أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 979

جلسة 17 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدي، وأمين فتح الله، وعبد العليم الدهشان.

(155)
الطعن رقم 308 لسنة 35 القضائية

( أ ) أوراق تجارية. سند إذني. أعمال تجارية.
اعتبار السند الإذني عملاً تجارياً إذا كان من وقع السند تاجراً أو كان السند مترتباً على معاملة تجارية. لا يكفي إدراج شرط الإذن لاعتبار السند عملاً تجارياً.
(ب) أوراق تجارية. "تظهير الأوراق التجارية". "السندات. المدنية تحت الإذن".
قواعد تظهير الكمبيالة. عدم اتباعها في شأن المستندات التي تحت الإذن إلا إذا كانت تعتبر أعمالاً تجارية. عدم سريان هذه القواعد على السندات المدنية ولو تضمنت شرط الإذن. تطهير السند من الدفوع في العلاقة بين المدين والحامل غير المباشر أثر من آثار التظهير تستقل به الورقة التجارية. وجوب إطراح هذا الأثر عند تظهير الورقة المدنية.
(جـ) صورية. "إثبات الصورية". محكمة الموضوع. "مسائل الواقع".
بحث صورية الورقة المقدمة في الدعوى. استخلاص محكمة الموضوع الصورية من قرائن الدعوى. لا رقابة عليها في ذلك متى كان الاستخلاص سائغاً.
1 - مفاد نص المادة الثانية من قانون التجارة - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن السند الإذني لا يعتبر عملاً تجارياً إلا إذا كان من وقع السند تاجراً أو كان السند مترتباً على معاملة تجارية فلا يكفي مجرد إدراج شرط الإذن في السند لاعتباره من قبيل الأعمال التجارية.
2 - مؤدى نصوص المواد من 133 إلى 141 والمادة 189 من قانون التجارة أن قواعد تحويل (تظهير) الكمبيالة لا تتبع في شأن السندات التي تحت الإذن إلا إذا كانت معتبرة عملاً تجارياً على مقتضى ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية من قانون التجارة مما يخرج السندات المدنية من نطاق هذه القواعد ولو تضمنت شرط الإذن وذلك بالقدر الذي تعتبر فيه هذه القواعد متعلقة بالالتزام التجاري وحده دون الالتزام المدني. وإذ يعد تطهير السند من الدفوع في العلاقة بين المدين والحامل غير المباشر أثراً من آثار التظهير التي تتفق وطبيعة الالتزام الصرفي وتستقل به الورقة التجارية بحسب ما تنهض به من وظائف، وكان تطبيق هذا الأثر بالنسبة للسندات المدنية يترتب عليه إقصاء طبيعتها المدنية عنها وينم عن العنت والإجحاف بالمدينين فيها، فإن لازم ذلك هو إطراح هذا الأثر عند تظهير الورقة المدنية.
3 - بحث صورية الورقة التي تقدم في الدعوى هو مما تختص به محكمة الموضوع، فلها بموجب هذه السلطة أن تعرض لها وتستنتج جديتها أو صوريتها من قرائن الدعوى دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاص محكمة الموضوع سائغاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4348 سنة 1963 مدني كلي القاهرة ضد المطعون ضده وضد عبد الحميد أحمد جاد طالباً الحكم بإلزامهما الأول باعتباره مديناً والثاني ضامناً متضامناً بأن يدفعا له مبلغ 250 ج والفوائد بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق حتى السداد. وقال بياناً للدعوى إنه يداين المطعون ضده والمدعى عليه الثاني بالمبلغ المطالب به بموجب سبعة سندات إذنية صادرة من المطعون ضده لصالح المدعى عليه الثاني ومظهرة له من هذا الأخير ومستحقة السداد في الخامس من أشهر مارس وإبريل ومايو ويونيه، وفي الأول من يونيه ويوليه سنة 1958، وإذ امتنع المدعى عليهما عن السداد رغم إعلانهما ببروتستو عدم الدفع في 18/ 8 و6/ 9/ 1958 فقد أقام دعواه بطلباته المشار إليها. وأثناء نظر الدعوى تنازل الطاعن عن مخاصمة عبد الحميد أحمد جاد. ودفع المطعون ضده بأن السندات موضوع الدعوى سندات مدنية صدرت من غير تاجر وبمناسبة عملية مدنية وتفتقد شرط الكفاية الذاتية، وتمسك بتخالصه مع الدائن الأصلي - عبد الحميد أحمد جاد - بموجب مخالصة ثابتة التاريخ في 3/ 2/ 