أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1180

جلسة 11 من نوفمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، وإبراهيم علام، وحسين زاكي، ومحمد أسعد محمود.

(183)
الطعن رقم 311 لسنة 35 القضائية

(أ، ب) وكالة. "إثبات الوكالة". محاماة. "صدور التوكيل لمحام". أمر أداء. "طلب الأمر".
ليس للمحكمة أن تتصدى لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله. مباشرة محام إجراء قبل صدور التوكيل ممن كلفه به. عدم جواز الاعتراض عليه بأن التوكيل لاحق ما لم ينص القانون على غير ذلك. عدم اشتراط أن يكون بيد المحامي توكيل من الدائن عند طلب إصدار أمر الأداء.
(ج) اختصاص. "اختصاص المحاكم المختلطة. قانون. أحوال شخصية.
صيرورة المحاكم المختلطة - قبل إلغائها - مختصة بالنظر في المنازعات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب الذين كانت لهم امتيازات في الأحوال التي يكون القانون الواجب التطبيق فيها هو قانون أجنبي. إجازة اتفاقية مونترو لكل من الدولة المتعاقدة التي لها محاكم قنصلية - ومنها المملكة المتحدة - الاحتفاظ بهذه المحاكم لتتولى القضاء - خلال فترة الانتقال التي تنتهي في 14 أكتوبر سنة 1949 - في مواد الأحوال الشخصية متى كان القانون الواجب التطبيق هو قانون تلك الدولة.
(د) أحوال شخصية. "تعيين سدير للتركة". تركة. اختصاص. "اختصاص المحاكم القنصلية".
تعبير الأحوال الشخصية يشمل المسائل المتعلقة بالمواريث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت. الحكم الصادر من محكمة القنصلية البريطانية - خلال فترة الانتقال السابقة على إلغاء الامتيازات الأجنبية - بتعيين مدير لتركه. حكم صادر من جهة ذات اختصاص بإصداره.
(هـ) اختصاص. "القانون الواجب التطبيق في تحديد الاختصاص". قانون. "تطبيق قانون المرافعات".
تحديد الاختصاص يكون وفقاً للقواعد القانونية المعمول بها وقت صدور الحكم بصفة نهائية. لا محل لتطبيق حكم المادة الأولى من قانون المرافعات السابق متى كان الحكم قد صدر بصفة نهائية قبل العمل بهذا القانون.
(و) حكم. "حجية الحكم".
الحكم الصادر من جهة ذات اختصاص بإصداره. عدم زوال أثره وحجيته ولو كان حكماً وقتياً إلا بصدور حكم ناسخ له.
(ز) نقد. "الرقابة على عمليات النقد". التزام. "تنفيذ الالتزام". عقد.
الحظر الوارد في المادة الأولى من القانون 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد. عدم شموله التصرف القانوني في حد ذاته والالتزامات التي يرتبها. اقتصار الحظر على تنفيذ التعهد أي على عملية دفع النقد المصري بطريق الوفاء أو المقاصة أو غيرها من طرق انقضاء الالتزام الذي يكون تنفيذه بالتعامل بالنقد المصري.
(ح) إثبات. "إجراءات الإثبات". "استجواب الخصم".
عدم التزامه المحكمة بإجابة طلب استجواب الخصم متى توافرت لديها العناصر اللازمة لتكوين رأيها.
(ط) إثبات. "قواعد الإثبات". "الإثبات في التصرفات التجارية المختلطة". أعمال تجارية.
تجارية التصرف بالنسبة لأحد المتعاقدين ومدينته بالنسبة للآخر. وجوب اتباع قواعد الإثبات في المواد المدنية على من كان التصرف مدنياً بالنسبة له. عدم جواز إثبات وفاء الدين إلا طبقاً لقواعد الإثبات المدنية إذا كان التصرف بالنسبة للدائن تصرفاً مدنياً ولو كان بالنسبة للمدين تصرفاً تجارياً.
1 - لا يجوز للمحكمة أن تتصدى لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله، فإذا باشر المحامي إجراء قبل أن يصدر توكيلاً له من ذي الشأن الذي كلفه بالعمل فلا يعترض عليه بأن التوكيل لاحق على تاريخ الإجراء ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
2 - لم تتطلب المادة 853 من قانون المرافعات السابق المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962 والواردة في الباب الخامس من الكتاب الثالث - في استيفاء ديون النقود الثابتة بالكتابة - أن يكون بيد المحامي توكيل من الدائن عند طلب إصدار الأمر باسم هذا الدائن.
