أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 112

جلسة 15 من يناير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن، وأحمد ضياء الدين مصطفى.

(20)
الطعن رقم 459 لسنة 35 القضائية

( أ ) عقد. "تفسير العقد". محكمة الموضوع. حكم. "عيوب التدليل". "ما لا يعد قصوراً". ارتفاق. "الارتفاق بالمطل".
تحصيل محكمة الموضوع من أوراق الدعوى أن إرادة الطرفين اتجهت إلى التنازل عن حق الارتفاق بالمطل المقرر للعقار المبيع. تبريرها ذلك بما لا يخرج في تفسيرها عن المعنى الظاهر لعبارة العقد وإعمالها لأثر هذا التنازل الذي يتم بالإرادة المنفردة. لا قصور ولا خطأ في القانون.
(ب) بيع. "آثار عقد البيع". ارتفاق.
انتقال العقار المبيع إلى المشتري بالحالة التي حددها الطرفان في عقد البيع. مثال في حق الارتفاق.
1 - متى كان يبين مما قرره الحكم أن المحكمة حصلت من عقد البيع المسجل المبرم بين الطاعنة والبائعتين لها ومن باقي الأوراق، أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلى التنازل عن حق الارتفاق بالمطل المقرر للعقار المبيع للطاعنة على عقارات المطعون عليهم، ولم تخرج في تفسيرها هذا عن المعنى الظاهر لعبارة العقد، وأوضحت الاعتبارات المبررة لذلك ثم أعملت إثر هذا التنازل في النزاع المطروح لا على أساس قواعد الاشتراط لمصلحة الغير واستفادة المطعون عليهم من عقد لم يكونوا طرفاً فيه، وإنما على أساس تفسيرها لعقد البيع الذي تستند إليه الطاعنة في إثبات ملكيتها، وعلى أن التنازل الذي انطوى عليه ينتج أثره بالإرادة المنفردة للمتنازل ولا يحتاج إلى قبول فلا يلزم أن يكون المتنازل له طرفاً في المحرر المثبت له، إذا كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور ومخالفة للقانون يكون على غير أساس.
2 - إن المبيع ينتقل إلى المشتري بالحالة التي حددها الطرفان في عقد البيع، وإذ كان الثابت أن البائعتين للطاعنة قد صرحتا في عقد البيع بنفي وجود أي حق ارتفاق للعقار المبيع، فإن القول بانتقال هذا الحق إلى المشتري رغم وجود النص المانع يكون على غير أساس.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المرحوم إسماعيل علي نصار (مورث المطعون عليهم الخمسة الأول) ومحمود ومحمد علي نصار (المطعون عليهما الآخرين) أقاموا الدعوى رقم 231 سنة 1961 كلي المنيا ضد السيدة فهيمة أبسخرون (الطاعنة)، طلبوا فيها الحكم بنفي حق الارتفاق بالمطل الذي تدعيه على عقاراتهم المبينة بصحيفة الدعوى وتمكينهم من ممارسة حقوق ملكيتهم الخاصة بهذه العقارات دون قيد أو تكليف، وقالوا في بيانها إن المدعى عليها اشترت بعقد مسجل في 14/ 4/ 1948 المنزل المبين بالصحيفة والمجاور لعقاراتهم، ونص في عقد الشراء على أن حدها الشرقي هو العقار المملوك للمدعين وأنه ليس للعقار المبيع حقوق ارتفاق على عقارات الغير، وليس للغير حق ارتفاق عليه، وإنه، إذا كان بالحائط الشرقي للمنزل المبيع فتحات على أرضهم الفضاء الملاصقة له فقد تركوها تسامحاً، غير إنه عند قيامهم في أواخر سنة 1957 بإحداث بعض المنشآت على أرضهم الملاصقة لمنزل المدعى عليها تعرضت لهم برفع دعوى بوقف أعمال البناء زاعمة وجود حق ارتفاق بالمطل لعقارها على أرضهم، وإذ قضى لها بذلك فقد أقاموا هذه الدعوى بطلباتهم سالفة البيان. وفي 23/ 1/ 1962 حكمت المحكمة برفض الدعوى تأسيساً على أن للمدعى عليها الحق في كسب حق الارتفاق باعتبارها خلفاً خاصاً للبائع لها الذي اكتسب هذا الحق بمقتضى الاتفاق المؤرخ 1/ 4/ 1924. واستأنف المدعون هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم، وقيد هذا الاستئناف برقم 421/ 1 قضائية. وفي 6/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم وجود حق ارتفاق بالمطل لعقار المستأنف ضدها على عقارات المستأنفين المبينة جميعها تفصيلاً بصحيفة افتتاح الدعوى، وبأحقية المستأنفين في ممارسة حقوق ملكيتهم الخاصة بعقاراتهم دون قيد أو تكليف متعلق بالنزاع، وطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم الابتدائي قضى برفض دعوى المطعون عليهم تأسيساً على أن النص في سند ملكية الطاعنة على نفي أي حق ارتفاق للعقار المبيع على عقارات الغير المجاورة له أو للعقارات المذكورة على عقارها لم يكن القصد منه النزول عن أي حق ارتفاق مقرر للعقار المبيع، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء ذلك الحكم استناداً إلى أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، في حين أن هذه القاعدة لا انطباق لها إلا بالنسبة للمتعاقدين، أما بالنسبة للغير فإن وسيلة استفادته من عقد لم يكن طرفاً فيه لا يكون إلا عن طريق الاشتراط لمصلحة الغير إذا توافرت أركانه القانونية وأهمها أن يكون للمشترط مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية، والثابت في الدعوى هو عدم وجود أية مصلحة للطاعنة أو البائعتين لها في الاشتراط لمصلحة الخصوم بنفي حق الارتفاق عن عقارهم أو النزول عنه لانعدام العلاقة، وطالما كانت العلاقة بين طرفي عقد البيع الصادر للطاعنة في سنة 1948 والمطعون عليهم معدومة، فلا يكون هناك اشتراط لمصلحة الغير وليس لهم الإفادة من هذا العقد وبالتالي يكون الالتجاء إلى قاعدة تفسير العقد المقررة في المادة 150 من القانون المدني بالتزام عبارته الواضحة غير ذي موضوع ومخالفاً للقانون، هذا إلى أن الحكم قد أخطأ كذلك بتصوره أن المادة 150 مدني المشار إليها تمنعه من تفسير عبارة عقد سنة 1948 للتعرف على إرادة المتعاقدين إذ أن وضوح العبارة هو غير وضوح الإرادة فقد يجد القاضي نفسه مضطراً لتفسير العبارات الواضحة بحثاً عن الإرادة المشتركة التي تدل الظروف على أن الطرفين أساءا استعمال لفظهما الواضح في التعبير عنها وقد تحجب الحكم بهذا الخطأ عن تفسير عبارة البند الثاني بأكملها التي تنص على أن البائعتين يضمنان "أنه ليس للعقار المبيع حقوق ارتفاق ضد الغير" والتي لا ضرر منها على المشترية (الطاعنة) ولا ضرورة لضمان البائعتين لها معتقداً أنه لا يملك تفسير هذه العبارة الواضحة، وترتب على ذلك سكوته عن الرد على دفاع الطاعنة الذي أخذت به محكمة أول درجة مما يعيبه بالقصور ومخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود بما قرره الحكم المطعون فيه من أنه "لما كان من المقرر أنه إذا كانت عبارة العقد صريحة واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، وكان الثابت من الاطلاع على عقد البيع المسجل في 21/ 4/ 1948 المبرم بين المستأنف عليها والبائعتين لها أنه جاء في البند الثالث منه "تضمن البائعتان خلو العقار المبيع من جميع الرهون والحقوق العينية أياً كانت وأن العقار المذكور ليس له حق ارتفاق ضد الغير وليس عليه حق ارتفاق للغير" فإنه يتعين التزام ما نص عليه صراحة في العقد وإعمال مقتضاه وهذا الذي أورده المتعاقدون في العقد المذكور قاطع في الدلالة على أن نية البائعتين للمستأنف عليها - التي قبلت ذلك صراحة - قد انصرفت إلى نفي وجود أي حق ارتفاق للعقار المبيع على العقارات المجاورة ولا يغير من هذا النظر ما تذهب إليه المستأنف عليها من أنه لو كانت النية قد انصرفت إلى ذلك صراحة لما فاتهم النص على النزول عن حق المطل الذي تحرر من أجله المحرر المؤرخ 1/ 4/ 1924، ذلك أن عبارات العقد المسجل الصادر للمستأنف عليها من البائعتين لها - وقد كانتا طرفاً في المحرر المذكور - جاءت أعم وأشمل على نفي أي حق ارتفاق لعقارهما المبيع على عقارات الغير، كما أنه يدل بذاته أيضاً على أن نيتهما قد انصرفت عند إبرام عقد البيع الصادر للمستأنف عليها على التنازل عن التمسك بحق المطل الذي كسبتاه لا بالمحرر العرفي سالف الذكر وإنما بالتقادم الطويل المكسب، وليس ثمت ما يمنع في القانون من النزول عن حق ارتفاق بالمطل اكتسب بالتقادم بعد اكتماله ما دام المتنازل أهلاً للتنازل عنه، وهذا التنازل ينتج أثره لصدوره ممن يملكه، وليس بلازم أن يكون المتنازل له طرفاً في المحرر المثبت للتنازل، لأن التنازل ينتج أثره بإرادة المتنازل المنفردة دون توقف على رضاء المتنازل له، وما دامت البائعتان للمستأنف عليها قد ذكرتا صراحة في عقد البيع المسجل الصادر منهما لها على أنه ليس لعقارهما المبيع حقوق ارتفاق على عقارات الغير، فإن ذلك يفيد تنازلهما أيضاً عن التمسك بالمحرر المؤرخ 1/ 4/ 1924 الذي لم يشهر". ويبين من هذا الذي قرره الحكم أن المحكمة حصلت من عقد البيع المبرم بين الطاعنة والبائعتين لها ومن باقي الأوراق والمستندات المقدمة في الدعوى، أن إرادة الطرفين قد اتجهت إلى التنازل عن حق الارتفاق بالمطل المقرر للعقار المبيع للطاعنة على عقارات المطعون عليهم المجاورة، ولم تخرج في تفسيرها هذا عن المعنى الظاهر لعبارة العقد وأوضحت الاعتبارات المبررة لذلك، ثم أعملت أثر هذا التنازل في النزاع المطروح لا على أساس قواعد الاشتراط لمصلحة الغير واستفادة المطعون عليهم من عقد لم يكونوا طرفاً فيه، وإنما على أساس تفسيرها لعقد البيع الذي تستند إليه الطاعنة في إثبات ملكيتها، وعلى أن التنازل الذي انطوى عليه ينتج أثره بالإرادة المنفردة للمتنازل ولا يحتاج إلى قبول، فلا يلزم أن يكون المتنازل له طرفاً في المحرر المثبت له، إذ كان ذلك فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور ومخالفة القانون يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قد تناقضت أسبابه، إذ بعد أن ذكر أن البند الثاني من عقد البيع يدل دلالة قاطعة على أن نية طرفيه قد انصرفت إلى نفي وجود أي حق، ارتفاق عاد وقرر أن نية الطرفين انصرفت إلى التنازل عن التمسك بحق المطل الذي كسبته البائعتان بالتقادم الطويل، وأنهما تنازلتا عن التمسك بهذا التقادم وعن المحرر المؤرخ 1/ 4/ 1924 سندهما في تحديد نطاق حق الارتفاق بالمطل الذي كسبتاه وقبلت الطاعنة تنازلهما عنه في حين أن نفي وجود الحق والتنازل عنه معنيان لا يجتمعان، فضلاً على أن القول بنزول البائعتين عن حق الارتفاق الذي كسبتاه بالتقادم لا يتفق مع حرصهما على تسليم الطاعنة المحرر المؤرخ 1/ 4/ 1964، الذي تم على أساسه اكتساب ذلك الحق وحرص الطاعنة على حفظه والتمسك بما جاء به.