1958 قبل إعلانه من الطاعن بالحوالة في 18/ 8/ 1958، كما تمسك بأن ثلاثة من السندات الإذنية موضوع الدعوى الحالية وهي المستحقة السداد في 5/ 4 و1/ 6 و1/ 7/ 1958 سبق أن رفعت بشأنها الدعوى رقم 41 سنة 1959 مدني الأزبكية، وأنه وإن قضى فيها ضده من محكمة أول درجة إلا أن محكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية ألغت هذا الحكم وقضت بتاريخ 31/ 1/ 1961 بعدم اختصاص المحكمة الجزئية بنظر الدعوى بالاستئناف رقم 820 سنة 1960 تأسيساً على أن هذه السندات الثلاثة فقدت شرط الكفالة الذاتية وارتبطت بالالتزام الأصلي وهو عقد المقاولة، وتمسك أيضاً بأن الأربعة سندات الأخرى المستحقة الأداء في الخامس من أشهر مارس وإبريل ومايو ويونيه سنة 1958 قد رفعت بشأنها الدعوى رقم 458 سنة 60 مدني الأزبكية وقضي فيها بعدم الاختصاص لفقدها شرط الكفاية الذاتية وأنها جزء من عقد المقاولة الذي يجاوز نصاب القاضي الجزئي وأصبح هذا الحكم نهائياً بعدم استئنافه من جانب الطاعن. ورد الطاعن بأنه سبق أن قضي لصالحه في الدعويين رقمي 261 سنة 1959 مدني مصر الجديدة و243 سنة 1959 مدني الأزبكية بصحة حوالة سندات مماثلة عن ذات عقد المقاولة وقد أصبح الحكم الصادر فيهما نهائياً بالحكم في الاستئناف رقم 1862 سنة 1959 س مصر عن الأولى وبالحكم في الاستئناف رقم 582 سنة 60 س مصر عن الثانية إذ قضي في الاستئنافين بتاريخ 31/ 1/ 1961 بعدم جواز الاستئناف. وفي 9/ 2/ 1963 قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة حيث قيد الاستئناف برقم 582 سنة 80 ق. دفع المطعون ضده بعدم جواز الاستئناف لقلة النصاب. وبجلسة 31/ 3/ 1965 قضت محكمة الاستئناف برفض الدفع وبقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع بقوة الشيء المقضى بموجب الحكمين رقمي 261 سنة 59 مدني مصر الجديدة و243 سنة 59 مدني الأزبكية اللذين أصبحا نهائيين بالحكم الصادر من محكمة القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية في 31/ 1/ 1961 في الاستئنافات أرقام 1862 سنة 1959 و582 و820 سنة 60 س مصر غير أن الحكم المطعون فيه اقتصر في رده على هذا الدفع على القول بأن ما تمسك به الطاعن من قوة الشيء المقضي لا يعدو أن يكون مسائل قانونية وردت في أسباب الأحكام المشار إليها ولم ترد في منطوقها ولا ترتبط بهذا المنطوق، حالة أن هذه الأحكام لم تقف عند إيراد بعض المسائل القانونية في أسبابها بل فصلت في مسائل واقعية وأخرى قانونية وأنها لذلك حازت قوة الشيء المقضي فيما فصلت فيه، فقد فصلت تلك الأحكام في انتقال ملكية السندات موضوعها إلى الطاعن مطهرة من الدفوع وأن سند الطاعن في المطالبة بها مستقل عن الالتزام الأصلي مما مفاده أن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بقوة الشيء المقضي قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم الاستئنافي الصادر في 31/ 1/ 1961 أنه انتهى بصدد الاستئنافين المرفوعين عن الدعويين رقمي 261 سنة 59 مدني مصر و243 سنة 1959 مدني الأزبكية إلى أن السندات موضوع هاتين الدعويين سندات مستقلة عن الالتزام الأصلي، وألزم لذلك المطعون ضده بقيمة كل سند منها مستقلاً عن قيمة السند الآخر وذلك على أساس أن موضوع كل دعوى هو السند الإذني الذي أقيمت للمطالبة بقيمته وهو موضوع يستقل بذاته عن موضوع الدعوى الأخرى، كما يبين من ذلك الحكم الاستئنافي المشار إليه أن السندات موضوع هاتين الدعويين تغاير السندات الثلاثة موضوع الدعوى رقم 41 سنة 1959 مدني الأزبكية، وإذ تغاير السندات موضوع الدعويين المشار إليهما السندات الأربعة موضوع الدعوى رقم 458 سنة 60 مدني الأزبكية التي قضي فيها بعدم الاختصاص وأصبح الحكم فيها نهائياً لعدم استئنافه، وكانت السندات موضوع الدعوى رقم 41 سنة 1959 مدني الأزبكية التي قضي فيها استئنافياً بالحكم الصادر في 31 / 1/ 1961 بعدم اختصاص المحكمة