أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 731

جلسة 28 من مايو سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ محمود القاضي، وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، ولطفي علي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

(116)
الطعن رقم 438 لسنة 29 القضائية

( أ ) تنفيذ عقاري. "طلب وقف البيع أو الاستمرار فيه". " قاضي البيوع". " سلطته في ذلك".
سلطة قاضي البيوع في الحكم بوقف البيع أو بالاستمرار فيه في أحوال الوقف الجوازي. انحصارها في تقدير مدى جدية طلب الوقف دون التعرض لبحث الموضوع الذي من أجله يطلب الوقف.
(ب) التزام. "أسباب انقضاء الالتزام". " التنازل". تقادم. " التقادم المسقط".
التنازل الذي يتضمن إبراء الدائن مدينه من الالتزام، من وسائل انقضاء الالتزام. لا يرد عليه التقادم المسقط. صدور التنازل نهائياً، أثره، إنشاء مركز قانوني ثابت ولا يتقادم أبداً ويحق للمتنازل إليه أن يطلب في أي وقت إعمال الآثار القانونية لهذا التنازل. من ذلك إبطال ما اتخذه المتنازل من إجراءات بالمخالفة لتنازله.
(جـ) إثبات. "إجراءات الإثبات"." الاستجواب ". "العدول عنه". محكمة الموضوع.
عدول المحكمة عن استجواب الخصم استناداً إلى حصرها مقطع النزاع في الدعوى في أمر واحد رأت أن الفصل فيه يقضي على النزاع ويغني المحكمة عن اتخاذ أي إجراء آخر. اعتبار ذلك بياناً ضمنياً لسبب العدول، إذ هو يدل على أنها رأت أن لا جدوى من اتخاذ هذا الإجراء وأن في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة إليه.
1 - سلطة قاضي البيوع في الحكم بوقف البيع أو بالاستمرار فيه - في أحوال وقف البيع الجوازية - إنما تنحصر في تقدير مدى جدية طلب الوقف، فيأمر بوقف البيع إذا بدا له أن الطلب جدي أو يرفض الوقف ويأمر بالاستمرار في إجراءات التنفيذ إذا ظهرت له عدم جديته دون أن يتعرض لبحث الموضوع الذي من أجله يطلب الوقف. ومن ثم فإن قضاء قاضي البيوع في هذا الخصوص لا تكون له حجية تمنع محكمة الموضوع من الفصل فيه [(1)].
2 - التنازل الذي يتضمن إبراء الدائن مدينه من التزام ما إنما هو وسيلة من وسائل انقضاء الالتزامات، وإذ كان التقادم المسقط هو وسيلة أخرى من وسائل انقضاء الالتزام دون الوفاء به، فإنه لا يمكن أن يرد على مثل هذا التنازل، ومن ثم فإنه متى صدر التنازل نهائياً فإنه ينشئ مركزاً قانونياً ثابتاً ولا يتقادم أبداً ويحق للمتنازل إليه أن يطلب في أي وقت إعمال الآثار القانونية لهذا التنازل ومن بينها إبطال ما اتخذه المتنازل من إجراءات بالمخالفة لتنازله.
