أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 15 - صـ 213

جلسة 6 من فبراير سنة 1964

برياسة السيد/ الحسيني العوضي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وأميل جبران، ولطفي علي، وإبراهيم الجافي.

(37)
الطعن رقم 253 لسنة 29 القضائية

( أ ) عقد. "تكييف العقد. "عقد إداري".
إبرام عقد مع إحدى جهات الإدارة لتوريد مادة لازمة لتسيير مرفق عام واحتوائه على شروط غير مألوفة في القانون الخاص. اعتباره عقداً إدارياً.
(ب) عقد. "عقد إداري". "غرامات التأخير". "طبيعتها". "سلطة الإدارة في توقيعها".
اختلاف طبيعة غرامات التأخير المنصوص عليها في العقود الإدارية عن الشرط الجزائي. المقصود بها ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه في المواعيد المتفق عليها حرصاً على انتظام المرفق العام. للإدارة توقيع الغرامة من تلقاء نفسها دون حاجة لصدور حكم، ولها استنزالها من المبالغ المستحقة في ذمتها للتعاقد المتخلف.
(ج) عقد. "عقد إداري". "غرامات التأخير". "شروط استحقاقها".
لا يتوقف استحقاق غرامة التأخير على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد منها بالتزامه.
(د) عقد. "عقد إداري". "غرامات التأخير". "الإعفاء منها".
إعفاء المتعاقد مع الإدارة من غرامة التأخير. شرطه. رجوع إخلاله بالتزامه إلى قوة قاهرة أو إلى فعل جهة الإدارة المتعاقدة معه. أو تقديرها ظروفه وتقريرها إعفاءه من آثار مسئوليته من التأخير في تنفيذ التزامه.
(هـ) عقد. "عقد إداري". "إخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزامه". "التنفيذ العيني".
للإدارة سلطة التنفيذ المباشر لدى إخلال المتعاقد معها بالتزامه. فلها أن تحل نفسها محله في تنفيذ الالتزام أو تعهد إلى شخص آخر بتنفيذه على حساب المتعاقد المتخلف. اقتضاؤها المصاريف التي تكبدتها في سبيل ذلك لا يحول دون توقيع الغرامة متى قام موجبها.
1 - متى كان العقد قد أبرم مع إحدى جهات الإدارة بشأن توريد مادة لازمة لتسيير مرفق عام واحتوى على شروط غير مألوفة في القانون الخاص فإنه يعتبر عقداً إدارياً تحكمه أصول القانون الإداري دون أحكام القانون المدني.
2 - غرامات التأخير التي ينص عليها في العقود الإدارية تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، إذ أن هذه الغرامات جزاء يقصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه في المواعيد المتفق عليها حرصاً على سير المرفق بانتظام واطراد، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد من تلقاء نفسها ودون حاجة للالتجاء إلى الفضاء للحكم بها وذلك بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها. كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد المتخلف.
3 - لا يتوقف استحقاق غرامة التأخير على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه، ومن ثم فلا تلتزم الإدارة بإثبات وقوع الضرر كما لا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة كلها أو بعضها بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة في العقد لدرجة لا تتناسب مع قيمة الضرر الحقيقي.
4 - لا يعفى المتعاقد مع الإدارة من غرامة التأخير إلا إذا أثبت أن إخلاله بالتزامه يرجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل جهة الإدارة المتعاقدة معه أو إذا قدرت هذه الجهة ظروفه وقررت إعفاءه من آثار مسئوليته عن التأخير في تنفيذ التزامه.
