أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 15 - صـ 166

جلسة 30 من يناير سنة 1964

برياسة السيد/ الحسيني العوضي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات، وبطرس زغلول.

(30)
الطعن رقم 230 لسنة 29 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "السبب الجديد".
ورود الطعن في الإجراءات على الحكم الابتدائي القاضي بتعيين خبير وعلى إجراءات محكمة الدرجة الأولى وعمل الخبير. عدم تمسك الطاعن بذلك لدى محكمة الموضوع. اعتبار ذلك سبباً جديداً لا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "الكتابة". "الأوراق العرفية" "حجيتها".
الورقة تستمد قوتها الملزمة من التوقيع. ثبوت صحة التوقيع يجعلها بما ورد فيها حجة على صاحبه بصرف النظر عما إذا كان صلب الورقة محرراً بخطه أم بخط غيره.
(ج) إثبات. "إجراءات الإثبات". "حكم التحقيق". "مشتملاته".
اشتمال منطوق حكم التحقيق على ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق. محله إذا رأت المحكمة إجراء التحقيق بشهادة الشهود. التحقيق بالمضاهاة لا يقتضي ذلك.
1 - متى كان الطعن في الإجراءات وارداً على الحكم الابتدائي القاضي بتعيين خبير وعلى إجراءات محكمة الدرجة الأولى وعمل الخبير فإنه كان يتعين على الطاعن أن يتمسك بهذا الطعن لدى محكمة الموضوع فإذا سكت عن ذلك فليس له أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - ثبوت صحة التوقيع على الورقة العرفية يجعلها بما ورد فيها حجة على صاحبه بصرف النظر عما إذا كان صلب الورقة محرراً بخطه أو بخط غيره.
3 - ما تستلزمه المادة 264 من قانون المرافعات من اشتمال الحكم الصادر بالتحقيق على ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق إنما يكون محله إذا رأت المحكمة إجراء التحقيق بشهادة الشهود، أما إذا رأت إجراءه بالمضاهاة فلا يكون لهذا الإجراء مقتض إذ أن هذه المضاهاة إما أن تجريها المحكمة بنفسها بكامل هيئتها أو تندب خبيراً أو ثلاثة لإجرائها على ما هو منصوص عليه بالفقرة الثانية من المادة المذكورة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 1581 سنة 1951 تجاري كلي القاهرة ضد المطعون عليه وطلب فيها الحكم بمبلغ 657 جنيهاً و370 مليماً وفوائده بواقع 5% سنوياً من المطالبة الرسمية للسداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال في بيانها إنه بعقد مؤرخ في 4 من سبتمبر سنة 1950 باع للمطعون عليه خمسين من قنطاراً من القطن الزهر محصول زراعة سنة 1950 تحت القطع واتفق على تحديد الثمن على أساس سعر يوم 5 أكتوبر سنة 1950 ثم مد أجل القطع باتفاق لاحق إلى اليوم الذي يختاره الطاعن على أن يتحمل مصاريف هذا السعر وأن الطاعن أخطر المطعون عليه في 12/ 3/ 1951 يطلب قطع سعر القطن الذي ورده وقدره 43 قنطاراً و55 رطلاً بسعر إقفال يوم 13/ 3/ 1951 وقد كان هذا السعر 139.50 ريالاً وبذلك يكون ثمن القطن المسلم هو 1307 جنيهات و370 مليماً وبعد خصم ما استلمه منه على دفعات يكون الباقي له في ذمة المطعون عليه مبلغ 657 