أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 15 - صـ 819

جلسة 11 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف مرسي، وحافظ محمد بدوي، وإبراهيم الجافي، وصبري فرحات.

(129)
الطعن رقم 348 لسنة 29 القضائية

( أ ) إجارة. "آثار الإيجار". "ما يقيمه المستأجر في العين المؤجرة من مبان". محكمة الموضوع. نقض. "أسباب الطعن". "أسباب واقعية".
استخلاص الحكم مما أورده من قرائن اتجاه نية المتعاقدين إلى عدم إعمال ما تضمنه عقد الإيجار من حق المؤجر في طلب إزالة ما قد يقيمه المستأجر على العين المؤجرة من مبان. كونه استخلاصاً سائغاً ومستمداً من وقائع تؤدي إليه. لا معقب على المحكمة في ذلك لتعلقه بأمر موضوعي.
(ب) إجارة. "بيع العين المؤجرة" بيع. خلف.
خلافة المشتري للبائع في الحقوق والواجبات المتولدة من عقد الإيجار تحدث بحكم القانون نفسه وبتمام البيع. انتهاء الحكم إلى إسقاط البائع لحقه في طلب إزالة ما على الأرض من مبان. لا يجوز للمشتري باعتباره خلفاً للبائع أن يعود إلى التمسك بما أسقط السلف حقه فيه. الخلف لا يكون له من الحقوق أكثر من السلف.
(ج) إجارة. "آثار الإيجار". "ما يقيمه المستأجر في العين المؤجرة من مبان".
بناء المستأجر في الأرض المؤجرة بتصريح من المؤجر. نزوله منزلة الباني في أرض الغير بحسن النية. خضوعه لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 65 مدني قديم. تقنين هذا النظر في المادة 592 مدني قائم بشأن البناء الذي يقيمه المستأجر في العين المؤجرة بعلم المؤجر ودون معارضته.
(د) إجارة. "آثار الإيجار". "ما يقيمه المستأجر في العين المؤجرة من مبان". تعويض.
إلزام المؤجرة بقيمة المواد وأجرة العمالة. كون هذه القيمة تقل عما زاد في قيمة الأرض بسبب البناء. لا مخالفة فيه للقانون.
(هـ) إجارة. "انتهاء الإيجار". تعويض.
مقتضى الحكم بإخلاء المستأجر من البناء وتسليمه إلى المؤجر ألا يكون للمستأجر حق في الانتفاع بالبناء من تاريخ صدور هذا الحكم. قضاء الحكم للمستأجر بتعويض مقابل حرمانه من هذا الانتفاع بعد هذا التاريخ. مخالف للقانون.
1 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد استخلص مما أورده من قرائن أن نية المتعاقدين اتجهت إلى عدم إعمال ما تضمنه عقد الإيجار من تخويل المؤجر الحق في طلب إزالة ما قد يقيمه المستأجر على العين من مبان وأن البائع للمؤجر أجاز ضمناً إقامة البناء محل النزاع، وكان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من وقائع تؤدي إليه فإنه لا معقب على المحكمة في ذلك لتعلقه بأمر موضوعي.
2 - خلافة المشتري للبائع في الحقوق والواجبات المتولدة من عقد الإيجار تحدث بحكم القانون نفسه وبتمام البيع. فإذا كان البائع قد أسقط حقه في طلب إزالة ما على الأرض المؤجرة من مبان فإنه لا يجوز للمشتري باعتباره خلفاً للبائع أن يعود إلى التمسك بما أسقط السلف حقه فيه إذ أن الخلف لا يكون له من الحقوق أكثر من السلف.
