أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 271

جلسة 10 من فبراير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، وأحمد حسن هيكل، وعباس حلمي عبد الجواد، ومحمد أسعد محمود.

(44)
الطعن رقم 587 لسنة 35 القضائية

( أ ) حكم. "تسبيب كاف". استئناف. "الحكم في الاستئناف".
تعديل المحكمة الاستئنافية للحكم الابتدائي دون إلغائه. كفاية ذكر الأسباب التي اقتضت التعديل. عدم لزوم الإحالة الصريحة فيما أيدت فيه الحكم الابتدائي.
(ب) تقادم. "تقادم مسقط". حكم. "الطعن في الحكم". استئناف. "الأحكام غير الجائز استئنافها". "نطاق الاستئناف".
القضاء برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم. عدم جواز الطعن عليه إلا مع الحكم الصادر في الموضوع. عندئذ يعتبر مطروحاً على المحكمة الاستئنافية.
(ج) إثبات. "إجراءات الإثبات". "المانع الأدبي". محكمة الموضوع.
قيام المانع الأدبي. لا يوجب على المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق.
(د) سند إذني. "بيانات السند". أوراق تجارية. تقادم. "التقادم الصرفي".
خلو السند الإذني من بيان ميعاد الاستحقاق. فقده صفته كورقة تجارية وصيرورته سنداً عادياً لا تسري عليه أحكام قانون الصرف. إصلاح العيب في بيان منفصل. غير جائز. لا يدخل هذا السند المعيب في مدلول عبارة "الأوراق المحررة لأعمال تجارية" الواردة بالمادة 194 من قانون التجارة.
1 - لئن كانت المحكمة الاستئنافية ملزمة قانوناً بذكر الأسباب التي اعتمدت عليها في قضائها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلا من إحالة صريحة على حكم محكمة أول درجة فيما يتعلق بقضائه الذي أيده برفض الدفع بالتقادم، إلا أنه وقد اقتصر الحكم المطعون فيه على تعديل الحكم الابتدائي دون إلغائه كلية، فإنه لا يكون ملزماً إلا بذكر الأسباب التي اقتضت هذا التعديل، ويعتبر أن كل ما لم يتناوله التعديل مؤيداً، وتبقى أسباب الحكم الابتدائي قائمة بالنسبة له [(1)].
2 - القضاء برفض الدفع بسقوط الحق بالتقادم، لا تنتهي به الخصومة كلها أو في شق منها، ولا يجوز الطعن عليه وفق المادة 378 من قانون المرافعات السابق إلا مع الحكم الصادر في الموضوع، مما مؤداه أنه يعتبر مطروحاً على المحكمة الاستئنافية.
3 - قيام المانع الأدبي لا يوجب على المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق، وحسبها ما تقرره في هذا الخصوص - بأسباب سائغة - لتبرير رفض الإحالة إلى التحقيق.
4 - مؤدى نص المادة 190 من قانون التجارة أنه يجب أن يحتوي السند الإذني على البيانات الإلزامية التي يتطلبها القانون ومن بينها أن يتضمن ميعاداً للاستحقاق معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن السند الذي يخلو من ميعاد الاستحقاق يفقد صفته كورقة تجارية ويصبح سنداً عادياً، لا تسري عليه أحكام قانون الصرف - ومنها التقادم الخمسي - إنما تسري قواعد القانون العامة. وإذ كان البين من الحكم أن السند موضوع النزاع لم يثبت فيه ميعاد الاستحقاق، فإنه يصبح سنداً معيباً ولا يصحح ما اعتراه من عيب أن يذكر الدائن - في طلب استصدار أمر الأداء - أنه مستحق السداد وقت الطلب، لأنه قد نشأ باطلاً كسند صرفي ولا يتأتى إصلاح العيب في بيان منفصل عنه، ولا يمكن أن يعد هذا السند بحالته تلك، من قبيل ما أشارت إليه المادة 194 من قانون التجارة بعبارة "وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية" لأن هذه العبارة لا تعني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الأوراق التي أفقدها العيب اللاحق بها إحدى الخصائص الذاتية الجوهرية للأوراق التجارية، ومن بينها تحديد ميعاد الاستحقاق في أجل معين [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن المطعون عليه تقدم