الجزئية، والسندات موضوع الدعوى رقم 458 سنة 1960 مدني الأزبكية التي قضي فيها نهائياً بعدم اختصاص القاضي الجزئي بنظرها، هي ذات السندات التي أقيمت بها الدعوى الحالية رقم 4348 سنة 1963 مدني القاهرة ولم يخالف الحكم المطعون فيه بما انتهى إليه حجية هذين الحكمين فيما تضمناه من التقرير بافتقار السندات موضوعها شرط الكفاية الذاتية واتصالها بعقد المقاولة الأصلي، وعدم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع بشأنها. لما كان ذلك وكانت المادة 405 من القانون المدني تنص - في خصوص حجية الشيء المقضى به - على أنه "لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً" وكان يبين مما تقدم وعلى ما ورد بالأحكام المشار إليها أن الحق المطالب به في الدعويين 261 سنة 56 مدني مصر الجديدة و243 سنة 59 الأزبكية واستئنافهما رقم 1862 سنة 59 و582 سنة 60 س مصر يستقل بذاته ويغاير موضوع الحق الذي أقيمت به الدعوى الحالية رقم 4348 سنة 63 مدني كلي القاهرة، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدفع بقوة الشيء المقضي الذي أبداه الطاعن واستند فيه إلى الحكمين الصادرين في الدعويين رقمي 261 سنة 59 مدني مصر الجديدة و243 سنة 59 مدني الأزبكية واستئنافهما رقم 1862 سنة 59 س مصر لا يكون قد خالف القانون، وذلك على أساس ما تبين من أن هذه الأحكام تتعلق بسندات غير السندات موضوع الدعوى الحالية، ويكون ما يثيره الطاعن بسبب النعي بصدد ما قرره الحكم المطعون فيه بشأن الأحكام المشار إليها من أنها تضمنت مجرد سرد لمبادئ قانونية لا ترتبط بمنطوقها بقولة أنها فصلت في مسائل واقعية وأخرى قانونية مما ترتبط بمنطوقها يكون نعياً غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بقوة الشيء المقضي التي ثبتت بالحكمين رقمي 261 سنة 59 مدني مصر الجديدة و243 سنة 1959 مدني الأزبكية اللذين أصبحا نهائيين بالحكم بعدم جواز الاستئناف كما تمسك بقوة الشيء المقضي التي ثبتت بالحكم الاستئنافي الصادر في الاستئنافات أرقام 1862 سنة 59 و582 سنة 60 و820 سنة 60 س مصر ولكن الحكم المطعون فيه أجاب على ذلك بقوله إنه ثبت من الاطلاع على هذه الأحكام أنها ألغيت في الاستئناف بحيث حكم فيها بعدم جواز الاستئناف وبعدم الاختصاص وعلى ذلك يكون هذا السبب ولا سند له من القانون فيتعين الالتفات عنه، حالة أن الحكم الصادر في 31/ 1/ 1961 في الاستئنافات الثلاثة قد قضي في الأولين بعدم جواز الاستئناف فصارا نهائيين، وقضى في الثالث بإلغاء الحكم وبعدم الاختصاص وإذ خالف الحكم المطعون فيه الثابت بالأوراق على النحو السالف بيانه فإنه يكون معيباً.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى رفض الدفع الذي تمسك به الطاعن واستند فيه إلى حجية الأحكام الصادرة بشأن السندات الإذنية موضوع الدعويين 261 سنة 59 مصر الجديدة و243 سنة 1959 مدني الأزبكية واستئنافهما 1862 سنة 1959 و582 سنة 1960 س مصر، وذلك اعتباراً من الحكم بأن الأحكام المشار إليها تتعلق بسندات غير السندات موضوع الدعوى الحالية 4348 سنة 1963 كلي مصر، وكان هذا الذي انتهى إليه الحكم صحيحاً في القانون على ما سلف بيانه في الرد على السبب السابق، فإن ما استطرد إليه الحكم بقوله إن هذه الأحكام قد ألغيت في الاستئناف في حين أنه قضي فيها بعدم جواز الاستئناف بالنسبة للحكمين الصادرين في الدعويين رقم 261 سنة 1959 مصر الجديدة و243 سنة 1959 مدني الأزبكية وبالإلغاء وبعدم الاختصاص بالنسبة للحكم الصادر في الدعوى رقم 41 سنة 1959 مدني الأزبكية، يعد تزيداً غير مؤثر في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون النعي عليه بمخالفة الثابت بالأوراق في هذا الخصوص غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجهين الأول والثاني من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ويقول في بيان الوجه الأول