3 - إنه وإن كان المستأجر الذي يقيم بناء على الأرض المؤجرة لا يعتبر حسن النية في حكم الفقرة الثانية من المادة 65 من القانون المدني القديم لأنه يعلم أن هذه الأرض التي يبنى عليها مملوكة للمؤجر، إلا أن الرأي الذي كان سائداً في ظل القانون المدني القديم والذي تقره محكمة النقض هو أن المستأجر الذي يبني في الأرض المؤجرة بتصريح من المؤجر ينزل منزلة الباني في أرض الغير بحسن نية ويأخذ حكمه فتطبيق عليه الفقرة الأخيرة من المادة 65 المشار إليها، وهذا النظر هو ما قننه القانون القائم في المادة 592 بشأن البناء الذي يقيمه المستأجر في العين المؤجرة بعلم المؤجر ودون معارضته. وإذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن البناء قد أقيم على الأرض بتصريح من المؤجر الذي أسقط حقه في طلب الإزالة وطبق عليه حكم الباني بحسن نية فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
4 - إذا كانت الطاعنة لا تنازع في أن ما ألزمها به الحكم هو قيمة المواد وأجرة العمالة وكانت هذه القيمة على ما جاء بتقرير الخبير الذي اعتمده الحكم المطعون فيه تقل عما زاد في قيمة الأرض بسبب البناء فإن الحكم إذ ألزمها بأقل القيمتين قد التزم حكم القانون.
5 - مقتضى الحكم بإخلاء المستأجر من البناء وتسليمه إلى المؤجر ألا يكون للمستأجر حق في الانتفاع بالبناء من تاريخ صدور هذا الحكم. وإذ قضى الحكم للمستأجر بتعويض مقابل حرمانه من هذا الانتفاع بعد هذا التاريخ فإنه يكون مخالفاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن الشركة الطاعنة كانت قد رفعت على المطعون ضده الدعوى رقم 2672 سنة 74 ق أمام محكمة مصر المختلطة طالبة الحكم بإخراجه من العين المؤجرة وإزالة كل ما عليها من مبان وغيرها على مصاريفه الخاصة مع التسليم، قائلة في تبيان دعواها إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ في 1/ 4/ 1945 استأجر المطعون من دائرة وقف الأمراء طوسون قطعة أرض مساحتها 81.22 متراً مربعاً لمدة سنة من 1/ 4/ 1945 إلى أخر مارس سنة 1946 بإيجار سنوي قدره 7 ج و824 م على أن يتجدد بعد ذلك من سنة إلى أخرى. وقد جاء بالبند الثالث من هذا العقد أنه إذا أحدث المستأجر في الأرض المؤجرة مبان أو تخاشيب للانتفاع بها وأرادت الدائرة إلغاء العقد واستلام الأرض قبل انتهاء مدة الإيجار جاز لها ذلك بشرط التنبيه على المستأجر بإخلائها في مدة لا تزيد على الشهرين من تاريخ إعلانه بالإخلاء بخطاب مسجل حتى يتمكن المستأجر في بحر هذه المدة من نقل ما بها وإخلائها وتسليمها للمؤجر بحدودها ومعالمها كما استلمها وتكون مصاريف نقل هذه المباني والتخاشيب على المستأجر وليس له أن يطالب المؤجر بأي تعويض عنها، فإذا لم يفعل المستأجر ذلك في الميعاد المحدد له في الإنذار كان للدائرة الخيار بين أخذ هذه المباني والتخاشيب بقيمتها مستحقة الهدم أي باعتبار أنها أنقاض وبين إلزام المستأجر بإزالتها على مصاريفه ويكون الحكم كذلك إذ انتهت مدة الإيجار ولم يرغب المؤجر في التأجير - كما جاء بالبند الرابع أنه إذا أراد أحد الطرفين إخلاء الأرض المؤجرة في نهاية فترة الإيجار فعليه أن يعلن الطرف الآخر بذلك قبل انقضاء المدة بثلاثين يوماً ولو كانت الإجارة مشاهرة وعلى