أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 20 - صـ 1101

جلسة 3 من يوليه سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وعثمان زكريا، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.

(170)
الطعن رقم 331 لسنة 35 القضائية

( أ ) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات.
استناد الحكم إلى أقوال شاهد سمعه الخبير بغير حلف يمين. لا عيب.
(ب) إثبات. "إجراءات الإثبات". محكمة الموضوع. "سلطتها في إجراءات الإثبات".
عدم طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق. عدم جواز النعي على المحكمة عدم اتخاذها هذا الإجراء من تلقاء نفسها.
(ج) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب موضوعية". فضاله.
عدم التمسك لدى محكمة الموضوع باستحقاق المبالغ المطالب بها على أساس الفضالة. عدم جواز التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
(د) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب جديدة".
اختصام المطعون ضدهما أمام محكمة الموضوع بصفتهما الشخصية. عدم قبول استناد الطاعن أمام محكمة النقض في وجوب القضاء بالتضامن إلى قيام شركة تضامن بينهما.
(هـ) فوائد "تخفيض الفوائد". حق. "التعسف في استعمال الحق". دعوى "الدفاع الكيدي". مسئولية.
إعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 229 مدني. شرطه. ثبوت كيدية الدفاع والقصد إلى إطالة أمد التقاضي إضراراً بالمدين.
1 - لا يعيب الحكم استناده إلى أقوال شاهد سمعه الخبير بغير حلف يمين إذ لمحكمة الموضوع أن تتخذ من هذه الأقوال قرينة تضيفها إلى قرائن أخرى للتدليل على صورية الأوراق التي تعتمدها.
2 - ليس للطاعن - طالما أنه لم يطلب من المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق - أن يعيب عليها عدم اتخاذها هذا الإجراء من تلقاء نفسها إذ الأمر في اتخاذ هذا الإجراء وعدم اتخاذه يكون عندئذ من إطلاقاتها وما دامت هي لم تر بها حاجة إليه فلا معقب عليها في ذلك.
3 - إذا كان الطاعن لم يسبق له التمسك لدى محكمة الموضوع باستحقاقه المبالغ المطالب بها على أساس الفضالة فإنه لا يقبل منه التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
4 - إذا كان الطاعن قد اختصم المطعون ضدهما أمام المحكمة الابتدائية وأمام محكمة الاستئناف بصفتهما الشخصية لا بوصفهما شريكين في شركة تضامن، فإن استناده في وجوب القضاء بالتضامن إلى قيام شركة تضامن بين المطعون ضدهما يكون سبباً جديداً لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع وهو لما يخالطه من واقع لا يجوز قبوله أمام محكمة النقض.
5 - لا يكفي لإعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 229 من القانون المدني وقوع خطأ من الدائن في مسلكه في الدفاع في الخصومة ولو كان هذا الخطأ جسيماً، بل لا بد من ثبوت سوء نيته وتعمده الإضرار بالمدين حتى تتراكم عليه الفوائد، ومن ثم فإن مجرد إبداء الدائن دفاعاً يخفق في إثباته لا يدل بذاته على أنه كان سيء النية في إطالة أمد التقاضي، بل لا بد لذلك من أن يثبت أن هذا الدفاع كيدي وأن القصد من تقديمه إطالة أمد التقاضي إضراراً بالمدين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الدعوى رقم 2799 سنة 949 تجاري كلي القاهرة طالباً الحكم بإلزامها بأن يدفعا له متضامنين مبلغ 6226 ج و237 م والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وقال شرحاً للدعوى إنه بموجب عقد شركة مؤرخ 20/ 5/ 1946 اتفق معه