في يوم 8 من يوليو سنة 1964 بطلب إلى رئيس محكمة بنها الابتدائية، لاستصدار أمر أداء ضد الطاعن بمبلغ 962 ج و500 م. واستند إلى أن مورث الطرفين - والدهما - كان يداين الطاعن بقيمة سندين أحدهما بمبلغ 2300 ج محرر في 16 من فبراير 1954 والثاني بمبلغ 3200 ج محرر في 19 من مايو 1958 وإلى أن نصيبه الميراثي فيهما هو المبلغ المطالب به. رفض رئيس المحكمة الطلب، وقيدت الدعوى برقم 219 سنة 1964 كلي بنها. دفع الطاعن بسقوط الحق في المطالبة بقيمة السندين للتقادم لمضي أكثر من خمس سنوات على استحقاقهما وفقاً للمادة 194 من قانون التجارة، كما دفعها بوفاء قيمتهما، وطلب إثبات ذلك بالبينة عملاً بالمادة 403/ 2 من القانون المدني لوجود المانع الأدبي. حكمت محكمة أول درجة في 9 من يناير 1965 برفض الدفع بالسقوط، بالنسبة للسند المحرر بتاريخ 19 من مايو 1958، وقبل الفصل في هذا الدفع، بالنسبة للسند المحرر بتاريخ 16 من فبراير 1954 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أن ذلك السند حرر بين تاجرين وبمناسبة عملية تجارية. وبعد سماع أقوال شاهدي الطاعن حكمت المحكمة في 27 من مارس سنة 1965 برفض الدفع بالسقوط بالنسبة للسند المحرر بتاريخ 16 من فبراير سنة 1954 أيضاً وبإلزام الطاعن بالمبلغ المطالب به بأكمله. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 238 لسنة 15 ق طنطا، ومحكمة الاستئناف قضت في 28 من أكتوبر 1965 بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 560 ج، وهو قيمة نصيبه في السند المؤرخ 19 من مايو سنة 1958 دون السند الآخر المؤرخ 16 من فبراير سنة 1954. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل السبب الأول والوجه الأول من السبب الثاني الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه اقتصر على بحث الدفع بالسقوط بالنسبة للسند الإذني المؤرخ 16 من فبراير 1954، في حين أن الثابت من صحيفة الاستئناف أن الطاعن تمسك بالدفع بالسقوط، وطالب بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات الوفاء بالنسبة للسندين الإذنيين موضوع التداعي، عملاً بالمادة 403/ 2 من القانون المدني لوجود المانع الأدبي، وإذ التفت الحكم عن الرد على هذين الدفعين بالنسبة للسند الإذني المؤرخ 19 من مايو سنة 1958 ودون أن يحيل إلى الأسباب التي استندت إليها محكمة أول درجة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه وإن كانت المحكمة الاستئنافية ملزمة قانوناً بذكر الأسباب التي اعتمدت عليها في قضائها، ولئن كان الحكم المطعون فيه قد خلا من إحالة صريحة على حكم محكمة أول درجة فيما ورد به من رفض الدفع بالسقوط المتعلق بالسند المؤرخ 19 من مايو 1958، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد اقتصر على تعديل الحكم الابتدائي دون إلغائه كلية، فإنه لا يكون ملزماً إلا بذكر الأسباب التي اقتضت هذا التعديل، ويعتبر أن كل ما لم يتناوله التعديل مؤيداً، وتبقى أسباب الحكم الابتدائي قائمة بالنسبة له - ولما كان حكم محكمة أول درجة الصادر بتاريخ 9 من يناير سنة 1965 عرض للدفع بسقوط الحق بالتقادم بالنسبة للسند المؤرخ 19 من مايو 1958، ولطلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات التخالص من قيمته بقوله... "إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، فإنه متى كان الثابت من إقرار المدعي أن السندين موضوع الدعوى كانا مودعين بخزينة المورث وقت الوفاة واستولت عليها مصلحة الضرائب مع باقي أوراق المورث بمناسبة جرد التركة، ثم استلمها المدعي أثناء فترة حراسته على تركة المورث من مصلحة الضرائب، فهذا الإقرار يفيد أن الدين الثابت بالسندين لم ينقض وإلا سلما للمدين.... وللرد على الدفع بالسقوط للتقادم الخمسي، فمتى