منها إن الحكم المطعون فيه أيد الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم قابلية السندات موضوع النزاع للتظهير، وذلك على الرغم مما أوضحه الطاعن من أن أساس الدعوى سندات سبعة حررت من المطعون ضده لأمر المقاول عبد الحميد أحمد جاد وظهرها الأخير لأمر الطاعن، وأن سندين منها أحالا في معرض بيان وصول القيمة إلى عقد المقاولة المبرم بين المطعون ضده والمقاول، وورد بالسندات الخمسة الأخرى بأن القيمة من حساب تشطيب منزل المطعون ضده وأن هذه الإحالة إلى عقد المقاولة وإن أفقدت السندين شرط الكفاية الذاتية إلا أنها لا تمنع من انتقال ملكيتهما بالتظهير دون خضوع لقواعد الحوالة المدنية، إذ تضمنا شرط الإذن إلا أن الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه - افترض أن السندات السبعة جميعها أحالت إلى عقد المقاولة ففقدت ذاتيتها دون أن يرد على ما تمسك به الطاعن من قبول السندين اللذين أحالا إلى عقد المقاولة للتظهير ومن أن عبارة "القيمة من حساب تشطيب منزل"... الواردة بباقي السندات قد قضي نهائياً بالحكم الاستئنافي رقم 1862 سنة 1959 س مصر بأنها لا تفقد السند الإذني ذاتيته، وقال الطاعن في بيان الوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي فيما قضى به من تطبيق قواعد الحوالة المدنية على السندات الإذنية المدنية مخالفاً بذلك الرأي الذي يقول بعدم تطبيقها مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بوجهيه بما أورده الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه في قوله "حيث إن المدعى عليه الأول - المطعون ضده - ليس بتاجر وحررت السندات موضوع الدعوى الحالية عن عمل مدني بحت بالنسبة له فقد إلى المدعى عليه الثاني - عبد الحميد أحمد جاد - بإقامة مبان وتشطيبات بمنزله وكان تحرير هذه السندات عن باقي أجر المقاولة وورد النص صراحة على ذلك بسبب المديونية بتلك السندات، ومن ثم فليس لها من ذاتية مستقلة، وقد أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمقاولة ولم تعد تخرج عن كونها إقرارات بمديونية نشأت من عقد المقاولة وصدرت عن عمل مدني بحت فيتعين إذن إعمال قواعد القانون المدني في خصوص الحق الثابت بها فيسري على انتقال ما تضمنته هذه السندات من حقوق، أحكام حوالة الحق". وإذ نصت الفقرة السابعة من المادة الثانية من قانون التجارة على أن "يعتبر بحسب القانون عملاً تجارياً، جميع السندات التي تحت إذن سواء كان من أمضاها أو ختم عليها تاجراً أو غير تاجر، إنما يشترط في الحالة الأخيرة أن يكون تحريرها مترتباً على معاملات تجارية" فإن مفاد هذا النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن السند الإذني لا يعتبر عملاً تجارياً إلا إذا كان موقع السند تاجراًً أو كان السند مترتباً على معاملة تجارية فلا يكفي مجرد إدراج شرط الإذن في السند لاعتباره من قبيل الأعمال التجارية. ولما كان المشرع قد نص بالمواد من 133 إلى 141 من قانون التجارة بالفرعين السادس والسابع من الفصل السادس (في الكمبيالات) على القواعد الخاصة بتحويل (تظهير) الكمبيالة ومسئولية الساحب والقابل والمحيل وإذ الحق المشرع هذا الفصل بنص المادة 189 من قانون التجارة الواردة في الفصل السابع "السندات التي تحت الإذن وفي السندات لحاملها" فقرر بأن "كافة القواعد المتعلقة بالكمبيالات فيما يختص بحلول مواعيد دفعها وبتحاويلها وضمانها بطريق التضامن أو على وجه الاحتياط ودفع قيمتها من متوسط وعمل البروتستو وكذلك فيما تختص بحامل الكمبيالات من الحقوق وما عليه من الواجبات، تتبع في السندات التي تحت الإذن متى كانت معتبرة عملاً تجارياً بمقتضى المادة 2 من هذا القانون" فقد أفاد المشرع بهذه النصوص بأن قواعد تحويل (تظهير) الكمبيالة لا تتبع في شأن السندات التي تحت الإذن إلا إذا كانت معتبرة عملاً تجارياً على مقتضى ما نصت عليه الفقرة السابعة