5 - كما أن للإدارة سلطة توقيع الغرامة عن التأخير في تنفيذ الالتزام، فإن لها أيضاً سلطة التنفيذ المباشر بأن تحل نفسها محل المتعاقد المتخلف أو المقصر في تنفيذ الالتزام أو تعهد بتنفيذه إلى شخص آخر ويتم هذا الإجراء على حساب ذلك المتعاقد وتحت مسئوليته فيتحمل جميع نتائجه المالية ومن ذلك الزيادة في ثمن ما تشتريه من المواد التي تخلف عن توريدها والمصاريف التي تتكبدها في هذه العملية. واقتضاؤها تلك الزيادة والمصاريف لا يحول دون توقيعها الغرامة أيضاً متى قام موجبها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه أقام في 11 من يونيه سنة 1947 الدعوى رقم 3526 سنة 1947 كلي القاهرة ضد الوزارة الطاعنة طالباً إلزامها بأن تدفع له مبلغ 1286 جنيهاً و543 مليماً وقال في بيان دعواه إنه تعاقد في يناير سنة 1941 مع هذه الوزارة على أن يورد إلى الجهات التي عينتها له 6671 أردباً من الأذرة الرفيعة (العويجة) في المدة من أول يناير سنة 1941 حتى آخر ديسمبر سنة 1941 وبسعر 1 جنيه و290 مليماً للأردب وبالشروط الواردة في العقد المبرم بينهما وأنه قام فعلا بتوريد 4528 أردباً من هذه الكمية وأعد للتوريد 1927 أردباً أخرى منها ألف أردب أودعها شونة البنك الأهلي في أسوان، 103 أرادب أودعها شونة بساحل روض الفرج، 502 أردب أودعها شونة بنك باركليز في طهطا، 322 أردباً أودعها شونة تفتيش كوم أمبو غير أن مديرية أسوان استولت على الكمية الأولى بموافقته لتوزيعها على المعوزين من أهالي هذه المديرية كما استولت وزارة التموين لحساب الخاصة الملكية على الكمية الثانية واستولت الإدارة على الكميتين الأخريين وأنه بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1941 وجه إنذاراً رسمياً إلى الطاعنة طلب فيه منها خصم الكميتين الأولى والثانية ومجموعهما 1103 أردباً من أصل تعهده واستصدار أوامر استيلاء على الكميتين الأخريين اللتين لم يكن قد تم استلامهما لنقلهما إلى الجهات المطلوب التوريد إليها وإلا كان في حل من تنفيذ تعهده لحيلولة القوة القاهرة دون ذلك إلى أن الوزارة الطاعنة لم تستجب إلى طلبه وطالبته بتسليم باقي الكمية التي تعهد بتوريدها فاضطر لشراء 968 أردباً بسعر يزيد كثيراً عن السعر الذي تعاقد عليه وقام بتوريدها وأصر على طلب خصم الكميات المستولى عليها من الباقي من تعهده بعد ذلك غير أن الطاعنة اعتبرته متخلفاً عن توريد باقي الكمية التي لم يقم بتسليمها واشترت ما يعادل هذا الباقي على حسابه وخصمت من المستحق له في ذمتها مبلغ 608 جنيهات و943 مليماً باعتبار أنه الزيادة في ثمن الكمية التي اشترتها عن السعر المتعاقد عليه وغرامات التأخير المنصوص عليها في العقد وانتهى المطعون عليه في دعواه تلك إلى أنه لما كانت الوزارة غير محقة في خصم هذا المبلغ لأنه قد استحال عليه توريد الكمية التي لم يقم بتسليمها بسبب قوة قاهرة فقد رفع الدعوى مطالباً الوزارة بهذا المبلغ مضافاً إليه مبلغ 677 جنيهاً و600 مليم قيمة المصاريف وفرق السعر اللذين تكبدهما في سبيل الحصول على الكمية الأخيرة التي وردها وقدرها 968 أردباً ودفعت الوزارة الطاعنة تلك الدعوى بأن التعاقد تم بينها وبين المطعون عليه في فترة قيام الأحكام العرفية وكان على المطعون عليه أن يتوقع صدور أوامر بالاستيلاء على الذرة باعتبارها من مواد التموين وأنه مع ذلك فإن الذرة موضوع التعاقد لم تكن موضوع استيلاء عام وإنما اقتصر الأمر على الاستيلاء على كميات محدودة وأن الحظر الذي كان مفروضاً على بعض أنواع الذرة قد رفع نهائياً في أكتوبر سنة 1941 وأخطر المطعون عليه بذلك في حينه ومن ثم فقد كان في وسعه الحصول على باقي الكمية