كان الثابت من مطالعة السند الإذني المحرر بتاريخ 19/ 5/ 1958 أنه لم يذكر فيه تاريخ الاستحقاق وهو من البيانات الإلزامية التي يترتب على عدم ذكرها كما قدمنا أن يعتبر السند معيباً وبالتالي يعتبر سنداً عادياً وبذلك لا يخضع التقادم به وفقاً لنص المادة 194 تجاري، وإنما يتقادم الحق الثابت به بالتقادم الطويل وفقاً للقواعد العامة..." وكان هذا القضاء لم تنته به الخصومة كلها أو في شق منها، وما كان يجوز الطعن عليه وفق المادة 378 من قانون المرافعات السابق، إلا مع الحكم الصادر في الموضوع بتاريخ 27 من مارس 1965، مما مؤداه أنه يعتبر مطروحاً على المحكمة الاستئنافية. لما كان ذلك، وكان قيام المانع الأدبي لا يوجب على المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق، وحسبها ما قررته في هذا الخصوص لتبرير رفض الإحالة إلى التحقيق، من أن وجود سند الدين لدى المورث يشير إلى عدم الجد في هذا الادعاء، لما كان ما تقدم، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا السبب بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه على فرض أن الحكم المطعون فيه قد أحال ضمناً إلى الحكم الابتدائي الصادر في 9 من يناير 1965 برفض الدفع بالسقوط بالنسبة للسند الإذني المؤرخ 19 من مايو سنة 1958، فإن ذلك الحكم قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على أن السند المشار إليه سند معيب لم يذكر فيه تاريخ الاستحقاق، وأنه يعتبر من أجل ذلك سند مديونية عادي يخضع للتقادم الطويل، في حين أن المطعون عليه سلم في طلب استصدار أمر الأداء بأنه مستحق السداد وقت الطلب، وفي حين أن مفاد المادتين 108 و194 من قانون التجارة، أن تخضع السندات الإذنية المعيبة شكلاً لبعض قواعد القانون الصرفي كالتقادم الخمسي، وهو مما يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المادة 190 من قانون التجارة إذ تنص على أن "يبين في السند الذي تحت إذن تاريخ اليوم والشهر والسنة المحرر فيها والمبلغ الواجب دفعه واسم من تحرر تحت إذنه والميعاد الواجب الدفع فيه ويذكر فيه أن القيمة وصلت وتوضع عليه إمضاء أو ختم من حرره" قد دلت على أنه، يجب أن يحتوي السند على البيانات الإلزامية التي يتطلبها القانون، ومن بينها أن يتضمن ميعاداً للاستحقاق معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن السند الذي يخلو من ميعاد الاستحقاق يفقد صفته كورقة تجارية ويصبح سنداً عادياً لا تسري عليه أحكام قانون الصرف، وإنما قواعد القانون العام. ولما كان البين من الحكم أن السند موضوع النزاع والمؤرخ 19 من مايو سنة 1958 لم يثبت فيه ميعاد الاستحقاق، وهو من البيانات الأساسية التي يستطيع الحامل بموجبها تعيين وقت حلول حقه، فهو بهذه المثابة يصبح سنداً معيب، ولا يصحح ما اعتراه من عيب أن يذكر الدائن أنه مستحق السداد وقت الطلب لأنه قد نشأ باطلاً كسند صرفي، ولا يتأتى إصلاح العيب في بيان منفصل عنه. لما كان ذلك، وكان لا يمكن أن يعد هذا السند بحالته تلك من قبيل ما أشارت إليه المادة 194 من قانون التجارة بعبارة "وغيرها من الأوراق المحررة لأعمال تجارية" لأن هذه العبارة لا تعني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - الأوراق التي أفقدها العيب اللاحق بها، إحدى الخصائص الذاتية الجوهرية للأوراق التجارية، ومن بينها تحديد ميعاد الاستحقاق في أجل معين. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ورتب على ذلك قضاءه برفض الدفع بسقوط الحق في المطالبة بقيمة هذا السند بالتقادم الخمسي، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 25 أكتوبر 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 1564.
[(2)] نقض 23 يناير 1947 مجموعة الأحكام في 25 سنة بند 11 ص 327.