من المادة الثانية من قانون التجارة على النحو السالف الإشارة إليه، مما يخرج السندات المدنية من نطاق هذه القواعد ولو تضمنت شرط الإذن، وذلك بالقدر الذي تعتبر فيه هذه القواعد متعلقة بالالتزام التجاري وحده دون الالتزام المدني. وإذ يعد تطهير السند من الدفوع في العلاقة بين المدين والحامل غير المباشر أثراً من آثار التظهير التي تتفق وطبيعة الالتزام الصرفي وتستقل به الورقة التجارية بحسب ما تنهض به من وظائف، وكان تطبيق هذا الأثر بالنسبة للسندات المدنية يترتب عليه إقصاء طبيعتها المدنية عنها وينم عن العنت والإجحاف بالمدينين فيها الذين غالبا ما يقبلون على التوقيع عليها دون أن يدركوا مدى شدته، فإن لازم ذلك هو إطراح هذا الأثر عند تظهير الورقة المدنية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر السندات السبعة موضوع الدعوى مدنية وأجاز ترتيباً على ذلك للمدين فيها - المطعون ضده - أن يتمسك قبل المظهر إليه - الطاعن - الذي انتقلت إليه هذه السندات بالدفوع التي كانت له قبل دائنه الأصلي، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب في وجهيه - ولما سلف بيانه في الرد على السبب السابق - على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالوجه الثالث القصور في التسبيب، ويقول في بيان ذلك إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بصورية المخالصة التي يتمسك بها المطعون ضده وبقيام التواطؤ بين هذا الأخير والمدين الأصلي غير أن الحكم المطعون فيه أيد الحكم الابتدائي فيما ذهب إليه من نفي الصورية والتفت عن دفاعه في هذا الخصوص مما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم الابتدائي - الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه - أنه رد على دفاع الطاعن بصورية المخالصة التي قدمها المطعون عليه بقوله "الواقع في الدعوى أن المدعى عليه الأول - المطعون ضده - حين أعلن بحوالة الحقوق موضوع سندات الدعوى للمدعي - الطاعن - كان قد أوفى ومن قبل بقيمة السندات للمدعى عليه الثاني - عبد الحميد أحمد جاد - بموجب تعاقد تاريخه 28/ 11/ 1957 وثابت التاريخ في 3/ 2/ 1958 وموقع عليه من المدعى عليه الثاني، وقد أقر المدعى عليه الثاني فيه بقبضه قيمة السندات وبتخالصه مع المدعى عليه الأول عنها واعتبار هذه السندات لاغية، وكان هذا التعاقد كما تقدم سابقاً لإعلان المدعى عليه الأول بحوالة الحقوق موضوع السندات للمدعي وذلك في 18/ 8/ 1958 ومن ثم حق للمدعى عليه الأول أن يتمسك بانقضاء الدين موضوع السندات، وفضلاً عن ذلك فإنه ليس ثمة دليل على أن تواطؤاً وقع بين المدعى عليه الأول والثاني بل إن المدعى عليه الأول حين أقدم على التخالص مع المدعى عليه الثاني كان حسن النية معتقداً أن السندات موضوع الدعوى الحالية قد أصبحت لاغية كنص التعاقد المحرر في هذا الخصوص والمشار إليه فيما تقدم" وأضاف الحكم المطعون فيه في الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص قوله "لا محل للقول من جانب المستأنف - الطاعن - أنه كان يتعين على المحال عليه أي المدين الأصلي أن يمتنع عن الإضرار بحق المحال إليه حيث إنه لا يعرف هذا الأخير طالما أنه لم يعلن به أو يقبل حوالته". ولما كان بحث صورية الورقة التي تقدم في الدعوى هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما تختص به محكمة الموضوع فلها بموجب هذه السلطة أن تعرض لها وتستنتج جديتها أو صوريتها من قرائن الدعوى دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض متى كان استخلاص محكمة الموضوع سائغاً، وإذ تضمن الحكمان الابتدائي والمطعون فيه على النحو السالف بيانه الأسباب السائغة في نفي صورية المخالصة التي تمسك بها المطعون ضده، وكانت هذه الأسباب تحمل الرد على ما يسوقه الطاعن من دفاع بهذا الشأن، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.