المستأجر في نهاية مدة الإيجار أن ينقل أمتعته ويقلع المباني والتخاشيب إن كان عليها شيء من ذلك بمصاريف من قبله فإن لم يفعل ذلك فتجريه المؤجرة بمصاريف ترجع بها عليه وعلى المستأجر أن يسلم الأرض المؤجرة في نهاية مدة الإيجار بمقاسها وبالحالة التي استلمها بها. واستطردت الشركة الطاعنة قائلة إنها بموجب عقد رسمي مسجل في 2/ 5/ 1946 برقم 3646 مصر، 3041 قليوبية اشترت من دائرة طوسون مساحة قدرها 41 فداناً يقع ضمنها القدر المؤجر وأنها تطبيقاً لنص المادة 474 من القانون المدني المختلط التي تنص على أن الإيجار الذي ليس له تاريخ ثابت يفسخ إذا باع المؤجر الشيء المؤجر إلى آخر فقد قامت بإنذار المطعون ضده بالإخلاء في 17/ 12/ 1947 وإذ لم يستجب إلى إنذارها رفعت عليه الدعوى المذكورة بالطلبات المنوه عنها، ونظراً لإلغاء المحاكم المختلطة فقد أحيلت القضية إلى محكمة عابدين الجزئية. دفع المطعون ضده الدعوى أمامها بأن ال 41 فداناً المذكورة كانت وقفاً تابعاً لدائرة طوسون وقامت الدائرة بتأجيرها إلى مستأجرين متعددين منذ سنة 1931 وقد شيد المستأجر الأول على القدر الذي مساحته 81.22 متراً مربعاً منزلاً مكوناً من ثلاثة أدوار ثم باعه لآخر وظل المنزل يتداول من مشتر لآخر حتى انتهى الأمر بأن اشتراه المطعون ضده من سيد محمد نصر بعقد عرفي مؤرخ في 22/ 7/ 1942 وقام بإخطار دائرة طوسون بهذا الشراء حيث حررت معه عقد الإيجار المذكور والمؤرخ في 1/ 4/ 1945 ورتب على ذلك أن العلاقة التي كانت تربطه بدائرة طوسون هي علاقة حكر وليست علاقة إيجار - ومحكمة عابدين الجزئية كيفت العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة إيجارية وقضت في 20/ 4/ 1950 بإخلاء العين المؤجرة وبالتسليم في مقابل قيام الشركة الطاعنة بالوفاء بقيمة الزيادة التي اكتسبتها الأرض بسبب البناء - استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم وقضى في الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ما قضى به من تعليق التسليم على وفاء الشركة بقيمة الزيادة التي اكتسبتها الأرض بسبب البناء - ورأت المحكمة أن قيمة هذه الزيادة لم تكن مطلوبة وحفظت للمطعون ضده الحق في المطالبة بها بدعوى على حدة - إزاء ذلك رفع المطعون ضده دعوى مستعجلة طلب فيها ندب خبير لإثبات حالة المنزل وتقدير قيمته وقد أجابته المحكمة إلى طلبه وقام الخبير بمأموريته ثم رفع المطعون ضده الدعوى الحالية ضد الشركة الطاعنة ودائرة طوسون طالباً إلزامهما متضامنين بأن يدفعا له على سبيل التعويض مبلغ 2201 ج وهو ما قدره الخبير مقابل زيادة قيمة الأرض بسبب البناء يضاف إليه مبلغ 198 جنيهاً قيمة المنفعة التي ضاعت عليه من 1/ 4/ 1952 تاريخ تسليمه العقار حتى آخر فبراير سنة 1953 تاريخ رفع هذه الدعوى مع ما يستجد من هذه المنفعة ابتداء من 1/ 3/ 1953 حتى السداد - ثم قصر مخاصمته على الشركة الطاعنة - ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت في 20/ 3/ 1958 حضورياً بإلزام المدعى عليه بصفته (الشركة الطاعنة) بأن تدفع للمدعي (المطعون ضده) مبلغ 2118 ج و500 م منه مبلغ 1768 ج و500 م قيمة المباني والباقي وقدره 350 جنيهاً مقابل عدم الانتفاع محسوباً على أساس فوائد المبلغ المحكوم به (1768 ج و500 م) من تاريخ المطالبة القضائية حتى تاريخ صدور هذا الحكم - استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 582 سنة 75 ق ومحكمة استئناف القاهرة قضت في 2/ 4/ 1959 بتأييد الحكم المستأنف طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الأول والرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون ومخالفة الثابت بالأوراق ذلك أن الحكم قد أرسى قضاءه على أساس أن العلاقة بينها وبين المطعون ضده هي علاقة إيجارية تحكمها نصوص عقد الإيجار المبرم بينهما الذي نص فيه على أن الأرض المؤجرة قضاء دون الإشارة إلى ما عليها من مبان، كما نص فيه على مصير المباني التي يقيمها المطعون ضده على الأرض المؤجرة بما يجعله ملزماً بالإخلاء والإزالة في أي وقت تشاؤه المؤجرة مما كان يجب معه النزول على أحكام هذا العقد باعتباره شريعة المتعاقدين، لكن الحكم المطعون فيه أهدر هذه النصوص وطبق مواد الالتصاق مشبهاً المطعون ضده بالمباني في ملك غيره بحسن نية مع أنه باستئجاره الأرض في سنة 1945 يعلم أن يده عليها يد عارضة مما يتنافى وحسن النية وبذلك أخطأ الحكم في تطبيق القانون، كما أن الحكم إذ قرر أن عقد إيجار دائرة طوسون يسري على الشركة الطاعنة لسكوتها على انتفاع المطعون ضده من وقت شرائها في سنة 1945 حتى طلبها الإخلاء في سنة 1949 رغم ما هو ثابت من أنها بمجرد شرائها الأرض واعتماد مشروع التقسيم قامت بإنذار المطعون ضده بالإخلاء والإزالة بموجب إنذار مؤرخ في 17/ 12/ 1947 فإن الحكم يكون قد خالف الثابت بالأوراق.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قرر في أسبابه ما يأتي "وحيث إنه وإن كانت عقود الإيجار قد تضمنت بنوداً تفيد في جملتها" أن المتعاقدين قد رسما فيما بينهما الأحكام التي ارتضيا أن تحكم العلاقة بينهما وبالأخص بالنسبة لما ينشأ على العين المستأجرة من مبان وتخاشيب فإن الذي تتبينه المحكمة من الأوضاع التي استقرت وما سارت عليه العلاقة بين المتعاقدين لمدة سنوات عديدة - ومن الظروف البارزة الملموسة التي أهمها تنقل ملكية المباني من سلف إلى خلف دون اعتراض أو تعرض - تتبين المحكمة من كل ذلك ما يتعين معه الالتفات عن تلك الأحكام والفصل بين حقوق الطرفين بما يحقق القصد المنشود، والذي يفصح من هذا القصد: أولاً - صغر المساحة المؤجرة (82 متراً) الأمر الذي يعلن أن الانتفاع الذي قصد به التأجير هو لإقامة بناء. ثانياً - أن بنود عقد الإيجار قد ألمحت إلى ما يفيد قبول المؤجر إقامة المباني بل وقد أشير في عقود الإيجار إلى أن هنالك خياراً للمؤجر في أخذ هذه المباني والتخاشيب بقيمتها مستحقة الهدم. ثالثاً - أن الموقف الذي اتخذه المؤجر بالسماح للمستأجر الأول (سلف المدعي) وأمثاله من المستأجرين بتشييد أبنية ضخمة بلغت قيمتها آلاف الجنيهات وقيمة عوائدها عشرات الجنيهات ثم استمرار هذه المباني بعلم المؤجر وقبوله السنوات العديدة دون اعتراض يتصرف فيها السلف إلى الخلف بالبيع وبمظهر المالك للبناء، كل هذه الأوضاع إنما تفصح عن حالة الاستقرار التي لا تتفق مع ما في عقد الإيجار من عبارة مبان وتخاشيب - والذي يتعين على المحكمة أن تقوم بتفهم وتفسير شروط العقد وتأويله على هدى ما قصد إليه المتعاقدان