخذت تمارس بعض العبادات الإسلامية وماتت وهي مسلمة. والجدير بالذكر في هذا الخصوص أن الأمر في هذه الدعوى يتعلق بدعوى من المستأنف بإسلام عمته........ وقد صادفت هذه الدعوى تصديقاً من البينة الشرعية التي قدمها متخذاً من شهادة شهود اطمأنت المحكمة إلى شهادتهم مما يجعل دعوى المستأنف حرية بالإجابة. وإذا كان المستخلص من الفقه الحنفي أنه تكفي الدعوى في هذه الحالة إلا أن الواقع أن هذه المادة قد صدقتها البينة الشرعية على ما سلف...... ويبين من هذا الذي قرره الحكم أنه لم يحجب نفسه عن الترجيح بين البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق بل عمد إلى الموازنة بينها فآثر الأخذ بدلالة أقوال شهود الإثبات بعد أن اطمأن إلى أقوالهم وظهر له صدقها، كما أنه لم يأخذ بقول المطعون عليه الأول قضية مسلمة بل قرر أنه صادقته البينة الشرعية ولا تثريب على الحكم المطعون فيه فيما ذهب إليه أو في التفاته عن الإشارة إلى أقوال شهود النفي. وتفنيد ما استخلصه الحكم الابتدائي منها لأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا ألغت محكمة الدرجة الثانية حكماً ابتدائياً فإنها لا تكون ملزمة بالرد على جميع ما ورد في ذلك الحكم من الأدلة ما دامت قد أقامت حكمها على أسباب تكفي لحمل قضائها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه باعتبار المورثة مسلمة على تقريرات موضوعية سائغة، وكان ما أثبته من شهادة الشهود لا تخالف ما ورد بمحاضر التحقيق ومن شأنه أن يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي خلص إليها، وكان لا يغير من ذلك أن الحكم لم ينقل عن الشاهد..... قوله أن المتوفاة نطقت بالشهادتين أمامه لأنه ذكر تقريره بأنها توفيت مسلمة، كما أن أخذه بأقوال...... يفيد ضمناً أنه لم ير أنها متهمة في شهادتها وأن صدور وصية إليها من المتوفاة وإقرار المطعون عليه الأول بصحتها ليس فيه ما ينطوي على أنها تجر لنفسها نفعاً أو تدفع عنها مغرماً، فإن ما يثيره الطاعن بسبب النعي هو جدل موضوعي في فحوى الدليل وتقدير كفايته أو عدم كفايته في الإقناع ولا دخل لمحكمة النقض فيه، ويكون النعي على الحكم بمخالفة القانون والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في إسلام أهل الكتاب ألا يحكم بإسلامهم لمجرد النطق بالشهادتين لا غير بل يجب أن يقرن ذلك بالتبري من كل دين يخالف دين الإسلام باعتباره شرطاً لإجراء أحكام الإسلام عليه، غير أن الحكم اكتفى للقول بدخول المتوفاة في دين الإسلام بالنطق بالشهادتين دون أن يستلزم التلفظ بالبراءة من كل دين غيره، وهو ما يخالف أرجح الأقوال في مذهب الحنفية.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه لما كان المستقر في قضاء هذه المحكمة أن الاعتقاد الديني من الأمور التي تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان والتي لا يجوز لقاضي الدعوى أن يبحث في جديتها ولا في بواعثها أو دواعيها، وكان المقرر شرعاً أنه إذا نطق المسيحي بالشهادتين وثبت من وقائع الدعوى أنه ترك ديانته المسيحية نهائياً وصار مسلماً إسلاماً حقيقياً فإن ذلك كاف في اعتباره مسلماً شرعاً ومعاملته معاملة المسلمين وسريان أحكام الإسلام عليه بدون حاجة إلى إعلان هذا الإسلام رسمياً أو اتخاذ أي إجراء آخر لاعتباره في عداد المسلمين، وكان المفتى به في الراجح من مذهب الحنفية هو صحة الإسلام بالشهادتين بلا تبري لأن التلفظ بالشهادتين أصبح علامة على الإسلام وعنواناً له، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بأن المتوفاة ماتت على دين الإسلام استناداً إلى ما ثبت لديه من البينة الشرعية بأنها نطقت بالشهادتين وأنها كانت تؤدي بعض شعائر الدين الإسلامي من صلاة وصوم وتلاوة للقرآن على ما نرى تفصيله في السبب السابق ولم يجعل من النطقي بالتبري من أي دين آخر لاعتبارها مسلمة فإنه الحكم لا يكون قد خالف القانون أو تنكب نهج الشرع الإسلامي.
وحيث إن مبنى النعي بالسبب السادس أن الطاعن كان قد دفع الدعوى أمام محكمة أول درجة بعدم السماع لأنه يكذبها ظاهر الحال، ولم تجد تلك المحكمة داعياً للتعرض لهذا الدفع استقلالاً أخذاً بأن قضاءها في موضوع دعوى المطعون عليه الأول بالرفض قد استغرقه، وإذ ألغى هذا الحكم في الاستئناف فإن الدفع بعدم السماع ينبعث إلى الوجود من جديد ويكون من المتعين على محكمة الاستئناف أن تتصدى له وتحسمه قبولاً أو رفضاً، وهو ما يشوب الحكم بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان البين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الاستئناف بالدفع بعدم سماع الدعوى وخلا الحكم المطعون فيه مما يفيد ذلك فإنه لا يجوز للطاعن أن يعيب على الحكم عدم البحث في هذا الدفع.