أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1145

جلسة 29 من أكتوبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صبري أحمد فرحات، وسليم راشد، ومحمد أبو حمزة مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني.

(177)
الطعن رقم 586 لسنة 34 القضائية

( أ ) عمل. "عقد العمل البحري". "انتهاء العقد".
عقد العمل البحري المبرم على أساس رحلة أو رحلات معينة، ينتهي حتماً بانتهائها ما لم يستبق مجهز السفينة العامل لفترة أخرى أو يتعلق الأمر بوقائع حدثت أثناء الرحلة.
(ب) إثبات. نيابة. "نيابة قانونية".
تمثيل الربان لمالك السفينة، عدم سريان إلا حيث لا يوجد مالك السفينة أو من يحل محله، الشهادة الصادرة من الربان. غير ملزمة للمالك.
1 - عقد العمل البحري المبرم على أساس رحلة أو رحلات معينة لا يسري بطبيعة إلا لفترة الرحلة البحرية فينتهي حتماً بانتهائها ما لم يستبق مجهز السفينة العامل لفترة أخرى أو يتعلق الأمر بوقائع حدثت أثناء الرحلة. إذ كان ذلك، وكان الثابت في الدعوى أن عقود الطاعن قد أبرمت على أساس رحلات معينة بينها فاصل زمني - وهي تجري في موسم الحج من كل عام - ولم يثبت أن المجهز قد استبقاه في العمل بعد أي منها وجرى الحكم قضاء الحكم المطعون فيه على أنه "يوجد فاصل زمني بين كل عقد وآخر الأمر الذي لا يسمح باعتبارها مكملة لبعضها أو باعتبار العقود التالية بمثابة تجديد للعقد الأول في حكم المادة 71 من قانون العمل 91 لسنة 1959" فإنه لا يكون قد أخطأ في فهم الواقع أو خالف القانون.
2 - تمثيل الربان لمالك السفينة لا يسري إلا حيث لا يوجد مالك السفينة أو من يحل محله، وإذ كانت عقود الطاعن قد أبرمت مع الشركة المطعون عليها مالكة السفينة فإن شهادة الربان في شأنها تكون غير ملزمة للمالك ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إن هو أطرحها ولم يأخذ بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الدكتور بهاء الدين عبد الحميد الكاشف أقام الدعوى رقم 1439 سنة 1961 عمال الإسكندرية الابتدائية ضد الشركة العربية المتحدة للملاحة البحرية طالباً الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 3483 ج و500 م والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. وقال شرحاً لها أنه التحق بخدمة الشركة المدعى عليها - طبيباً بالباخرة السودان التابعة لها - منذ شهر نوفمبر سنة 1956 بمرتب شهري قدره 49 ج وظل يؤدي عمله بصفة دائمة ومستمرة، وباشر نشاطه في موسم حج سنة 1961 إلى أن فوجئ بفصله في 17/ 5/ 1961 وإذ كان هذا الفصل تعسفياً وبغير مبرر ويستحق مبلغ 3000 ج تعويضاً عن الفصل و260 ج مكافأة نهاية الخدمة و1102 ج و900 م أجر الشهرين الباقيين من عقد العمل و49 ج بدل إنذار و49 ج مقابل إجازته السنوية و19 ج و600 م أجرة عن المدة من 24/ 3/ 1961 حتى 6/ 4/ 1961 و3 ج بدل انتقال من السويس إلى الإسكندرية، فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته. ودفعت المدعى عليها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبسقوطها بالتقادم بالنسبة للمكافأة لمضي أكثر من سنة على انتهاء العقد وطلبت في الموضوع الحكم برفضها. وبتاريخ 14/ 11/ 1962 حكمت المحكمة حضورياً وقبل الفصل في الموضوع بندب الخبير المحاسب بمكتب خبراء وزارة العدل بالإسكندرية للاطلاع على