ابتداء وما آلت إليه انتهاء. وحيث إنه لهذا كله ترى المحكمة الالتفات عن الأحكام الواردة في عقد الإيجار المؤرخ 1/ 4/ 1945 والتي لا تتفق مع ما قصد إليه المتعاقدان ابتداء أو انتهاء وأن تطبق المحكمة على الوضع القائم في الدعوى أحكام القانون" وبعد أن انتهت المحكمة من بحثها إلى اعتبار المستأجر الذي يبني بتصريح من المؤجر بانياً بحسن نية أوردت ما يأتي: "ومن حيث إنه تأسيساً على كل ما تقدم يبين أن البناء الذي أقيم على الأرض محل النزاع قد أقيم بحسن نية والذي يؤيد سلامة هذا الوضع ويقطع بصحة وجهة النظر هذه هو أنه يبين من عقد شراء الشركة المدعى عليها (الطاعنة) أن البائع قد حرص على النص في البند الرابع على أنه على الأرض مبان ملك المستأجرين بصفة خاصة وأنه لا يتحمل مسئولية القضايا التي قد يرفعها هؤلاء المستأجرون على ذلك" وأضاف الحكم المطعون فيه "وأنه وإن كانت العلاقة بين الشركة والبائعين لها من وجهة وبين المستأنف ضده ومن سبقوه من المستأجرين من جهة وبين أخرى بدأت بعقد إيجار حدد هذه العلاقة إلا أنه مع مر الزمن تعدلت هذه العلاقة بسكوت البائعين للشركة والشركة من بعدهم عن الاعتراض على الطريقة التي كان المستأجرون ينتفعون بها بالأرض المؤجرة لهم، فقد انتقلت طريقة الانتفاع من استعمال فيما يجوز شرعاً وقانوناً الانتفاع به باعتبارها أرضاً فضاءاً إلى تشييد بناء ذي ثلاث طوابق بلغت قيمته في الأقل بنيف وألف من الجنيهات وفي السكوت على هذا التعديل في طريقة الانتفاع إجازة ضمنية من المالك بإقامة هذا البناء، ومثل هذه الإجازة تجعل الباني حسن النية ومستحقاً تعويضاً من البناء عند طلب الإخلاء". ومفاد ذلك أن الحكم المطعون فيه استخلص فيما أورده من قرائن أن نية المتعاقدين اتجهت إلى عدم إعمال ما تضمنه عقد الإيجار من حق المؤجر في طلب إزالة ما قد يقيمه المستأجر على العين من مبان وأن الدائرة البائعة أجازت ضمناً إقامة البناء محل النزاع. ولما كان هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من وقائع تؤدي إليه فإنه لا معقب على المحكمة في ذلك لتعلقه بأمر موضوعي - وهذا الذي قرره الحكم في حق دائرة طوسون (سلف الشركة الطاعنة) ينصرف أيضاً إلى الشركة الطاعنة باعتبارها خلفاً خاصاً انتقلت إليها ملكية للعين المؤجرة بالبيع من علمها بالإيجار المعقود بين الدائرة والمطعون ضده إذ أن خلافة المشتري للبائع في الحقوق والواجبات المتولدة من عقد الإيجار تحدث بحكم القانون نفسه وبتمام البيع. ولا يغير من ذلك ما جاء بعقد إيجار المطعون ضده من أن الأرض المؤجرة هي أرض فضاء دون الإشارة فيه إلى ما عليها من بناء ذلك وأنه قد انتهى الحكم المطعون فيه إلى وجود بناء على الأرض المؤجرة وقت أن اشترت الطاعنة وإلى أن الدائرة البائعة لها أسقطت حقها في طلب الإزالة فإنه لا يجوز للشركة الطاعنة باعتبارها خلفاً أن تعود إلى التمسك بما أسقط السلف حقه فيه إذ أن الخلف لا يكون له من الحقوق أكثر من السلف. ومتى كان الحكم قد انتهى إلى أن الشركة الطاعنة لم يؤل لها الحق في طلب الإزالة ضمن ما آل إليها من حقوق عن السلف فإنه لا جدوى من تعييب الحكم بمخالفته الثابت بالأوراق فيما ذهب إليه من تراخيها في رفع الدعوى بالإخلاء بعد شرائها العقار المؤجر.