3 - متى كانت محكمة الاستئناف قد حصرت مقطع النزاع في الدعوى في أمر واحد ورأت أن الفصل فيه يقضي على النزاع ويغني المحكمة عن اتخاذ أي إجراء آخر، فإن في هذا ما يعتبر بياناً ضمنياً لسبب عدول المحكمة عن تنفيذ حكم الاستجواب إذ هو يدل على أنها رأت أن لا جدوى من اتخاذ هذا الإجراء وأن في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة إليه [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقي الأوراق - في أن المطعون عليه أقام ضد الطاعن وكبير كتاب محكمة المنصورة المختلطة المطعون عليه الثاني - الدعوى رقم 87 سنة 1949 مدني كلي المنصورة قائلاً إن الطاعن كان قد حصل على حكم لصالحه بتاريخ 22 من سبتمبر سنة 1923 في القضية رقم 52 سنة 1923 مدني كلي المنصورة تأيد استئنافياً بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1923 يقضي بإلزام المرحوم أحمد حسن عابدين - والد الطاعن والمطعون عليه الأول - أن يدفع له مبلغ 800 جنيه وأنه بموجب عقد اتفاق أبرم في 27 من مارس سنة 1924 بين الطاعن والمطعون عليه الأول ووالدهما المرحوم أحمد حسن عابدين تنازل الطاعن نهائياً عن الحكم سالف الذكر مقابل تنازل المطعون عليه الأول ووالده عن حكم صادر لمصلحتهما يقضي بإلزام الطاعن أن يدفع له مبلغ 500 جنيه ولكن الطاعن رغم تنازله نهائياً عن الحكم الصادر لصالحه قد اتخذ به إجراءات كيدية وأنه لذلك يطلب المدعي الحكم بإثبات تنازل الطاعن عن الحكم المذكور وببراءة ذمته - باعتباره أحد ورثة المرحوم أحمد حسن عابدين من المبلغ المقضى به وإلغاء جميع ما اتخذ ويتخذ بذلك الحكم من إجراءات واعتباره كأن لم يكن، دفع الطاعن الدعوى بأن والده المرحوم أحمد حسن عابدين كان قد تصرف إليه وإلى أخيه المطعون عليه الأول في بعض أملاكه كما كان قد حرر سندات مديونية لزوجته ولبعض بناته فأقام بعض دائنيه من الأجانب دعوى أمام المحاكم المختلطة بإبطال تلك التصرفات وأنه إزاء رغبته وأخيه المطعون عليه الأول في الحصول من والدهما على إقرار يصحح به تصرفاته إليهما بعد استيفاء الدائنين الأجانب ديونهم فقد قبل - هو الطاعن - أن يتنازل عن الحكم الصادر لصالحه ضد والده قبولاً معلقاً على شرط نفاذ تصرفات الوالد السابقة ولذلك حرر بين الأب وولديه اتفاق 27 من مارس سنة 1924 من نسخة واحدة أودعت عند الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي ووكيل الوالد الذي أضاف إلى الاتفاق عبارة تفيد أن الحكم المتنازل عنه يبقي أمانة لديه وأن التنازل عنه لا ينتج أثره إلا إذا تحقق الشرط المعلق عليه وهو نفاذ تصرفات الوالد لأولاده وإذ كان هذا الشرط لم يتحقق بسبب القضاء نهائياً بإبطال تصرفات الوالد فإن التنازل المعلق عليه يعتبر كأن لم يكن، ثم دفع الطاعن الدعوى بعدم جواز نظرها لسبق الفصل في ذات النزاع بالحكم الصادر من قاضي البيوع في الدعوى رقم 39 سنة 72 ق مختلط المنصورة رد المطعون عليه الأول هذا الدفاع بأن اتفاق 27 مارس سنة 1924 كان باتاً غير معلق على شرط وأنه إذا كان الأمين - الأستاذ عبد اللطيف أحمد قد أضاف إليه ما يعلق نفاذه على شرط فإن أحداً من المتعاقدين لم يقبل تلك الإضافة بدليل عدم التوقيع عليها من أيهم وأنه ليس للأمين أن يعدل من شروط عقد الأمانة المودع لديه. وبتاريخ 8 من مايو سنة 1949 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أن تعديل اتفاق 27 من مارس سنة 1924 تم بموافقة جميع أطرافه ولم يستشهد الطاعن أحداً في هذا التحقيق وبعد أن سمعت المحكمة أقوال الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي الذي استشهده المطعون عليه حكمت في 18 من فبراير سنة 1953 بإثبات تنازل الطاعن عن الحكم الصادر في القضية رقم 52 سنة 1923 مدني كلي المنصورة والاستئناف الخاص به الصادر بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1923 وبراءة ذمة المطعون عليه الأول من المبلغ المحكوم به بوصفه أحد ورثة المرحوم أحمد حسين عابدين وإلغاء ما اتخذ بمقتضاه من إجراءات، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 101 سنة 5 ق المنصورة وتمسك بدفاعه