أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 796

جلسة 15 من مايو سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد.

(126)
الطعن رقم 263 لسنة 35 القضائية

بيع. "التزامات البيع". "الالتزام بضمان العيب الخفي". "تخلف الصفة في المبيع". حكم. "مخالفة القانون". "ما يعد كذلك". تقادم.
ضمان البائع للمشتري إغلال العقار المبيع قدراً معيناً من الريع. اعتباره كفالة من المشتري لصفة في المبيع. سريان أحكام العيب الخفي فيما يختص بقواعد الضمان على حالة تخلف هذه الصفة. عدم جواز رجوع المشتري على البائع على أساس إخلاله بالتزام آخر مستقل عن التزامه بالضمان. عدم تأثير علم المشتري بتخلف الصفة وقت البيع أو عدم علمه. مخالفة الحكم هذا النظر. خطأ في القانون. المادتان 447 و452 مدني.
ضمان البائع للمشتري إغلال العقار المبيع قدراً معيناً من الريع يعتبر كفالة من المشتري لصفة في المبيع مما تعنيه المادة 447 من القانون المدني بقولها "يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه". وتخلف الصفة التي كفل البائع وجودها في البيع وإن لم يكن عيباً في المبيع بمعناه التقليدي الدقيق لأن العيب الخفي كما عرفته هذه المحكمة هو الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع، إلا أنه وقد ألحق المشرع حالة تخلف الصفة بالعيب الخفي وأجرى عليها أحكامه فيما تختص بقواعد الضمان، فإن رجوع المشتري على البائع في حالة تخلف صفة في البيع كفل له البائع وجودها فيه وإنما يكون بدعوى ضمان العيوب الخفية، ولا يكون للمشتري أن يرجع على البائع على أساس أنه قد أخل بالتزام آخر مستقل عن التزامه بالضمان، وإذا كان القانون قد اشترط في العيب الذي يضمنه البائع أن يكون مؤثراً وخفياً إلا أنه لم يشترط ذلك في حالة تخلف الصفة التي كفل البائع للمشتري وجودها في المبيع، فمجرد ثبوت عدم توافر هذه الصفة في المبيع وقت التسليم موجب لضمان البائع متى قام المشتري بإخطاره وذلك أياً كانت أهمية الصفة التي تخلفت وسواء كان المشتري يعلم بتخلفها وقت البيع أو لا يعلم، يستطيع أن يتبينها أو لا يستطيع. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض دعوى المشترية (طلب تخفيض ثمن العقار المبيع بنسبة ما طرأ على إيجاره من تخفيض) على أنه كان في استطاعتها التحقق من حقيقة أجرة العقار المبيع مما اعتبر معه العيب غير خفي فلا تضمنه البائعة، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه، وإذ كان خطؤه هذا قد حجبه عما دفعت به المطعون ضدها (البائعة) من سقوط حق الطاعنة (المشترية) في الرجوع عليها بالضمان طبقاً للمادة 452 من القانون المدني وما أبدته الطاعنة من رد على هذا الدفع فإنه يتعين إعادة القضية إلى محكمة الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضدها الدعوى رقم 4248 سنة 1959 كلي القاهرة طالبة الحكم بإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 509 ج و914 م والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد، وقالت شرحاً للدعوى إنه بمقتضى عقد بيع رسمي موثق بتاريخ 3/ 7/ 1957 بمكتب توثيق القاهرة باعت لها المطعون ضدها العقار الموضح الحدود والمعالم بالعقد وبصحيفة افتتاح الدعوى نظير ثمن قدره 45500 ج ونص في المادة الثالثة منه على أن تضمن البائعة أن الإيجار الشهري للعقار المبيع لا يقل عن 295 ج بما فيه العلاوات القانونية وأنه قد لوحظ هذا التقدير في تحديد ثمن العقار المبيع، غير أنه بعد أن تسلمت الطاعنة العمارة المبيعة أقام أحد المستأجرين عليها وعلى المطعون ضدها الدعوى بطلب تخفيض إيجار مسكنه، وقضى لصالحه فعلاً بتخفيض أجرة مسكنه من 8 ج و509 م إلى 582 قرش، فأقامت الشركة الطاعنة هذه الدعوى طالبة تخفيض ثمن العقار المبيع بنسبة تخفيض الإيجار سالف البيان واحتفظت بحقها في طلب تخفيض الثمن إذا ما لجأ مستأجرون آخرين إلى تخفيض الأجرة الواردة في عقود الإيجار الصادرة إليهم من البائعة، وإذ اضطرت الشركة بعدئذ إلى تخفيض إيجار الشقق بالنسبة لبعض المستأجرين بعد أن أثبتوا حقهم القانوني في