أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 721

جلسة 27 مايو سنة 1964

برياسة السيد/ محمد فؤاد جابر نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد زكي محمد، وأحمد أحمد الشامي، وعبد المجيد يوسف الغايش، وإبراهيم محمد عمر هندي.

(114)
الطعن رقم 6 لسنة 32 ق "أحوال شخصية"

وقف. "إلغاء الوقف على غير الخيرات". "دعوى الاستحقاق". اختصاص. قوة الشيء المحكوم فيه. دعوى. "عدم جواز نظر الدعوى".
دعوى. تكييفها بأنها دعوى ملكية في حين أنها دعوى استحقاق يدور النزاع فيها حول معرفة من انحل عليه الوقف من أطراف الخصوم. اختصاص المحاكم الشرعية بنظرها. لا حجية للحكم الصادر فيها من المحكمة المدنية. الاعتداد بهذا الحكم. مخالفة القانون.
الحكم الصادر في الدعوى باعتبارها دعوى ملكية ومما تدخل في اختصاص المحاكم المدنية أياً كان سببهاً في حين أنها في جوهرها دعوى استحقاق في وقف يدور النزاع فيها حول معرفة من انحل عليه الوقف من أطراف الخصوم وهل كان بغير عوض فيصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف أم كان بعوض فيؤول إلى مستحقيه الحاليين، وهي بهذا الوصف مما كانت تختص المحاكم الشرعية - قبل إلغائها - بالنظر فيه طبقاً للمادة الثامنة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بعد تعديله بالقانون رقم 399 لسنة 1953 - هذا الحكم لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه لصدوره من محكمة لا ولاية لها. وإذ اعتد الحكم المطعون فيه بهذا الحكم ورتب عليه عدم جواز نظر الدعوى المرفوعة بالاستحقاق في الوقف لسابقة الفصل فيها فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن الطاعنتين وأنيسة إبراهيم خليفة رفعن على المطعون عليهما الدعوى رقم 123 سنة 1956 أمام محكمة المنصورة الابتدائية للأحوال الشخصية طلبن فيها الحكم بوفاة المرحوم إبراهيم عمر خليفة وأنهن من ورثته وتستحق زوجته رقية محمد خليفة "الطاعنة الأولى" ثلاثة قراريط وتستحق كل من بنتيه عزيزة "الطاعنة الثانية" وأنيسة قيراطين وثلث قيراط من 24 قيراطاً تنقسم إليها أعيان الوقف التي آلت ملكيتها إليه وقلن سرحاً للدعوى إن المتوفى المذكور وقف الأعيان المبينة بحجة الوقف الصادرة منه أمام محكمة المنصورة الجزئية الشرعية بتاريخ 17/ 2/ 1943 على نفسه مدة حياته ثم من بعده على زوجته وأولاده وجعل منه نصيباً معيناً للخيرات وبما للواقف من حق التغيير في وقفه فقد تقدم بطلب لهيئة تصرفات محكمة المنصورة الابتدائية الشرعية قيد برقم 278 سنة 1951 لسماع إشهاد بالتغيير في وقفه وقد وافق المطعون عليه الأول والده على سماع الإشهاد وعدل عن معارضته في سماعه بإقرار حرره على نفسه بخطة وإمضائه يعترف فيه بأنه غير متمسك بعقد اتفاق 26/ 7/ 1942 الذي كان يدعي بمقتضاه أن الوقف كان نظير عوض مالي وإذ صدر القانون رقم 180 سنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات وبتاريخ 24/ 4/ 1953 توفى الواقف وانحصر ميراثه الشرعي في زوجته رقية "الطاعنة الأولى" وفي أولاده "محمد المطعون عليه الأول"، ومحمود وعزيزة وأنيسة وزكية وزينب يخص الزوجة ثمن تركته فرضاً وكل بنت 2 و1/ 3 قيراطاً وللذكر من الأولاد ضعف الأنثى فقد طلبن لكل منهن بهذا النصيب ومنع تعرض المطعون عليهما في الوراثة لصيرورة الوقف ملكاً بمقتضى القانون وفوضت وزارة الأوقاف الرأي للمحكمة ودفع المطعون عليه الأول الدعوى بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في القضية رقم 1130 سنة 1953 المنصورة الابتدائية الوطنية التي رفعها المطعون عليه الأول ضد الطاعنين وباقي الورثة بطلب تثبيت ملكيته لأعيان الوقف وقضى فيها بتاريخ 26/ 4/ 1955 بندب خبير لفرز حصة الخيرات والمرتبات المبينة بحجة الوقف وجاء في أسباب هذا القرار "أن دعوى