جنيهاً و370 مليماً وهو ما طلب الحكم له به - فدفع المطعون عليه الدعوى بأن القطع تم على سعر يوم 5 من أكتوبر سنة 1950 وقدم للتدليل على ذلك إيصالاً مؤرخاً في 6 من نوفمبر سنة 1950 ويتضمن استلام الطاعن منه مبلغ 250 جنيهاً وقرنت العبارة الدالة على الاستلام بالعبارة الآتية "وذلك من ثمن الأقطان المبيعة مني لحضرته والمسعرة 5 أكتوبر سنة 1950 "فطعن الطاعن في هذا الإيصال بالتزوير مقرراً أنه قد استلم حقيقة المبلغ المدون في هذا الإيصال ولكن بمقتضى إيصال آخر حرر صلبه بخطه ووقع عليه بإمضائه وأن الطاعن استبدل بهذا الإيصال الإيصال الذي قدمه والذي يحوي العبارة الدالة على قطع السعر في 5 أكتوبر والتي لم تكن مكتوبة في الإيصال الحقيقي وأصر الطاعن على أن الإيصال المقدم مصطنع صلباً وتوقيعاً وأعلن شواهد التزوير وبتاريخ 12/ 9/ 1953 قضت المحكمة "بندب قسم أبحاث التزوير والتزييف بمصلحة الطب الشرعي لمضاهاة السند المطعون عليه المؤرخ 16/ 11/ 1950 على السندات الأخرى المقدمة في الدعوى والمعترف بها من الطرفين لمعرفة ما إذا كان الإيصال المطعون عليه قد صدر حقيقة من الطاعن ووقع عليه بإمضائه أم أنه مزود عليه صلباً وتوقيعاً" وقدم قسم أبحاث التزييف والتزوير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن الطاعن هو كاتب الإيصال المطعون فيه صلباً وتوقيعاً - وبتاريخ 22 من مايو سنة 1954 قضت المحكمة في موضوع التزوير برفضه وألزمت الطاعن بالغرامة القانونية وقدرها 25 جنيهاً ثم حكمت في موضوع الدعوى بتاريخ 9 من أكتوبر سنة 1954 بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعن مبلغ 143 جنيهاً و222 مليماً والمصاريف المناسبة والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد ومبلغ 500 قرش أتعاباً للمحاماة، استأنف الطاعن هذا الحكم والحكم الصادر في الإدعاء بالتزوير وقيد استئنافه برقم 1056 سنة 71 ق القاهرة. وبتاريخ 21 من يونيه سنة 1955 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة انتهت فيها إلى أنها ترى رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 22 إبريل سنة 1962 وفيها صممت النيابة على رأيها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب ينعى الطاعن في الثلاثة الأول منها على الحكم المطعون فيه وقوع بطلان في الإجراءات أثر فيه وفي بيان ذلك يقول إن محكمة الدرجة الأولى التي اعتمد الحكم المطعون فيه حكمها قد وقعت في المخالفات الآتية: أولاً - أنها خالفت المادة 263 مرافعات فيما تقضى به من وجوب تحرير محضر تبين فيه حالة الورقة المطعون فيها وأوصافها ويوقع عليه رئيس الجلسة وكاتب المحكمة والخصوم وفيما تستلزمه من التوقيع على نفس الورقة من رئيس الجلسة والكاتب فلم تحرر المحكمة هذا المحضر وبالتالي لم يوقع عليه الطاعن كما لم يوقع رئيس الجلسة على الورقة المطعون فيها وقد وقع على المظروف الذي أرسلت بداخله الورقة إلى الخبير بتوقيع غير توقيع رئيس الجلسة وكاتب المحكمة وبذلك أهدرت الضمانات التي أراد المشرع إحاطة الورقة المطعون فيها بها.