المطعون ضدهما على أن يتولى مباشرة وتنفيذ الأعمال الإنشائية وأعمال الصيانة الخاصة بمنشئات وممتلكات سلاح الطيران البريطاني في مدينة الإسماعيلية والفردان التي رست مناقصتها عليهما في 20/ 4/ 1946 وذلك في حدود الأوامر التي يصدرها السلاح المذكور كتابة، على أن يجري مقاس ما يتم إنهاؤه من هذه الأعمال أولاً بأول وأن يتم عمل المستخلصات الابتدائية والنهائية الخاصة بكل منها ومحاسبة العمال وتقديم الكشوف الموقعة منهم للمطعون ضدهما لاعتمادها، وأن يكون له الثلث في الصافي الأرباح، وإذ قام الطاعن بمباشرة هذه الأعمال تنفيذاً للاتفاق بل وأنفق عليها من ماله الخاص عند اللزوم، فقد تبين من الميزانية التي أعدها الشركاء الثلاثة من واقع الكشوف المقدمة منه وما صرف من الجيش البريطاني ثمناً للعمليات التي نفذها منذ بدء التعاقد إلى آخر فبراير سنة 1949، أن له مبلغ 454 ج و617 م أضيفت لحسابه الدائن للشركة، وأن نصيبه بحق الثلث في صافي الإرباح هو 1056 ج و688 م يخصم منه 971 ج و830 م قيمة ما استجره خلال تلك المدة فيكون الباقي له من الأرباح هو 84 ج و858 م ويصبح مجموع ما له في ذمة الشركة عن هذه الفترة هو 539 ج و475 م. وأنه بموجب اتفاق شفوي ارتضى الشركاء أن يتولى الاتفاق على جميع العمليات اللاحقة من ماله الخاص على أن يتم توزيع الأرباح بنسبة 90% للطاعن من مجموع قيمة العمليات دون خصم للمصاريف وبنسبة 10% للمطعون ضدهما على ألا يتحملا أي نصيب في النفقات، وإذ بلغت قيمة العمليات اللاحقة وفقاً لما جاء بخطاب الجيش البريطاني المؤرخ 19/ 9/ 1949 مبلغ 7240 ج، فإن نصيبه فيها يكون 6516 ج يخصم منه مبلغ 829 ج و238 م قيمة ما استلمه من أول دفعة من دفعات الجيش البريطاني فيكون الباقي له عن هذه الفترة 5686 ج و762 م، ويصبح مجموع ما له في ذمة الشركة عن الفترتين هو المبلغ المطالب به، ونظراً لأن المطعون ضدهما أقاما على الطاعن الدعوى رقم 2571 سنة 1949 تجاري كلي القاهرة لإلزامه بتقديم حساب مؤيد بالمستندات عن إدارة وتنفيذ العمليات سالفة الذكر، والدعوى رقم 2079 سنة 1950 تجاري كلي القاهرة لمطالبته بتعويض عن دعوى شهر الإفلاس التي وجهها إليهما وقضى برفضها، فقد قررت المحكمة ضم الدعاوى الثلاث ليصدر فيها حكم واحد. وفي 29/ 4/ 1951 قضت المحكمة في هذه الدعاوى بندب خبير حسابي لتقدير المبالغ التي أنفقها الطاعن على العمليات منذ بدء العمل حتى آخر أغسطس سنة 1949 والمبالغ التي أمده بها المطعون ضدهما وتقدير المبالغ التي دفعها الجيش البريطاني ثمناً لهذه العمليات وبيان حصة الطاعن في صافي الأرباح على هدى التعاقد المبرم بينه وبين المطعون ضدهما، أو ما يكون قد استحدث من تعديل وتحديد الباقي له أو ما في ذمته. فباشر الخبير هذه المأمورية وقدم تقريراً خلص فيه إلى أن المبالغ التي أنفقها المطعون ضدهما في العمليات هي 29649 ج و416 م وأن المبالغ التي أنفقها الطاعن هي 3414 ج و315 م وأن المبالغ التي تسلمها الطاعن من المطعون ضدهما هي 13677 ج و344 م وأن المبالغ التي دفعها الجيش البريطاني لآخر فبراير سنة 1949 بإقرار الطرفين هي 32967 ج و369 م، أما ما دفعه بعد ذلك فهو 7240 ج وفقاً لخطاب الجيش المقدم من الطاعن و4389 ج و238 م، في قول المطعون ضدهما، ونظراً لاعتذار الجيش المذكور عن إعطاء شهادة بحقيقة المبلغ الذي دفعه رأى الخبير اعتماد الرقم الأول واعتبار جملة المدفوع في الفترة جميعاً هو مبلغ 40207 ج و369 م، وخلص الخبير إلى اعتبار نصيب الطاعن في الربح عن الفترة من 20/ 5/ 1946 إلى