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن التزم عبارة العقد الواضحة وانتهى إلى أنها صريحة في نفي وجود أي حق ارتفاق للعقار المبيع على العقارات المجاورة، رد على ما أثارته الطاعنة في خصوص تمسكها بالمحرر العرفي المؤرخ 1/ 4/ 1924 بأن نفى البائعتين وجود أي حق ارتفاق للعقار المبيع في عقد البيع الصادر لها يدل بذاته على نزولهما عن حق الارتفاق الذي كسبتاه بالتقادم الطويل في تاريخ سابق على تحرير عقد البيع. وليس ثمت تناقض بين نفي وجود الحق بعد التقرير بالتنازل عنه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص نزول البائعتين عن حقهما الذي كسبتاه بالتقادم بعد ثبوت الحق فيه استخلاصاً سائغاً فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره، ذلك أن الحكم المطعون فيه استخلص نزول البائعتين للطاعنة عن حق الارتفاق المقرر لمصلحة العقار المبيع من عدم النص عليه صراحة في العقد في حين أن حق الارتفاق يعتبر من مكملات المبيع التي تنتقل إلى المشتري بموجب عقد البيع ويمكنه التحدي به، ولو لم ينص عليه بالذات فيه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن المبيع ينتقل إلى المشتري بالحالة التي حددها الطرفان في عقد البيع، وإذ كان الثابت بالحكم المطعون فيه أن البائعتين للطاعنة قد صرحتا في عقد البيع بنفي وجود أي حق ارتفاق للعقار المبيع، فإن القول بانتقال هذا الحق إلى المشتري رغم وجود النص المانع يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أخطأ فهم الواقع في الدعوى، وأقام قضاءه على أمر مستحيل مادياً، ذلك أنه سلم بأن البائعتين للطاعنة كسبتا حق الارتفاق بالنسبة للطابقين الأولين وأنكر هذا الحق بالنسبة للطوابق العليا المستحدثة بعد الشراء الحاصل في سنة 1948، في حين أن هذه الطوابق تتمتع بنفس الحصانة لا استناداً إلى التقادم أو إلى محرر سنة 1924 وإنما إلى الطبيعة المادية للأشياء التي تستلزم قيام حق الارتفاق بالنسبة لجميع الطوابق دون تفرقة بينها.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قرر في هذا الخصوص أنه "فضلاً عن هذا أو ذاك، فإن نطاق حق المطل المدعى به من جانب المستأنف عليها (الطاعنة) والذي كان مؤسساً على التقادم الطويل لعدم شهر المحرر المنشئ له يتحدد بما كان محلاً للحيازة المؤدية إلى كسبه بمضي المدة الطويلة، وهي لا تعدو أن تكون المطلات المفتوحة في الطابقين الأولين دون غيرها المفتوحة في الطوابق العلوية التي استحدثتها المستأنف عليها بعد شرائها المنزل في سنة 1948 ولا يفيد المستأنف عليها التحدي بأنها ظلت من هذا التاريخ تحوز هذه المطلات، ما كان منها قديماً ومستحدثاً، إذ أنه حتى سنة 1961 وهو تاريخ رفع الدعوى لما تمضي المدة الطويلة المكسبة لها، ولا يحق لها - بالنسبة للمطلات المفتوحة في الطابقين الأولين للعقار المبيع - التحدي بأنه يحق لها ضم مدة حيازة البائعتين لها إلى مدة وضع يدها من بعدهما ذلك أن الثابت من عقد البيع الصادر لها أن البائعتين لها تنازلتا عن التمسك بأي حق ارتفاق لعقارهما المبيع على عقارات الغير مهما كان مصدره، وما كان يفوت المستأنف عليها والبائعتين لها أن ينصا صراحة في عقد البيع المبرم بينهما والمشهر في 21/ 4/ 1948 على أن للعقار المبيع حق ارتفاق بالمطل على عقارات الغير، خاصة وأنه من الظهور والوضوح بحيث لا يخفى أمرها على المستأنف عليها المشترية، ولا يغير من هذا النظر ترك المطلات مفتوحة على الرغم من النص في عقد البيع المسجل على انعدام حقوق الارتفاق بشأنها، إذ وجودها في هذه الحالة يعتبر من قبيل التسامح الذي لا يكسب حقاً مهما طالت مدته" وهذا الذي قرره الحكم يتضمن الرد على دفاع الطاعنة ولا ينطوي على خطأ أو قصور. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.