أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 1036

جلسة 19 من يونيه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

(161)
الطعن رقم 362 لسنة 35 القضائية

( أ ) استئناف. "رفع الاستئناف". إفلاس. "الدعاوى الناشئة عن التفليسة".
دعاوى شهر الإفلاس المنصوص عليها في المادة 118 مرافعات قبل تعديله بالقانون 100 لسنة 1962. عدم شمولها الدعاوى الأخرى المترتبة على الإفلاس أو الناشئة عن التفليسة. استئناف الحكم الصادر في هذه الدعاوى الأخيرة والتي لم ينص القانون على وجوب نظرها على وجه السرعة. بعريضة تقدم إلى قلم الكتاب.
(ب) حساب جاري. "قاعدة عدم التجزئة". بنوك.
الحساب الجاري الذي يخضع لقاعدة عدم التجزئة. ماهيته.
1 - جرى قضاء هذه المحكمة على أن دعاوى شهر الإفلاس المنصوص عليها في المادة 118 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 100 لسنة 1962 لا تشمل الدعاوى الأخرى المترتبة على الإفلاس أو الناشئة عن التفليسة، وإذ كان ذلك وكانت الدعوى الحالية (وهي مرفوعة من وكيل الدائنين على الطاعن بطلب بطلان قرار مجلس إدارة الشركة المشهر إفلاسها بمنح الطاعن مكافأة استثنائية وبإلزام هذا الأخير بأن يدفع للشركة مبلغاً من المال قيمة حسابه المدين طبقاً لكشف الحساب المقدم منه والفوائد من تاريخ الاستحقاق حتى السداد) ليست أيضاً من الدعاوى التي نص القانون على وجوب نظرها على وجه السرعة، فإن استئناف الحكم الصادر فيها يكون بعريضة تقدم إلى قلم الكتاب لا بتكليف بالحضور، ولا يغير من هذا النظر كون الشارع قد جعل ميعاد استئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى الناشئة عن التفليسة ميعاداً قصيراً، لأن تقصير الميعاد ليس من شأنه وحده أن يجعل الدعوى من الدعاوى التي تنظر على وجه السرعة بل يجب أن ينص القانون على ذلك صراحة.
2 - الحساب الجاري الذي يخضع لقاعدة عدم التجزئة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الحساب الذي يتضمن وجود معاملات متصلة بين طرفيه يعتبر فيها كل منهما مديناً أحياناً ودائناً أحياناً أخرى، وتكون هذه العمليات متشابكة يتخلل بعضها بعضاً بحيث تكون مدفوعات كل من الطرفين مقرونة بمدفوعات من الطرف الآخر، فإذا كانت محكمة الموضوع قد نفت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة اتجاه نية الطرفين إلى فتح حساب جار بينهما كما نفت عن الحساب القائم بينهما اتصال العمليات المدرجة فيه ببعضها وتشابكها، وهو ما يلزم توافره في الحساب الجاري، وانتهت إلى اعتبار الحساب حساباً عادياً لا يخضع لقاعدة عدم التجزئة لا تكون قد أخطأت في القانون أو خالفت الثابت في الأوراق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده بصفته وكيلاً لدائني تفليسة شركة المقاولات العمومية "الشرق" أقام على الطاعن الدعوى رقم 294 سنة 1959 إفلاس القاهرة انتهى فيها إلى طلب الحكم ببطلان قرار مجلس إدارة الشركة المذكورة الصادر في 11/ 5/ 1957 بمنح المدعى عليه (الطاعن) مكافأة استثنائية قدرها 3500 ج وبإلزامه بأن يدفع للشركة مبلغ 5289 ج و477 م قيمة حسابه المدين في أول يوليو سنة 1957 طبقاً لكشف الحساب المقدم منه والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ الاستحقاق حتى السداد، وقال شرحاً للدعوى أن الطاعن عين رئيساً لمجلس إدارة الشركة المفلسة في 9/ 1/ 1957 بمكافأة سنوية قدرها 5000 ج سنوياً وفي 11/ 5/ 1957 قرر مجلس الإدارة منحه مكافأة استثنائية قدرها 3500 ج وفي 21/ 9/ 1957 قضى بشهر إفلاس الشركة بناء على طلبها في الدعوى رقم 449 سنة 1957 إفلاس للقاهرة واعتبارها متوقفة عن الدفع مؤقتاً من 2/ 9/ 1957 وتعيين المطعون ضده وكيلاً للدائنين، ثم عدل تاريخ التوقف عن الدفع وأرجع إلى يوم 31/ 12/ 1954 وذلك بمقتضى الحكم الصادر في 21/ 3/ 1959 في الدعوى رقم 576 سنة 1957 إفلاس القاهرة، ولما كان منح الشركة الطاعنة مبلغ المكافأة المذكورة وهي في حالة توقف عن الدفع يعتبر باطلاً عملاً بالمادة 227 من القانون التجاري وكان المبلغ المطالب به يمثل الرصيد الحقيقي المدين في حساب الطاعن، فقد أقام وكيل الدائنين - المطعون ضده - هذه الدعوى بطلباته سالفة البيان وطلب الطاعن رفض الدعوى استناداً إلى أن رصيد الحساب الجاري بينه وبين الشركة المفلسة يسفر عن أنه دائن لها بمبلغ 5786 ج وليس مديناً، وأنه تقدم