أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 15 - صـ 365

جلسة 19 من مارس سنة 1964

برياسة السيد/ محمود عياد رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وصبري فرحات، وبطرس زغلول.

(61)
الطعن رقم 302 لسنة 29 القضائية

تقسيم. "التصرف والبناء في الأراضي المقسمة". نظام عام. بطلان.
التصرف والبناء في الأراضي المقسمة مرهون بصدور قرار وزاري باعتماد التقسيم وإيداع صورة رسمية منه الشهر العقاري. حظر التصرف والبناء فيها قبل صدور هذا القرار متعلق بالنظام العام ويستوجب البطلان المطلق. موافقة السلطة القائمة على أعمال التنظيم على الطلب ليس لها من أثر سوى اعتبار مشروع التقسيم موافقاً لأحكام القانون ولكنها لا تغني عن وجوب صدور القرار الوزاري باعتماد التقسيم ولا تقوم مقامه في إحداث آثاره، ولا يترتب عليها رفع الحظر من التصرف والبناء.
يبين من استقراء نصوص القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء أن نص المادة التاسعة قاطع في الدلالة على أن الموافقة على التقسيم لا تثبت إلا بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية ينشر في الجريدة الرسمية. وأن المقصود من اعتبار الطلب مقبولاً في حالة ما إذا انقضت مدة الستة الأشهر المحددة للفصل فيه ولم تبلغ السلطة القائمة على أعمال التنظيم مقدمه موافقتها أو رفضها - على ما ورد بالفقرة الأخيرة من المادة الثامنة - المقصود بذلك هو أن تعتبر موافقة هذه السلطة كأنها قد حصلت. وهذه الموافقة الاعتبارية لا يمكن أن يكون لها من أثر أكثر مما للموافقة الصريحة التي تبلغها السلطة للمقسم خلال مدة الستة الأشهر المشار إليها في الفقرة الأولى من تلك المادة، والتي لا يترتب عليها سوى اعتبار مشروع التقسيم المقدم من المقسم موافقاً لأحكام القانون ولكنها لا تغني عن وجوب صدور القرار الوزاري باعتماد التقسيم ولا تقوم مقامه في إحداث الآثار التي رتبها القانون على صدوره وبالتالي فلا يرتفع بها الحظر من التصرف والبناء في الأراضي المقسمة الوارد في المادة العاشرة، لأن نص هذه المادة صريح في أن المشرع جعل جواز التصرف والبناء في تلك الأراضي مرهوناً بصدور القرار الوزاري ذاته وبإيداع صورة رسمية منه الشهر العقاري. ولئن كانت المادة العاشرة المذكورة لم تنص على البطلان بلفظه جزاء مخالفتها، إلا أن مقتضى الحظر الصريح الوارد فيها وهو حظر عام دعت إليه اعتبارات تتعلق بالصالح العام - مقتضاه - ترتيب هذا الجزاء وأن لم يصرح به واعتبار البطلان في هذه الحالة مطلقاً. يؤكد ذلك تقرير البطلان صراحة في المادة الحادية عشر جزاء على مجرد إغفال تضمين العقد الإشارة إلى القرار الوزاري سالف الذكر حتى ولو كان هذا القرار قد صدر بالفعل قبل حصول التصرف وهي صورة أهون بكثير من صورة وقوع التصرف قبل صدور ذلك القرار.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 459 سنة 1951 كلي الزقازيق ضد الطاعن طالباً الحكم أصلياً بفسخ عقد البيع المبرم بينهما في 30 أغسطس سنة 1950 والمتضمن بيعه للطاعن قطعة أرض فضاء معدة للبناء كائنة في بندر الزقازيق مع براءة ذمته من مبلغ العربون المدفوع وقدره 200 جنيه واحتياطياً إلزام الطاعن والمشتري بأن يدفع له مبلغ 1978 ج قيمة الباقي من الثمن بعد خصم العربون وفوائد هذا المبلغ بواقع 5% من تاريخ 13 من أكتوبر سنة 1950 وهو تاريخ استحقاقه وقد دفع الطاعن الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بأن