كما حصل على الـ 968 أردباً التي وردها أخيراً وبتاريخ 5 يونيه سنة 1949 قضت المحكمة الابتدائية بإلزام الوزارة الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليه مبلغ 339 جنيهاً و149 مليماً تأسيساً على أن الكمية التي تخلف عن توريدها هي 1385 أردباً خصمت منها المحكمة 927 أردباً التي استولت عليها الجهات الحكومية والخاصة الملكية بغير موافقة منه فيكون الباقي الذي اعتبرت المحكمة المطعون عليه متخلفاً عن توريده 458 أردباً قدرت المحكمة فرق السعر الذي تكبدته الطاعنة في سبيل شراء هذا القدر والذي يلتزم به المطعون عليه مبلغ 148 جنيهاً و850 مليماً خصمته المحكمة من مبلغ 487 جنيهاً و999 مليماً وهو ما ثبت لها أن الطاعنة استقطعته مما يستحقه المطعون عليه في ذمتها وحكمت له بالباقي ونفت المحكمة قيام قوة قاهرة حالت دون قيام المطعون عليه بتوريد الكمية التي اعتبرته متخلفاً عن توريدها ورفضت إقرار الطاعنة على خصم غرامات التأخير مبررة قضاءها في هذا الخصوص بقيام حادث جبري يمنع من توقيع هذه الغرامات هو حالة الحرب وفرض التسعيرة - وقد استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى ونعت على الحكم رفضه احتساب غرامات التأخير وإعفائه المطعون عليه من توريد 927 أردباً بدعوى استيلاء جهات حكومية عليها وقيد هذا الاستئناف برقم 1124 سنة 66 ق وأقام المطعون عليه بدوره استئنافاً قيد برقم 113 سنة 97 طلب فيه الحكم له بما لم يقض له من طلباته الابتدائية وبتاريخ 10 من فبراير سنة 1952 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الوزارة الطاعنة بان تدفع للمطعون عليه مبلغ 488 جنيهاً و485 مليماً مؤسسة قضاءها بذلك على أن المطعون عليه قد استحال عليه توريد جميع الكمية التي تخلف عن توريدها بسبب الأوامر العسكرية الصادرة بالاستيلاء على ما كان قد أعده من الذرة للتوريد وأن هذه الأوامر لا يمكن للمدين دفعها أو مخالفتها وعلى هذا الأساس قضت المحكمة للمطعون عليه بجميع المبلغ الذي كانت الطاعنة قد استقطعته مما هو مستحق له في ذمتها سواء في ذلك فروق الأسعار أو غرامات التأخير وقالت المحكمة إن حقيقة هذا المبلغ هو 488 جنيهاً و485 مليماً وليس 487 جنيهاً و999 مليماً كما قالت محكمة أول درجة أما عما طلبه المطعون عليه في استئنافه من الحكم له بما تكبده من مصاريف وزيادة في الثمن في سبيل شراء الـ 968 أردباً التي وردها في آخر دفعة فقد استندت المحكمة في رفض هذا الطلب على أن المطعون عليه لم يكن ملزماً بتوريد هذه الكمية بعد أن في أصبح العقد لاغياً لاستحالة تنفيذه بالنسبة للباقي جميعه وقد طعنت الوزارة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ناعية عليه اعتباره تخلف المطعون عليه عن توريد ما لم يورد من الكمية المتعاقد عليها راجعاً إلى قوة قاهرة وبتاريخ 10 نوفمبر سنة 1955 قضت محكمة النقض ينقص الحكم المطعون فيه وبإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف للحكم فيها مجدداً تأسيساً على أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإعفاء المطعون عليه من التزامه بحسبان أن هناك قوة قاهرة منعته من تنفيذ تعهده قد خالف القانون وقالت محكمة النقض في أسباب حكمها إن الاستيلاء على الذرة إبان التعاقد لم يكن عاماً بل تناول كميات معينة منها وفي بعض الجهات دون البعض الآخر وأنه لذلك فلم يكن من المستحيل على المطعون عليه استحالة مطلقة تنفيذ تعهده وسيان بعد ذلك أن يكون هذا التنفيذ أرهقه أو لم يرهقه هذا فضلاً عن أوامر الاستيلاء التي تصدر إبان قيام الأحكام العرفية تعتبر أمراً متوقع الحصول مما لا تتوافر معه القوة القاهرة.