وحيث إن الطاعنة بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ذلك أن الحكم اعتبر المطعون ضده حسن النية وطبق عليه الفقرة الأخيرة من المادة 65 من القانون المدني القديم التي يشترط لتطبيقها أن يزعم الباني أن الأرض التي يبني عليها ملكه في حين أن المطعون ضده باعتباره مستأجراً بعقد إيجار تضمن شروطاً صريحة يعلم أن يده عارضة كما لم يزعم أنه مالك للأرض المقام عليها البناء.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه وإن كان المستأجر الذي يقيم بناء على الأرض المؤجرة لا يعتبر حسن النية في حكم الفقرة الثانية من المادة 65 من القانون المدني القديم الذي يحكم العلاقة بين الطرفين لأنه يعلم أن هذه الأرض التي يبني عليها مملوكة للمؤجر إلا أن الرأي الذي كان سائداً في ظل القانون المدني القديم والذي تقره هذه المحكمة هو أن المستأجر الذي يبني في الأرض المؤجرة بتصريح من المؤجر ينزل منزلة الباني في أرض الغير بحسن نية ويأخذ حكمه فتطبق عليه الفقرة الأخيرة من المادة 65 المشار إليها وهذا النظر هو ما قننه القانون القائم في المادة 592 بشأن البناء الذي يقيمه المستأجر في العين المؤجرة بعلم المؤجر ودون معارضته.
وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى أن البناء قد أقيم على الأرض بتصريح من المؤجر الذي أسقط حقه في طلب الإزالة وطبق عليه حكم الباني بحسن نية فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وفي بيان ذلك تقول إن الحكم ربط بين عقد إيجار المطعون ضده وبين ما سبقه من عقود وأسس قضاءه على حالة الاستقرار التي لازمت هذه العقود ولم يلتفت إلى تغير الظروف التي لابست عقد المطعون ضده إذ هو لم يقم أي بناء على الأرض كما أنه استأجرها على أنها أرض فضاء دون أن يشار في عقده إلى ما عليها من بناء والتزم بإزالة ما قد يكون عليها من بناء وعلى هذا الأساس قضى الحكم بإلزام الشركة الطاعنة بدفع قيمة المواد وأجرة العمالة وحرمها من حق الخيار المقرر للمالك بين دفع قيمة تكاليف المباني وبين دفع ما زاد في قيمة الأرض بسبب البناء - ثم أن الحكم قضى على الطاعنة بتعويض قدره 350 ج مع أنها لم تتعسف في استعمال حقها المنصوص عليه في عقد الإيجار.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بما جاء في الرد على السببين الأول والرابع ومردود في شقه الثاني بأنه لما كانت الشركة الطاعنة لا تنازع في أن ما ألزمها به الحكم هو قيمة المواد وأجرة العمالة وكانت هذه القيمة على ما جاء بتقرير الخبير الذي اعتمده الحكم المطعون فيه تقل عما زاد في قيمة الأرض بسبب البناء فإن الحكم إذ ألزمها بأقل القيمتين قد التزم حكم القانون. أما ما تنعاه الطاعنة بالشق الثالث فإن هذا النعي في محله ذلك أن مقتضى الحكم الصادر في الاستئناف رقم 582 سنة 75 ق استئناف القاهرة بإخلاء المطعون ضده من البناء وتسليمه إلى الشركة الطاعنة ألا يكون للمطعون ضده حق في الانتفاع بالبناء من تاريخ صدور هذا الحكم وإذ قضى الحكم للمطعون ضده بتعويض مقابل حرمانه من هذا الانتفاع بعد هذا التاريخ فإنه يكون مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص وحده مع رفض باقي أسباب الطعن.
وحيث إن الموضوع في الجزء المنقوض صالح للحكم فيه ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف في خصوص ما قضى به من تعويض ومقداره 350 ج ورفض هذا الطلب.