المطعون عليه البائع لم يوف بالتزامه الخاص بتسليم العقار المبيع وبتسليمه مستندات ملكيته لهذا العقار ورد الطاعن على ذلك بأنه على استعداد لتسليم العقار فوراً للمشتري وتنازل بجلسة 30 من إبريل سنة 1953 عن طلبه الأصلي وطلب الحكم له بطلبه الاحتياطي الخاص بأداء باقي الثمن وبالجلسة المذكورة حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 1978 ج وفوائده بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 129 سنة 5 ق وكان مما دفع به الدعوى أمام هذه المحكمة أن العقار المبيع عبارة عن قطعة أرض معدة للبناء وداخله ضمن تقسيم يخضع لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 التي تحظر بيع الأراضي المقسمة قبل صدور قرار من وزير الشئون البلدية والقروية باعتماد التقسيم وأنه لما كان عقد البيع أساس المطالبة قد أبرم قبل أن يصدر هذا القرار فإنه يكون باطلاً وبالتالي لا يحق للبائع مطالبته بباقي الثمن - وبتاريخ 6 من فبراير سنة 1958 حكمت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للفوائد وجعلها 4% بدلاً من 5% وتأييد الحكم فيما عدا ذلك فطعن الطاعن (المشتري) في هذا الحكم بطريق النقض وأبدت النيابة رأيها بنقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد حاصله أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك أمام محكمة الاستئناف ببطلان عقد البيع الصادر إليه من المطعون عليه وبعدم أحقية الأخير تبعاً لذلك في مطالبته بباقي الثمن وأسس هذا البطلان على أن العقار المبيع قطعة أرض فضاء معدة للبناء وداخلة ضمن تقسيم ينطبق عليه القانون رقم 52 لسنة 1940 وأن هذا القانون قد أخرج الأراضي المقسمة التي يسري عليها من دائرة التعامل حتى يقوم المقسم باستيفاء الإجراءات والاشتراطات المنصوص عليها فيه وحظر في المادة العاشرة التصرف في هذه الأراضي بالبيع والتأجير والتحكير قبل صدور قرار من وزير الشئون البلدية بالموافقة على التقسيم وأنه لما كان البيع محل النزاع قد أبرم قبل أن يصدر قرار باعتماد مشروع التقسيم الذي وضعه البائع فإنه يكون قد وقع باطلاً ولكن الحكم المطعون فيه رفض دفاعه هذا استناداً إلى ما قاله من أن المطعون عليه البائع قدم مشروعاً بتقسيم أرضه إلى السلطة القائمة على أعمال التنظيم وأدى الرسم عنه في 4 من أغسطس سنة 1953 وقد مضت أكثر من ستة شهور على هذا التاريخ دون أن تبلغه هذه السلطة موافقتها أو رفضها مما يعتبر معه هذا المشروع مقبولاً عملاً بنص الفقرة الثالثة من المادة 8 من القانون رقم 52 لسنة 1940 ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم وأقام عليه قضاءه برفض دفاعه الخاص ببطلان العقد مخالف لأحكام القانون المذكور التي تقضى بأن الموافقة على التقسيم لا تثبت إلا بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية وتحظر بيع الأراضي المقسمة قبل صدور هذا القرار وقبل إيداع صورة منه الشهر العقاري كما توجب ذكر هذا القرار في عقد البيع وإلا كان باطلاً.