أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 51

جلسة 8 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن، وأحمد ضياء الدين مصطفى.

(9)
الطعن رقم 469 لسنة 35 القضائية

( أ ) نقض. "السبب المجهل".
عدم بيان الطاعن في تقرير الطعن أوجه الدفاع المقول بأن الحكم أغفل الرد عليها. اعتبار النعي مجهلاً وغير مقبول.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تفسير العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض". عقد.
لمحكمة الموضوع سلطة تفسير عبارات العقد وتفهم نية العاقدين. لا رقابة لمحكمة النقض متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصلته محكمة الموضوع.
(ج) حكر. "حقوق المحتكر". عقد. "تكييف العقد". وقف.
يعطى الحكر في الشريعة الإسلامية للمحتكر الحق في الانتفاع بالعقار المحتكر إلى الأبد أو لمدة طويلة وحق البناء عليه والتصرف في ذات الحق وفي البناء. وهو من أعمال التصرف وليس من أعمال الإدارة. عدم جواز عطاء الوقف بالحكر بغير إذن القاضي.
1 - إذا كانت الطاعنة لم تبين في تقرير الطعن أوجه الدفاع التي تقول بأن الحكم أغفل الرد عليها فإن النعي في هذا السبب يكون مجهلاً وغير مقبول.
2 - لقاضي الموضوع السلطة التامة في تفسير عبارات العقد، وتفهم نية العاقدين لاستنباط حقيقة الواقع فيها وتكييفها التكييف الصحيح، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصله وكان قد برر قوله بما يحمله.
3 - لما كان القانون المدني القديم لم يقنن أحكام حق الحكر، وكان منشأ هذا الحق الشريعة الإسلامية فقد استقر الرأي على الأخذ بأحكامها التي تعطي للمحتكر الحق في الانتفاع بالعقار المحتكر إلى الأبد أو لمدة طويلة، وحق البناء عليه والتصرف في ذات الحق وفي البناء - وهو حق يعتبر من أعمال التصرف لا من أعمال الإدارة - وإذ كان من المقرر أن ناظر الوقف ليس له أن يعطي الوقف بالحكر بغير إذن القاضي، وكان العقد الذي استند إليه الطاعن قد صدر من ناظرة الوقف وتحددت مدته بثلاث سنوات وحرم المحتكر من التصرف في حق الحكر وفيما يقيمه على العقار المحتكر من بناء، فإن تفسير محكمة الموضوع لعبارات العقد وتكييفها له بأنه عقد إيجار لا عقد حكر يكون صحيحاً في القانون، ولا ينال منه عنونة العقد بأنه عقد إيجار حكر ولا وصف المؤجر فيه بأنه محكر والمستأجر بأنه محتكر ولا النص في العقد على تجديده لمدة أخرى وسريانه على المحتكر وذريته طبقة بعد طبقة ومن يرثهم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن نجية إبراهيم جليدان عن نفسها وبصفتها حارسة على وقف إبراهيم جليدان أقامت الدعوى رقم 10 سنة 1963 كلي السويس ضد أنصاف إبراهيم غاياتي عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها عبد الله ورقية وكريمة وزعفرانة قصر المرحوم عباس حامد أحمد وآخرين طالبة الحكم بإزالة العقار المبين بالصحيفة في مدى خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانهم بالحكم وإلا قامت بإزالته على حسابهم وقالت في بيان دعواها إن مورث المدعى عليهم المرحوم عباس حامد استحكر بعقد مؤرخ 1/ 8/ 1930 قطعة أرض فضاء من وقف المرحوم إبراهيم أحمد جليدان تبلغ مساحتها 330.90 متراً مربعاً وبنى عليها منزلاً كلفه باسمه يحمل رقم 23 عوائد وقد أنهى وقف تلك القطعة وانبنى على إنهائه زوال كل حكر كان مترتباً عليها عملاً بالمادة 7 من القانون 180 سنة 1952 وإذ نبهت على المدعى عليهم بإزالة ما عليها من مبان وتسليمها إليها خالية عملاً بالمادتين 1008، 1010 من القانون المدني ولم يستجيبوا لهذا الطلب فقد أقامت هذه الدعوى للحكم لها بطلباتها. وطلب المدعى عليهم رفض طلب الإزالة استناداً إلى أن قطعة الأرض المقام عليها البناء المطلوب إزالته لم تقع في نصيب المدعية إذ أن اللجنة التي رفعت إليها دعوى قسمة هذا الوقف لم تفصل فيها بعد. وبتاريخ 24/ 11/ 1964 حكمت المحكمة برفض الدعوى. واستأنفت المدعية هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه والحكم لها بطلباتها، وقيد استئنافها برقم 124 سنة 82 ق. وبتاريخ 9/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً. وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً وصممت النيابة العامة على رأيها الوارد بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على أربعة أسباب تنعى الطاعنة في أولها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك تقول إنها ضمنت صحيفة استئنافها والمذكرة المقدمة منها لمحكمة الاستئناف وجهي دفاع جديدين رداً على تكييف الحكم الابتدائي للعقد بأنه ليس حكراً إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد عليهما، بل ولم يشر إلى وجه الدفاع الذي أبدته في المذكرة واقتصر في تأييد الحكم الابتدائي على القول بأن العقد لا يعتبر حكراً مستوفياً لأركان انعقاده، ودون أن يبين تلك الأركان مما يعيبه بالقصور بل ويجعله خالياً من الأسباب.