ثانياً - أن المحكمة خالفت المادة 264 مرافعات فيما تقضى به من تحديد اليوم والساعة اللذين يجرى فيهما التحقيق ومع إيداع الورقة المقتضي تحقيقها قلم الكتاب بعد بيان حالتها على الوجه المبين في المادة 263 وقد ترتب على إغفال الإجراء الأول أن باشر الخبير المضاهاة في غيبة الطاعن وفي غيبة القاضي. ثالثاً - أن المحكمة خالفت المواد 265 و266 و267 من قانون المرافعات وذلك فيما تتطلبه من تكليف الخبير بالحضور أمام القاضي في اليوم والساعة المحددين لمباشرة التحقيق ومن حضور الخصوم في الموعد المذكور لتقديم ما لديهم من أوراق المضاهاة والاتفاق على ما يصلح منها لذلك ومن إجراء الاستكتاب الذي يحدده القاضي - في هذا الموعد - ويقول الطاعن إنه ترتب على إغفال المحكمة هذه الإجراءات أن الخبير ضاهي الخط المحررة به الورقة المطعون فيها على خط عقد بيع القطن المحرر بخط المطعون ضده بالتزوير متوهماً أن هذا العقد محرر بخط الطاعن وقد ترتب على هذا الخطأ أن الخبير أثبت في تقريره أن الورقة المطعون فيها محررة بخط الطاعن وذلك لما بان له من تطابق الخط المحرر به كلتا الورقتين ولو أن الجلسة التي أوجب القانون عقدها في المواد السابقة قد عقدت لتمكن الطاعن من الحيلولة دون وقوع اللبس الذي وقع فيه الخبير ولكانت النتيجة التي انتهى إليها هذا الخبير عكسية.
وحيث إن هذا النعي بجميع أوجهه مردود بأنه لما كان الطعن في الإجراءات موضوع هذا النعي وارداً على الحكم الابتدائي القاضي بتعيين خبير وعلى إجراءات محكمة الدرجة الأولى وعمل الخبير فإنه كان يتعين على الطاعن أن يتمسك بهذا الطعن لدى محكمة الموضوع فإذا سكت عن ذلك فليس له أن يثير طعنه لأول مرة أمام محكمة النقض - ولما كان الحكم المطعون فيه خلوا مما يفيد تمسك الطاعن من محكمة الاستئناف بالمخالفات المدعي بوقوعها وكان الطاعن من جانبه لم يقدم إلى محكمة الطعن ما يثبت تمسكه بذلك فإن النعي يكون مقاماً على سبب جديد لا يجوز عرضه ابتداء على محكمة النقض أما ما ينعاه الطاعن من خطأ الخبير في إجراء مضاهاة الخط الذي حرر به صلب الورقة المطعون فيها على الخط الذي كتب به عقد البيع المؤرخ في 4/ 9/ 1950 توهماً من الخبير بأن هذا العقد محرر بخط الطاعن فإنه لما كان الطاعن لا ينازع في أن التوقيعات التي ضاهى عليها الخبير توقيعه على الورقة المطعون فيها هي توقيعاته الصحيحة وكان الخبير الذي أخذ الحكمان الابتدائي والمطعون فيه بتقريره قد أثبت أن التوقيع المنسوب للطاعن على الورقة المطعون فيها بالتزوير هو توقيع صحيح له وكان ثبوت صحة هذا التوقيع يجعل تلك الورقة بما ورد فيها حجة عليه بصرف النظر عما إذا كان صلب الورقة محرراً بخطه أو بخط غيره إذ العبرة بصحة التوقيع ومنه تستمد الورقة قوتها الملزمة فإن الحكم المطعون فيه يكون فيما انتهى إليه من رفض الإدعاء بالتزوير صحيحاً في نتيجته ويكون هذا النعي بفرض صحة ما اشتمل عليه غير منتج.