التخفيض وكانت قيمة التخفيض قد بلغت 16 ج و143 م شهرياً فقد عدلت طلباتها بصحيفة معلنة إلى المطعون ضدها في 20/ 10/ 1960 إلى تخفيض الثمن المسمى بالعقد من 48604 ج و10 م إلى 37182 ج و347 م وإلزام المطعون ضدها بأن تدفع لها مبلغ 11421 ج و663 م. وبجلسة 8/ 4/ 1961 عدلت الطاعنة طلباتها في مواجهة المطعون ضدها إلى الحكم بتخفيض ثمن المبيع من أصل وملحقات وإلزامها بأن تدفع لها مبلغ 2659 ج و715 م مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد. دفعت المطعون ضدها بسقوط حق الشركة في التمسك بضمان العيوب الخفية لمضي أكثر من سنة على تاريخ تسليم العقار، وردت الطاعنة على هذا الدفع بأن الضمان الوارد في العقد ضمان من نوع خاص لا صلة له بضمان العيوب الخفية ولا يبدأ تقادمه بالنسبة للمشتري إلا منذ صدور حكم قضائي لصالح أحد المستأجرين بالتخفيض وأنه متى كان الاتفاق لم يحدد مدة لهذا الضمان فإنه يظل قائماً ولا يسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة طبقاً للقواعد العامة. وفي 3 فبراير سنة 1962 قضت المحكمة بسقوط الحق المدعية بالتقادم. استأنفت الطاعنة قضاءها لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 883 سنة 79 ق طالبة إلغاء الحكم المستأنف والقضاء لها بطلباتها الوارد بمذكرتها الختامية، واستندت في ذلك إلى الأسباب الآتية (أولاً) أن الحكم المستأنف اعتبر ضمان البائعة ضماناً للعيوب الخفية تحكمه المادة 452 من القانون المدني مع أنه ضمان لا يسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة (ثانياً) أن المستأنف ضدها (المطعون ضدها) تعمدت إخفاء العيب الجوهري في العقار المبيع بتقديمها عقود إيجار ثابت بها أجرة تزيد عن الأجرة القانونية وإنه طبقاً لنص المادة 452/ 2 لا يجوز للبائع أن يتمسك بالسنة لتمام التقادم إذا ثبت أنه تعمد إخفاء العيب غشاً منه (ثالثاً) أن المادة الثالثة من عقد البيع نصت على أن البائعة تضمن أن الإيجار الشهري للعقار لا يقل عن 295 جنيه وقد لوحظ هذا التقدير في تحديد ثمن العقار المبيع. وفي 22 فبراير سنة 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى، فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في 21/ 4/ 1965، وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن بالجلسة المحددة لنظره أصرت على هذا الرأي.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وفي بيان ذلك تقول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعواها على أن العيب الذي يضمنه البائع للمشتري هو العيب الذي لا يستطيع المشتري أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي وأنه إذ كانت البائعة (المطعون ضدها) قد قدمت للطاعنة (المشترية) عقود الإيجار الثابت فيها أن العمارة المبيعة غير حديثة البناء فقد كان في استطاعة الطاعنة التحقق من حقيقة الأجرة القانونية لو أنها عنيت بفحص المبيع عناية الرجل العادي أما وقد أهملت في ذلك فإنه لا يسوغ لها طلب الضمان الذي تدعيه، وترى الطاعنة أن هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه خطأ في القانون ذلك أنها لم تؤسس دعواها على وجود عيب خفي في المبيع وإنما على وجود شرط في عقد البيع ضمنت لها فيه البائعة أن الإيجار الشهري للعقار المبيع لا يقل عن 295 جنيه بما فيه العلاوات القانونية وعلى أساس هذه الأجرة حدد الثمن، ومتى كانت البائعة قد التزمت بهذا الضمان بإدارتها الحرة وبنص صريح في العقد فإن إخلالها بهذا الضمان يعتبر إخلالاً منها بالتزام وارد في العقد ويستوجب مسئوليتها طبقاً للقواعد العامة في الالتزامات كما أنه لم يكن على الطاعنة بعد أن حصلت من البائعة على هذا الضمان الصريح أن تبذل أي جهد لمعرفة الأجرة القانونية الحقيقية للعقار المبيع إذ أنها حرصت على الحصول على هذا الضمان لما كانت تعلمه من أن هذا العقار قديم وقد تتعرض إيجاراته للخفض لأسباب سابقة على الشراء فأرادت أن تجنب نفسها عواقب ذلك، وتضيف الطاعنة أن هذا الضمان لا صلة له بفوات وصف أو وجود عيب خفي بل هو ضمان من نوع خاص يخرج عن