آخر فبراير سنة 1949 هو 1021 ج و257 م وأن نصيبه في الربح في الفترة التالية حتى آخر أغسطس سنة 1949 هو 1359 ج و238 م على أساس الثلث، ومبلغ 6516 ج على أساس 90% من قيمة العمليات وبخصم قيمة المسحوبات، يصبح المستحق للطاعن في الفترة الأولى هو 64 ج و427 م (1021 ج و257 م - 956 ج و830 م) ويصبح المستحق له في الفترة الثانية على أساس الثلث هو 530 ج و717 م (1359 ج و955 م - 829 ج و238 م) و5686 ج و762 م (6516 ج - 829 ج و238 م) على أساس 90% من قيمة العمليات في هذه الفترة، وبذلك يصبح مجموع المستحق للطاعن في الفترتين على أساس الثلث هو 595 ج و144 م (64 ج و427 + 530 ج و177 م) أما على أساس الثلث في الفترة الأولى و90% في الفترة الثانية فيكون المستحق للطاعن هو 5751 ج و189 م (64 ج و427 م + 5686 ج و762 م). اعترض الطاعن على هذا التقرير لاستبعاد الخبير مبلغ 793 ج و291 م قيمة ما أنفقه على العمليات خلال شهر سبتمبر سنة 1949 ومبلغ 487 ج و576 م قيمة ما صرفه لمقاولي الباطن، كما اعترض عليه المطعون ضدهما لتقدير الخبير قيمة الأعمال اللاحقة لآخر فبراير سنة 1949 بمبلغ 7240 ج ولاحتسابه نصيب الطاعن في الربح بعد هذا التاريخ بواقع 90% من قيمة العمليات وفي 15/ 4/ 1956 قضت المحكمة بإعادة المأمورية إلى الخبير لفحص هذه الاعتراضات وتصفية الحساب بين الطرفين على أساس أن حصة الطاعن في الأرباح هي الثلث خلال مدة المحاسبة كلها. فاستأنف الطاعن هذا الحكم في شقه القطعي بالاستئناف رقم 382 سنة 73 ق وبعد أن قضى بتأييده، قدم الخبير ملحقاً لتقريره أثبت فيه استحالة الاتصال بالجيش البريطاني للتعرف على حقيقة المبالغ التي دفعها ثمناً للعمليات اللاحقة لآخر فبراير 1949 لجلائه عن البلاد وفوض الرأي للمحكمة بالنسبة للمبالغ التي دفعت لمقاولي الباطن والتي سبق له استبعادها، وقرر أن نصيب الطاعن في الربح بواقع الثلث في حالة اعتماد هذا المبلغ يكون 440 ج و144 م بدلاً من 595 ج و144 م ويكون جملة ما أنفقه هو 3879 ج و325 م بدلاً من 3414 ج و325 م. وفي 12/ 4/ سنة 1964 حكمت المحكمة حضورياً في مادة تجارية برفض الدعويين 2571 سنة 1949، 2079 سنة 1950 وألزمت المدعي بالمصاريف، وفي الدعوى 2799 سنة 1949 بإلزام المدعى عليهما (المطعون ضدهما) بأن يدفعا للطاعن مبلغ 440 ج و144 م والمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل بشرط تقديم الكفالة. فاستأنف الطاعن قضاءها بالاستئناف رقم 397 سنة 81 ق ناعياً عليه بالخطأ في عدم رد المبالغ التي أنفقها والخطأ في عدم القضاء بالفوائد والتضامن. وفي 16 مارس سنة 1965 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليهما (المطعون ضدهما) بأن يدفعا للمستأنف مبلغ 2119 ج و170 م والفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ صدور الحكم. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ 13 مايو سنة 1965، وقدمت النيابة العامة مذكرة رأت فيها نقض الحكم في خصوص الوجه الثاني من السبب الثاني المتعلق بالفوائد وبالجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب حاصل أولهما أن الحكم المطعون فيه أخطأ في فهم وقائع الدعوى والأوراق التي قدمت فيها وأولها تأويلاً لا يتفق مع الواقع، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه أهدر المبالغ التي دفعها لمقاولي الباطن استناداً إلى ما قرره الشاهد يوسف خليل أمام الخبير من أن الإيصالات الصادرة من هؤلاء المقاولين إيصالات صورية قصد بها خدمة الطاعن، وكان يتعين على