وحيث إن السبب الثاني تضمن أيضاً النعي على محكمة الدرجة الأولى لعدم تضمين منطوق حكمها الصادر بالتحقيق ندب أحد قضاتها لمباشرة التحقيق مما ترتب عليه انفراد قلم الكتاب بالاتصال بقسم التزوير وإرسال الأوراق إليه بالبريد بغير إحاطتها بالضمانات الكافية.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن ما تستلزمه المادة 264 من قانون المرافعات من اشتمال منطوق الحكم الصادر بالتحقيق على ندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة التحقيق إنما يكون محله إذا رأت إجراء التحقيق بشهادة الشهود أما إذا رأت إجراءه بالمضاهاة فلا يكون لهذا الإجراء مقتض إذ أن هذه المضاهاة إما أن تجريها المحكمة بنفسها بكامل هيئتها أو تندب خبيراً أو ثلاثة لإجرائها على ما هو منصوص عليه بالفقرة (2) من المادة المذكورة.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه أنه إذ أقر حكم محكمة الدرجة الأولى يكون قد بني على إجراءات باطلة وفي بيان ذلك يقول إن المادة 269 مرافعات تنص على أنه "لا يقبل للمضاهاة في حالة عدم اتفاق الخصوم إلا (1) الخط أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الإصبع الموضوعة على أوراق رسمية. (2) الخط الذي يعترف الخصم بصحته في الورقة المقتضى تحقيقها. (3) خط أو إمضاء أو بصمة إصبعه الذي يكتبه أمام القاضي" وإذ كان الثابت في الدعوى الحالية أنه لم يحصل الاتفاق على أوراق المضاهاة، وأن الطاعن قد أنكر الورقة المطعون فيها صلباً وتوقيعاً فإنه ما كان يجوز للخبير أن يجرى المضاهاة إلا على ما يقدم إليه من أوراق رسمية عليها خط الطاعن أو إمضاؤه أو على استكتاب يكون قد كتبه أمام القاضي ولكن شيئاً من هذا لم يتم على الرغم من تعلق هذه الإجراءات بالنظام العام ولا يغني عن ذلك ما قرره الحكم القاضي بندب الخبير "ومن أن الطرفين قد اتفقا بالجلسة على أن تجرى المضاهاة على السندات الأخرى المقدمة في الدعوى والمعترف بها من الطرفين وعلى الأخص عقد 4 سبتمبر سنة 1950 وباقي الإيصالات الموقع عليها من المدعي (الطاعن) والمرفقة بالحافظة رقم 8 ملف" لا يغني هذا القول - ذلك أن المقصود بعبارة "المعترف بها" الواردة في المادة 269 الاعتراف الذي يحصل عند مباشرة الخبير مأموريته وليس الاعتراف الذي يصدر قبل الحكم القاضي بتعيين الخبير - والطاعن لم يعترف بأن عقد البيع المحرر في 4 سبتمبر سنة 1950 قد حرر بخطه بل نبه محكمة الموضوع إلى أنه ليس بخطه كما أنكر في صحيفة الاستئناف وفي مذكراته أنه سلم في محضر جلسة 12/ 9/ 1953 بصحة أوراق المضاهاة.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من محضر جلسة 12/ 9/ 1953 المقدمة صورته بملف الطعن من أنه ثبت في هذا المحضر على لسان محامي الطاعن قوله "إن باقي الإيصالات المقدمة من المدعى عليه صحيحة ولكن الإيصال رقم 13 هو المزور ويمكن إجراء المضاهاة بين التوقيعات على الإيصالات الأخرى الصحيحة بنفس الحافظة وطلب ندب خبير لإجراء المضاهاة ووافق المدعى عليه وقال إن التوقيع صحيح" ولما كان الثابت من مطالعة الصورة الرسمية لتقرير الخبير الذي أخذ به الحكمان الابتدائي والمطعون فيه أنه أجرى المضاهاة على توقيعات الطاعن الموقع بها على الإيصالات التي أقر أمام المحكمة بصحة توقيعه عليها وكذلك على توقيعه على عقد البيع المؤرخ 4/ 9/ 1950 والذي أقر الطاعن أمام محكمة الموضوع بتوقيعه عليه وإن كان قد أنكر أن الخط الذي كتب به صلب هذا العقد هو خطة - لما كان ذلك، فإن الطعن على عمل الخبير بأنه أجرى المضاهاة على أوراق لا يجيز القانون قبولها للمضاهاة يكون على غير أساس - أما ما يتحدى به الطاعن من وجوب أن يكون الاعتراف بالخط أو الإمضاء على أوراق المضاهاة بعد صدور الحكم القاضي بتعيين خبير فلا سند له من القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه.