أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 1017

جلسة 19 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور محمد حافظ هريدي رئيساً، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(159)
الطعن رقم 323 لسنة 35 القضائية

( أ ) عرف. قانون.
عدم جواز التحدي بالعرف في حالة وجود نص تشريعي.
(ب) إثبات. "حجية الأوراق العرفية". "حجية البرقية".
شرط أن يكون للبرقية قيمة الورقة العرفية في الإثبات. أن يكون أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها. المادة 396 مدني.
(ج) عقد. "أركان العقد".
الإيجاب هو العرض الذي يعبر به الشخص عن إرادته في إبرام عقد معين. اقترانه بقبول مطابق له. مؤد لانعقاد العقد.
(د) بيع. "وكالة. "الوكالة الخاصة". قطن. "قطع القطن ونقله لاستحقاق تال".
قطع القطن ونقله إلى استحقاق تال. هما من مقتضيات البيع وتوابعه الضرورية. استلزام وكالة خاصة بالبيع لمن يجريهما نيابة عن صاحب الشأن.
1 - لا يجوز التحدي بالعرف إلا إذا لم يوجد نص تشريعي.
2 - يشترط لكي تكون للبرقية قيمة الورقة العرفية في الإثبات - طبقاً لنص المادة 396 مدني - أن يكون أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها، فإذا كان الأصل لا يحمل توقيع المرسل أو من له صفة النيابة عنه في إرسالها فلا تكون للبرقية قيمة في الإثبات.
3 - الإيجاب هو العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما اقترن به قبول مطابق له انعقد العقد.
4 - إذا كانت الوكالة المراد إثباتها، صريحة كانت أو ضمنية، لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة، وكان قطع القطن ونقله إلى استحقاق تال لا يعتبر أيهما من بين هذه الأعمال ولا بد لمن تجريهما نيابة عن صاحب الشأن من أن يكون لديه وكالة خاصة بالبيع لأن هذين الأمرين هما من مقتضيات البيع وتوابعه الضرورية، ومن ثم فإن إثبات الوكالة الابن عن والده في أعمال الإدارة لا تؤدي إلى ثبوت صفة الابن في نقل القطن من استحقاق إلى آخر نيابة عن والده.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 204 سنة 1961 تجاري كلي أسيوط على الشركة الطاعنة طالباً إلزامها بأن تدفع له مبلغ 3631 ج و943 م والفوائد بواقع 7% من تاريخ الاستحقاق حتى السداد، وقال في بيان دعواه إنه باع المدعى عليها بعقد مؤرخ 6/ 9/ 1960 1108 قنطار و52 رطل من القطن بسعر 130 قرش فوق الكونتراتات قطع منها 500 قنطار على دفعتين وتبقي 608 قنطار و52 رطل، ولما أخطر الشركة في 25/ 6/ 1961 بعمل الحساب عنها على أساس سعر القفل في 31/ 5/ 1961 أبلغته بأنها تسلمت في 30/ 5/ 1961 برقية منسوبة إليه تتضمن طلب نقل القطن إلى أغسطس وأن القطع تم بسعر 57 ريال و40 بنط المحدد في القرار الوزاري مع أنه كان قد سافر إلى الأقطار الحجازية في 4/ 5/ 1961 ولم يعد منها إلا في 19/ 6/ 1961 ولم يطلب نقل القطن كما لم يوكل عنه أحداً في فترة غيابه، ولهذا فقد أنذر مدير عام هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية للاحتفاظ بأصل البرقية المشار إليها بخطاب الشركة، وأقام الدعوى للمطالبة بالمبلغ السابق باعتباره باقي ما يستحقه من الثمن وعند نظر الدعوى بجلسة 16/ 10/ 1961 عرضت الشركة المدعى عليها (الطاعنة) على وكيل المدعي مبلغ 3059 ج و934 م قائلة إنه هو ما يستحقه لديها فقبله وكيله وعدل طلباته إلى إلزام بالمدعى عليها بأن تدفع له مبلغ 572 ج و9 م مع الفوائد بواقع 7%. دفعت الشركة المدعى عليها بأنها تسلمت في 30/ 5/ 1961 برقية من المدعي طلب فيها نقل الكمية الباقية من القطن وقدرها 608 قنطار و52 رطل إلى أغسطس، ولما كان الإخطار ببرقية جائزاً طبقاً للمادتين 