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الطاعنة لم تبين في تقرير الطعن أوجه الدفاع التي تقول بأن الحكم أغفل الرد عليها مما يجعل النعي في هذا السبب مجهلاً وغير مقبول، هذا إلى أن الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه قد بين أركان عقد الحكر وشروط صحته وخلص إلى أن تلك الأركان والشروط ولا تنطبق على العقد المقدم من المدعية والذي كيفته بأنه عقد إيجار لا عقد حكر بقولها "إن العقد الذي بموجبه أقيم البناء على أرض النزاع تحرر سنة 1930 ولم تكن المجموعة المدنية المعمول بها وقتئذ قد تضمنت نصوصاً تحكم الأوضاع الخاصة بالحكر وكان المستقر عليه أن منشأ نظام الحكر هو الشريعة الإسلامية، ولبيان ماهيته وأحكامه يجب الرجوع إلى قواعدها وقد عرفه الفقهاء بأن الحكر عقد إيجار يبيح للمستأجر الانتفاع بالعقار المؤجر إلى أجل غير محدود أو إلى أجل طويل معين مقابل دفع أجرة شهرية أو سنوية للمؤجر، وهو يكون عادة في أراضي البناء الموقوفة ويجوز ألا تكون الأرض وقفاً ويجب أن يكون مكتوباً وإن كانت الأرض وقفاً وجب ترخيص القاضي وللمستأجر حق عيني على العقار هو حق الانتفاع والأصل في الحكر أنه لأجل غير مسمى ويلاحظ مما تقدم أن الحكر منشئ لحق عيني ولا يكفي الإيجاب والقبول لانعقاده إذا كانت العين المحكرة موقوفة بل يجب أن يكون عقد الحكر بالكتابة وأن يأذن به القاضي وكان المعمول به أن يسجل في المحكمة الشرعية، ولقد استقى المشرع في القانون المدني الجديد أحكام المواد 999 وما بعدها في الفصل الخاص بحق الحكر من أحكام الشريعة الإسلامية على الوجه الذي قرره القضاء المصري، ولذا ضمن المشرع المادة 100 شرط انعقاد الحكر بإذن المحكمة الابتدائية الشرعية التي تقع في دائرتها الأرض ويجب أن يصدر به عقد على يد رئيس المحكمة أو من يحيله عليه من القضاة أو الموثقين، وبهذا كله يختلف عقد الحكر عن عقد الإيجار من نواحي مختلفة وإن تشابهت بعض خصائصها ويتميز الحكر بأمور منها أنه حق عيني، بينما الإيجار حق شخصي كذلك عقد الإيجار مؤقت أما الحكر فمؤبداً أو لمدة طويلة كما وأن الأجرة في الحكر هي أجرة المثل فتزيد وتنقص أما في عقد الإيجار فالأجرة ثابتة وأخيراً يلاحظ أن الحكر يتجزأ معه الملكية ويكون للمحتكر الانتفاع بالبناء فإذا أقامه كان له أن يبيعه أو يهبه ويورث عنه باعتباره ملكاً خاصاً له، وإذ يبين من عقد المدعية أنه عقد عرفي تحرر بين الطرفين دون إذن من القاضي، ولم يثبت إجراؤه بالمحكمة الشرعية وهو محدد المدة بثلاث سنوات قابلة للتجديد وتضمن العقد التزام الباني بألا يبيع هذا البناء أو يتنازل عنه للغير أو تأجيره من الباطن، وهي أمور ينتفي معها القول بأن هذا العقد قد أنشأ حكراً وإنما هو عقد إيجار أرض موقوفة، وأنه لما تقدم لا محل لإعمال نص المادتين 1008، 1010 من القانون المدني بخصوص وقائع هذه القضية وأحكامها قاصرة على الأراضي المحكرة، ويضحى التطبيق القانوني الصحيح لهذه العلاقة ما تضمنته القواعد المقررة قانوناً بشأن عقد الإيجار وما التزم به الطرفان في مشارطة التأجير". وإذ كان هذا الذي قرره الحكم فيه بيان كاف لأركان وشروط عقد الحكر فإن النعي عليه بالقصور يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السببين الثاني والثالث أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين (أولهما) أن عبارات العقد كلها تدل على أن القصد منه إنشاء حكر بين جهة الوقف والمستحكر وتأبيده، إذ عنون بأنه عقد إيجار حكر وترددت عبارات الحكر والمحتكر وقيمة الحكر وشروط الحكر في البنود الثاني والثالث والرابع من العقد وتأكد هذا القصد في البند الحادي عشر، إذ اتفق المتعاقدان فيه على سريان العقد على المحتكر وذريته طبقة بعد طبقة ومن يرثهم، ورغم ذلك فقد خالف الحكم مدلول هذه العبارات فخالف بذلك المادة 150 من القانون المدني التي لا تجيز الانحراف عن عبارة