أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 20 - صـ 1356

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن، وأحمد ضياء الدين مصطفى.

(211)
الطعن رقم 535 لسنة 34 القضائية

إثبات. "طرق الإثبات". عرف. "إثباته". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير قيام العرف". محاماة.
التحقق من قيام العرف المتروك لقاضي الموضوع. منازعة الخصوم في وجوده. يوجب على المحكمة بيان دليله. مثال في أتعاب المحامي.
من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان الثابت من قيام العرف متروكاً لقاضي الموضوع [(1)] إلا أنه لا يعفي من بيان دليله على قيامه والمصدر الذي استقى منه ذلك إذا نازع أحد الخصوم في وجوده، فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر بوجود عرف يقضي بأن يكون المؤجل من أتعاب المحامين معادلاً للمعجل منها دون أن يذكر دليل على وجوده أو المصدر الذي استقى منه ذلك رغم أن الطاعن قد أنكر وجود هذا العرف، يكون قد خالف القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن ورثة قسطنطين كحيل قدموا إلى نقابة المحامين الطلب رقم 145 سنة 1959 ذكروا فيه أن الأستاذ مجدي دوس المحامي اشترك مع محامٍ آخر في اتخاذ إجراءات التظلم من قرار جهة الإصلاح الزراعي بالاستيلاء على أرض بور مساحتها حوالي 900 فدان مملوكة لهم وأنهم زودوه بالمستندات الدالة على حقهم في استردادها مما ترتب عليه صدور قرار من اللجنة العليا للإصلاح الزراعي بردها إليهم وطلبوا لذلك تقدير أتعابه بمبلغ 300 ج، وقدم الأستاذ مجدي دوس إلى النقابة طلباً آخر قيد برقم 244 سنة 1959 طلب فيه تقدير مبلغ أربعين ألف جنيه أتعاباً عن قضية استرداد الأرض البور وعن إنجاز التصرفات الصادرة بالبيع من ورثة كحيل إلى أولادهم والتصرفات الأخرى الصادرة من الورثة إلى صغار الزراع وعن معالجته للمشكلات الناشئة عن استيلاء الإصلاح الزراعي على أطيان الورثة وهو ما استغرق منه وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً وعاد على موكليه الذين تقدر ثروتهم بحوالي مليون ونصف من الجنيهات بعائد كبير يقدر بألوف الجنيهات. وبعد أن ضم مجلس نقابة المحامين الطلبين سالفي الذكر أصدر بتاريخ 5/ 12/ 1960 قراراً يقضي بتقدير أتعاب الأستاذ مجدي دوس المحامي بمبلغ ستة آلاف جنيه وتظلم الأستاذ مجدي من هذا القرار لدى محكمة القاهرة الابتدائية بالتظلم رقم 2784 سنة 1962 طالباً تعديله والحكم له بالمبلغ الذي طلبه. كما تظلم ورثة كحيل بالتظلم رقم 4193 سنة 1962 طالبين تخفيض الأتعاب إلى 300 ج. وبتاريخ 13/ 6/ 1963 قضت محكمة القاهرة الابتدائية برفض التظلمين وتأييد قرار مجلس نقابة المحامين. واستأنف الأستاذ مجدي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً تعديله والحكم له بطلباته وقيد استئنافه برقم 1715 سنة 80 قضائية، كما استأنفه ورثة كحيل طالبين تخفيض المبلغ المحكوم به إلى 300 ج وقيد استئنافهم برقم 1689 سنة 80 ق. وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين حكمت بتاريخ 13/ 6/ 1964 بقبولهما شكلاً وفي الموضوع (أولاً) في الاستئناف المرفوع من الأستاذ مجدي برفضه (وثانياً) في الاستئناف المرفوع من ورثة قسطنطين كحيل بقبوله وبتعديل الحكم المستأنف وأمر تقدير نقابة المحامين إلى 1000 ج على أن يخصم منه مبلغ الـ 390 ج الذي سبق تعجيله للأستاذ مجدي وإلزام الورثة بأن يؤدوا