أمام محكمة الدرجة الأولى ثم دفع بسقوط حق المطعون عليه الأول بالتقادم لمضي المدة الطويلة بين التنازل عن الحكم في 27 مارس سنة 1924 - إن صح أن هذا التنازل لم يكن مقيداً بشرط وبين إقامة الدعوى في 18 من مايو سنة 1949 بطلب إثباته - وبتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1955 حكمت محكمة الاستئناف: أولاً - برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى. ثانياً - برفض الدفع بسقوط حق المطعون عليه الأول بالتقادم. ثالثاً - بإعادة الدعوى إلى المرافعة لاستجواب المطعون عليه الأول في الظروف التي دعت إلى تحرير اتفاق 27 مارس سنة 1924 من نسخة واحدة وسبب إيداعه عند الأستاذ عبد اللطيف أحمد، وفي 2 من يونيو سنة 1959 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعن بطريق النقض في هذا الحكم وفي الحكم السابق عليه الصادر بتاريخ 13 من نوفمبر سنة 1955 وأبدت النيابة الرأي بطلب رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 8 من يناير سنة 1963 وفيها قررت إحالته إلى هذه الدائرة وبعد استيفاء الإجراءات التالية لقرار الإحالة نظر الطعن بجلسة 26 من مارس سنة 1964 وفيها التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن في الشق الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون، ذلك أنه دفع أمام محكمة الموضوع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها وأقام دفعه على أنه كان قد اتخذ ضد المطعون عليه الأول إجراءات نزع الملكية والبيع بالدعوى رقم 39 سنة 72 ق مختلط بيوع المنصورة تنفيذاً لذات الحكم موضوع هذه الدعوى فتقدم المطعون عليه الأول إلى قاضي البيوع بأوجه الدفاع التي يتمسك بها في الدعوى الحالية وناقش قاضي البيوع جميع تلك الأوجه وانتهى إلى رفضها وإلى القضاء بإيقاع البيع وتأيد هذا القضاء استئنافياً وأن هذا الحكم مانع من إعادة نظر الدعوى لوحدة الموضوع والسبب والخصوم، لكن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع تأسيساً على أن قاضي البيوع أشبه بقاضي الأمور المستعجلة ولا يختص أصلاً بالفصل في الدفع ببطلان إجراءات التنفيذ لسبب موضوعي وأن كل ما له من سلطة أن يأمر بوقف البيع أو الاستمرار فيه بحسب ما يبدو له من جدية الدفع أو عدم جديته وأن قاضي البيوع في الدعوى رقم 39 سنة 72 ق مختلط المنصورة قد التزم هذه الحدود إذ قضى بالاستمرار في البيع، ويرى الطاعن أن هذا الذي قرره الحكم مخالف للقانون ذلك أنه يبين أن قاضي البيوع في القضية رقم 39 سنة 72 ق مختلط المنصورة قد استعرض جميع أوجه دفاع المطعون عليه الأول ومنها تمسكه بتنازل الطاعن عن الحكم موضوع هذه الدعوى وقطع بعدم قبول تلك الأوجه فيحوز حكمه في هذا الصدد حجية الشيء المقضي.
وحيث إنه يبين من الحكم الصادر في دعوى البيع رقم 39 سنة 72 ق مختلط المنصورة - الذي قدم الطاعن صورته الرسمية بملف الطاعن - أن قاضي البيوع رد طلب المطعون عليه الأول وقف إجراءات البيع لرفعه دعوى باستحقاقه شخصياً للعقارات المنزوعة ملكيتها ولتنازل الدائن - الطاعن - عن الحكم المنفذ به الصادر في الدعوى رقم 52 سنة 1923 كلي المنصورة، رد هذا الطلب بأن لقاضي البيوع الحق في أن يقضي بإجراء البيع إذا بدت له دعوى الاستحقاق غير مستندة إلى أساس سليم وبأن أوجه الدفاع التي يتمسك بها المدين - المطعون عليه الأول - ظاهرة القصد في إطالة أمد النزاع مما يتعين معه الحكم بإيقاع البيع دون التفات إلى دعوى الاستحقاق الفرعية، ولما كانت سلطة قاضي البيوع في الحكم بوقف البيع أو بالاستمرار فيه - في أحوال وقف البيع الجوازية - إنما تنحصر في تقدير مدى جدية طلب الوقف فيأمر بوقف البيع إذا بدا له أن الطلب جدي أو برفض الوقف ويأمر بالاستمرار في إجراءات التنفيذ إذا ظهرت له عدم جديته دون أن يتعرض لبحث الموضوع الذي من أجله يطلب الوقف، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ورتب عليه نتيجته فلم يعتبر لقضاء قاضي البيوع في هذا الخصوص حجية تمنع محكمة الموضوع من الفصل فيه فإن الحكم المذكور لا يكون قد خالف القانون في هذا الخصوص.