المحكمة إذا رأت الاعتماد على أقوال هذا الشاهد أن تحيل الدعوى إلى التحقيق لتسمع شهادته بعد تحليفه اليمين، خاصة وأن الخبير قد فوض الرأي إلى المحكمة في خصوص اعتماد هذه المبالغ بعد إعادة المأمورية إليه للتحقق من واقعة الصرف والظروف التي تمت فيها وأن المبالغ المشار إليها قد دفعت لمقاولي الباطن بيومي عبد الرحمن على ثلاث دفعات إحداها بشيك مؤرخ 11/ 8/ 1948 قيمته 350 ج صرف إليه فعلاً بمقتضى الشهادة المصرفية المقدمة إلى الخبير قبل رفع الدعوى الأمر الذي يهدم أقوال الشاهد التي اتخذها الحكم أساساً لقضائه، هذا فضلاً عن أن المحكمة احتسبت على الطاعن مبلغ 6740 ج مرتين إذ قامت بخصمه من حسابه عند تحديد المبالغ الخاصة به رغم سبق إدراج هذا المبلغ ضمن المبالغ التي تسلمها من المطعون ضدهما البالغ قدرها 13677 ج و344 م، ولم تعتمد المحكمة سوى مبلغ ألف جنيه فقط من المبالغ التي دفعها لمقاولي الباطن استناداً إلى ما قرره الشاهد يوسف خليل أمام الخبير من وجهة وإلى إنكار المطعون ضدهما لها من جهة أخرى، في حين أن الثابت بمحاضر الأعمال أن الخبير واجه الشاهد بأن الإيصالات الموقعة منه بالاشتراك مع بيومي عبد الرحمن تزيد قيمتها عن ألف جنيه فعجز على تعليل ذلك وأن مسلك المطعون ضدهما في جميع مراحل الدعوى يدل على اتخاذهما موقف الإنكار لجميع حقوقه، كما وأن المحكمة بعد أن اعتمدت مبلغ ألف جنيه فقط مما دفعه لمقاولي الباطن صرحت في أسباب حكمها باعتماد باقي البنود التي أوردها الخبير في تقريره ولكنها لم تعتمد هذه البنود.
وحيث إن هذا النعي في جميع ما تضمنه غير سديد، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد عرض لوقائع النزاع قد جاء به في هذا الخصوص قوله "وحيث إن هذه المحكمة إزاء ما قرره يوسف خليل أمام الخبير من أن مجموع ما استلموه من المستأنف هو وباقي المقاولين من الباطن ألف جنيه فقط وأن توقيعهم كان لأن المستأنف يريد رفع دعوى، ولعدم بيان الأعمال التي صرفت هذه المبالغ للمقاولين أجراً لها ولعدم اعتماد المستأنف عليهما لها فإن المحكمة لا تطمئن إلى المبلغ الذي اعتمده الخبير للمقاولين من الباطن في تقريره الأول وقدره 2825 ج و434 م ولا للمبلغ الذي فوض أمره للمحكمة في تقريره الثاني وقدره 465 ج، لذلك لا تعتمد من هذه المبالغ إلا مبلغ ألف جنيه فقط وهو الذي ذكر الشاهد يوسف خليل لأول وهلة أنه المبلغ الذي قبضه المقاولون من الباطن فعلاً من المستأنف. وحيث إنه باحتساب المبالغ التي صرفها المستأنف خلال الفترة من مارس إلى أغسطس سنة 1949 على أساس أن المبالغ التي دفعت للمقاولين من الباطن ألف جنيه ومع اعتماد المحكمة للبنود الأخرى التي اعتمدها الخبير في تقريره يكون ما صرفه المستأنف في هذه الفترة مبلغ 1335 ج و700 م وبإضافة مبلغ 254 ج و181 م جملة مصروفات يناير وفبراير سنة 1949 كما أظهرها الخبير، يكون مجموع ما صرفه المستأنف من يناير إلى أغسطس سنة 1949 مبلغ 1589 ج و181 م ويتعين لذلك أن يرد هذا المبلغ للمستأنف بعد خصم ما استلمه تحت حساب العملية وقد تضمنها الكشف المقدم لمحكمة أول درجة ومجموعها 674 ج فيكون الباقي له 915 ج و881 م... إلخ". ولما كان يبين من هذا الذي قرره الحكم أن المحكمة قد أطرحت مستندات الطاعن ولم تعتمد من المبالغ التي يقول إنه دفعها لمقاولي الباطن إلا مبلغ ألف جنيه فقط استناداً إلى الأسباب الذي ذكرتها وهي أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، فإنه لا يعيب حكمها في هذا الشأن استناده إلى أقوال شاهد سمعه