له الباقي وقدره 610 ج. طعن الأستاذ مجدي دوس المحامي في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه في خصوص الوجه الثاني من السبب الأول والسبب السادس من أسباب الطعن، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن، أمام هذه الدائرة أصر الطاعن على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهم رفض الطعن وتمسكت النيابة برأيها الوارد في مذكرتها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه في السببين الأول والسادس مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن محكمة الاستئناف أقامت قضاءها في الدعوى على أنه قد تبين لها أن بين الطاعن وموكليه اتفاقاً مكتوباً بشأن قضايا الإصلاح الزراعي وذكرت أن هذا الاتفاق قد انعقد بإيجاب صادر من ورثة كحيل بكتابهم المؤرخ 5/ 11/ 1953 وقبول الطاعن له برده المؤرخ 7/ 11/ 1953 وأن الطرفين قد ارتضيا بمقتضى هذا الاتفاق أن يسوي الأستاذ مجدي المبلغ الذي حصل عليه منهم ومقداره 500 ج على أساس أن مبلغ الـ 390 ج تعتبر مقابل أتعاب ومصاريف قضايا الإصلاح الزراعي وأن يكون الباقي ومقداره 110 ج تحت حساب القضايا الأخرى أو تحت حساب الاشتراك السنوي واستدلت على ذلك بأن كلمة affaires الواردة في كتاب الورثة المحرر باللغة الفرنسية تعني القضايا وأن ورودها بصيغة الجمع يعني شمولها لكل قضايا الإصلاح الزراعي ومنها اعتراض البور، إذ أن الطلبين الخاصين به كانا سابقين على الاتفاق، وقررت المحكمة بناء على ذلك أنه إذا كان مقدم الأتعاب متفقاً عليه وكان العرف يجري على مؤخر الأتعاب يكون مساوياً للمقدم منها فإنها تقدر أتعاب الطاعن ملتزمة بهذا الفرق، ولكنها نظراً لطول الإجراءات وتشعبها فإنها تضيف إلى هذا التقدير ما يكمل الألف من الجنيهات، ويقول الطاعن إنه لما كان قد تمسك في دفاعه لدى محكمة الاستئناف بأنه لم يعقد اتفاق بينه وبين موكليه على أتعاب قضايا الإصلاح الزراعي لأن الفقرة الأولى من خطاب الورثة المؤرخ 5/ 11/ 1953 قد وصفت مبلغ الـ 390 ج بأنه أتعاب في حين أن الفقرة الثانية منه وصفت باقي المبلغ الذي قبضه بأنه مقدم أتعاب وأن المغايرة بين التعبيرين في خطاب واحد تفيد أن المبلغ الأول دفع عن أعمال تمت وانتهت وأن المبلغ الثاني كان تحت حساب أعمال لم تتم، وأنه لما كانت الأعمال التي أداها لموكليه حتى تاريخ ذلك الخطاب لا تخرج عن تقديم إقرارات الورثة للإصلاح الزراعي ثم تقديم طلب إعفاء أرض الرمال من الاستيلاء، وكانت الأحكام المنظمة لاعتراضات البور أمام اللجان القضائية لم تصدر إلا في يناير سنة 1955 فإن مبلغ الـ 390 ج المشار إليه في الخطاب لا يمكن أن يشمل إلا الأعمال التي كانت قد تمت قبل تحريره، ولا يمكن أن يشمل الاعتراضات القضائية وما تلاها لأنها لم تكن قد تقررت بعد، وتمسك أيضاً بأنه ليس ثمة عرف يقضي بأن يكون المؤجل من أتعاب المحامين مساوياً للمعجل منها، ويقول الطاعن إنه وقد تمسك بما تقدم فإن المحكمة بما أوردته في حكمها لا تكون قد واجهت دفاعه ولم ترد عليه وقررت وجود عرف أنكر قيامه ولم يقم الخصم الدليل على وجوده ولم تذكر هي المصدر الذي استقته منه وهو ما يعيب حكمها بالقصور ومخالفة القانون، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه قرر أن ما طلبه من الأتعاب كان قاصراً على قضية البور وهو ما يخالف الثابت في طلبه المقدم لمجلس نقابة المحامين لأن ذلك الطلب كان عن تلك القضية وعن إنجازه التصرفات الصادرة من الورثة إلى أولادهم وإلى صغار الزراع وعن معالجته للمشكلات الناشئة عن الاستيلاء وبذلك يكون الحكم قد مسخ العناصر التي بنى عليها تقديره للأتعاب.