وحيث إن الطاعن ينعى في الشق الثاني من السبب الأول على الحكم المطعون فيه مخالفته القانون، ذلك أن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بسقوط حق المطعون عليه الأول في التمسك بالتنازل الوارد بعقد 27 من مارس سنة 1924 لمضي أكثر من خمسة عشرة سنة على تاريخ هذا العقد أو على أسوأ الفروض على تاريخ الحكم الصادر بإبطال تصرفات والده في 17 من يناير سنة 1949 ولكن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع تأسيساً على أن التقادم لا يرد إلا على الحقوق التي أهمل صاحبها في المطالبة بها وبالتالي لا يرد على انقضاء الدين بطريق التنازل، وهذا النظر مخالف للقانون إذ أن المطعون عليه الأول لم يكن يطلب مجرد براءة ذمته وإثبات التنازل عن الحكم بل كان يطلب إلغاء ما اتخذ ويتخذ من إجراءات بموجب الحكم المذكور وهو ما يسقط الحق في طلبه بالتقادم، ويضيف الطاعن أن تنازله عن الحكم الصادر له ضد والده كان معلقاً على شرط نفاذ تصرفات والده إليه ولما كان قد قضى بإبطالها بحكم نهائي فإن هذا يستتبع عدم نفاذ التنازل.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح ذلك أن التنازل الذي يتضمن إبراء الدائن مدينه من التزام إنما هو وسيلة من وسائل انقضاء الالتزامات، ولما كان التقادم المسقط هو وسيلة أخرى من وسائل انقضاء الالتزام دون الوفاء به فإنه لا يمكن أن يرد على مثل هذا التنازل ومن ثم فإنه متى صدر التنازل نهائياً - كما هو الحال في النزاع الحالي - فإنه ينشئ مركزاً قانونياً ثابتاً ولا يتقادم أبداً ويحق للمتنازل إليه - المطعون عليه - أن يطلب في أي وقت إعمال الآثار القانونية لهذا التنازل ومن بينها إبطال ما اتخذه المتنازل من إجراءات بالمخالفة لتنازله، أما ما يدعيه الطاعن من أن تنازله كان معلقاً على شرط لم يتحقق فمردود بأن محكمة الموضوع قد استخلصت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة أن التعديل الوارد بالشرط المضاف إلى عقد 27 من مارس سنة 1924 والمتضمن تعليق التنازل على الحكم بصحة التصرفات الصادرة من الوالد لولديه - قد استخلصت أن هذا التعديل لم يحصل باتفاق العاقدين ومن ثم فإن النعي على الحكم لعدم إعماله مقتضى هذا التعديل يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه أنه شابه بطلان في الإجراءات أثر فيه ذلك أن محكمة الاستئناف كانت قد قضت بحكمها الصادر بجلسة 13 من نوفمبر سنة 1955 باستجواب المطعون عليه الأول في الظروف التي دعت إلى تحرير اتفاق 27 من مارس سنة 1924 من نسخة واحدة وفي سبب إيداعه عند الأستاذ عبد اللطيف أحمد، ومع تعلق الوقائع محل الاستجواب بصميم النزاع فإن المحكمة لم تنفذ هذا الحكم ولم تبين أسباب عدولها عن تنفيذه إن كانت قد رأت العدول وفي ذلك بطلان في الإجراءات أثر في الحكم بما يبطله.