الخبير بغير حلف يمين إذ لمحكمة الموضوع أن تتخذ من هذه الأقوال قرينة تضيفها إلى قرائن أخرى للتدليل على صورية الأوراق التي تعتمدها. كما أنه ليس للطاعن طالما أنه لم يطلب من المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق أن يعيب عليها عدم اتخاذها هذا الإجراء من تلقاء نفسها إذ الأمر في اتخاذ هذا الإجراء وعدم اتخاذه يكون عندئذ من إطلاقاتها وما دامت هي لم تر بها حاجة إليه فلا معقب عليها في ذلك. والنعي مردود في شقه الخاص باحتساب مبلغ 674 ج مرتين بأن هذا المبلغ وإن كان يندرج ضمن 10937 ج و201 م أحد مفردات المبالغ المدفوعة من المطعون ضدهما للطاعن والتي أوردها الخبير في تقريره وجملتها 13677 ج و344 م، إلا أن الخبير لم يتعرض لتصفية ما يستحقه الطاعن من المصروفات التي أنفقها على العملية موضوع التعاقد، ويبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تحتسب ذلك المبلغ على الطاعن سوى مرة واحدة عند قيامها بتصفية مستحقاته في المصاريف التي أنفقتها. والنعي في شقه الخاص بعدم اعتماد الحكم لباقي بنود تقرير الخبير غير مقبول لوروده مجهلاً إذ لم يذكر الطاعن البنود التي أطرحها الحكم. وبيان مدى أثر هذا الإغفال على حقوقه التي يطالب بها.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في أن محكمة الاستئناف أهدرت دفاع الطاعن، إذ لم تعتمد ما أنفقه على العملية خلال شهر سبتمبر سنة 1949 رغم تقديمه مستندات الصرف، وذلك بحجة أن المطعون ضدهما قد منعاه من العمل، وكان يتعين على المحكمة أن تحتسب ما قام بإنفاقه إن لم يكن بوصفه شريكاً فعلى الأقل باعتباره فضولياً قام بعمل عاد بالفائدة على المطعون ضدهما.
وحيث إن هذا النعي مردود بما قرره الحكم المطعون فيه من أن علاقة الطاعن بالعمل قد انتهت في آخر أغسطس سنة 1949 للأسباب التي أوردها الحكم والتي ليست محل نعي من الطاعن، وكذلك بما أثبته الحكم من أن المبالغ التي يقول الطاعن إنه صرفها لم تتأيد بمستندات تطمئن إليها المحكمة، وإذ كان ذلك وكان الطاعن لم يسبق التمسك لدى محكمة الموضوع باستحقاقه لهذه المبالغ على أساس الفضالة فإنه لا يقبل منه التحدي بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل الوجه الأول من السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه رفض طلب الحكم على المطعون ضدهما بالتضامن استناداً إلى ما قاله من أن التضامن لا يفترض وأن القانون التجاري حدد الحالات التي يقضي فيها بالتضامن على سبيل الحصر وأن الطاعن لم يختصم المطعون ضدهما بوصفهما شركاء من شركة تضامن، هذا في حين أن الطاعن في ذكر في صحيفة افتتاح الدعوى وفي صحيفة الاستئناف وفي جميع المذكرات المقدمة منه أن المطعون ضدهما يكونان شركة تضامن وأنهما تعاقدا معه ومع الجيش البريطاني على هذا الأساس كما أورد الطاعن اسميهما في أوراق التقاضي على أساس أنهما شريكان في شركة تجارية ومتضامنان، ولهذا فقد كان على الحكم المطعون فيه أن يقضي بتضامنهما خاصة وأن التزاماتهما غير قابلة للانقسام.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه وإن كان الطاعن قد أشار في صحيفة افتتاح الدعوى وفي صحيفة الاستئناف إلى عقد شركة بينه وبين المطعون ضدهما إلا أنه لم يذكر أن المطعون ضدهما كانا شريكين متضامنين في تلك الشركة ولم يبين في صحيفة دعواه الأساس الذي يبنى عليه طلب التضامن كما أنه حين نعى في صحيفة استئنافه على الحكم الابتدائي عدم قضائه بهذا الطلب أسس نعيه - على ما جاء بالسبب الخامس من أسباب الاستئناف - على قوله "على الرغم من أن الدعوى المستأنفة دعوى تجارية والنزاع الناشب بين أطرافها متعلق بعمل تجاري والتضامن مفروض في الأعمال التجارية، رغم ذلك كله لم تقض محكمة أول درجة بإلزام المستأنف ضدهما بالمبلغ الذي حددته بالتضامن". ولم يورد الطاعن شيئاً عن طلب التضامن في مذكرته الوحيدة المقدمة إلى محكمة الاستئناف. لما كان ذلك إذا وكان الطاعن قد اختصم المطعون ضدهما أمام المحكمة الابتدائية وأمام محكمة الاستئناف بصفتهما الشخصية لا بوصفهما شريكين في شركة تضامن فإن استناده في وجوب القضاء بالتضامن إلى قيام شركة تضامن بين المطعون ضدهما يكون سبباً جديداً لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع، وهو لما يخالطه من واقع لا يجوز قبوله أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الالتزام المقضى به على المطعون ضدهما قابلا الانقسام خلافاً لما يقوله الطاعن فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ رفض القضاء بالفوائد من تاريخ المطالبة الرسمية استناداً إلى ما قاله من أن الطاعن تسبب بسوء نية في إطالة أمد النزاع بلا مبرر بادعائه أنه أصبح شريكاً في الشركة بحق 90% بدلاً من الثلث وترددت الدعوى أثناء ذلك بين المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف مما أطال أمد النزاع بغير مبرر، هذا في حين أن واقعة تعديل العقد واقعة صحيحة وأن فشله في إثباتها لا ينبئ عن سوء نيته، فضلاً عن أن الدعوى قد طال أمدها بفعل الخبير لا بفعله هو إذ قدم الخبير تقريره لمحكمة أول درجة في 8/ 6/ 1963 مع أن المأمورية أعيدت إليه في 15/ 4/ 1956.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الحكم المطعون فيه مع تسليمه بأن محل الالتزام كان معلوم المقدار وقت الطلب - خلافاً لما ذهب إليه الحكم الابتدائي - فإنه رفض طلب سريان الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية استناداً إلى قوله "إن المحكمة ترى أن المستأنف (الطاعن) قد تسبب بسوء نية في إطالة أمد النزاع بادعائه أنه أصبح شريكاً بحق 90% بدلاً من الثلث وترددت الدعوى أثناء ذلك بين المحكمة الابتدائية والاستئنافية مما أطال أمد النزاع بلا مبرر لذلك تقضي المحكمة بسريان الفوائد القانونية بواقع 5% من تاريخ صدور الحكم الاستئنافين". وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لإثبات سوء نية الطاعن في إطالة أمد التقاضي ليس من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، إذ لا يكفي لإعمال الجزاء المنصوص عليه في المادة 229 من القانون المدني وقوع خطأ من الدائن في مسلكه في الدفاع في الخصومة ولو كان هذا الخطأ جسيماً بل لابد من ثبوت سوء نيته وتعمده الإضرار بالمدين حتى تتراكم عليه الفوائد، ومن ثم فإن مجرد إبداء الدائن دفاعاً يخفق في إثباته لا يدل بذاته على أنه كان سيئ النية في إطالة أمد التقاضي بل لا بد لذلك من أن يثبت أن هذا الدفاع كيدي وأن القصد من تقديمه إطالة أمد التقاضي إضراراً بالمدين، لما كان ذلك وكان أيضاً ما أورده الحكم من سوء نية الطاعن حتى لو صح لا يكون له أثر على سريان الفوائد إلا في المدة التي طال فيها النزاع بلا مبرر، وبالتالي فلا يكون له أثر على سريانها في المدة اللاحقة ليوم 22 يناير سنة 1957 تاريخ صدور الحكم في الاستئناف رقم 382 سنة 73 ق الذي قضى برفض ادعاء الطاعن وانحسم به النزاع نهائياً حول مقدار حصته في الربح، فإن الحكم المطعون فيه يكون في هذا الخصوص معيباً بما يستوجب نقضه نقضاً جزئياً.