أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 851

جلسة 3 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدي، وأمين أحمد فتح الله، وإبراهيم حسن علام.

(134)
الطعن رقم 248 لسنة 35 القضائية

( أ ) دعوى. "سبب الدعوى". نقل. "مسئولية الناقل". "شرط الإعفاء من المسئولية". مسئولية. تأمين.
دعوى شركة التأمين قبل الناقل بطلب قيمة التعويض عن تلف البضاعة أثناء النقل. تأسيسها على عقد النقل. لا محل للطعن بالبطلان على شرط الإعفاء من المسئولية الواردة به. عدم تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية في هذا الصدد. لا خطأ.
(ب) تأميم. "عنصر الاحتكار". عقد. "عقود الإذعان".
تأميم شركات النقل البحري ليس في ذاته دليلاً على الاحتكار. التأميم بطبيعته لا يقتضي انعدام المنافسة بين شركات النقل المؤممة والشركات التابعة للقطاع الخاص. انتفاء عنصر الاحتكار في عملية النقل مؤداه عدم اعتبار العقد من عقود الإذعان.
(ج) مسئولية. "شرط الإعفاء من المسئولية".
عدم مساءلة الحكم للناقل استناداً إلى شرط الإعفاء الوارد بالعقد، لا خطأ مهما كان خطأ عمال الناقل يسيراً أو جسيماً. المادة 217/ 2 من القانون المدني.
1 - متى كانت الطاعنة (شركة التأمين) قد أسست دعواها قبل الناقل بطلب قيمة التعويض عن الضرر الذي لحق بها بسبب تلف البضاعة أثناء النقل، على العقد الذي تم بموجبه نقل هذه البضاعة فإنه لا محل لما تثيره الطاعنة من أن ما تضمنه ذلك العقد من الاتفاق على الإعفاء من المسئولية هو شرط باطل في نطاق المسئولية التقصيرية، ولا على الحكم المطعون فيه وقد تبين أن المسئولية أساسها العقد، إن هو لم يعرض لما تدعيه الطاعنة من أن لها حقاً في الاختيار بين المسئوليتين ولم يجر تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية بصدد هذا الشرط.
2 - يجب لكي يعتبر العقد عقد إذعان - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن يتضمن احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو في القليل سيطرة على السلعة أو المرفق تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق، وإذ كان تأميم شركات النقل البحري لا يقوم في ذاته دليلاً على الاحتكار لأن التأميم لا يقتضي بطبيعته انعدام المنافسة بين الشركات المؤممة ولو عملت في قطاع اقتصادي واحد، وكان النزاع بين طرفي الخصومة - على ما يبين من الحكم المطعون فيه - يدور حول عملية نقل داخلي مما يتولاه إلى جانب شركات النقل المؤممة أفراد أو مؤسسات تابعة للقطاع الخاص مما يوفر عنصر المنافسة بين جميع هؤلاء في عمليات النقل وينتفي معه الاحتكار فيها فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى في حدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إلى القول بعدم قيام احتكار في عملية النقل محل النزاع وبالتالي فلا يكون العقد موضوع الدعوى عقد إذعان، لا يكون قد خالف القانون.