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه الصادر بجلسة 4 من يونيو سنة 1959 أنه استهل أسبابه بقوله "ومن حيث إنه من المتفق عليه أن العقد سالف الذكر وهو من نسخة واحدة كصريح النص الوارد به قد أودع أمانة عند الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي ويدور الخلاف حول العبارة التي ذيل بها العقد فيقول المستأنف - الطاعن - إنها وضعت باتفاق أطراف العقد وينكر المستأنف عليه - المطعون عليه - حصول الاتفاق على تعديل البند السابق كما ورد بذيل العقد وإزاء هذا الخلاف رأت محكمة الدرجة الأولى أن تناقش الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي في ظروف وملابسات تحرير تلك العبارة التي ذيل بها العقد" ثم أورد الحكم حاصل أقوال الأستاذ عبد اللطيف أحمد وعرض للخلاف السابق وانتهى إلى القول "وبذلك فلم يعد هناك محل للتحدي بهذا التعديل الذي اختلس من الأمين في غفلة من المستأنف عليه ووالد الطرفين... ومن ثم لا يكون لوجود الحكم بيد المستأنف - الطاعن - قيمة طالماً أنه تنازل عنه بعقد 27/ 3/ 1924 تنازلاً نهائياً لا رجوع فيه" ومفاد ذلك أن محكمة الاستئناف حصرت مقطع النزاع في الدعوى في أمر واحد هو معرفة ما إذا كان التعديل الوارد في نهاية العقد قد حصل باتفاق أطرافه أم لا ورأت أن الفصل في هذه المسألة يقضي على النزاع ويغني المحكمة عن اتخاذ أي إجراء آخر وفي هذا ما يعتبر بياناً ضمنياً لسبب عدول المحكمة عن تنفيذ حكم الاستجواب إذ هو يدل على أنها رأت أن لا جدوى من اتخاذ هذا الإجراء وأن في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة إليه، ومتى كان ذلك، فإن هذا النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالشق الثالث من السبب الأول وبالسبب الثاني فساد الاستدلال والتناقض وقصور التسبيب وفي ذلك يقول إن الحكم لم يعتد بما ورد في نهاية عقد الاتفاق المؤرخ 27 من مارس سنة 1924 - تعديلاً للبند السادس منه - ذلك التعديل الموقع من الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي والذي يقر فيه بإيداع العقد المذكور أمانة طرفه لا يسلم للطاعن ولا يكون له من أثر إلا إذا حكم بإلغاء التصرفات الصادرة إليه وإلى أخيه - المطعون عليه الأول - من والدهما، لم يعتد الحكم بهذا التعديل قولاً منه إنه قد اختلس من الأمين في غفلة من المطعون عليه الأول من والد الطرفين وأنه مما يؤيد ذلك أن الأمين استوقع الطاعن على ورقة مؤرخة 20 من مارس سنة 1924 تفيد أن الطاعن قد أودع الحكم رقم 52 سنة 1923 كلي المنصورة عنده لا يسلم للطاعن ولا يجرى تنفيذه إلا إذا ألغيت عقود البيع الصادرة له، وهذا الذي قاله الحكم من أن التعديل المذكور قد اختلس من الأمين قول عار عن الدليل بل إن الدليل قائم على صحة ذلك التعديل وهو وروده في ذات عقد الاتفاق وتذييله بتوقيع للأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي ووكيل المطعون عليه الأول كما أن الورقة المؤرخة 20 من مارس سنة 1924 من شأنها أن تؤيد التعديل المدعي ولا تنفيه وهو ما يشوب الحكم بفساد الاستدلال ويضيف الطاعن أن الحكم المطعون فيه يقرر تارة أن واقعة رد الأمين الحكم محل النزاع للطاعن واقعة مجحودة ويقرر تارة أخرى أن وجود هذا الحكم تحت يد الطاعن ليست له قيمة طالما أنه قد تنازل عنه بعقد 27 من مارس سنة 1924 تنازلاً نهائياً لا رجوع فيه وهذا من الحكم تناقض يبطله، ويستطرد الطاعن قائلاً إنه تمسك أمام محكمة الموضوع بأن التعديل الوارد بآخر عقد الاتفاق المؤرخ 27 من مارس سنة 1924 يقيد المطعون عليه الأول ووالده بالرغم من