5 و7 من العقد فقد نفذت ما جاء بها وأرسلت له يوم ورودها خطاباً وتنفيذ ما طلبه، ولما صدر في 21/ 6/ 1961 قرار وزاري بتحديد سعر القنطار من الأقطان الباقية من موسم 60/ 61 بمبلغ 57 ريال و40 بنط مضافاً إليه العلاوة المتفق عليها ورأى أن صافي خسارته تبلغ 529 ج و410 م تجاهل البرقية وطلب إجراء الحساب على أساس سعر القفل في 31/ 5/ 1961 فأبلغت النيابة بالواقعة، وفي 29/ 11/ 1961 أدخل المدعي هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية خصماً في الدعوى لتقديم أصل البرقية المؤرخة 30/ 5/ 1961 وقدمتها بالفعل، وتبين من الاطلاع على أوراق شكوى المدعى عليها المتعلقة بتلك البرقية التي قررت المحكمة ضمها أنها مقيدة برقم 1908 سنة 1962 جنح قسم أول أسيوط ضد مجهول لأنه في 30/ 5/ 1961 بدائرة بندر أسيوط ارتكب تزويراً في أصل البرقية واستعملها بتقديمها لموظف التلغراف مع علمه بتزويرها إذا أنكر المدعي (المطعون ضده الأول) وأولاده وموظفوه إرسال البرقية وثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي أن خط البرقية وعنوان المرسل يختلف عن خط كل من المدعي وأبنائه محمد وتهامي وعبد المجيد وكاتبه متري. وبتاريخ 5/ 3/ 1963 قضت محكمة أول درجة (أولاً) بإخراج المدعى عليها الثانية (هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية) من الدعوى بلا مصاريف. (ثانياً) بإلزام الشركة المدعى عليها (الطاعنة) بأن تدفع للمدعي مبلغ 572 و9 م والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ إعلان الصحيفة حتى السداد. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط بالاستئناف رقم 63 سنة 68 ق طالبة إلغاءه ورفض الدعوى، ومن باب الاحتياط إحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت أن المستأنف عليه الأول (المطعون ضده الأول) أناب عنه نجله الأكبر تهامي في إدارة أعماله المالية أثناء غيابه وأنه يديرها أيضاً أثناء وجوده وأنه يقيم معه ويعلم بإرسال البرقية وأنه ذهب إلى مكتب الشركة بأسيوط يوم 30/ 5/ 1961 وأخبرهم بأنه سيرسل برقية يطلب نقل القطن. وبتاريخ 6/ 6/ 1964 قضت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الشركة المستأنفة (الطاعنة) بكافة طرق الإثبات القانونية ومنها البينة أن تهامي أحمد خشبه يقيم مع والده وأنه كان وكيلاً ونائباً عنه في إدارة أعماله في فترة غيابة بالأراضي الحجازية وأنه حضر إلى فرع الشركة بأسيوط في 30/ 5/ 1961 وطلب نقل الاستحقاق إلى أغسطس سنة 1961 وأبلغ بأنه سيرسل برقية بهذا الطلب وأن البرقية المرسلة بتاريخ 30/ 5/ 1961 والمتضمنة طلب النقل المذكور كانت تعزيزاً لطلبه الشفوي وأجازت للمستأنف عليه (المطعون ضده الأول) النفي بذات الطرق. وبالجلسة المحددة للتحقيق اعترض المطعون ضده الأول على إثبات الوكالة بالبينة استناداً إلى المادتين 162 من قانون المرافعات و702 من القانون المدني قائلاً إنه لا بد من وكالة خاصة منه لابنه في البيع وأنه لا يجوز إثبات تلك الوكالة بالبينة ما دامت قيمة التصرف تزيد على العشرة جنيهات، وبعد أن سمعت المحكمة شهود المستأنفة قضت في 10/ 3/ 1965 بتأييد الحكم المستأنف وبتاريخ 8/ 5/ 1965 طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وصممت على هذا الرأي بالجلسة المحددة لنظره.