العقد متى كانت واضحة عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين (وثانيهما) أنه كيف العقد بأنه عقد إيجار لا عقد حكر استناداً إلى ما جاء بالبندين الثالث والعاشر دون باقي البنود، مع أن الهدف مما جاء بالبند الثالث من حظر التصرف في المباني إلا بإذن الواقف المحكر وعدم جواز التحكير من الباطن على الوقف بواقعة البيع للتعاقد مع المشتري من المحتكر وتقرير ما هو مقرر من أن التحكير لا يكون إلا من جهة الوقف، وأنه وإن حددت مدة العقد بثلاث سنوات على ما جاء بالبند العاشر إلا أن المحتكر قد التزم فيه بتجديده لمدة أخرى وهكذا إلى ما شاء الله مما ينفي عن العقد صفة التوقيت ويجعل القصد من التجديد مراقبة تصقيع الأرض المحكرة، وإذ كان ذلك وكان قد نص في البند الحادي عشر على سريان العقد على المحتكر وذريته طبقة بعد طبقة مما يؤكد تأييده فإن ما ورد بالبندين الثالث والعاشر مما لا يتفق مع طبيعة عقد الحكر يصبح لغواً ولا يعول عليه عملاً بالقاعدة القائلة بأنه إذا خالف الشرط طبيعة العقد صح العقد وبطل الشرط وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وكيف العقد بأنه عقد إيجار لا عقد حكر فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النعي بهذين السببين غير سديد، ذلك أنه لما كان لقاضي الموضوع السلطة التامة في تفسير عبارات العقد وتفهم نية العاقدين لاستنباط حقيقة الواقع فيها وتكييفها التكييف الصحيح ولا رقابة لمحكمة النقض عليه متى كانت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي حصله، وكان قد برر قوله بما يحمله ويؤدي إليه، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه - على ما جاء في الرد على السبب الأول - قد استخلص من صدور العقد بغير إذن المحكمة، ومن النص في البندين الثالث والعاشر منه على حرمان مورث الطاعنة من التنازل عن حقه أو التصرف فيه وفيما تقيمه من بناء ومن تحديد مدته بثلاث سنوات أنه عقد إيجار لا عقد حكر، وكان هذا الذي استخلصه صحيحاً في القانون وسائغاً ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، ذلك لأنه لما كان القانون المدني القديم الذي انعقد العقد أثناء سريانه لم يقنن أحكام حق الحكر وكان منشأ هذا الحق الشريعة الإسلامية، فقد استقر الرأي على الأخذ بأحكامها، وإذ كانت قواعد الشريعة تعطي للمحتكر الحق في الانتفاع بالعقار المحتكر إلى الأبد أو لمدة طويلة وحق البناء عليه والتصرف في ذات الحق وفي البناء وكان هذا الحق يعتبر من أعمال التصرف لا من أعمال الإدارة. إذ كان ذلك وكان العقد الذي تستند إليه الطاعنة قد صدر من ناظرة الوقف، وكان لا يجوز للناظرة أن تعطي الوقف بالحكر بغير إذن القاضي وكان العقد فضلاً عن ذلك قد حددت مدته بثلاث سنوات وحرم المحتكر من التصرف في حق الحكر وفيما يقيمه على العقار المحتكر من بناء فإن تفسير محكمة الموضوع لعبارات العقد وتكييفها له بأنه عقد إيجار لا عقد حكر يكون صحيحاً في القانون، ولا ينال منه عنونة العقد بأنه عقد إيجار حكر ولا وصف المؤجر فيه بأنه محكر ولا المستأجر بأنه محتكر ولا النص في البندين العاشر والحادي عشر على تجديد العقد لمدة أخرى وسريانه على المحتكر وذريته طبقة بعد طبقة ومن يرثهم، ومن ثم فإن النعي في هذين السببين يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى في السبب الرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، وفي بيان ذلك تقول إن تكييف الحكم للعقد بأنه عقد إيجار لا عقد حكر استناداً إلى أن عقد الحكر ما كان يقوم قبل 15/ 10/ 1949 إلا بتوثيقه أمام المحكمة الشرعية مع أن عقد الحكر لم يكن عقداً شكلياً حينذاك بل عقداً رضائياً وإذ انعقد العقد في سنة 1930 فقد قام بغير حاجة إلى أي إجراء وبفرض أنه كان يشترط توثيقه أمام القاضي قبل 15/ 10/ 1949 فإنه لا يجوز للمحتكر ولا للمحكمة من تلقاء نفسها التعرض لذلك، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بما سبق الرد به على السببين الثاني والثالث، والنعي مردود في شقه الثاني بأنه ما دام النزاع أمام محكمة الموضوع قد جرى حول تفسير العقد وتكييفه إذ بينما أصرت الطاعنة على أن العقد عقد حكر ونازعها المستأنف عليهم في هذا التكييف على ما ثبت من مذكرتهم رقم 6 من الملف الاستئنافي فلا على المحكمة إن هي بحثت هذا النزاع وفصلت فيه، وبالتالي فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.