عدم توقيع أيهما عليه لوروده في عقد الاتفاق نفسه بما يجعله جزءاً مكملاً لهذا العقد ولو لم يكن هذا التعديل وليد اتفاق الطرفين لما حرر على ذات العقد ولما وقع عليه الأستاذ عبد اللطيف أحمد وكيل المطعون عليه الأول ووالده كما تمسك الطاعن بأنه إذا كان التعديل الوارد بالبند السادس من اتفاق 27 من مارس سنة 1924 يعتبر مجرد عرض منه فقد صادف هذا العرض قبولاً من والده بتوقيع وكيله الأستاذ عبد اللطيف أحمد عليه، وبأنه قد وقع بتاريخ 29 من مارس سنة 1924 إقراراً بمعنى هذا التعديل وسلمه للأستاذ عبد اللطيف أحمد وإذ قدم المطعون عليه الأول هذا الإقرار ضمن مستنداته في هذه الدعوى فإن ذلك يؤكد موافقته على ذلك التعديل، ولو كان الطاعن قد تنازل عن الحكم الصادر لصالحه ضد والده تنازلاً باتاً لطالبه المتنازل إليهما بتسليمهما الحكم المتنازل عنه عند صدور هذا التنازل، ولكن الحكم المطعون فيه لم يرد عليه جميع أوجه دفاعه هذه ولم يعتمد على دليل ينقضها فشابه بذلك قصور يبطله.
وحيث إنه جاء بالحكم المطعون فيه الصادر في 4 من يونيو سنة 1959 بصدد ما يثيره الطاعن في هذا السبب ما يأتي: "ومن حيث إن المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - ينكر تعديل البند السادس كما ورد بذيل العقد وإزاء هذا الخلاف رأت محكمة الدرجة الأولى أن تناقش الأستاذ عبد اللطيف أحمد المحامي عن ظروف وملابساته تحرير تلك العبارة التي ذيل بها العقد فقرر بجلسة 25/ 5/ 1949 أن المستأنف - الطاعن - حضر إليه وأفهمه بأن ثمة اتفاقاً تم بينه وبين أخيه المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - ووالدهما على إيداع الحكم طرفه لا يسلم إليه ولا يجوز تنفيذه إلا إذا صدر حكم يقضي بإلغاء عقود البيع وقد صدقه وتجاوز حقوقه في تحرير ما ذيل به العقد ولما عرض الأمر على المستأنف عليه ووالد الطرفين لم يوافقا على هذا التعديل ونفي في صورة جازمة أن إيداع العقد لديه كان بسبب تعليق تنفيذه على اشتراطات أخرى غير الثابتة به وعلى ذلك قضت محكمة الدرجة الأولى بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف - الطاعن - أن تعديل الذي ذيل به عقد 27/ 3/ 1924 تم باتفاق أطرافه الثلاثة هو والمستأنف عليه ووالدهما إلا أن المستأنف بعد أن استأجل التحقيق لتقديم شهوده عاد يطلب الفصل في الدعوى بغير أن يقدم شهوداً، ومن حيث إنه يبين من العقد محل النزاع أنه احتوى التزامات التزمها المستأنف عليه ووالد الطرفين فتعهد المستأنف عليه أن يقوم بسداد باقي دين كنج والياس الجميل والذي بسببه قضى بعدم نفاذ عقود المستأنف - تعهد هذا التعهد وتم تنفيذه على ما ثبت بمحضر العرض المقدم من المستأنف عليه... كما أن هذا المستأنف عليه ووالده تنازلا عن الحكم الصادر في الدعوى رقم 314 سنة 1924 مدني كلي المنصورة... والمتضمن التزام المستأنف أن يدفع لوالده وللمستأنف عليه مبلغ 437 ج و62 م وما يستجد من الإيجار بدءاً من أول يوليو سنة 1923 حتى التسليم مع المصاريف وهذا الحكم هو المنوه عنه بالبند السابع من العقد - ومن ثم يصبح واضحاً أن تنازل المستأنف - الطاعن - عن الحكم الصادر له في الدعوى 52 سنة 1923 مدني كلي المنصورة كان له ما يقابله من التنازل عن الحكم الصادر في الدعوى رقم 314 سنة 1923 مدني كلي المنصورة مضافاً إليه التزام المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - بسداد باقي دين كنج والياس الجميل الذي تم بمحضر العرض سالف الذكر فلم يعد هناك محل للتحدي بهذا التعديل الذي اختلس من الأمين في غفلة من المستأنف عليه ووالد الطرفين يؤكد ذلك أن الأمين استوقع المستأنف - الطاعن - على ورقة مؤرخة 20/ 3/ 1924 مقدمة تحت رقم.... تفيد أن المستأنف يودع الحكم 52 سنة 1923 سالف الذكر لدى الأمين ولا يسلم إليه ولا يجرى تنفيذه إلا إذا ألغيت عقود البيع الصادرة له وهذا بذاته هو العرض الذي عناه الأمين في مناقشته أمام محكمة الدرجة الأولى والذي رفضه المستأنف عليه ووالده كما قال بذلك الأمين أمام محكمة الدرجة الأولى، ومن حيث إنه لا يبقي بعدئذ إلا ما يدعيه المستأنف - الطاعن - من تسليم الأمين له الحكم محل النزاع وهو قول مجحود من المستأنف عليه - المطعون عليه الأول - من أول الأمر وقد فتح للمستأنف باب التحقيق فعجز عن الإثبات ومن ثم لا يكون لوجود هذا الحكم بيده من قيمة طالما أنه تنازل عنه بعقد 27/ 3/ 1924 تنازلاً نهائياً لا رجوع فيه في مقابل ما حصل التنازل عنه له وما سدد عنه من دين كان يلزمه" ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد استخلص من أقوال الأمين الأستاذ أحمد عبد اللطيف المحامي التي لم يقدم الطاعن ما ينفيها رغم تمكينه من نفيها بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة أن التعديل الوارد على اتفاق 27/ 3/ 1924 قد اختلس من الأمين في غفلة من المطعون عليه الأول وأن هذا الأخير ووالده لم يوافقا عليه ولما كان لا يجوز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاق عاقديه فإن الحكم أهدر هذا التعديل وأعمل مقتضى التنازل الصادر من الطاعن بعد أن أثبت أنه كان له ما يقابله ولما كان ما استخلصه الحكم من أقوال الأمين هو استخلاص سائغ يؤدى إليه مدلول هذه الأقوال وكانت عبارات ورقة 20/ 3/ 1924 تحتمل المعنى الذي ذهب إليه الحكم في تفسيرها وكان لا تناقض فيما قرره الحكم في شأن واقعة تسليم الطاعن الحكم محل النزاع لأن ما عنته المحكمة هو أنه ما دام الطاعن قد تنازل عن هذا الحكم تنازلاً نهائياً لا رجوع فيه - على ما تفيده عبارات العقد فإنه لا يكون لتسليم الطاعن الصورة التنفيذية لهذا الحكم أهمية سواء صحت واقعة تسليم الأمين هذه الصورة إليه أو لم تصح - لما كان ما تقدم، وكان الطاعن لم يقدم ما يدل على تمسكه أمام محكمة الموضوع بما يثيره في هذا السبب من أنه كان للأستاذ عبد اللطيف أحمد سلطة قبول التعديل الوارد على العقد نيابة عن المطعون عليه ووالده - وهو دفاع يخالطه واقع فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض - لما كان ذلك كله، فإن جميع ما يثيره الطاعن في هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً منه في تقدير محكمة الموضوع للدليل وفي فهمها للواقع مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه.


[(1)] راجع نقض 24/ 12/ 1959 الطعن 300 س 25 ق السنة العاشرة ص 845.
[(2)] راجع نقض 13/ 12/ 1962 الطعن 27 س 27 ق السنة 13 ص 1105.