3 - لئن كانت المحاكم المختلطة - بعد اتفاق مونترو الخاص بإلغاء الامتيازات بمصر والموقع عليه في 8 مايو سنة 1937 وطبقاً للمادة 27 من القانون رقم 49 لسنة 1937 الخاص بلائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة - هي التي كانت مختصة بالنظر في المنازعات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب الذين كانت لهم امتيازات، في الأحوال التي يكون القانون الواجب التطبيق فيها طبقاً لأحكام المادة 29 هو قانون أجنبي، إلا أنه قد أجيز بمقتضى المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1937 بشأن اتفاق مونترو المشار إليه لكل من الدول المتعاقدة التي لها محاكم قنصلية في مصر ومنها المملكة المتحدة أن تحتفظ بها فتتولى القضاء في مواد الأحوال الشخصية في كل الأحوال التي يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون هذه الدولة وذلك خلال فترة الانتقال المنوه عنها بالاتفاق سالف الذكر والتي تنتهي في 14 أكتوبر سنة 1949.
4 - تقضي المادة العاشرة من القانون 48 لسنة 1937 بأن الأحوال الشخصية تشمل المواد المبينة في المادة 28 لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة، وأن القانون الواجب التطبيق يتعين تبعاً للقواعد المقررة في المادتين 29 و30 من اللائحة المذكورة، وإذ تنص المادة 28 سالفة الذكر على أنه مما تشمله الأحوال الشخصية المسائل المتعلقة بالمواريث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، كما تقضي المادة 29 من اللائحة المذكور بأنه يرجع في المواريث والوصايا إلى قانون بلد المتوفى أو الموصي، فإن مقتضى ذلك أن يعد الحكم الصادر من محكمة القنصلية البريطانية - خلال فترة الانتقال السابقة على إلغاء الامتيازات الأجنبية - بتعيين مدير لتركة قد صدر من جهة ذات اختصاص بإصداره.
5 - من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه متى كان الحكم وهو بسبيل تعرف اختصاص محكمة ما بإصدار أحكام في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية قد طبق في تحديد الاختصاص القواعد القانونية التي كان معمولاً بها وقت صدور تلك الأحكام بصفة نهاية فإنه لا يكون قد أخطأ في القانون بعدم تطبيق المادة الأولى من قانون المرافعات السابق المعمول به من 15/ 10/ 1949 متى كانت تلك الأحكام قد صدرت بصفة نهائية قبل العمل بهذا القانون.
6 - الأحكام الصادرة من جهة ذات اختصاص بإصدارها - ولو كانت أحكاماً وقتية - لا يزول أثرها أو تسقط عنها حجيتها إلا بصدور أحكام ناسخة لها.
7 - مفاد نص المادتين 1/ 2 و5 من القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدل بالقانون 157 لسنة 1950 مرتبطين أن الحظر المشار إليه في المادة الأولى لا يشمل التصرف القانوني في حد ذاته الذي يرتب لكل من المتعاقدين فيه التزامات على الآخر، بل إن هو التصرف قائم وصحيح بين طرفيه، وإنما الحظر يقتصر على تنفيذ التعهد، أي عملية دفع النقد المصري سواء كان ذلك بطريق المقاصة أو بغيرها من طرق انقضاء الالتزام التي يحصل فيها تنفيذه بالتعامل بالنقد المصري، فقد رسم المشرع بمقتضى المادة الخامسة كيفية تنفيذ الالتزام بالمبالغ المستحقة لأشخاص غير مقيمين في مصر واعتبر دفعها على الوجه المبين فيها مبرئاً لذمة المدين قبل الدائن غير المقيم، وإذ أخذ الحكم بهذا النظر ورتب عليه صحة العقد ذاته واستبقى أمر التنفيذ بالمبالغ المحكوم بها طبقاً لما تقتضيه قوانين النقد، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
8 - إذا توافرت لدى محكمة الموضوع العناصر الكافية لتكوين رأيها دون حاجة لاستجواب الخصوم فإنها لا تكون ملزمة بإجابة الخصم إلى طلبه.
9 - إذا كان التصرف حاصلاً بين شخصين وكان بالنسبة لأحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تصرفاً تجارياً، فإن قواعد الإثبات في المواد المدنية هي التي تتبع على من كل التصرف مدنياً بالنسبة إليه فلا يجوز إثبات وفاء الدين إلا طبقاً لقواعد الإثبات المدنية إذا كان التصرف بالنسبة للدائن تصرفاً مدنياً ولو كان بالنسبة للمدين تصرفاً تجارياً [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما بصفتهما مديري تركة المرحوم ديمتري تزركيس استصدرا في 9/ 7/ 1963 من رئيس محكمة الزقازيق الابتدائية أمراً ضد الطاعنين وأخرى بإلزامهم متضامنين بأداء مبلغ 2000 ج استناداً إلى أنهما يداينانهم بهذا المبلغ وهو الباقي من سند قيمته 4000 ج مؤرخ في 20/ 2/ 1959. تظلم الصادر ضدهم الأمر فيه بالدعوى رقم 546 سنة 1963 مدني كلي الزقازيق. وبتاريخ 5/ 5/ 1964 حكمت المحكمة بتعديل أمر الأداء المتظلم فيه إلى إلزام المحكوم عليهم بأن يدفعوا متضامنين للمطعون عليهما بصفتهما مبلغ 1940 جنيه. استأنف المحكوم عليهم - ومنهم الطاعنون - هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 151 سنة 7 ق مأمورية الزقازيق. وبتاريخ 6 مارس سنة 1965 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. قرر الطاعنون بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعنون بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون من وجهين، حاصل الأول أن الطاعنين دفعوا بعدم قبول طلب إصدار أمر الأداء لعدم وجود توكيل من كريستالا ديمتري تزركيس - المطعون عليها الأولى بصفتها أحد مديري تركة ديمتري تزركيس - لأستاذ أحمد شلبي المحامي الذي وقع على طلب إصدار أمر الأداء بصفته وكيلاً عنها، إلا أن الحكم المطعون فيه قد قضى برفض هذا الدفع استناداً إلى أنه يجوز للمحامي رفع الدعوى دون أن يكون بيده توكيل وقت رفعها، هذا في حين أن طلب إصدار أمر الأداء لا تحدد له جلسة للمرافعة بل ينتهي الطلب إما بصدور أمر الأداء برفض الطلب. ويتحصل الوجه الثاني في أن الطاعنين دفعوا بعدم قبول طلب أمر الأداء من المطعون عليهما إذ أنهما بعد أن عينتهما المحكمة القنصلية البريطانية سنة 1943 مديرين لتركة ديمتري تزركيس لم يلجأ إلى القضاء المصري طبقاً لما تقضي به المادة 934 من قانون المرافعات لتحديد ورثة ديمتري تزركيس، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع استناداً إلى بقاء صفة المطعون عليهما مديرين لتركة ديمتري تزركيس لصدور حكم قضائي بذلك من جهة ذات اختصاص بإصداره وإلى أن هذا الحكم لم يلغ، هذا في حين أن تعيين مديري التركة هو إجراء مؤقت لا يمكن أن يطول به الزمن ويستمر أثره حتى تقديم طلب أمر الأداء سنة 1963، هذا إلي أنه لم يصرح في القرار بتعيين المطعون عليهما مديرين للتركة بإقراض أموالها للغير مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قضى برفض الدفع بعدم قبول إصدار أمر الأداء لعدم وجود توكيل من المطعون عليها الأولى بصفتها بيد المحامي الذي قدم طلب إصدار أمر الأداء، استناداً منه إلى أن طلب إصدار أمر الأداء قد قدم من المطعون عليهما بصفتهما وأنهما وكلا عنهما في ذلك الأستاذ أحمد شلبي المحامي لتقديم الطلب، وإلي أنه من الجائز قانوناً أن يرفع الخصم الدعوى باسمه أو يقدم طلب إصدار أمر الأداء باسمه كذلك ويقتصر عمل المحامي على مجرد التوقيع على الصحيفة دون أن يكون بيده توكيل، كما استند الحكم إلى أن المطعون عليهما لم ينكرا وكالة الأستاذ أحمد شلبي المحامي عنهما بل أكدا قيام هذه الوكالة، ولما كان لا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تتصدى المحكمة لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله، فإذا باشر المحامي إجراءاً قبل أن يستصدر توكيلاً له من ذي الشأن الذي كلفه بالعمل فلا يعترض عليه بأن التوكيل لاحق على تاريخ الإجراء ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وكانت المادة 853 من قانون المرافعات السابق المعدلة بالقانون 100 سنة 1962 والواردة في الباب الخامس من الكتاب الثالث - في استيفاء ديون النقود الثابتة بالكتابة - لم تتطلب أن يكون بيد المحامي توكيل من الدائن عند طلب إصدار الأمر باسم هذا الدائن. وكان يبين من الحكم المطعون فيه - على ما سلف ذكره - أن الأستاذ أحمد شلبي المحامي الذي وقع على طلب إصدار أمر الأداء وإن لم يقدم توكيلاً من المطعون عليها الأولى بصفتها وقت تقديم الطلب إلا أن هذه الأخيرة لم تنكر وكالته عنها بل أقرب بها. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد التزم صحيح القانون إذ قضى برفض الدفع في هذا الخصوص ويكون النعي عليه بهذا الوجه بالخطأ في تطبيق القانون على غير أساس. والنعي في وجهه الثاني مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه رد على دفاع الطاعنين في هذا الخصوص بأن المطعون عليهما قدما لإثبات صفتهما كمديرين لتركة المرحومة ديمتري تزركيس البريطاني الجنسية شهادة صادرة من محكمة القنصلية البريطانية بالقاهرة في 15/ 10/ 1943 ومصدق عليها من محافظة القاهرة تفيد أنه توفى في 13/ 5/ 1943 وأن تلك المحكمة عينت المطعون عليهما بتاريخ 1/ 10/ 1943 مديرين لتركته، واستند الحكم إلى أنه لا محل لاستصدار حكم جديد بتعينهما مديرين للتركة بعد صدور القانون رقم 126 سنة 1951 بإضافة كتاب رابع إلى قانون المرافعات في الإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية وطبقاً للمادة 939 من قانون المرافعات، وذلك لسابقة تعيين المطعون عليهما مديرين لتركة ديمتري تزركيس بحكم صادر من جهة كانت مختصة بذلك قبل إلغاء الامتيازات الأجنبية، وإلى أن هذا الحكم يبقى قائماً حتى صدور حكم بإلغائه، وإلى أن الدين نشأ بين المطعون عليهما بصفتهما مديرين للتركة وبين الطاعنين وقد أقروا في سند المديونية بوصول قيمته إليهم، ولئن كانت المحاكم المختلطة - بعد اتفاق مونترو الخاص بإلغاء الامتيازات بمصر والموقع عليه في 8 مايو سنة 1937 وطبقاً للمادة 27 من القانون رقم 49 سنة 1937 الخاص بلائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة - هي التي كانت مختصة بالنظر في المنازعات والمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب الذين كانت لهم امتيازات في الأحوال التي يكون القانون الواجب التطبيق فيها طبقاً لأحكام المادة 29 هو قانون أجنبي، إلا أنه قد أجيز بمقتضى المادة العاشرة من القانون رقم 48 سنة 1937 - بشأن اتفاق مونترو - لكل من الدول المتعاقدة التي لها محاكم قنصلية في مصر ومنها المملكة البريطانية أن تحتفظ بها لتتولى القضاء في مواد الأحوال الشخصية، وذلك في كل الأحوال التي يكون القانون الواجب التطبيق هو قانون هذه الدولة، وإذ احتفظت المملكة البريطانية بهذا الاختصاص لمحاكمها القنصلية لتتولى الفصل في مواد الأحوال الشخصية المختصة بها طوال فترة الانتقال المنوه عنها في المادة الثالثة من اتفاق إلغاء الامتيازات السالف البيان والتي بدأت من 15 أكتوبر سنة 1937 وانتهت في 14 أكتوبر سنة 1949. وكانت المادة العاشرة المشار إليها تقضي بأن الأحوال الشخصية تشمل المواد المبينة في المادة 28 لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة السالفة البيان، وأن القانون الواجب تطبيقه يتعين تبعاً للقواعد المقررة في المادتين 29، 30 من اللائحة المذكورة، وإذ تقضي المادة 28 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة بأن مما تشمله الأحوال الشخصية، المسائل المتعلقة بالمواريث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، كما تقضي المادة 29 من اللائحة ذاتها بأنه يرجع في المواريث والوصايا إلى قانون بلد المتوفى أو الموصي فإن مقتضى ذلك أن يعد صدور حكم من محكمة القنصلية البريطانية بتاريخ 1/ 10/ 1943 وخلال فترة الانتقال - السابق الإشارة إليها - بتعيين المطعون عليهما مديرين لتركة المتوفى ديمتري تزركيس البريطاني الجنسية قد صدر من جهة ذات اختصاص بإصداره. لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه متى كان الحكم وهو بسبيل تعرف اختصاص محكمة ما بإصدار أحكام في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية قد طبق في تحديد الاختصاص القواعد القانونية التي كان معمولاً بها وقت صدور تلك الأحكام بصفة نهائية، فإنه لا يكون قد أخطأ في القانون بعدم تطبيق المادة الأولى من قانون المرافعات السابق المعمول به من 15/ 10/ 1949 وذلك متى كانت تلك الأحكام قد صدرت بصفة نهائية قبل العمل بهذا القانون، وكان من المقرر أيضاً أن الأحكام الصادرة من جهة ذات اختصاص بإصدارها - ولو كانت أحكاماً وقتية - لا يزول أثرها أو تسقط عنها حجيتها إلا بصدور أحكام ناسخة لها. لما كان ذلك فإن الحكم الصادر بتعيين المطعون عليهما مديرين لتركة ديمتري تزركيس من المحكمة القنصلية البريطانية في فترة الانتقال يكون له احترامه وتبقى له حجيته ما دام قد صدر من جهة ذات اختصاص بإصداره على ما سلف البيان، ويظل قائماً بعد صدور قانون المرافعات السابق وبعد صدور القانون رقم 126 سنة 1951 وذلك لصدور هذا الحكم من جهة مختصة في ظل قانون واجب التطبيق. لما كان ما تقدم وكان يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه أوضح أن من حق المطعون عليهما بصفتهما مديرين للتركة أن يطالبا الطاعنين بباقي قيمة السند المحرر به الدين وذلك لنشوئه في 20/ 12/ 1959 بعد وفاة المورث وأثناء توليهما إدارة التركة بموجب حكم المحكمة القنصلية المشار إليه، وكان هذا الذي قرره الحكم صحيحاً في القانون فإن النعي برمته بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الأول وفي السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بأن القانون البريطاني وهو القانون الواجب التطبيق باعتبار أنه قانون بلد المتوفى الذي كان بريطاني الجنسية، هذا القانون يستلزم تمثيل التركة بمديرين اثنين وليس بمدير واحد، إلا أن الحكم المطعون فيه أقر تمثيل المطعون عليهما للتركة باعتبارهما مديرين لها على الرغم مما قرره الطاعنون من أن المطعون عليه الثاني أقر بعدم إقامته بالقطر المصري، مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أقام قضاءه بحق المطعون عليهما في تمثيل التركة استناداً إلى أن المحكمة القنصلية البريطانية - وعلى ما سلف البيان في الرد على السبب الثاني - قد قضت بتعيينهما في القضية رقم 10 سنة 1943 مديرين لتركة ديمتري تزركيس لإدارة ممتلكاتها، كما استند الحكم إلى أن الدين المطالب به نشأ بين الطاعنين والمطعون عليهما بصفتهما على ما هو وارد بسند الدين المؤرخ 20/ 12/ 1959 بعد وفاة المرحوم ديمتري تزركيس وبعد التاريخ الذي قال عنه الطاعنون إن المطعون عليه الثاني كان قد غادر فيه الديار المصرية وأن المطعون عليهما قد وصفا نفسيهما في سند الدين بأنهما مديران لتركة ديمتري تزركيس وأنهما بذلك تكون لهما الصفة في المطالبة بالدين، وإلى أن المطعون عليهما قد تقدما معاً غير منفردين بصفتهما مديرين لتركة ديمتري تزركيس بطلب استصدار أمر الأداء ضد الطاعنين وصدر لهما الأمر بهذه الصفة قد قضى الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لهما غير منفردين بالدين، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد رتب على ازدواج إدارة التركة بين المطعون عليهما طبقاً للحكم الصادر من المحكمة القنصلية البريطانية السابق الإشارة إليه بتعيينهما مديرين للتركة، حقهما في التحدث عنها وتمثيلها طبقاً للقانون البريطاني الذي صدر على مقتضاه الحكم بتعيينهما مديرين للتركة - وذلك على ما سلف البيان في الرد على السبب الثاني - وإن كان أحدهما مقيماً في الخارج، طالما أنهما قد حررا سند الدين بصفتهما هذه الثابتة فيه، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون في باقي السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بأن المطعون عليه الثاني غير مقيم في القطر المصري وأن سند الدين موضوع أمر الأداء يصبح بذلك باطلاً إذ لا يجوز طبقاً لقوانين الرقابة على النقد إصدار مثل هذا السند، إلا أن الحكم قضى بصحة السند وألزم الطاعنين بالمبلغ الباقي منه. كذلك اعتبر الحكم أن التركة مقيمة في القطر المصري، في حين أن الثابت من الأوراق أن المطعون عليه الثاني غادر البلاد المصرية منذ سنة 1956 فأصبح غير مقيم مما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه اعتبر سند الدين الذي صدر على مقتضاه أمر الأداء صحيحاً وقضى على الطاعنين بالمبلغ الباقي منه استناداً إلى قوله "إنه عن الادعاء بعدم جواز الوفاء بأي مال للتركة بمقولة إنها تركة أجنبية غير مقيمة وأنه يتعين عليها للحصول على صفة غير المقيم أن تفتح حساباً مجمداً لدى أحد البنوك حتى يمكن الوفاء لها، فالواضح أنه لا محل للدخول في بحث ما إذا كانت التركة تعتبر تركة مقيمة أو غير مقيمة لأنه على فرض أن التركة غير مقيمة فإن ذلك لا تأثير له على القضاء للتركة بحقوقها الثابتة، لأن القضاء بالحق شيء يخالف الوفاء به، وبذلك فإن التحدي بالقانون رقم 80 سنة 1947 الخاص بتنظيم الرقابة على عمليات النقد والقوانين المعدلة له والتي تنظم العمل بالنقد المصري والنقد الأجنبي إنما يكون محله عند تنفيذ الحكم باقتضاء مبلغ الدين الذي يحكم به ولا محل لإثارته في مجال المطالبة بالحق أمام القضاء". وهذا الذي أورده الحكم صحيح في القانون ذلك أن الفقرة الثانية من المادة الأول من القانون رقم 80 سنة 1947 - بتنظيم الرقابة على عمليات النقد - المعدلة بالقانون رقم بالقانون 157 سنة 1951 إذ تقضي بأن يحظر على غير المقيمين في القطر المصري أو وكلائهم التعامل بالنقد المصري أو تحويل أو بيع القراطيس المالية المصرية إلا بالشروط والأوضاع التي تعين بقرار من وزير المالية وعن طريق المصارف المرخص لها منه في ذلك، وإذ تنص المادة الخامسة من ذات القانون المعدلة بالقانون رقم 157 سنة 1951 على أن المبالغ المستحقة الدفع إلى أشخاص غير مقيمين في مصر والمحظور تحويلها إليهم طبقاً لأحكام هذا القانون يعتبر مبرئاً للذمة دفعها في حسابات تفتح في أحد المصارف المشار إليها في المادة الأولى من هذا القانون لصالح أشخاص غير مقيمين في مصر، فقد أفاد هذان النصان مرتبطين أن الحظر المشار إليه في المادة الأولى لا يشمل التصرف القانوني في حد ذاته الذي يرتب لكل من المتعاقدين فيه التزامات على الآخر، بل إن هذا التصرف قائم وصحيح بين طرفيه، وإنما الحظر يقتصر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على تنفيذ التعهد أي عملية دفع النقد المصري سواء أكان ذلك بطريق الوفاء أو بطريق المقاصة أو بغيرهما من طرق انقضاء الالتزام التي يحصل فيها تنفيذه بالتعامل بالنقد المصري، فقد رسم المشرع بمقتضى المادة الخامسة كيفية تنفيذ الالتزام بالمبالغ المستحقة لأشخاص غير مقيمين في مصر واعتبر دفعها على الوجه المبين فيها مبرئاً لذمة المدين قبل الدائن غير المقيم. وإذ أخذ الحكم بهذا النظر ورتب عليه صحة العقد ذاته واستبقى أمر التنفيذ بالمبالغ المحكوم بها طبقاً لما تقتضيه قوانين النقد، فإن الحكم لا يكون أخطأ في تطبيق القانون، لما كان ذلك فإن ما قرره الحكم في موضع آخر منه من أن تركة ديمتري تزركيس تركة مقيمة استناداً إلى أن لها حساباً بأحد المصارف المصرية، وأياً كان وجه الرأي في ذلك، فإن هذا القول من الحكم غير مؤثر في النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها، ويكون النعي عليه بمخالفة القانون أو مخالفة الثابت بالأوراق في هذا الخصوص غير منتج في الطعن، ومن ثم فإن النعي بهذا السبب جميعه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقولون إنهم طلبوا استجواب المطعون عليها في شأن قبولها تقسيط الدين كما تمسكوا بأن المعاملة تجارية بينهم وبين تركة ديمتري تزركيس وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبتوا وفاءهم بالدين المطالب به، إلا أن الحكم التفت عن طلب استجواب المطعون عليها الأولى ورفض طلب الإحالة إلى التحقيق مما يعيبه بالخطأ في القانون والقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه رفض طلب استجواب المطعون عليها الأولى عن الادعاء بموافقتها على تقسيط الدين المطالب به استناداً إلى أن المطعون عليهما أكدا في دفاعهما عدم حصول مثل هذا الاتفاق. ولما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا توافرت لدى محكمة الموضوع العناصر الكافية لتكوين رأيها دون حاجة للاستجواب فإنها لا تكون ملزمة بإجابة الخصم إلى طلبه في هذا الخصوص، وكان الحكم قد رفض طلب الاستجواب بعد أن تبين له من ظروف الدعوى وفي حدود سلطته الموضوعية أنه لا توجد موافقة من المطعون عليها على تقسيط الدين، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون أو شابه القصور في التسبيب. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد رفض طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ادعاء الطاعنين بوفاء الدين استناداً إلى قوله "إنه لم يثبت من أوراق الدعوى أنهما (المطعون عليهما) يمارسان التجارة وبذلك يكون إثبات أن المعاملة تمت بين تاجر وغير تاجر وهي من قبيل العمليات المختلطة التي تعتبر تجارية بالنسبة للتاجر ومدنية بالنسبة لغير التاجر، ومن ثم لا يجوز لهم (للطاعنين) أن يلجأوا إلى قواعد الإثبات التجارية لإثبات هذا السداد، وإنما يتعين عليهم أن يلتزموا قواعد الإثبات المدنية، وهي تقضي بأنه إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على عشرة جنيهات فلا تجوز البينة في إثبات وجوده أو انقضائه" وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف إلى ذلك قوله "إن ما ذهب إليه المستأنفون (الطاعنون) من أن المستأنف عليهما (المطعون عليهما) قد قررا في دفاعهما أمام محكمة الدرجة الأولى أنهما قد أعطياهم المبلغ المطالب به رغبة منهما - المستأنف عليهما - في المتاجرة به وهذا القول بعيد عن الواقع فإن المستأنف عليهما قد قالا في هذا الصدد أن المستأنفين أرادوا أن يحصلوا على مبلغ للمتاجرة به أي أن قصد المتاجرة قد قام لدى المستأنفين لا المستأنف عليهما" وكان هذا الذي قرره الحكم صحيحاً في القانون ذلك أن التصرف الذي يحصل بين شخصين ويكون بالنسبة إلى أحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تصرفاً تجارياً فإن قواعد الإثبات في المواد المدنية هي التي تتبع على من كان التصرف مدنياً بالنسبة إليه فلا يجوز إثبات وفاء الدين إلا طبقاً لقواعد الإثبات المدنية إذا كان التصرف بالنسبة للدائن تصرفاً مدنياً ولو كان بالنسبة للمدين تصرفاً تجارياً. وإذ رتب الحكم على هذا الذي قرره - على النحو السالف بيانه - رفض طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات وفاء الدين قبل المطعون عليهما فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب جميعه على غير أساس.


[(1)] نقض 8/ 12/ 1960 مجموعة المكتب الفني السنة 11 ص 635.