3 - إذ خلص الحكم المطعون فيه إلى عدم مساءلة الناقل عن التلف تأسيساً على شرط الإعفاء الوارد بعقد النقل طبقاً لنص المادة 217/ 2 من القانون المدني فلا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أياً كان الخطأ الذي نسبه الحكم إلى عمال الناقل وسواء وصفه بأنه خطأ يسير أو خطأ جسيم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة مصر للتامين - الطاعنة - أقامت الدعوى رقم 1833 سنة 1962 تجاري كلي القاهرة ضد شركة مصر للنقل والملاحة وضد مؤسسة الأهرام والهلال - المطعون ضدهما - وطلبت الحكم بإلزام الأولى - وفي مواجهة الثانية - بأن تدفع لها مبلغ 320 ج و117 م. وقالت بياناً لدعواها أن المطعون ضدها الثانية أمنت لديها رسالة من الورق وارد لها من السويد وتبين عند استلام هذه الرسالة في القاهرة أنها أصيبت أثناء الرحلة بتلف قدر في محضر المعاينة التي أجريت عن ذلك بمبلغ 380 ج و906 م دفعته الطاعنة للمطعون ضدها الثانية التي حولت لها الحق في المطالبة به. وإذ ثبت من محضر المعاينة المشار إليه أن ما أصاب الرسالة المذكورة من تلف أثناء نقلها في المرحلة بين الإسكندرية والقاهرة هو مبلغ 320 ج و117 م، وكانت المطعون ضدها الأولى هي التي تولت عملية النقل في هذه المرحلة، فقد أقامت الدعوى بالطلبات المتقدمة. وبتاريخ 19 مايو سنة 1963 قضت محكمة أول درجة للطاعنة بهذه الطلبات. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 562/ 80 ق، وبتاريخ 16 فبراير سنة 1965 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على خمسة أسباب تنعى الطاعنة بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم أقام قضاءه برفض الدعوى تأسيساً على ما ذهب إليه من أن العقد الذي التزمت بموجبه المطعون ضدها الأولى بنقل رسالة الورق من الإسكندرية إلى القاهرة تضمن شرطاً بإعفائها من المسئولية عن الخطأ الذي يقع من عمالها. هذا في حين أن الاتفاق على الإعفاء من المسئولية وإن كان صحيحاً في نطاق المسئولية العقدية فإنه باطل في نطاق المسئولية التقصيرية ولا يحول بين الطاعنة وبين أن تختار هذه المسئولية أساساً للمطالبة بالتعويض عما أصاب الرسالة من تلف. وإذ ترتب المسئولية التقصيرية الحق في المطالبة بالتعويض عن الخطأ اليسير والجسيم، وكان الخطأ الذي صدر من عمال النقل بين الإسكندرية والقاهرة هو خطأ جسيم إذا قيس بالضرر الذي لحق بالرسالة أثناء هذه الشقة القصيرة من الطريق، وكان الحكم قد أعمل رغم ذلك شرط الإعفاء، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أن الطاعنة أسست مطالبتها للمطعون ضدها الأولى بقيمة التعويض عن الضرر الذي لحق بها بسبب تلف الرسالة الورق موضوع النزاع أثناء الرحلة من الإسكندرية إلى القاهرة على العقد الذي تم بموجبه نقل هذه الرسالة فإنه لا محل لما تثيره الطاعنة من أن ما تضمنه ذلك العقد من الاتفاق على الإعفاء من المسئولية هو شرط باطل في نطاق المسئولية التقصيرية، ولا على الحكم المطعون فيه وقد تبين أن المسئولية أساسها العقد إن هو لم يعرض لما تدعيه الطاعنة من أن لها حقاً في الاختيار بين المسئوليتين ولم يجر تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية بصدد هذا الشرط. لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن المنافسة بين الشركة المطعون ضدها الأولى وبين شركات النقل الأخرى تكاد تكون منعدمة لأنها جميعاً شركات مؤممة وتتبع مؤسسة واحدة هي مؤسسة النقل البحري مما يجعل عقد النقل موضوع النزاع عقد إذعان. هذا بالإضافة إلى أن شرط الإعفاء من المسئولية قد حرر بحروف صغيرة مما يدل على عدم موافقة الطاعنة عليه، غير أن المحكمة لم تتدخل لإبطاله مما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يجب لكي يعتبر العقد عقد إذعان - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتضمن احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو في القليل سيطرة على السلعة أو المرفق تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق، وكان تأميم شركات النقل البحري بما فيها الشركة المطعون ضدها الأولى لا يقوم في ذاته دليلاً على الاحتكار لأن التأميم لا يقتضي بطبيعته انعدام المنافسة بين الشركات المؤممة ولو عملت في قطاع اقتصادي واحد، وكان النزاع بين طرفي الخصومة - على ما يبين من الحكم المطعون فيه - حول عملية نقل داخلي بين الإسكندرية والقاهرة مما يتولاه إلى جانب شركات النقل المؤممة أفراد