نطاق تطبيق قواعد ضمان العيوب الخفية ويخضع للقواعد العامة في الالتزامات من حيث التنفيذ ومن حيث التقادم، ومتى كانت البائعة "المطعون ضدها" قد ضمنت للطاعنة أجرة معينة للعقار المبيع فإن للأخيرة أن تحتج على البائعة بهذا الشرط دون أن تلتزم بإثبات أنها كانت تجهل حقيقة الأجرة وأنه كان للمستأجرين الحق في طلب إنقاص الأجرة الواردة في عقودهم إلى الحد القانوني الذي يسمح به قانون إيجار الأماكن، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأهدر شرط الضمان الوارد في عقد البيع فإنه يكون مخطئاً في تطبيق القانون وتأويله.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة على قوله "وحيث إن محكمة أول درجة إذ قضت بسقوط حق المدعية (الطاعنة) بالتقادم فقد اقترضت وجود عيب خفي في العين المبيعة وسقط حق المشترية في المطالبة بضمان البائعة لهذا العيب بالتقادم مع أن العيب الذي يضمنه البائع للمشتري هو العيب الذي لا يستطيع المشتري أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، والواقع في الدعوى الحاضرة أن المستأنف ضدها (المطعون ضدها) باعت للمستأنفة المنزل موضوع الدعوى الذي آل للمستأنف ضدها بطريق الشراء من آخر في سنة 1949 وقدمت البائعة للمشترية عقود إيجار ظاهر منها أن المنزل غير حديث البناء فلو أن المشترية عنيت بفحص المبيع عناية الرجل العادي لأمكنها التحقق من أن الأجرة المسماة بعقود الإيجار ليست هي الأجرة القانونية ولم يكن الأمر يكلف المشترية أكثر من استخراج كشف رسمي بضريبة العوائد عن المنزل المبيع لسنة 1941 لمعرفة ما إذا كانت الضريبة المذكورة تتناسب مع الأجرة المسماة بعقود الإيجار فإذا كانت المشترية قد أهملت في ذلك فلا يسوغ لها طلب الضمان الذي تدعيه". ولما كان يبين من عقد البيع المسجل المبرم بين طرفي الخصومة في أول يوليو سنة 1957 أن نص البند الثالث منه يجري كما يأتي "يضمن الطرف الأول "البائعة" أن الإيجار الشهري الحالي للعقار المبيع لا يقل عن 295 ج بما فيه العلاوات القانونية وأن قيمة العوائد هي 282 ج و500 م حسب إيصال العوائد المدفوع في 6/ 10/ 1956 والموجودة صورة منه مع المشتري وقد لوحظ هذا التقدير في تحديد ثمن العقار المبيع". لما كان ضمان البائع للمشتري إغلال العقار المبيع قدراً معيباً من الريع يعتبر كفالة من المشتري لصفة في المبيع مما تعنيه المادة 447 من القانون المدني بقولها "يكون البائع ملزماً بالضمان إذا لم يتوافر في المبيع وقت التسليم الصفات التي كفل للمشتري وجودها فيه" وكان تخلف الصفة التي كفل البائع وجودها في المبيع وإن لم يكن عيباً في المبيع بمعناه التقليدي الدقيق لأن العيب الخفي كما عرفته هذه المحكمة هو الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع، إلا أنه وقد ألحق المشرع حالة تخلف الصفة بالعيب الخفي وأجرى عليها أحكامه فيما يختص بقواعد الضمان فإن رجوع المشتري على البائع في حالة تخلف صفة في المبيع كفل له البائع وجودها فيه إنما يكون بدعوى ضمان العيوب الخفية ولا يكون للمشتري أن يرجع على البائع على أساس أنه قد أخل بالتزام آخر مستقل عن التزامه بالضمان وإذ كان القانون قد اشترط في العيب الذي يضمنه البائع أن يكون مؤثراً وخفياً إلا أنه لم يشترط ذلك في حالة تخلف الصفة التي كفل للمشتري وجودها في المبيع فمجرد ثبوت عدم توافر الصفة في المبيع وقت التسليم موجب لضمان البائع متى قام المشتري بإخطاره وذلك أياً كانت أهمية الصفة التي تخلفت وسواء كان المشتري يعلم بتخلفها وقت البيع أو لا يعلم يستطيع أن يتبينها أو لا يستطيع. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة على أنه كان في استطاعتها التحقق من حقيقة أجرة العقار المبيع مما اعتبر معه العيب غير خفي فلا تضمنه البائعة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه وإذ كان خطؤه هذا قد حجبه عما دفعت به المطعون ضدها من سقوط حق الطاعنة في الرجوع عليها بالضمان طبقاً للمادة 452 من القانون المدني وما أبدته الطاعنة من رد على هذا الدفع فإنه يتعين إعادة القضية إلى محكمة الموضوع.