أوراق الدعوى ومستندات الخصوم فيها والانتقال إلى الشركة المدعى عليها وإدارة التفتيش البحري للاطلاع على ملف خدمة المدعي وكشوف الأجور وبيان تاريخ التحاقه بالعمل لدى المدعى عليها ومدة خدمته وتاريخ انتهاء عقده وسببه وآخر أجر حصل عليه، وما إذا قد حصل على أجره عن مدة عمله حتى تاريخ انتهاء عمله أم لا، وما إذا كان قد حصل على إجازته، وتقدير ما يستحقه من مكافأة وأجر ومقابل الإجازة ومهلة الإنذار وبدل انتقال من السويس إلى الإسكندرية، وبعد أن قدم الخبير تقريره عادت وبتاريخ 15/ 4/ 1964 فحكمت حضورياً (أولاً) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وبقبولها. (ثانياً) برفض الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم لمضي أكثر من سنة على انقضاء عقد العمل (ثالثاً) بإلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 158 ج و3 م والمصاريف المناسبة ومبلغ 300 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفض الدعوى فيما عدا ذلك وأعفت المدعي من باقي المصاريف. واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالنسبة للشق الخاص بالتعويض طالباً تعديله والحكم له بمبلغ 3158 ج و3 م والمصاريف والأتعاب عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف برقم 309 سنة 20 ق، كما استأنفته الشركة المدعى عليها طالبة إلغاءه والحكم برفض الدعوى. وقيد هذا الاستئناف برقم 390 سنة 20 ق. وقررت المحكمة ضم الاستئنافين ليصدر فيهما حكم واحد. وبتاريخ 29/ 10/ 1964 حكمت المحكمة حضورياً (أولاً) بقبول كل من الاستئنافين شكلاً (ثانياً) وفي الاستئناف رقم 309 سنة 20 ق بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الشركة المستأنف عليها بأن تدفع للمستأنف مبلغ 500 جنيه والمصروفات المناسبة عن الدرجتين ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة (ثالثاً) وفي الاستئناف رقم 390 سنة 20 ق برفضه وبإلزام الشركة المستأنفة بمصروفاته ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسبب الوارد في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة وحيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، وطلبت المطعون عليها رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه قضى بالتعويض مستنداً في ذلك إلى أنه ثبت من الكشف المقدم من إدارة التفتيش البحري بمصلحة المواني والمنائر أن الطاعن كان يعمل بعقود كل منها يبدأ وينتهي في تاريخ معين وبينها قاضي زمني فلا تعتبر مكملة لبعضها، كما أن العقود التالية لا تعد بمثابة تجديد العقد الأول في نطاق المادة 71 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 لأن هذه المادة قبل تعديلها بالقانون رقم 14 لسنة 1962 كانت قاصرة على حالة الاستمرار في تنفيذ العقد المحدد المدة بعد انقضاء مدته واعتباره عندئذ عقداً غير محدد المدة - وهو ما لم يتحقق في عقد الطاعن - وأن القانون رقم 158 لسنة 1959 قد استلزم في هذا العقد بوصفه عقد عمل بحري شكلاً معيناً وأوجب تسجيله بإدارة التفتيش البحري، وأن ما ورد بشهادة ربان السفينة من أن الطاعن عمل بالشركة المطعون عليها منذ شهر نوفمبر سنة 1956 حتى تاريخ فصله في 17/ 5/ 1961 ينقضه ما ثبت بأوراق التفتيش البحري. وهو من الحكم خطأ في فهم وتقدير الواقع وخطأ في تطبيق القانون ومخالفة للدليل الثابت بالأوراق وإسناده أمراً إلى الطاعن لا يتفق مع الحقيقة من أربعة وجوه (أولها) أن الحكم المطعون فيه لم يستخلص النتيجة السليمة المتفقة مع ما جرت به عادة الأمور والعرف التجاري في تحرير العقود التي تضمنها بيان مصلحة المواني والمنائر لأن المتبع أن تحرر هذه العقود بمناسبة الرحلة البحرية وعن المدة اللازمة لها، وأن مصلحة المواني لا تعنى إلا بمدة الرحلة دون غيرها من المدد التي لا تحفل بها ولا تسجلها أو تلزم الشركة بتدوينها، وإذ كان الطاعن يعمل على بواخر مخصصة لرحلات الحج إلى الأقطار السعودية فإن هذه البواخر - بعد انتهاء رحلات الحج - تبقى في الميناء للإصلاح والاستعداد وتلبية أي طلب طارئ، ويبقى أفرار طاقمها مرتبطين بها برابطة العمل الدائم المستمر، ولا يعقل أن تقوم الباخرة بتسريح أفراد الطاقم