تثبيت الملكية صحيحة وأن رافعها يعتبر مالكاً للموقوف من تاريخ وفاة الواقف في 24/ 4/ 1953" كما دفعها بعدم اختصاص المحكمة بنظرها لأنها دعوى ملكية وأنكر ما نسب إليه من أنه وافق والده على سماع إشهاد التغيير وأنه غير متمسك بالعوض الذي دفعه لوالده وطعن بالتزوير في محضر جلسة 2/ 7/ 1952 في مادة التصرفات رقم 278 سنة 1951 المنصورة الابتدائية وبتاريخ 12/ 5/ 1958 حكمت المحكمة حضورياً.... برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبعدم جواز نظرها ورفض دعوى التزوير وتغريم المطعون عليه الأول خمسة وعشرين جنيهاً لقلم كتاب المحكمة ووفاة المرحوم إبراهيم عمر خليفة في 24/ 4/ 1953 وأن من تركته الأعيان التي وقفها بكتاب وقفه المؤرخ 17/ 2/ 1943 والتي أصبحت ملكاً له من 14/ 9/ 1952 بصدور القانون رقم 180 سنة 1952 وأن المدعيات من ورثته تستحق الزوجة ثلاثة قراريط وكل من بنتيه عزيزة وأنيسة قيراطين وثلث قيراط من 24 قيراطاً تنقسم إليها تركته ومنع تعرض المطعون عليهما لهن في هذا الاستحقاق مع إلزام المطعون عليه الأول المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة واستأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة وقيد الاستئناف برقم 22 سنة 1958 ق وطلب أصلياً قبول الدفعين الذي أبداهما أمام محكمة أول درجة واحتياطياً بطلان محضر جلسة 2/ 7/ 1952 ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى وبتاريخ 3/ 1/ 1962 حكمت المحكمة حضورياً ببطلان الحكم المستأنف لعدم ذكر اسم عضو النيابة الذي أبدى رأيه في القضية وبقبول الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فطعنت الطاعنتان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته على هذه الدائرة حيث تنازلت الطاعنتان عن السبب الأول وطلبتا نقض الحكم لسببين الثاني والثالث وطلب المطعون عليه الأول أصلياً عدم قبول الطعن شكلاً واحتياطياً رفضه - ولم تحضر المطعون عليها الثانية ولم تبد دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة ثانية أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت نقض الحكم.
وحيث إن المطعون عليه الأول دفع بعدم قبول الطعن لعدم تقديم صورة رسمية من حكم محكمة المنصورة الابتدائية الوطنية الصادر في الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني بتاريخ 26/ 4/ 1955 الذي قضى في منطوقه بندب خبير لفرز نصيب الخيرات وقطع في أسبابه بأن المطعون عليه الأول يعتبر مالكاً لأعيان الوقف من تاريخ وفاة والده.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله - ذلك أن الطاعنتين قدمتا صورة من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائي وفي ضوء هذا النطاق يكون الطعن استوفى أوضاعه طبقاً للمادة 7 من القانون رقم 57 سنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنتان على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه فيما قضى به من إلغاء الحكم الابتدائي وعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها في الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة في حين أن الحكم الصادر في هذه الدعوى هو حكم صادر قبل الفصل في الموضوع وبفرض أنه تضمن قضاء فيه فإن قضاءه هذا لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه لأن المحاكم الشرعية كانت هي المحاكم صاحبة الولاية العامة في المنازعات المتعلقة بأصل الوقف وقد استبقى القانون رقم 399 سنة 1953 بعد إنهاء الوقف على غير الخيرات الاختصاص لهذه المحاكم في دعاوى الاستحقاق التي ترفع في شأن الأوقاف المنتهية وإذ كان موضوع النزاع في الدعوى رقم 1130 سنة 1953 المشار إليها هو الاستحقاق في الوقف وصيرورته ملكاً للواقف بمقتضى القانون رقم 180 سنة 1952 ثم أيلولة هذا الملك لورثته الشرعيين فلا يكون للمحكمة المدنية ولاية النظر فيه وحكمها لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه ولمحكمة الأحوال الشخصية أن تفصل فيه إذا طرح عليها من جديد.