أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 368

جلسة 26 من فبراير سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.

(60)
الطعن رقم 576 لسنة 35 القضائية

( أ ) بيع. "دعوى صحة التعاقد". دعوى. "نطاق الدعوى". تسجيل. صورية.
دعوى صحة ونفاذ العقد. دعوى موضوعية. تستلزم أن يكون من شأن البيع نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد. مقتضى ذلك أن يفصل القاضي في أمر صحة العقد. اتساع نطاق الدعوى لبحث كل ما يتعلق بوجود العقد أو انعدامه أو بصحته أو بطلانه وكذلك صوريته صورية مطلقة أو التنازل عنه. اختلافها في ذلك عن دعوى صحة التوقيع.
(ب) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الأدلة".
محكمة الموضوع هي وحدها صاحبة الحق في تقدير الأدلة وترجيح ما تطمئن إليه منها.
1 - دعوى صحة ونفاذ العقد هي دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه وتستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة العقد وبالتالي فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب تتعلق بوجود العقد وانعدامه وبصحته أو بطلانه ومنها أنه غير جدي أو حصل التنازل عنه، إذ من شأن هذه الأسباب لو صحت أن يعتبر العقد غير موجود قانوناً فيحول ذلك دون الحكم بصحته ونفاذه ومن ثم فلا صحة للقول بأن ولاية القاضي في هذه الدعوى قاصرة على فحص ما إذا كان التصرف في المال موضوع النزاع قد صدر أم لم يصدر، إذ هي تختلف عن دعوى صحة التوقيع التي لا تعدو أن تكون دعوى تحفظية الغرض منها تطمين من بيده سند عرفي إلى أن صاحب التوقيع عليه لا يستطيع بعد الحكم فيها بصحة توقيعه أن ينازع في التوقيع ويمتنع فيها على القاضي أن يتعوض للتصرف المدون في السند من جهة صحته وعدم صحته ووجوده أو انعدامه وزواله بل يقتصر بحثه على صحة التوقيع فقط [(1)].
2 - محكمة الموضوع هي وحدها صاحبة الحق في تقدير ما يقدم إليها في الدعوى من الأدلة وترجيح ما تطمئن إلى ترجيحه منها واستخلاص ما ترى أنه واقعة الدعوى دون رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن بهية أحمد رمزي عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها سامية وسميحة وسراج الدين وسعود وفيصل قصر المرحوم فهمي عقل، ومفيد فهمي عقل أقاما الدعوى رقم 2160 سنة 1964 كلي القاهرة ضد حكمت عنايت عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر سامي وسعاد وبكر وعنايت أولاد المرحوم فهمي عقل طالبين الحكم بصحة ونفاذ العقد الابتدائي المؤرخ 1/ 6/ 1963 الصادر لهما من المورث ببيع العقار الموضح بالعريضة بثمن مدفوع قدره 2000 ج مع إلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وقالا في بيان دعواهما أنهما اشتريا من المرحوم فهمي عقل كامل أرض وبناء المنزل رقم 33 شارع جعفر بحلوان نظير ثمن قدره 2000 ج دفع نقداً للبائع الذي أقر في العقد بقبضه وقدم بنفسه طلباً للشهر العقاري لتسجيله، إلا أنه توفى قبل التسجيل. وإذ رفضت المدعى عليها التصديق على العقد فقد أقاما الدعوى للحكم لهما بطلباتهما، وردت المدعى عليها بأن المدعية الأولى أقرت في 18/ 12/ 1963 وهو اليوم التالي لوفاة المورث فهمي عقل بأن المنزل من بين تركته، وأيدت هذا الإقرار في 7/ 3/ 1964 أمام معاون المحكمة الحسبية، وفي 28/ 9/ 1964 حكمت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 1/ 6/ 1963 الصادر من المرحوم فهمي عقل الشهير بمحمد عقل للمدعوة بهية عن نفسها وبصفتها وصية على القصر وللمدعي الثاني سعيد محمد فهمي عقل ببيع العقار رقم 33 شارع جعفر بحلوان لقاء ثمن قدره 2000 ج وألزمت المدعى عليها الأولى بالمصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، واستأنفت السيدة/ حكمت عنايت هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبة إلغاءه ورفض الدعوى وقيد استئنافها برقم 1677 سنة 81 ق، وفي 29/ 6/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليهما مع إلزامهما بالمصروفات عن الدرجتين ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عنهما. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعنان على طلب نقض الحكم، وطلبت المطعون عليها رفض الطعن وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعنان في أولها على الحكم المطعون فيه البطلان لتأسيسه على أسانيد غير صحيحة وغير قائمة ومقدمة بطريق الغش والتدليس، وفي بيان ذلك يقولان إن ولاية القضاء في دعوى صحة ونفاذ العقد قاصرة على فحص التعاقد وهل صدر من المتصرف في المال موضوع التصرف أم لم يصدر فإذا ثبت لها صدوره منه فإن القضاء بصحة العقد يكون واجباً وحتمياً وليس للمطعون عليها إلا أن تطعن على العقد بالتجهيل، ولقد تناقض الحكم في أسبابه بشأن صحة العقد إذ قرر في موضع بأنه عقد صادر من المورث وموقع عليه منه وهو ما يفيد اعتباره صحيحاً، ثم عاد في موضع آخر واعتبره عقداً غير جدي استناداً إلى ما استخلصه من بعض صفحات ملف النيابة الحسبية من أن الطاعنين تنازلا عنه دون أن يتبين وجه الحق فيما استخلصه، إذ لو اطلعت المحكمة على ملف النيابة الحسبية كله لتبينت أن في هذا الملف ما يفيد عدم التنازل، إذ الثابت أن كاتب محضر الجرد أشار في محضره إلى المنزل موضوع النزاع دون أن يعلم بأن هذا المنزل قد تم التصرف فيه فبادر الطاعنان إلى التمسك بالعقد الصادر لهما وبخروج المنزل من التركة وعندئذ كلفتهما الجهات الحسبية بتسجيله، ومن ثم فإن الحكم يكون مشوباً بالبطلان لقيامه على أسباب غير حقيقية أدى إليها إنكار المطعون عليها للعقد رغم علمها به وتقديمها صورة بعض المحاضر دون الباقي وما انطوى عليه ذلك من غش وتدليس.
وحيث إن النعي مردود في الشق الأول منه، بأن دعوى صحة ونفاذ العقد هي - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - دعوى موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه وتستلزم أن يكون من شأن البيع موضوع التعاقد نقل الملكية حتى إذا ما سجل الحكم قام تسجيله مقام تسجيل العقد في نقلها، وهذا يقتضي أن يفصل القاضي في أمر صحة العقد، وبالتالي فإن تلك الدعوى تتسع لبحث كل ما يثار من أسباب تتعلق بوجود العقد وانعدامه وبصحته أو بطلانه ومنها أنه غير جدي أو حصل التنازل عنه، إذ من شأن هذه الأسباب لو صحت أن يعتبر العقد غير موجود قانوناً فيحول ذلك دون الحكم بصحته ونفاذه، ومن ثم فلا صحة للقول بأن ولاية القاضي في هذه الدعوى قاصرة على فحص ما إذا كان التصرف في المال موضوع النزاع قد صدر أم لم يصدر إذ هي تختلف عن دعوى صحة التوقيع التي لا تعدو أن تكون دعوى تحفظية الغرض منها تطمين من بيده سند عرفي إلى أن صاحب التوقيع عليه لا يستطيع بعد الحكم فيها بصحة توقيعه أن ينازع في التوقيع، ويمتنع فيها على القاضي أن يتعرض للتصرف المدون في السند من جهة صحته وعدم صحته ووجوده أو انعدامه وزواله، بل يقتصر بحثه على صحة التوقيع فقط. إذ كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعنين قد رفعا دعواهما للحكم بصحة ونفاذ العقد الصادر لهما من المورث وكان للقاضي على هذا الاعتبار أن يفصل رغم ثبوت توقيع المورث على العقد في أمر جديته أو صوريته ووجوده أو التنازل عنه، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس. ومردود في الشق الثاني بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في النزاع على ما قرره من أن "الواضح من مطالعة عقد البيع موضوع الدعوى أنه حرر في 1/ 6/ 1963 وتوقع عليه من المورث ومن المستأنف عليهما، وأنه بتاريخ 18/ 12/ 1963 وهو اليوم التالي للوفاة اجتمع إخوة المورث مع ورثته جميعاً وحرروا محضر جرد بالتركة وقسمة وأجروا اتفاقاً بين الورثة مفاده أن المنزل الذي كان يقطنه المورث بناحية حلوان شارع جعفر 33 مملوك للمورث ويعتبر من تركته ويخص الطرف الأول وهو المستأنف عليها الأولى 14 ط و1 س والطرف الثاني وهو المستأنفة 7 ط و18 س والطرف الثالث وهو المستأنف عليه الثاني 2 ط و5 س وأن ريعه الشهري 18 ج يخص الطرف الثاني فيه ستة جنيهات شهرياً، وتراضى الجميع على هذا التقسيم وأثبت بالمحضر إقرار من الورثة بأن المورث ليست له حقوق ولا عليه ديون لهم أو للغير، وأنه إذا ظهر أي شيء لمصلحة أي منهم يعتبر لاغياً ولا يعمل به وتوقع على المحضر من المستأنفة والمستأنف عليهما، كما أنه يبين من صورة محضر الجرد والمحرر بمعرفة سعاد حسين المعاونة المنتدبة من نيابة الأحوال الشخصية والمحرر بتاريخ 7/ 3/ 1964 في حضور الورثة أن المنزل موضوع الدعوى يدخل ضمن التركة وتوقع عليه من الطرفين (المستأنفة والمدعى عليها الأولى) وأن اعتراف المستأنف عليهما بأن المنزل موضوع النزاع يدخل ضمن التركة وقبولهما قسمتها على هذا الأساس ودرج المنزل في قائمة الجرد باعتباره عنصراً من عناصر التركة مما يدل على أن عقد البيع موضوع الدعوى لم يقصد منه أن يكون بيعاً جدياً ولم يستكمل مقوماته القانونية، وإلا لما تنازل المستأنف عليهما عنه بمحضر القسمة الموقع عليه منهما في اليوم التالي للوفاة، ولما قبلا أن يدخل ضمن محضر جرد التركة بعد حصول الوفاة بثلاثة شهور كاملة" ويبين من هذا الذي قرره الحكم أنه استخلص صورية عقد البيع وعدم جديته من محضر 18/ 3/ 1963 الموقع عليه من الطاعنين والذي أقرا فيه بأن المنزل محل النزاع مملوك للمورث ويدخل ضمن التركة وقبولهما قسمته بين جميع الورثة، إذ كانت هذه الدعامة تكفي وحدها لحمل قضائه ولم تكن محل نعي من الطاعنين، فإن النعي عليه فيما استخلصه من محاضر جرد النيابة الحسبية وأوراقها يكون غير منتج ولا جدوى فيه إذ هو من قبيل التزيد الذي يستقيم الحكم بدونه.
وحيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقولان إن المحكمة الاستئنافية أهدرت العقد لأسباب غير قانونية وغير صحيحة وكان يتعين عليها صوناً لحقهما في الدفاع أن تصدر قراراً أو حكماً بالاستجواب أو بالاطلاع على أصل ملف النيابة الحسبية أو تصدر حكماً بندب خبير للانتقال وفحص الملكية والأوراق أو وضع اليد أو حكماً بالإحالة إلى التحقيق خاصة وقد أثارت المطعون عليها الصورية ومرض الموت والوصية لوارث ووضع اليد، إلا أنها أعرضت عن كل ذلك ولم تقبل حتى تحقيق التجهيل أو الدفع باعتبار العقد وصية فأخلت بدفاعهما إذ قررا بملف المحكمة الحسبية بأن العقد موجود ووعدا بتسجيله.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت محكمة الموضوع هي وحدها صاحبة الحق في تقدير ما يقدم إليها في الدعوى من الأدلة وترجيح ما تطمئن إلى ترجيحه منها واستخلاص ما ترى أنه واقعة الدعوى دون رقابة عليها لمحكمة النقض في ذلك، وكانت محكمة الاستئناف قد حصلت من محضر الجرد والقسمة المحرر بعد وفاة البائع في 28/ 12/ 1963 أن عقد البيع غير جدي وأن المنزل موضوع ذلك العقد يعتبر تركة عن المورث على ما جاء في الرد على الشق الثاني من السبب الأول، وكان ذلك يحمل الرد الضمني على ما تمسك به الطاعنان من أن العقد جدي، ومن ثم فلا على المحكمة إن لم تر موجباً لإجراء أي تحقيق أو انتقال لفحص أوراق أخرى غير تلك المقدمة إليها ما دامت قد رأت في وقائع الدعوى ومستنداتها ما يكفي للفصل فيها، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان في السبب الثالث على الحكم المطعون فيه تناقض أسبابه وتسبيبه تسبيباً غير صحيح، وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم أهدر عقد البيع رغم تكامل أركانه القانونية دون أن يبين الأسباب التي استند إليها في ذلك أو يرد على ما ورد بمذكرتهما خاصاً بصحة ونفاذ العقد، أو على ما جاء بحكم محكمة أول درجة في الوقت الذي قالت المطعون عليها فيه أن التصرف إن كان بيعاً فهو ينطوي على وصية لوارث مما مؤداه أن العقد يعتبر قائماً ولكن على أساس أنه وصية لا بيعاً مما كان يتعين معه على المحكمة مراعاته.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بما سبق الرد به على الشق الثاني من السبب الأول. والنعي غير سديد في شقه الثاني، ذلك أن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى اعتبار العقد غير قائم فإنه يستوي أن يكون بيعاً منجزاً أو مخفياً لوصية، وبالتالي فلم تكن به حاجة إلى الرد على هذا الدفاع الاحتياطي، ومن ثم فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 13 مايو سنة 1965 - مجموعة المكتب الفني س 16 ص 577.
ونقض أول مارس سنة 1966 - مجموعة المكتب الفني س 17 ص 486.