وقد نظرت محكمة الاستئناف الاستئناف من جديد وقضت فيه بتاريخ 31 مايو سنة 1958 بتعديل الحكم المستأنف إلى التزام الوزارة الطاعنة بأن تدفع للمطعون عليه مبلغ 50 جنيهاً و687 مليماً وهو عبارة عن غرامات التأخير التي أوقعتها الطاعنة على المطعون عليه واستقطعتها من حسابه إذ رأت محكمة الاستئناف إقرار محكمة الدرجة الأولى فيما ذهبت إليه من عدم أحقية الوزارة الطاعنة في احتساب هذه الغرامات وقد طعنت الوزارة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعن الحالي وقدمت النيابة مذكرة انتهت فيها إلى أنها ترى نقض الحكم وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك أنه أقام قضاءه بعدم أحقية الطاعنة في توقيع غرامات التأخير المنصوص عليها في العقد في اعتبارين أولهما أنه لم يصبها ضرر بسبب تخلف المطعون عليه من توريد الكمية التي يوردها والثاني أنه إذا كان هناك ضرر قد لحقها فإنه ينحصر فيما تكبدته من فروق الأسعار في شراء الكمية التي اشترتها بدلاً من الكمية التي تخلف المطعون عليه عن توريدها وقد عوضت عن هذا الضرر بالحكم لها بتلك الفروق - وتقول الطاعنة إن هذا الذي أقام عليه الحكم قضاءه في هذا الخصوص ينطوي في شقيه على مخالفته للأصول المقررة في القانون الإداري الذي يحكم العقد المبرم بين الطرفين وهو عقد توريد إداري لا يخضع لنصوص القانون المدني إذ تقضي أصول القانون الإداري باعتبار الجزاءات المترتبة على إخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزاماته منطوية على معنى العقوبة وأنه إذا نص في العقد الإداري على تاريخ معين للتنفيذ فإن المتعهد يكون في حالة تأخير بانقضاء هذا الأجل وذلك دون حاجة إلى إنذار ويحق للإدارة في هذه الحالة توقيع الغرامة دون حاجة إلى إثبات أن ضرراً قد لحقها إذ أن الضرر يكون مفترضاً وقائماً حتماً بمجرد حصول التأخير لما ينطوي عليه التراخي في التنفيذ من الإخلال بالنظم التي تضعها الإدارة لضمان سير المرفق العام بانتظام واطراد كما أن الإدارة توقع الغرامة بقرار منها دون حاجة إلى الالتجاء إلى القضاء لصدور حكم بها ويجوز لها خصم قيمة الغرامة من المبالغ المستحقة للمتعهد في ذمتها كما يجوز لها أن تجمع بين الغرامة وغيرها من الجزاءات ومنها الشراء على حساب المتعهد المتخلف وذلك لاختلاف السبب في كل من الجزاءين إذ أن الغرامة سببها مجرد التأخير في التوريد بينما فرق السعر الناتج من الشراء على حساب المطعون عليه سببه عجزه عن التوريد وقيام الطاعنة بشراء الكميات التي تخلف عن توريدها وأنه إذ كان تخلف المطعون عليه عن توريد هذه الكميات لا يرجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الطاعنة المتعاقدة معه فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإعفاء المطعون عليه من الغرامة المنصوص عليها في العقد للأسباب التي استند إليها يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بإلزام الوزارة الطاعنة برد غرامات التأخير التي أوقعتها على المطعون عليه وفقاً لما هو منصوص عليه في العقد المبرم بينهما واستقطعتها من المبالغ المستحقة له في ذمتها على قوله "وحيث إن محكمة أول درجة لم تر احتساب المبلغ الذي خصمته وزارة الحربية مقابل غرامات التأخير مؤسسة حكمها على عدم وجود ضرر وترى هذه المحكمة إقرار وجهة نظر محكمة أول درجة في ذلك لأن كل ما أصاب وزارة الحربية من ضرر هو قيامها بشراء كمية أخرى بسعر أعلى وقد احتسب لها فرق السعر فليس لها أن توقع غرامات من جراء هذا التأخير لأن الحصول على كميات الأذرة المطلوبة كان يشوبه بعض العسر بدليل أن الوزارة نفسها لم تستطع الحصول على الكمية التي احتاجت إليها بالسعر الوارد في العقد ولذلك يكون سيد جلال (المطعون عليه) على حق في استرداد مقابل غرامات التأخير وهي مبلغ 50 جنيهاً و687 مليماً" وهذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه في هذا الخصوص غير صحيح في القانون ذلك أنه يبين من العقد أساس الدعوى أنه مبرم بين وزارة الدفاع وبين المطعون عليه وتعهد الأخير بمقتضاه بأن يورد 6671 أردباً من الذرة الرفيعة لتموين جمال الهجانة التابعة لوزارة الداخلية وحيوانات حديقة الحيوان التابعة لوزارة الزراعة على أن يكون التوريد حسب طلب الجهات الإدارية التابعة لهاتين الوزارتين والمعينة في الكشف الملحق بالعقد واحتوى العقد فيما احتوى عليه من شروط على ما يأتي: إذ رفضت المقادير المطلوبة كلها أو بعضها أو حصل تقصير أو تأخير في توريدها سواء كان هذا التأخير في ميعاد التوريد الأصلي أو تسبب عن الرفض بعد التوريد فبدون إرسال أي إعلان