مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الأولى - الجزء الثاني (الفترة من أول إبريل حتى نهاية سبتمبر سنة 2007 م) - صـ 239

(14)
جلسة 21 من إبريل سنة 2007 م

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ السيد السيد نوفل - رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عصام الدين عبد العزيز جاد الحق ومصطفى سعيد مصطفى حنفي وأحمد عبد الحميد حسن عبود ومحمد أحمد محمود محمد - نواب رئيس مجلس الدولة، بحضور السيد الأستاذ المستشار/ عبد القادر قنديل - نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة، وحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس - سكرتير المحكمة.

الطعن رقم 428 لسنة 48 القضائية عليا

أجانب - إبعاد الأجانب - السلطة التقديرية للدولة - حدودها.
المادة 25 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي جمهورية مصر العربية والخروج منها.
من المبادئ المقررة بالقانون الدولي أن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم دفعاً لخطرهم وتأميناً لسلامتها وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره بما لها من حق السيادة - من المقرر أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر، ولها الحق في اتخاذ التدابير المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية وما تعورف عليه دولياً ولها سلطة تقديرية في الإبعاد، ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن استعماله بحيث يكون للإبعاد سبب يبرره يستخلص استخلاصاً سائغاً من الأوراق وإلا كان استعماله لغير ما سبب أو استناداً إلى سبب تبين عدم صحته ضرباً من التعسف وسوء استعمال السلطة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 23/ 10/ 2001 أودع الأستاذ/ محمد رمضان الجندي المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب هذه المحكمة، تقريراً بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم 428 لسنة 48 القضائية عليا طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 6764 لسنة 55 القضائية بجلسة 28/ 8/ 2001 القاضي في منطوقه بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الطعين مع إلزام جهة الإدارة المصروفات عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين في الأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19/ 12/ 2005، حيث نظر بالجلسة المحددة وما تلاها من جلسات على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 3/ 3/ 2007 حيث نظر بهذه الجلسة التي تقرر فيها إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت المسودة المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة - تتحصل بحسب ما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام دعوى أمام محكمة القضاء الإداري طالباً وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزير الداخلية بترحيله إلى خارج البلاد وإدراجه على قوائم الممنوعين من دخولها، وقال شرحاً لدعواه إنه سوري الجنسي ولكنه يقيم في مصر مع باقي أفراد أسرته إقامة دائمة منذ عام 1975 حيث اتخذوا مصر وطناً لهم وزاولوا فيها أعمالهم وتملكوا العقارات وتزوج أشقاؤه وشقيقاته من مصريين وبموجب ذلك منح إقامة مؤقتة بالبلاد ظلت تتجدد سنوياً حتى 15 من يناير سنة 2002، وقبل انتهاء هذه المدة وتحديداً في 18 من إبريل سنة 2001 أقحم اسمه في القضية 9069 لسنة 2001 جنح السلام والمحرر محضرها بمعرفة الإدارة العامة لمكافحة جرائم الآداب حيث اتهمته بممارسة الفجور مع بعض الأفراد في حين أنه لا صلة له بهذه القضية ولم يتم ضبطه في محل الجريمة، ورغم ذلك فقد قامت النيابة العامة بحبسه أربعة أيام على ذمة القضية ثم أصدر قاضي المعارضات قراره بإخلاء سبيله بضمان مالي، وخلال هذه الفترة أصدر وزير الداخلية قراراً بترحيله إلى خارج البلاد وإدراج اسمه على قوائم الممنوعين، الأمر الذي حدا به إلى إقامة دعواه ناعياً على هذا القرار مخالفته للقانون وصدوره مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة. وبجلسة 28/ 8/ 2001 قضت محكمة القضاء الإداري برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وشيدت قضاءها على أساس أن أحكام القضاء الإداري استقرت على أن الترخيص للأجنبي بالإقامة في مصر أو بمد إقامته فيها أو رفض المد بعد ذلك هو من المسائل التي تترخص فيها جهة الإدارة بسلطة تقديرية وفقاً لما تراه محققاً للصالح العام، ومرد ذلك أن الدولة بحكم ما لها من سيادة على إقليمها تتمتع بسلطة عامة في تقدير مناسبة إقامة الأجنبي على أراضيها، ولا تلتزم قانوناً بالسماح له بالدخول إليها ولا بمد إقامته بها إلا إذا كانت تشريعاتها ترتب له حقاً من هذا القبيل بحسب الأوضاع والشروط التي تقررها، فإذا انتفى مثل هذا الحق وجب عليه مغادرة البلاد مهما تكن الأعذار والدوافع التي يتعلل بها حتى ولو لم يقم به سبب يدل على خطورته على الأمن أو الآداب، وأضافت المحكمة أن تطبيق المبادئ السالفة على القرار المطعون فيه يجعله - بحسب الظاهر - غير مرجح الإلغاء عند نظر الدعوى الموضوعية إذ اتهم المدعي بممارسة الفجور مع بعض الشباب وحبس احتياطياً بناءً على هذه التهمة، وعلى ذلك فلا تثريب على جهة الإدارة أن أصدرت قراراً بترحيله إلى خارج البلاد ويكون قرارها في هذا الشأن بحسب الظاهر موافقاً لصحيح حكم القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على حكم محكمة القضاء الإداري مخالفته للقانون لأنه اعتمد في قضائه إلى سبب غير صحيح وهو ثبوت اتهامه بممارسة الفجور مع بعض الشباب وقد عرضته النيابة العامة على الطب الشرعي لبيان ما إذا كان متكرر الاستعمال من عدمه وقد انتهى التقرير إلى أن الطاعن وجد خالياً من أي آثار تشير إلى حدوث لواط قديم أو حديث بإيلاج، وقد أغفل الحكم هذا التقرير الذي ينفي التهمة التي وجهت إليه، وسارع إلى استخلاص النتائج المترتبة على ثبوت هذه التهمة دون انتظار ما تقرره السلطات القضائية في شأنها إثباتاً أو نفياً.
ومن حيث إن المادة 25 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 89 لسنة 1960 في شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضي جمهورية مصر العربية والخروج منها تنص على أن "لوزير الداخلية بقرار منه إبعاد الأجانب" كما تنص المادة 31 من هذا القانون على أن: "لا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى أراضي الجمهورية إلا بإذن من وزير الداخلية".
ومن حيث إن من المبادئ المقررة بالقانون الدولي أن للدولة حق إبعاد من ترى إبعاده من الأجانب غير المرغوب في بقائهم دفعاً لخطرهم وتأميناً لسلامتها وصيانة لكيانها شعباً ومجتمعاً من كل ما يضره بما لها من حق السيادة، كما أنه من المقرر أن للدولة الحق في تقدير ما يعتبر ضاراً بشئونها الداخلية والخارجية وما لا يعتبر، ولها الحق في اتخاذ التدابير المناسبة لكل مقام في حدود الواجبات الإنسانية وما تعورف عليه دولياً ولها سلطة تقديرية في الإبعاد، ولا يرد على هذا الحق إلا قيد حسن استعماله بحيث يكون للإبعاد سبب يبرره يستخلص استخلاصاً سائغاً من الأوراق وإلا كان استعماله لغير ما سبب أو استناداً إلى سبب تبين عدم صحته ضرباً من التعسف وسوء استعمال السلطة.
ومن حيث إنه لما كان ذلك، وكان البين من ظاهر الأوراق أن الطاعن قدم إلى البلاد مع والديه وأشقائه وشقيقاته في عام 1975 وطاب لهم الإقامة فيها حيث تعلم الطاعن في مدارسها منذ نعومة أظفاره وظل مقيماً بها مع والديه اللذين توفيا على أرضها، وسعى في رزقه على ترابها حتى اتهم في عام 2001 بممارسة الفجور مع بعض الشباب فتم إبعاده بناءً على هذا الاتهام الذي برأته منه محكمة الجنح بعد ما خلت الأوراق من دليل على ارتكابه الأفعال المنسوبة إليه وبعد ما أثبت تقرير الطب الشرعي خلوه من أي آثار تشير إلى حدوث لواط قديم أو حديث بإيلاج.
وقد استأنفت النيابة العامة الحكم الصادر بالبراءة فأيدته محكمة الجنح المستأنفة ومن ثم ينهار السبب الذي استندت إليه جهة الإدارة في إبعاد الطاعن ويغدو هذا القرار بعد ذلك مفتقراً إلى الأسباب الجدية التي تبرره بما يجعله مرجح الإلغاء عند نظر الدعوى الموضوعية ويتوافر بذلك ركن الجدية المتطلب لوقف تنفيذ هذا القرار كما يتوافر ركن الاستعجال لتعلق القرار بحق الطاعن بالاستقرار في البلد الذي اختار الإقامة فيه وارتبطت به مصالحه وتعلقت به مشاعره.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه خالف هذا النظر فإنه يكون مستوجباً الإلغاء مع القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة

بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.