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه مهد لقضائه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة بقوله "بأنه يتعين ابتداء تحقيق ما إذا كان الحكم المحتج به قد صدر من محكمة لا ولاية لها في إصداره فيندرج بذلك تحت وصف الأحكام المعدومة أم أنه صدر من محكمة مختصة وظيفياً بإصداره فيكتسب قوة الأمر المقضي فيه..." وبما أن هذا التحقيق يستجر النظر في تعرف طبيعة الحق محل المنازعة وهل يدخل في نطاق وظيفة المحكمة الشرعية أم في نطاق وظيفة المحكمة المدنية والمناط في تعرف طبيعة الحق المدعى به للوقوف على مدى دخوله في وظيفة جهة قضاء دون أخرى لا يخضع في ذاته إلى تكييف الخصوم له وإن اتفق الخصوم على ولاية جهة اختصاص بذاتها بل يخضع هذا التكييف لما تبينته المحكمة من وقائع الدعوى وإنزال حكم القانون عليها" وانتهى إلى تكييف الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة بأنها دعوى ملكية عادية تدخل في نطاق المحاكم المدنية أياً كان سببها وذلك بقوله "إن الثابت من أوراق الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة المحتج بحكمها الصادر بتاريخ 26/ 4/ 1955 والثابت من أوراق الدعوى المستأنف حكمها أن جوهر النزاع ليس في واقعة الوفاة والوراثة وتحديد عدد الورثة بل في تحديد قدر ما يخص كل وارث من تركة المورث وعلى الخصوص في الأطيان الزراعية محل إشهاد الوقف المتقدم ذكره فجوهر النزاع هو ملكية تلك الأعيان وقدر ما يخص كلاً من طرفي النزاع في هذه الملكية ففي الوقت الذي يقول فيه المستأنف إنه مالك للقدر جميعه قصر المستأنف عليهن على أن ملكيته قاصرة على نصيبه الشرعي كوارث للمتوفى ومن هذا الخلاف على هذا القدر بني الخلاف على جهة القضاء المختصة فبينما يرى المستأنف أنه مالك للأطيان وأن دعواه 1130 سنة 1953 مدني كلي المنصورة كانت بطلب ثبوت هذه الملكية "ترى المستأنف عليهن أن الدعوى في حقيقتها دعوى استحقاق في وقف من صميم اختصاص المحاكم الشرعية ودائرة الأحوال الشخصية من بعدها وأن الحكم المحتج به صدر من جهة قضاء غير مختصة وظيفياً بإصداره" وأنه "للمحكمة وهي بسبيل الفصل في أمر الملكية محل النزاع عليها أن تستظهر حكم القانون في سند تلك الملكية سواء أكان هذا السند إشهاد وقف أو عقد بيع أو أي سبب قانوني آخر ولا يقال إنه ما دام أن سند الملكية إشهاد وقف فليس من سبيل سوى الالتجاء إلى المحكمة الشرعية لتقول كلمتها فيه طالما أن الأمر بعيد عن أصل الوقف" وبهذا كيف الحكم المطعون فيه الدعوى رقم 1130 سنة 1953 مدني المنصورة بأنها دعوى ملكية في حين أنها في جوهرها دعوى استحقاق يدور النزاع فيها حول معرفة من انحل عليه الوقف من أطراف الخصوم وهل كان الوقف بغير عوض فيصبح ما انتهى فيه الوقف ملكاً للواقف طبقاً للمادة الثالثة من القانون رقم 180 سنة 1952 أو كان بعوض مالي فيئول إلى المطعون عليه الأول وحده طبقاً للمادة الرابعة من هذا القانون وهي بهذا الوصف ما كانت تختص المحاكم الشرعية بالنظر فيه طبقاً للمادة الثامنة من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من القانون رقم 180 سنة 1952 بعد تعديله بالقانون رقم 399 سنة 1953 التي نصت على "أنه تستمر المحاكم المذكورة في نظر دعاوى الاستحقاق التي ترفع في شأن الأوقاف التي أصبحت منتهية" ومن ثم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فإن الحكم الصادر فيها لا يحوز قوة الشيء المحكوم فيه لصدوره من محكمة لا ولاية لها وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث الأسباب الأخرى.