أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1313

جلسة 23 من ديسمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

(204)
الطلب رقم 432 لسنة 35 القضائية

دعوى. "تدخل النيابة العامة في الدعوى". وقف. "الدعوى المتعلقة بالوقف". نيابة عامة. بطلان.
وجوب تدخل النيابة العامة في الدعاوى المتعلقة بإنشاء الوقف أو بصحته أو الاستحقاق فيه أو بتفسير شرطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت سواء كادت الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو رفعت باعتبارها دعوى مدنية أثيرت في مسألة تتعلق بالوقف. عدم تدخل النيابة في هذه الدعاوى لإبداء الرأي يترتب عليه بطلان الحكم.
كلما كان النزاع متعلقاً بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت وفق الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم عملاً بالقانون 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء تلك المحاكم، فإن تدخل النيابة يكون واجباً عند نظر هذا النزاع - عملاً بالمادة 1/ 2 من القانون 628 لسنة 1955 - وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً دون تفرقة بين ما إذا كانت الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو كانت قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف [(1)]. وإذ كان ما قرره الحكم المطعون فيه من انحسار صفة الوقف عن أرض النزاع إنما ينطوي على تفسير نية الواقف وتعرف لمقصودة وبيان مدى قيام حق الواقف في الرجوع في وفقه طبقاً للمادة 11 من القانون 48 لسنة 1946 وهي مسائل تتعلق جميعها بالوقف من حيث إنشائه وشرائطه وتستوجب الخوض في تفسير عبارات كتاب الوقف وفي توافر شروط الرجوع عن الوقف من الواقف أو أن الوقف ملزم له، إذ كان ذلك فإنه يتعين تدخل النيابة في الدعوى لإبداء رأيها فيها حتى ولو كانت منظورة أمام الدائرة المدنية.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 356 لسنة 1958 مدني أمام محكمة المنيا الابتدائية على الطاعن طالباً الحكم بثبوت ملكيته لأرض زراعية مساحتها 16 ط و16 س شائعة في 1 ف و9 ط و8 س كائنة بحوض البركة البحرية رقم 6 بناحية منشأة القيس مركز بني مزار محافظة المنيا مع كف المنازعة والتسليم. وقال في بيان دعواه إن الأطيان السالفة البيان مخلفة لهما عن والدهما ومورثهما وأنه يتملك القدر المطالب به شائعاً، غير أن الطاعن ينازعه في هذه الملكية ولذلك أقام دعواه بطلباته. أنكر الطاعن الدعوى استناداً إلى أن الأطيان المطالب بها تندرج ضمن إشهاد الوقف المؤرخ 29 من سبتمبر سنة 1932 والذي بمقتضاه أوقف المورث جميع أطيانه الكائنة بناحية بني مزار على أولاده ثم خص الطاعن بالأطيان الواقعة بناحية منشأة القيس والتي من بينها الأرض المتنازع عليها وأخرج المطعون عليها منها مختصاً إياه بأطيان واقعة في ناحية أخرى وذلك بموجب الأشهاد الرقيم 27 من إبريل 1936. ومحكمة أول درجة قضت في 21 من يونيو 1960 للمطعون عليه بطلباته. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1470 لسنة 77 ق القاهرة ومحكمة استئناف القاهرة حكمت في 21 من إبريل 1962 بندب مكتب الخبراء لبيان ما إذا كانت الأطيان موضوع الدعوى تدخل ضمن العين الموقوفة بكتاب الوقف والتي اختص بها الطاعن أم أنها كانت ملكاً مخلفاً كتركة عن المورث ولا تدخل ضمن أعيان الوقف مع تحقيق وضع اليد. وبعد أن قدم الخبير تقريره أحيلت الدعوى إلى محكمة استئناف بني سويف حيث قيدت بجدولها برقم 239 لسنة 1 ق وحكمت تلك المحكمة في 8 من مايو سنة 1965 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وفي الجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه البطلان لصدوره على خلاف ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 الخاص ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف من ضرورة تدخل النيابة في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالوقف وإلا كان الحكم باطلاً، ذلك أنه على الرغم من أن النزاع أمام محكمة الاستئناف كان يدور حول مسألة أولية متعلقة بأصل الوقف ولازمة للفصل فيه قوامها تفسير الإشهاد المؤرخ 9 من يناير سنة 1939 الذي أجراه ناظر الوقف عقب وفاة الواقف لفرز أعيان الوقف الشائعة وتعرف مقصود الواقف فيما إذا كانت تلك الأعيان هي المبينة حدوداً ومعالماً وقطعاً في هذا الإشهاد أم هي الواردة بكتاب الوقف الأصلي الصادر في 29 من سبتمبر سنة 1932، فإن تلك المحكمة قضت في الدعوى دون أن تتدخل النيابة فيها لإبداء رأيها مما يجعل حكمها باطلاً.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أنه لما كان القانون رقم 628 لسنة 1955 يقضي في الفقرة الثانية من مادته الأولى بأن على النيابة أن تتدخل في كل قضية تتعلق بالأحوال الشخصية أو بالوقف وإلا كان الحكم باطلاً، فإن مفاد ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه كلما كان النزاع متعلقاً بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتفسير شروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت وفق الفقرة الأولى من المادة 16 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم عملاً بالقانون 462 لسنة 1955 الصادر بإلغاء تلك المحاكم، فإن تدخل النيابة يكون واجباً عند نظر هذا النزاع وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً، دون تفرقة بين ما إذا كانت الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو كانت قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأثيرت فيها مسألة متعلقة بالوقف. ولما كان الواقع في الدعوى الماثلة - على ما يبين من الحكم المطعون فيه - أن كتاب الوقف الأصلي المؤرخ 29 سبتمبر سنة 1932 جاء به أن الواقف قد "وقف وحبس وتصدق لله بجميع أطيانه الزراعية الخالية من الملحقات المملوكة له بمركز بني مزار بمديرية المنيا والبالغ مساحتها 138 ف، 10 ط، 22 س" وأن المساحة المتنازع بشأنها تندرج بلا خلاف ضمن ذلك الإشهاد، وكان ما قرره الحكم المطعون فيه من انحسار صفة الوقف عن هذه المساحة واعتبارها تركة تؤول إلى ذرية الواقف استناداً إلى إشهاد فرز الوقف المؤرخ 9 من يناير سنة 1939 الذي قام به عقب وفاة الواقف شقيقه الذي جمع آنذاك بين صفة النظر على الوقف وصفة الشريك المالك على الشيوع المتقاسم مع جهة الوقف، إنما ينطوي على تفسير لنية الواقف وتعرف لمقصوده في شأن وجود هذا التفاوت والخلاف بين ما جاء بإشهاد إصدار الوقف وإشهاد فرزه وبيان مدى قيام الحق للواقف في الرجوع في وفقه طبقاً للمادة 11 من القانون رقم 48 لسنة 1946 وإذ تتعلق هذه المسائل جميعاً بالوقف من حيث إنشائه وشرائطه وتستوجب الخوض في تفسير عبارات كتاب الوقف وتبرير ما جاء في إشهاد فرزه وهل يعد ذلك رجوعاً من الواقف عن وقفه أم أن الوقف ملزم له، مما كان الاختصاص بنظرها أصلاً للمحاكم الشرعية طبقاً للمادة 16 من القانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء والفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 180 لسنة 1952 معدلة بالقانون رقم 399 لسنة 1953. لما كان ذلك فإنه كان يتعين تدخل النيابة العامة في الدعوى لإبداء رأيها فيها حتى ولو كانت منظورة أمام الدائرة المدنية. وإذ قضت محكمة الاستئناف بحكمها المطعون فيه دون تدخل النيابة العامة لإبداء رأيها، فإنه يترتب على ذلك بطلانه عملاً بالفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955، بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون ما حاجة لبحث باقي الأسباب التي بني عليها الطعن.


[(1)] نقض 23 مايو 1968 مجموعة المكتب الفني السنة 19 ص 995.