بدينه هذا في التفليسة وأن مبلغ المكافأة الاستثنائية هو أحد مفردات هذا الحساب فلا يجوز المطالبة به على حده لعدم قابلية الحساب الجاري للتجزئة. وفي 28 مايو سنة 1960 حكمت المحكمة ببطلان قرار مجلس إدارة الشركة المفلسة الصادر بتاريخ 11/ 5/ 1957 والذي بموجبه تقرر منح المدعى عليه (الطاعن) مكافأة استثنائية قدرها 3500 ج وألزمته المصاريف المناسبة لهذا الطلب وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، وأسست قضاءها برفض إلزام الطاعن بالمبلغ المطالب به على أن المقاصة في الحسابات الجارية جائزة على الرغم من الإفلاس لأن الرصيد في الحساب الجاري لا يتحدد إلا عند قفله وأنه لا يجوز تجزئة هذا الحساب. استأنف المطعون ضده بصفته هذا الحكم بعريضة قدمها إلى قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة في 25 يوليو سنة 1960 وطلب فيها إلغاء الحكم المستأنف في هذا الخصوص وإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 5289 ج و471 م وقيد هذا الاستئناف برقم 406 سنة 77 ق القاهرة. ودفع الطاعن ببطلان الاستئناف لرفعه بغير الطريق القانوني. وفي 27 ديسمبر سنة 1960 قضت المحكمة برفض هذا الدفع وبقبول الاستئناف شكلاً، ثم قضت في موضوعه بتاريخ 27 إبريل سنة 1965 بإلغاء الحكم المستأنف في شقه الثاني القاضي برفض طلب رد مبلغ 5289 ج و477 م وإلزام المستأنف عليه (الطاعن) بأن يدفع للمستأنف بصفته المبلغ المشار إليه وفوائده القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة في 12/ 3/ 1960 حتى السداد، فطعن الطاعن في هذين الحكمين بطريق النقض بتاريخ 27 مايو سنة 1965، وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها رفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن في أولهما على الحكم الصادر في 27 ديسمبر سنة 1960 بقبول الاستئناف شكلاً والخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وفي بيان ذلك يقول إنه دفع ببطلان الاستئناف لرفعه بغير الطريق القانوني تأسيساً على أن الدعوى التي صدر فيها الحكم المستأنف تعتبر لتعلقها بالتفليسة من دعاوى شهر الإفلاس المنصوص عليها في المادة 118 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 100 لسنة 1962 وأنه لذلك كان يجب - طبقاً للمادة 405 - رفع الاستئناف بتكليف بالحضور وليس بعريضة وقد رفض الحكم المطعون فيه هذا الدفع بمقولة إن الدعوى وإن كانت من الدعاوى المترتبة على التفليسة إلا أنها لا تعتبر من دعاوى شهر الإفلاس المنصوص عنها في المادة 118 مرافعات وإنه لذلك يرفع الاستئناف عنها بالطريق العادي - أي بعريضة تقدم إلى قلم الكتاب - وهذا من الحكم المطعون فيه خطأ في القانون لأن عبارة "دعاوى شهر الإفلاس الواردة في تلك المادة تتسع حسب تفسيرها الصحيح لجميع الدعاوى المتعلقة بالتفليسة، والتي يكون نظرها من اختصاص المحكمة التي أشهرت الإفلاس بحسب نص المادة 60 من قانون المرافعات السابق، كما أن المشرع إذ نص في المادة 394 تجاري على أن يكون ميعاد استئناف أي حكم يصدر في الدعاوى الناشئة عن نفس التفليسة خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانه، فإن تقصير هذا الميعاد عن الميعاد العادي يدل على أن المشرع قصد أن يكون نظر هذه الدعوى على وجه السرعة، وبالتالي يجب رفع الاستئناف عن الأحكام الصادرة فيها بتكليف بالحضور طبقاً للمادتين 118، 405 من قانون المرافعات وإلا كان باطلاً.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أن دعاوى شهر الإفلاس المنصوص عليها في المادة 118 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 100 لسنة 1962 لا تشمل الدعاوى الأخرى المترتبة على الإفلاس أو الناشئة عن التفليسة، وإذ كان ذلك وكانت الدعوى الحالية ليست أيضاً من الدعاوى التي نص القانون على وجوب نظرها على وجه السرعة فإن استئناف الحكم الصادر فيها يكون بعريضة تقدم إلى قلم الكتاب لا بتكليف بالحضور، ولا يغير من هذا النظر كون الشارع قد جعل ميعاد الاستئناف الأحكام الصادرة في الدعاوى الناشئة عن التفليسة ميعاداً قصيراً، لأن تقصير الميعاد ليس من شأنه وحده ان يجعل الدعوى من الدعاوى التي تنظر على وجه السرعة، بل يجب أن ينص القانون على ذلك صراحة. ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدفع ببطلان الاستئناف على أن الدعوى المطروحة ليست من دعاوى شهر الإفلاس أو من الدعاوى التي تنظر على وجه السرعة وأنه لذلك يكون استئناف الحكم الصادر فيها بعريضة تقدم إلى قلم الكتاب وليس بتكليف بالحضور، فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم الصادر في الموضوع بتاريخ 27/ 4/ 1965 مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنه قضى باعتبار الحساب المفتوح بينه وبين الشركة التي أشهر إفلاسها حساباً بسيطاً لا حساباً جارياً، ورتب على ذلك جواز تجزئة مفرداته وأحقية المطعون ضده بصفته وكيلاً للدائنين في مطالبة الطاعن بما عليه من ديون للشركة المفلسة، أما ماله من ديون عليها فقد قرر الحكم أن للطاعن أن يتقدم بها في التفليسة مشتركاً مع جماعة الدائنين، واستند الحكم في اعتبار الحساب بسيطاً إلى ما قاله من أنه لا يمكن استخلاص حصول اتفاق بين الشركة ورئيس مجلس إدارتها على فتح هذا الحساب باعتباره حساباً جارياً وأنه لا توجد معاملات متصلة ومتشابكة بين طرفيه، هذا في حين أنه من المقرر أن الاتفاق على فتح الحساب الجاري لا يقتضي شكلاً معيناً فقد يكون صريحاً أو ضمنياً وكل ما يتطلبه قيام الحساب الجاري هو اتصال العمليات بين الطرفين وتشابكها، ولما كان الثابت من أوراق الدعوى ومن دفاتر الشركة التي تحت يد المطعون ضده أن المعاملات بين الطاعن والشركة كانت متصلة ومتشابكة، فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الحساب بينهما حساباً بسيطاً لا يخضع لقاعدة عدم التجزئة يكون قد خالف القواعد المتعلقة بالحساب الجاري وأخطأ في تطبيقها كما خالف الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن أشار إلى الطبيعة القانونية للحساب الجاري وإلى خصائصه ومميزاته وإلى أنه لا أهمية للوصف الذي يطلقه الطرفان أو أحدهما على الحساب المفتوح قرر "وحيث إنه يبين من مراجعة كشف الحساب المقدم من المستأنف أنه لا يمثل حساباً جارياً بالمعنى السابق إيضاحه وإنما هو في حقيقته يمثل حساباً بسيطاً عادياً إذ ليس بين مفرداته ما يفصح عن معاملات متصلة ومرتبطة بين طرفيه كما أنه ليس في الإمكان استخلاص حصول اتفاق بين الشركة وبين رئيس مجلس إدارتها على فتح هذا الحساب باعتباره حساباً جارياً بل إن كل ما تضمنه هذا الحساب هو مداينة الشركة للمستأنف عليه (الطاعن) بثمن الأسهم التي اشتراها من أحد مدينيها متعهداً بسداد قيمتها للشركة وعمولة هذه الأسهم للسمسار، ومن ناحية أخرى مداينة المستأنف عليه للشركة بقيمة كمبيالة وبقيمة شيك وفوائد هذين الدينين وليس من علاقة بين هذين التصرفين، الأمر الذي يبين منه أن الحساب في الواقع حساب بسيط لا تسري عليه خصائص الحساب الجاري، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه لا يستقيم أن يقيد في الجانب الدائن للمستأنف عليه قيمة الكمبيالة وقيمة الشيك وهما أوراق تجارية قابلة للتظهير في الوقت الذي تبقى هذه الأوراق تحت يد المستأنف عليه بما يمكنه أن يظهرها ويقبض قيمتها في أي وقت في حين أنه قيدها لحسابه الدائن بحيث يمكن خصم قيمتها من الدين الذي في ذمته للشركة، ومعنى هذا أنه يمكنه الحصول على قيمتها مرتين وهو أمر لا يستقيم في الحساب الجاري" ولما كان الحساب الجاري الذي يخضع لقاعدة عدم التجزئة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو الحساب الذي يتضمن وجود معاملات متصلة بين طرفيه يعتبر فيها كل منهما مديناً أحياناً ودائناً أحياناً أخرى وتكون هذه العمليات متشابكة يتخلل بعضها بعضاً بحيث تكون مدفوعات كل من الطرفين مقرونة بمدفوعات من الطرف الآخر، وكانت محكمة الموضوع قد نفت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة اتجاه نية الطرفين إلى فتح حساب جار بينهما كما نفت عن الحساب القائم بينهما اتصال العمليات المدرجة فيه ببعضها وتشابكها - وهو ما يلزم توافره في الحساب الجاري - وكان هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للثابت في صورة كشف الحساب المقدم من الطاعن إلى السنديك والمودع بالحافظة رقم 7 من الملف الابتدائي المضموم، ولا يتنافى مع طريقة القيود الواردة في هذا الكشف، فإن محكمة الموضوع إذا انتهت إلى اعتبار الحساب حساباً عادياً لا يخضع لقاعدة عدم التجزئة، لا تكون قد أخطأت في القانون أو خالفت الثابت في الأوراق، ويكون لذلك النعي على حكمها لهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.