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أوجه تنعى الطاعنة فيها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول في الوجه الأول إنه وقد نص في عقد البيع على أن الأقطان المبيعة ناتجة من زراعة المطعون ضده الأول الخاصة وزراعة ولديه محمد وتهامي وكان الطرفان قد اتفقا على أن يكون قطع السعر أو نقله من استحقاق إلى آخر ببرقية أو بخطاب موصى عليه، وعلى أن يكون عنوان المطعون ضده الأول المعتمد لتوجيه المراسلات والإخطارات إليه منه هو ذلك الموضح بالعقد، وكان هذا الاتفاق جائزاً قانوناً لعدم مخالفته للنظام العام فإنه يكون للبرقية المرسلة من المطعون ضده الأول لها في 30/ 5/ 1961 بنقل أقطانه الباقية إلى استحقاق أغسطس، حجيتها في الإثبات بغض النظر عن صحة توقيع المرسل على أصلها أو عدم صحته لأن موظف البرق لا يتحقق من شخصية المرسل، وقد يقبل البرقية من غير صاحبها بل ويجوز إرسال البرقية بواسطة التليفون وتكون لها حجيتها رغم أنها لا تحمل توقيعاً صحيحاً للمرسل وذلك إعمالاً لشرط العقد الذي أباح إجراء القطع أو النقل ببرقية، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائي ما تم الاتفاق عليه، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. وتقول الطاعنة في بيان الوجه الثاني إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خرج في تفسير العقد وطريقة تنفيذه على ما يقتضيه العرف التجاري من سرعة بالنسبة للقطع والنقل، وإذ جرى العرف على أن تصدر أوامر القطع والنقل ببرقية أو تليفونياً وكان هذا العرف لا يتطلب تحقيق مصدر البرقية، ويتفق مع ما يقتضيه تنفيذ العقد من حسن نية، فإن الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه الذي أخذ بأسبابه يكونان قد أخطآ حين ساير المطعون ضده الأول في غشه ونفيا إرسال البرقية لثبوت تغيبه خارج الوطن وعدم ثبوت إرسالها من نائب أو وكيل عنه. تقول الطاعنة في بيان الوجه الثالث إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أخطأ فيما قرره من أن خطاب 30/ 5/ 1961 المرسل من الطاعنة للمطعون ضده الأول متضمناً إخطاره بوصول البرقية وتنفيذ ما جاء بها ونقل الاستحقاق إلى أغسطس، يعتبر إيجاباً لم يصدر من المطعون ضده ولا أثر له من الناحية القانونية لأنه لم يصادفه قبول منه، مع أن ما جاء بهذا الخطاب يعتبر قبولاً يسري عليه حكم المادة 98 من القانون المدني، ومن ثم فإن سكوت المطعون ضده الأول في الفترة من 30/ 5/ 1961، 25/ 6/ 1961 يكون مؤكداً لإيجابه الأول الصادر منه ورضاء منه بما ورد بكتاب الشركة المتضمن قبول ذلك الإيجاب، إلا أنه لما حدد القرار الوزاري الصادر في 21/ 6/ 1961 سعر قنطار القطن بمبلغ يقل عن سعر 31/ 5/ 1961 بمقدار 4 ريال و35 بنط، فقد دفعه هذا إلى جحد البرقية. وتقول الطاعنة في بيان الوجه الرابع إنه وقد قضت محكمة الاستئناف في 6/ 6/ 1964 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي إقامة تهامي ابن المطعون ضده الأول معه ووكالته عنه في إدارة أعماله أثناء غيابه بالأراضي الحجازية، وحضوره إلى فرع الشركة بأسيوط في 30/ 5/ 1961 وطلبه نقل استحقاق القطن إلى أغسطس سنة 1961 ووعده بإرسال برقية بهذا الطلب، وأن برقية 30/ 5/ 1961 المتضمنة طلب النقل وكانت تعزيزاً لطلبه الشفوي وسمعت المحكمة شهود الطاعنة، ولم يشهد المطعون ضده أحداً واكتفى بالاعتراض على الحكم بعد صدوره، إلا أن الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي استناداً إلى ما قرره من أن الشركة الطاعنة وإن كانت من الغير في تعاملها مع الوكيل إلا أن الوكالة بالنسبة لها لا تعتبر واقعة مادية لأنها تتأثر بها كما لو كانت طرفاً فيها، وهذا من الحكم مخالف للقواعد العامة إذ فضلاً عن أن ما جاء بالحكم المطعون فيه يخرج عن نطاق الدعوى إذ وصلت البرقية باسم المطعون ضده الأول نفسه لا باسم ابنه، فهناك وكالة ضمنية أدار بموجبها الابن أعمال أبيه في فترة غيابه وهذه الوكالة لا يشترط إثباتها بالكتابة سواء بين الطرفين أو بالنسبة للغير.
وحيث إن النعي في الوجهين الأول والثاني غير سديد، إذ أقام الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضاءه في هذا الخصوص على قوله "وحيث إن مناط الفصل في النزاع ينحصر فيما إذا كان المدعي هو أو نائب عنه أرسل هذه البرقية أم لا، وقد انتهى التحقيق الذي أجرته النيابة إثر الشكوى المقدمة من وكيل المدعى عليها بأن المدعي أو أحد أبنائه أو كاتبه هو الذي حرر أصل البرقية، كما ثبت من جواز سفره أنه لم يكن موجوداً بأسيوط في الوقت الذي تحررت فيه البرقية وليس في ذلك نزاع فيما بين الطرفين. وحيث إن العقد المؤرخ 6/ 9/ 1960 حكم على المدعي أن يخطر في ميعاد معين برغبته في نقل أقطانه إلى فترة تالية من فترات كونتراتات البورصة وذلك بخطاب موصى عليه أو ببرقية أو بالتوقيع على خطابات القطع بالشركة، ونص في البند الثامن من العقد على أنه إذا لم يقم بإخطار الشركة برغبته في قطع السعر أو نقل قطنه أو إلى الاستحقاق التالي فإنه يحق للشركة أن تقوم بقطع السعر، ومن ثم فإن للمدعي طبقاً لهذا العقد أن يخطر المدعية برغبته في نقل أقطانه إلى استحقاق تالٍ (كونتراتات تالية) أو يسكت فيكون على الشركة المشترية أن تقطع على السعر في الموعد المحدد دون نقل.
وحيث إنه لذلك يكون النقل متوقفاً على إظهار المدعي لرغبته في ذلك بالتعبير عن إرادته. وحيث إن التعبير عن الإرادة يكون باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفاً كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود (م. 9. مدني) وهذا التعبير الذي يتولد عنه الالتزام هو ما يصدر من الأصيل في التعاقد أو من نائبه. وحيث إنه وقد ثبت أن المدعي كان متغيباً عن أسيوط خارج الوطن حسبما ثبت من جواز سفره المقدم منه ولم يثبت أن نائباً عنه أو وكيلاً هو الذي أرسل هذه البرقية فإنه لا يمكن القول بأنه أعلن عن رغبته في نقل قطنه إلى استحقاق تالٍ ولا يمكن إلزامه نتيجة خطأ وقعت فيه المدعى عليها نتيجة غش من مجهول" وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه لما كان الثابت من البندين الخامس والسادس من عقد البيع المبرم بين الطرفين أنهما اتفقا على أن قطع القطن ونقله من استحقاق إلى آخر يكون بخطاب موصى عليه أو ببرقية أو بالتوقيع على خطابات القطع التي تعدها الطاعنة، وكان الطرفان قد أعملا هذا الاتفاق، إذ تم القطع والنقل - على ما يثبت من خطابات القطع والنقل المؤرخة 28/ 12/ 1960، 23/ 1/ 1961 و2/ 4/ 1961 المرفقة بحافظة الطاعنة رقم 5 من الملف الابتدائي - بتوقيع المطعون ضده الأول على خطابات القطع التي أعدتها الطاعنة أو بخطاب موصى عليه وجهه المطعون ضده الأول إليها، وكان اتفاقهما على حصول القطع ببرقية لا يتضمن خروجاً على القاعدة المنصوص عنها في المادة 396 من القانون المدني، وكان لا يجوز التحدي بالعرف إلا إذا لم يوجد نص تشريعي، وكان يشترط لكي تكون للبرقية قيمة الورقة العرفية في الإثبات طبقاً لنص المادة 396 مدني سالفة البيان أن يكون أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها، فإذا كان الأصل لا يحمل توقيع المرسل أو من له صفة النيابة عنه في إرسالها فلا تكون للبرقية في الإثبات، لما كان ذلك، وكان المطعون ضده الأول قد أنكر إرسال البرقية أو إنابة أحد عنه في إرسالها، وكان قد ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي المرفق بملف الجنحة رقم 1908 سنة 1962 أول أسيوط المضموم لملف الدعوى أن التوقيع المنسوب للمطعون ضده الأول على أصل البرقية المرسلة في 30/ 5/ 1961 والمتضمنة طلب نقل الأقطان إلى أغسطس لم يصدر منه، فإنه لا يجوز للطاعنة أن تحاج المطعون ضده الأول بما جاء بتلك البرقية، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر وكان تفسيره للبندين الخامس والسادس من عقد البيع لم يخرج عن المعنى الظاهر لنصهما الصريح، فإن النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله.
وحيث إن النعي في الوجه الثالث غير صحيح، إذ أقام الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضاءه في هذا الخصوص على قوله "وحيث إنه من ناحية أخرى فإنه لا أثر لخطاب الشركة المؤرخ 30/ 5/ 1961 المرسل من المدعى عليها للمدعي تخطره فيه بوصول البرقية وتنفيذ ما جاء فيها ونقلها الاستحقاق إلى أغسطس وذلك لأن ما يتضمنه هذا الخطاب هو مجرد قبول لإيجاب لم يصدر من المدعي ولا أثر لهذا الخطاب من الناحية القانونية ويتعين عليها إذا أن تدفع له ثمن أقطانه على أساس قفل 31/ 5/ 1961" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه لا مخالفة فيه للقانون، ذلك أنه لما كان الإيجاب هو العرض الذي يعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين بحيث إذا ما اقترن به، قبول مطابق له انعقد العقد، وكان قد ثبت مما سلف أن البرقية المنسوبة للمطعون ضده الأول والمتضمنة طلب نقل القطن إلى أغسطس لم تصدر منه وأنه لا يحق أن يحاج بما جاء فيها، فإنه لا محل للقول بصدور إيجاب من المطعون ضده الأول حتى يمكن أن يصادفه قبول من الطاعنة بخطابها المؤرخ 30/ 5/ 1961.
وحيث إن النعي في الوجه الرابع غير منتج، ذلك أنه وإن طلبت الطاعنة بمذكرتها المقدمة لجلسة 6/ 6/ 1964 رقم 9 من الملف الاستئنافي إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن المطعون ضده الأول أناب نجله الأكبر تهامي في إدارة أعماله المالية أثناء غيابه كما كان يديرها أثناء وجوده، ولم ينازع المطعون ضده الأول في هذا الطلب كما لم يقبله صراحة إلى أن أجابتها المحكمة إليه، إلا أنه لما كانت الوكالة المراد إثباتها صريحة كانت أو ضمنية لا تخول الوكيل صفة إلا في أعمال الإدارة وكان قطع القطن ونقله إلى استحقاق تالٍ لا يعتبر أيهما من بين هذه الأعمال ولا بد لمن يجريهما نيابة عن المطعون ضده الأول من أن يكون لديه وكالة خاصة بالبيع لأن هذين الأمرين هما من مقتضيات البيع وتوابعه الضرورية، ومن ثم فإن إثبات وكالة الابن عن والده في أعمال الإدارة لا تؤدي إلى ثبوت صفة للابن في نقل القطن من استحقاق إلى آخر نيابة عن والده. وبالتالي فلا يجدي الطاعنة في إثبات دعواها، ومن ثم فإن نعيها على الحكم المطعون فيه لعدم أخذه بنتيجة التحقيق الذي أجرته المحكمة يكون غير منتج ما دام أن ما تقوله الطاعنة أنها أثبتته في هذا التحقيق ما كان يجديها في إثبات دعواها.
وحيث إن الطاعنة أضافت في مذكرتها الشارحة إلى الأسباب الواردة في تقرير الطعن سبباً جديداً يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بمخالفته حجية الأمر المقضي إذ أهدر الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات وكالة ابن المطعون ضده الأول عنه في إدارة أعماله، مع أن هذا الحكم إذ قطع في جواز الإثبات بالبينة فإنه يجوز قوة الأمر المقضي التي لا تجوز مخالفتها.
وحيث إنه فضلاً عن أن إثبات الطاعنة نيابة ابن المطعون ضده الأول عنه في إدارة أعماله المالية أثناء غيابه تنفيذاً لحكم الإحالة إلى التحقيق الصادر في 6/ 6/ 1964 لا ينبني عليه إلا تخويل هذا الابن صفة في أعمال الإدارة التي لا تشمل قطع القطن ونقله إلى استحقاق تالٍ كما سلف القول عند الرد على الوجه الثالث من أوجه الطعن، فإن تمسك الطاعنة بهذا النعي يكون غير مقبول لعدم وروده بتقرير الطعن.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.