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن الحكم المطعون فيه رد على ما تمسك به الطاعن من بطلان عقد البيع أساس المطالبة لإبرامه قبل أن يصدر قرار من وزير الشئون البلدية والقروية بالموافقة على مشروع التقسيم الذي يشمل العقار المبيع - رد على هذا الدفاع بقوله "أما ما تعلل به المستأنف (الطاعن) بمذكرته المشار إليها من أن العين المبيعة قطعة من شونة ولم يصدر بعد مرسوم بتقسيمها فيحظر بيعها عملاً بالقانون رقم 52 لسنة 1940 وأن المستأنف عليه أخفى عنه هذا الأمر عند التعاقد فمردود بما هو ثابت بصدر عقد البيع من أن الأرض المبيعة على أربع قطع تقسيم وتقضي المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1940 بأن كلمة (تقسيم) تطلق على كل تجزئة لقطعة أرض إلى عدة قطع بقصد عرضها للبيع أو المبادلة أو التأجير أو التحكير لإقامة مبان عليها متى كانت إحدى هذه القطع غير متصلة بطريق قائم - ولم يأل البائع جهداً في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بصدور مرسوم التقسيم فقدم طلباً خاصاً بالموافقة على مشروعه ودفع عنه الرسم في 4/ 8/ 1953... وعدم إجابة السلطة القائمة على أعمال التنظيم في خلال ستة أشهر على ذلك بالقبول أو الرفض يقضي باعتبار الطلب مقبولاً وذلك وفق صريح الفقرة الثالثة من المادة الثامنة من القانون رقم 52 سنة 1940". ولما كان يبين من استقراء نصوص القانون رقم 52 لسنة 1940 بتقسيم الأراضي المعدة للبناء أنه بعد أن بين في المادة الأولى المقصود بالتقسيم فرض في المادة الثانية التزاماً على كل من يريد إنشاء تقسيم أو تعديله بأن يحصل من السلطة القائمة على أعمال التنظيم على موافقة سابقة على المشروع الذي وضع له ثم بين في المواد التالية الاشتراطات الأساسية التي يجب على المقسم إتباعها في جميع الأحوال لكي يكون المشروع المقدم منه محلاً للقبول من تلك السلطة كما أوضح في المادة السابعة الشروط والأوضاع التي يجب استيفاؤها في الطلب الخاص بالموافقة على مشروع التقسيم ثم نص في المادة الثامنة على أنه "يجب على السلطة القائمة على أعمال التنظيم أن توافق على الطلب المقدم إليها وفقاً لأحكام المادة السابقة في مدى ستة أشهر من تاريخ تقديمه أو أن تبدى أسباب الرفض إذا لم تر الموافقة عليه - وإذا بدا لتلك السلطة أن تجري تصحيحاً أو تعديلاً في الرسوم أو في قائمة الشروط المقدمة إليها لكي تجعلها مطابقة لأحكام هذا القانون أو اللوائح التنفيذية أو لكي توفق بين نظام التقسيم وبين مشروع تخطيط المدينة وتوسيعها إن كان ثمة مشروع فيجب أن تعلن موافقتها في مدى شهر من تاريخ قبول التصحيح أو التعديل - فإذا انقضت مدة الستة الأشهر دون أن تبلغ السلطة مقدم الطلب موافقتها أو رفضها أو التعديلات التي ترى إدخالها اعتبر الطلب مقبولاً. كذلك يعتبر الطلب مقبولاً إذا انقضى الشهر المشار إليه في الفقرة الثانية دون أن تبلغ السلطة مقدم الطلب موافقتها ثم نص القانون في المادة التاسعة على أنه "تثبت الموافقة على التقسيم بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية ينشر في الجريدة الرسمية ويترتب على صدور هذا القرار إلحاق الطرق والميادين والحدائق والمنتزهات العامة بأملاك الدولة العامة" ونصت المادة العاشرة على أنه "يحظر بيع الأراضي المقسمة أو تأجيرها أو تحكيرها قبل صدور القرار المشار إليه في المادة السابقة وقبل إيداع الشهر العقاري صورة مصدقاً عليها من هذا القرار ومن قائمة الشروط المشار إليها في المادة السابعة. ويحظر أيضاً إقامة مبان أو تنفيذ أعمال على الأراضي المقسمة قبل صدور القرار المذكور". وأوجبت المادة الحادية عشر أن يذكر في عقد البيع أو الإيجار أو التحكير قرار الموافقة على التقسيم وقائمة الشروط وأن ينص في العقد على سريان قائمة الشروط المذكورة على المشترين والمنتفعين بالحكر ورتبت المادة على إغفال ذكر هذه البيانات بطلان