أو مؤسسات تابعة للقطاع الخاص بما يوفر عنصر المنافسة بين جميع هؤلاء في عمليات النقل وينتفي معه الاحتكار فيها، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض ظروف الدعوى انتهى في حدود السلطة التقديرية لقاضي الموضوع إلى القول بعدم قيام احتكار في عملية النقل محل النزاع، وكان ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد لا يعدو أن يكون مجادلة موضوعية فيما استخلصه الحكم من ظروف الدعوى وملابساتها من أن العقد موضوع الدعوى ليس عقد إذعان، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وتقول في بيان ذلك إن مما أسس الحكم عليه قضاءه برفض الدعوى هو أن الخطأ الذي وقع من عمال الشركة المطعون ضدها الأولى خطأ يسير وذلك على الرغم مما ثبت من محضر معاينة الورق أن التلف الذي لحق به أثناء نقله بين الإسكندرية والقاهرة يبلغ خمسة أضعاف التلف الذي أصابه أثناء نقله في مرحلة أطول من الطرفين بين السويد والإسكندرية.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن استظهر من أوراق الدعوى أن التلف الذي يتمثل في تمزق بعض لفات الورق يرجع إلى ما تعرض له أثناء النقل والمناولة، انتهى إلى اعتبار ذلك التلف ناجماً عن خطأ يسير من عمال الشركة المطعون ضدها الأولى لا تسأل عنه الشركة على أساس ما تضمنه البند الخامس من عقد النقل من إعفائها من المسئولية عن الخطأ الذي يقع من عمالها، وكانت الفقرة الثانية من المادة 217 من القانون المدني تقضي في شطرها الثاني بجواز أن يشترط المؤمن عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه، فإن الحكم المطعون فيه إذ خلص إلى عدم مساءلة المطعون ضدها الأولى عن التلف تأسيساً على شرط الإعفاء الوارد بالبند الخامس من العقد - على النحو السالف بيانه - لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أياً كان الخطأ الذي نسبه الحكم إلى عمال الشركة المطعون ضدها الأولى وسواء وصفه بأنه خطأ يسير أو خطأ جسيم، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تقول في السبب الرابع أن الفرق بين حالتي التأمين من المسئولية والاتفاق على الإعفاء منها أنه في الأولى يؤمن حق المضرور بإضافة ذمة شركة التأمين إلى ذمة المسئول عن تعويض الضرر بينما في الثانية لا ينال المضرور شيئاً، ولا يكون هناك بالتالي مجال للاستناد إلى عقد التأمين من المسئولية للقول بالإعفاء منها.
وحيث إن الطاعنة إذ لم تحدد في هذا السبب مواضع الخطأ الذي تنسبه للحكم المطعون فيه بما يجعله مجهلاً فإن النعي به يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول إن عقد النقل موضوع النزاع لم يتضمن نصاً صريحاً بإعفاء الشركة المطعون ضدها الأولى من الخطأ الجسيم بل التزمت هذه الشركة في البند الخامس من العقد المذكور بأن تبذل عمالها العناية المعقولة. كما أن كل الإعفاءات التي وردت في ذلك العقد إنما تتعلق بالنقل البحري وأن صفة المطعون ضدها الأولى قد تغيرت أثناء نقل رسالة الورق موضوع النزاع من ميناء الإسكندرية للقاهرة إلى مجرد أمينة نقل في الداخل بما ينتفي به شرط الإعفاء من المسئولية عن هذه المرحلة من الطريق، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه رغم ذلك إلى إعمال هذا الشرط عن هذه المرحلة فإنه يكون قد خالف شروط ذلك العقد بما يجعله مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بما سبق الرد به على السبب الثالث من أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على ما استظهره من أن البند الخامس من عقد النقل تضمن شرطاً بإعفاء الشركة المطعون ضدها الأولى من المسئولية عما يقع من عمالها ومستخدميها من خطأ في قيامهم بعمليات الشحن والتفريغ ومن أنه لا يجدي الطاعنة على هذا الأساس ما تقول به من أن الخطأ الذي وقع من عمال تلك الشركة هو خطأ جسيم. والنعي في شقه الثاني مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن عقد النقل موضوع النزاع ينصب على عملية نقل داخلي في الرحلة بين الإسكندرية والقاهرة وهو ما تعد معه الشركة المطعون ضدها الأولى أمينة نقل في هذه العملية، وإذ تضمن هذا العقد الاتفاق على الإعفاء من المسئولية فإنه يكون مما يجب إعماله بالنسبة لهذه العملية من النقل الداخلي ولو تضمن سند الشحن فيما تضمنت شروطه المطبوعة ما تواجه به الشركة المطعون ضدها الأولى عمليات النقل البحري التي قد تعرض لها. لما كان ذلك فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.