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أن الثابت من الاطلاع على مذكرة الطاعنة المقدمة إلى محكمة الاستئناف أنه تمسك فيها بأن مبلغ الـ 390 ج الذي تقاضاه من ورثة كحيل في نوفمبر سنة 1953 كان أتعاباً له عن أعمال أداها لموكليه قبل هذا التاريخ لأن خطاب الدائرة الذي زعم موكلوه أنه يتضمن اتفاقاً عن الأتعاب المطالب بها لم يصف ذلك المبلغ بأنه مقدم أتعاب بل إنه ورد في ذات الخطاب أن مبلغ 110 ج تعتبر تحت الحساب أي أنها تعتبر مقدم أتعاب وأن هذه المغايرة بين التعبيرين تدل على أن الورثة يفرقون بين الأعمال التي انتهت والأعمال التي لم تنته، وأنه إذا كان الاعتراض أمام اللجان القضائية لم يتقرر الحق فيه إلا بعد تاريخ هذا الخطاب بسنتين فإن الخطاب لا يكون قد تحدث عن أتعاب تتعلق بهذه المرحلة، كما نفى الطاعن أيضاً في مذكرته تلك وجود عرف يقضي بأن يكون المؤجل من أتعاب المحامين مساوياً للمعجل منها، فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على قوله "إنه بالرجوع إلى الأصل الفرنسي المؤرخ في 5 نوفمبر سنة 1953 المرسل من الدائرة للأستاذ مجدي تبين أنه جاء به ما يأتي:-
Honoraies et frais pour affaires de la reforme agraire L. E. 390. provision à valoir sur les autres affaires ou eventuellement provisiovn sur l’abonnement L. E 110.
فلفظ affaircsالوارد في هذا الخطاب معناه القضايا لا الأعمال كما أراد الأستاذ مجدي أن يترجمها به بدليل ما ورد في الفقرة الثانية من الخطاب من أن مبلغ 110 ج قد دفع للأستاذ مجدي دوس تحت حساب القضايا الأخرى أو تحت حساب الاشتراك وقد علق الأستاذ مجدي في مذكرته أهمية كبرى على عدم ذكر اعتراض البور في هذا الخطاب واستدل من ذلك على أن المبلغ المدفوع له لا يدخل فيه الأتعاب المستحقة عن اعتراض البور، وهذا القول مردود بأن اعتراض البور لم يخرج عن كونه قضية من قضايا الإصلاح الزراعي يبدأ بتقديم طلب يسمى اعتراضاً وتسير إجراءاته وفق ما رسمه القانون لمثل هذه القضايا إلى أن يصدر فيها القرار، ولما كان الاعتراضان قد قدما قبل تحرير الخطاب فإن هذين الاعتراضين يكونان قد دخلا قطعاً في مضمون هذا الخطاب وتكون عبارة: affaires de la reforme agraire قد شملتها لأن كلمة affaires قد وردت بصيغة الجمع لتشمل جميع قضايا الإصلاح الزراعي التي قد يكلف الأستاذ دوس برفعها وقد وافق الأستاذ على هذا الخطاب بخطابه المؤرخ 7 من نوفمبر سنة 1953 السابق الإشارة إليه، والعبارة الثانية في الخطاب المؤرخ 5 نوفمبر سنة 1953 تفيد أن الدائرة عجلت له مبلغ 110 ج تحت حساب القضايا الأخرى التي سترفع فيما بعد أو تحت حساب الاشتراك، وهذا لا يتفق مع ما ذكره الأستاذ دوس في مذكرته من أن مبلغ 390 ج التي قبضها كان عن قضايا تم الفصل فيها لأنه لا يأخذ الأتعاب إلا بعد الفصل فيها ويكون هذا المبلغ قد دفع له عن مقدم أتعابه في قضايا الإصلاح الزراعي بما فيها قضية اعتراض البور" وبعد أن عرضت المحكمة لما قاله الأستاذ مجدي خاصاً بترجمته كلمة affaires ونفت ما يقول به من أن المقصود بها هو الأعمال لا القضايا وقررت أن المقصود منها هو القضايا قالت "إذا كان هناك شك بعد ذلك في تفسير لفظ affaires مع أن هذا