العقد إذ طلب ذلك أحد من هؤلاء - ولما كان نص المادة التاسعة قاطعاً في الدلالة على أن الموافقة على التقسيم لا تثبت إلا بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية ينشر في الجريدة الرسمية وقد رتب المشرع على صدور هذا القرار آثاراً هامة وكان يبين من الأعمال التحضيرية للقانون رقم 52 لسنة 1940 ومن تقرير لجنة الأشغال بمجلس النواب التي أضيفت بناء على اقتراحها الفقرة الأخيرة من المادة 8 إلى مشروع القانون المقدم من الحكومة أن المقصود من اعتبار الطلب مقبولاً في حالة ما إذا انقضت مدة الستة الأشهر المحددة للفصل فيه ولم تبلغ السلطة القائمة على أعمال التنظيم مقدمة موافقتها أو رفضها - المقصود بهذه العبارة هو أن تعتبر - موافقة هذه السلطة كأنها قد حصلت - ولما كانت هذه الموافقة الاعتبارية لا يمكن أن يكون لها أثر أكثر مما للموافقة الصريحة التي تبلغها السلطة للمقسم خلال مدة الستة الأشهر المشار إليها في الفقرة الأولى وهذه الموافقة لا يترتب عليها سوى اعتبار مشروع التقسيم المقدم من المقسم موافقاً لأحكام القانون ولكنها لا تغني عن وجوب صدور القرار الوزاري باعتماد التقسيم ولا تقوم مقامه في إحداث الآثار التي رتبها القانون على صدوره وبالتالي فلا يرتفع بها الحظر من التصرف والبناء قي الأراضي المقسمة الوارد في المادة العاشرة لأن نص هذه المادة صريح في أن المشرع جعل جواز التصرف والبناء في تلك الأراضي مرهوناً بصدور القرار الوزاري ذاته وبإيداع صورة رسمية منه الشهر العقاري. لما كان ذلك وكانت المادة المذكورة وإن لم تنص على البطلان بلفظه جزاء على مخالفتها إلا أن مقتضى الحظر الصريح الوارد فيها وهو حظر عام كما وصفته المذكرة الإيضاحية دعت إليه الاعتبارات التي أفصحت عنها وكلها اعتبارات تتعلق بالصالح العام - مقتضاة - ترتيب هذا الجزاء وإن لم يصرح به واعتبار البطلان في هذه الحالة مطلقاً - وليس أدل على أن هذا هو مقصود الشارع من أنه قرر البطلان صراحة في المادة الحادية عشر جزاء على مجرد إغفال تضمين العقد الإشارة إلى القرار الوزاري سالف الذكر حتى ولو كان هذا القرار قد صدر بالفعل قبل حصول التصرف وهي صورة أهون بكثير من صورة وقوع التصرف قبل صدور ذلك القرار - لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر واعتبر أن مضي ستة أشهر على تقديم المطعون عليه طلبه إلى السلطة القائمة على أعمال التنظيم بغير أن يتلقي منها رداً بالقبول أو الرفض مغنياً عن صدور القرار الوزاري ورافعاً للحظر الوارد في المادة العاشرة - يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه - ولا عبرة بما تمسك به المطعون عليه أمام محكمة النقض وقدم الدليل عليه من أن هيئة المجلس البلدي قد وافقت بجلسته المنعقدة في 25 من أغسطس سنة 1959 على مشروع التقسيم المقدم منه ذلك أن هذه الموافقة لا تجدي إزاء ما استوجبه القانون من صدور قرار وزاري باعتماد التقسيم قبل حصول التصرف في الأراضي المقسمة.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه ولما تقدم ذكره ولما هو ثابت من أن البيع أساس المطالبة قد وقع باطلاً لحصوله قبل أن يصدر قرار وزاري باعتماد التقسيم الذي يدخل فيه العقار المبيع ويترتب على بطلانه عدم أحقية البائع المطعون عليه في مطالبة الطاعن (المشتري) بالباقي من الثمن ومن ثم تكون دعوى المطعون عليه بطلب هذا الباقي واجبة الرفض ويتعين لذلك إلغاء الحكم المستأنف الذي قضى بهذا الطلب.