رسمي للمتعهد يكون للوزارة الحق في أن...... ب - تشتري من محل أخر الأصناف التي قصر في توريدها أو التي ترفض قبولها وما زاد من الثمن بسبب ذلك يلزم به المتعهد. وفي كل حالة من الحالات السابقة يجوز لها توقيع غرامة على المتعهد لا تزيد قيمتها عن نصف في المائة من قيمة المقادير التي لم تورد أو التي رفضت (حسب فئات العقد) وذلك عن كل أسبوع أو جزء من أسبوع من مدة التأخير بشرط ألا يزيد مجموع الغرامة عن أربعة في المائة من قيمة المقادير التي لم تورد أو التي رفضت حسب فئات العقد كما يكون لها أن تفسخ العقد في الحال وتصادر مبلغ التأمين وذلك بدون اتخاذ أي إجراءات قانونية وأن المبالغ التي تستحق على المتعهد نظير غرامات أو فروق ثمن ما يصير شراؤه بسبب تقصيره في التوريد تستقطع من مبالغ الاستمارات المستحق دفعها إليه أو من مبلغ التأمين المودع عن هذا العقد أو عن أي عقد آخر مبرم مع الحكومة المصرية أو تحصيلها بأي طريقة أخرى وأنه إذ ارتكب المتعهد بنفسه أو بواسطة غيره أي عمل من أعمال الرشوة أو الاغتصاب أو "البرطلة" أو شرع في ارتكاب شيء من ذلك نحو أحد مستخدمي الحكومة أو وكلائها بطريق مباشر أو غير مباشر فيحق للوزارة فسخ العقد فوراً ومصادرة مبلغ التأمين وأن كل مخالفة تحصل من طرف المتعهد لأحد شروط العقد تخول للوزارة حق فسخ العقد في الحال ومصادرة مبلغ التأمين وذلك بدون اتخاذ أي إجراءات قانونية بل يكتفي بإخطار بسيط كتابة" ولما كان هذا العقد وقد أبرم بين المطعون عليه وإحدى جهات الإدارة (وزارة الدفاع) بشأن توريد مادة لازمة لتسيير مرفق عام واحتوى على شروط غير مألوفة في القانون الخاص على النحو المتقدم ذكره فإنه يعتبر عقداً إدارياً تحكمه أصول القانون الإداري دون أحكام القانون المدني ولما كانت تلك الأصول تقض بأن غرامات التأخير التي ينص عليها في العقود الإدارية تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية إذ أن هذه الغرامات جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه في المواعيد المتفق عليها حرصاً على سير المرفق العام بانتظام واطراد وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد من تلقاء نفسها دون حاجة للالتجاء إلى القضاء للحكم بها وذلك بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد المتخلف ولا يتوقف استحقاق الغرامة على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال هذا المتعاقد بالتزامه ومن ثم فلا تلزم هي بإثبات وقوع هذا الضرر كما لا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة كلها أو بعضها بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة في العقد لدرجة لا تتناسب مع قيمة الضرر الحقيقي - ولا يعفي هذا المتعاقد من الغرامة إلا إذا أثبت أن إخلاله بالتزامه يرجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل جهة الإدارة المتعاقدة معه أو إذا قدرت هذه الجهة ظروفه وقررت إعفائه من آثار مسئوليته عن التأخير في تنفيذ التزامه وكما أن للإدارة سلطة توقيع الغرامة فإن لها أيضاً سلطة التنفيذ المباشر بأن تحل نفسها محل المتعاقد المتخلف أو المقصر في تنفيذ الالتزام أو تعهده بتنفيذه إلى شخص أخر ويتم هذا الإجراء على حساب ذلك المتعاقد وتحت مسئوليته فيتحمل جميع نتائجه المالية ومن ذلك الزيادة في ثمن ما تشتريه من المواد التي تخلف عن توريدها والمصاريف التي تكبدها في هذه العملية، واقتضاؤها تلك الزيادة والمصاريف لا يحول دون توقيعها الغرامة أيضاً متى قام موجبها وقد جاء العقد المبرم بين الطرفين صريحاً في تقرير جواز هذا الجمع - لما كان ما تقدم وكان المطعون عليه لم ينازع في أن الغرامة التي أوقعتها عليه الطاعنة كانت في الحدود المنصوص عليها في العقد وكان الحكم المطعون فيه قد نفي قيام القوة القاهرة التي ادعى المطعون عليه أنها حالت دون تنفيذ باقي تعهده كما نفي عن الطاعنة ما أسنده إليها المطعون عليه من خطأ وانتهى إلى أنه لم تكن هناك استحالة مطلقة تحول دون قيامه بتوريد كميات الذرة التي لم يوردها وأنه لا يعفيه من الوفاء بهذا الالتزام أن يكون تنفيذه قد أصبح مرهقاً له بعض الإرهاق وكانت جهة الإدارة لم تر في ظروف المطعون عليه ما يبرر إعفاءه من الغرامة فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزم الطاعنة بأن ترد إليه ما استقطعته من غرامات التأخير بالتطبيق لما هو منصوص عليه في العقد يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه. ولما سلف بيانه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء برفض دعوى المطعون عليه برمتها.