الشك منتفٍ فهذا التفسير يجب أن يكون في مصلحة المدين طبقاً للمادة 151 من القانون المدني والمدين هنا هي الدائرة، والتفسير الذي في صالحها هو اعتبار معنى affaires قضايا لا أعمال خصوصاً إذا لوحظ أن الموكلين هم من الأجانب الذين يجهلون قانون الإصلاح الزراعي والذين اعتقدوا أن الأمر يستلزم رفع قضايا متعددة أمام الإصلاح الزراعي" وبعد أن عرضت المحكمة لجهود الأستاذ دوس قالت "ولما كان العرف أن المقدم يعادل المؤخر إذا كسب المحامي الدعوى إلا أن المحكمة ترى لطول المدة التي سلختها القضية في المحكمة وتشعبها حيث أطلق عليها الأستاذ دوس القضية الأخطبوطية أن تقدر أتعابه فيها بمبلغ ألف جنيه يخصم منها مبلغ 390 ج السابق قبضه". ويبين من هذا الذي ذكره الحكم أن المحكمة لم تعرض لما قرره الطاعن في دفاعه من أن الاعتراض لدى اللجنة القضائية على الاستيلاء على الأراضي البور لم يتقرر إلا بعد تاريخ خطاب الدائرة المؤرخ 5 نوفمبر سنة 1953 بحوالي سنتين وأن هذا الاعتراض القضائي يختلف عن مجرد تقديم طلب برد ما استولى عليه الإصلاح الزراعي منها وهو ما تم قبل تاريخ الخطاب وأن المغايرة بين وصف المبلغين في خطاب واحد تدل على أن الورثة يفرقون بين الأعمال التي تمت قبل الخطاب وبين الأعمال التي لم تتم حتى تاريخ تحريره، وبذلك لا يكون الحكم قد عرض لدفاع الطاعن أو محصه بما يقتضيه وهو ما يعيبه بالقصور. ومتى كان ذلك وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه وإن كان التثبيت من قيام العرف متروكاً لقاضي الموضوع إلا أنه لا يعفى من بيان دليله على قيامه والمصدر الذي استقى منه ذلك إذا نازع أحد الخصوم في وجوده، فإن الحكم المطعون فيه إذ قرر بوجود عرف يقضي بأن يكون المؤجل من أتعاب المحامين معادلاً للمعجل منها دون أن يذكر دليل على وجوده أو المصدر الذي استقى منه ذلك رغم أن الطاعن قد أنكر وجود هذا العرف، يكون قد خالف القانون، ولا غناء في قول المطعون عليهم إن هذا النعي غير منتج لأن محكمة الاستئناف لم تتقيد في قضائها بهذا العرف بل زادت عليه استناداً إلى حقها المقرر في المادة 709/ 2 من القانون المدني ما يكمل الألف من الجنيهات، لا غناء في ذلك لأن المحكمة أوضحت في أسبابها أنها تتخذ هذا العرف أساساً لتقديرها وأن ما زادته عليه كان مقابل طول المدة وتشعب القضية، وإذ كانت ذلك وكانت المحكمة قد ذكرت في أسباب حكمها المطعون فيه أن ما قدرته من الأتعاب "عن قضية الإصلاح الزراعي وهي قضية البور التي اقتصر طلب الأستاذ مجدي دوس أمام النقابة على تقدير الأتعاب عنها لأن الدعوى المعروضة على هذه المحكمة هي تظلم من تقدير النقابة لهذه الأتعاب فيجب أن يكون نظر التظلم في حدود الطلب الذي قدم أولاً إلى النقابة وفصلت فيه وحصل التظلم منه" وكان هذا الذي ذكرته المحكمة مخالفاً للثابت في الطلب المقدم من الطاعن إلى مجلس نقابة المحامين إذ هو قد طلب تقدير أتعابه عن قضية استرداد البور عن إنجازه للتصرفات الصادرة بالبيع من موكليه إلى أولادهم وإلى صغار الزراع وعن معالجته للمشكلات الناشئة عن استيلاء الإصلاح الزراعي على الأراضي الزراعية التي يملكها الورثة فإن المحكمة تكون قد مسخت عناصر التقدير التي طلب الطاعن تقدير أتعابه على أساسها وخالفت الثابت بالأوراق.
حيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه دون حاجة لبحث باقي الأسباب.


[(1)] نقض 18/ 4/ 1957 مجموعة المكتب الفني السنة 8 ص 426.