عقب كل رحلة بحرية ثم تدعوهم وتتعاقد معهم من جديد إذا استأنفت رحلاتها. (وثانيها) أن الحكم المطعون فيه قد جرى قضائه على أنه لا يمكن اعتبار العقود المتتالية بمثابة تجديد للعقد الأول في حكم المادة 71 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 وهو خطأ ومخالفة للقانون، لأنه إذا كان تنفيذ العقد بعد انتهاء مدته يعتبر امتداداً لرابطة العمل بعقد غير محدد المدة وفقاً للمادة المشار إليها - قبل تعديلها بالقانون رقم 14 لسنة 1962 - فإنه من باب أولى يعتبر تنفيذ العقد بعد انتهاء مدته وإشفاعه بعقد تالٍ جديد متصل بمدة التنفيذ استمراراً لرابطة العمل وامتداداً للعقد الأول (وثالثها) أن الحكم المطعون فيه إذ أطرح الشهادة المحررة من ربان السفينة التي تفيد أن الطاعن التحق بخدمة الشركة المطعون عليها منذ نوفمبر 1956 واستمر يعمل بها بصفة دائمة ومستمرة حتى فصلته تعسفياً في مايو 1961 يكون قد خالف الدليل الثابت بالأوراق لأن القانون البحري يعتبر الربان صاحب السلطة العليا في الباخرة وأن الشركة إذ دفعت بعدم قبول الدعوى لرفعها عليها دون الربان تكون قد سلمت بحجية الشهادة الصادرة منه، كما التفت الحكم عن النتائج التي انتهى إليها الخبير في تقريره والتي أيدت الطاعن في تحديد مدة خدمته، يؤكدها ما تضمنه الخطاب الصادر من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى محامي الطاعن في 10/ 12/ 1964 من أن الشركة المطعون عليها اشتركت عنه لديها ابتداء من 1/ 8/ 1959 - وهو تاريخ العمل بالقانون - وأن تاريخ فصله هو 17/ 5/ 1961 (ورابعها) أن الحكم المطعون فيه إذ جرى في قضائه على أن الطاعن عجز في إثبات ما يخالف بيان مصلحة المواني والمنائر يكون قد أسند إلى الطاعن أمراً غير متفق مع الحقيقة لأن ماديات الدعوى وأدلتها والشهادات المقدمة منه وتقرير الخبير والحقائق المستمدة من العقود المتتالية المتعددة لو أنها فسرت التفسير الصحيح أو لو طالبت محكمة الاستئناف بالمزيد من الأدلة لما تراخى في موافاتها بكل ما تريده لتوكيد الحقائق الثابتة على النحو المقدم ولما انتهى الحكم إلى تقدير التعويض تافه لا يتناسب مع الأضرار الجسيمة التي لحقت بالطاعن.
وحيث إن هذا النعي مردود في (الوجهين الأول والثاني) منه بأن عقد العمل البحري المبرم على أساس رحلة أو رحلات معينة لا يسري بطبيعته إلا لفترة الرحلة البحرية فينتهي حتماً بانتهائها ما لم يستبق مجهز السفينة العامل لفترة أخرى أو يتعلق الأمر بوقائع حدثت أثناء الرحلة. إذ كان ذلك وكان الثابت في الدعوى أن عقود الطاعن قد أبرمت على أساس رحلات معينة بينها فاصل زمني - وهي تجرى في موسم الحج من كل عام - ولم يثبت أن المجهز قد استبقاه في العمل بعد أي منها وجرى قضاء الحكم المطعون فيه على أنه "يوجد فاصل زمني بين كل عقد وآخر الأمر الذي لا يسمح باعتبارها مكملة لبعضها أو باعتبار العقود التالية بمثابة تجديد للعقد الأول في حكم المادة 71 من قانون العمل 91 لسنة 1959" فإنه لا يكون قد أخطأ في فهم الواقع في الدعوى أو خالف القانون ومردود في (الوجهين الثالث والرابع) منه، ذلك أن تمثيل الربان المالك السفينة لا يسري إلا حيث لا يوجد المالك السفينة أو من يحل محله، وإذ كانت عقود الطاعن قد أبرمت مع الشركة المطعون عليها - مالكة السفينة - فإن شهادة الربان في شأنها تكون غير ملزمة للمالك ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إن هو أطرحها ولم يأخذ بها أو بتقرير الخبير بما له من السلطة التامة في تقدير ما يقدم إليه من أدلة، ولا يقبل من الطاعن التحدي الأول مرة أمام هذه المحكمة بالخطاب الصادر من الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في 10/ 12/ 1964 إذ لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.