أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 21 - صـ 459

جلسة 17 من مارس سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، وعباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، ومحمد أسعد محمود.

(73)
الطعن رقم 31 لسنة 36 القضائية

( أ ) حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
المنع من إعادة نظر النزاع. شرطه: أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً في الدعويين واحدة وأساسية لا تتغير.
(ب) استئناف. "نطاق الاستئناف".
استئناف الحكم - الذي قضى للمدعية بكل طلباتها - يفرض على محكمة الاستئناف الفصل في كافة الأوجه التي سبق للمدعية أن تمسكت بها أمام محكمة الدرجة الأولى.
(ج) التزام. "حق الحبس". "المقاصة".
المقاصة سبب لانقضاء الدين. بخلاف حق الحبس الذي يظل فيه الدينان (حق الدائن ودين المدين) قائمين ويعد وسيلة ضمان وليس وسيلة استيفاء.
1 - المنع من إعادة نظر النزاع المقضى فيه يستلزم أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ويشترط لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً مسألة أساسة لا تتغير، وأن تكون هي بذاتها الأساس فيما يدعى به في الدعوى الثانية.
2 - إذا كان قد قضى للمطعون عليها - المدعية - بطلباتها ابتدائياً، فإن استئناف ذلك الحكم يفرض على محكمة الاستئناف طبقاً للمادة 410 من قانون المرافعات السابق أن تفصل في كافة الأوجه التي تكون المطعون عليها قد تمسكت بها أمام محكمة الدرجة الأولى، ما دامت قد انتهت تلك المحكمة إلى الحكم لصالحها. فإذا كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليها تمسكت بأحقيتها في ريع الأطيان رداً على ما أثير من حق الطاعنين في حبس الأطيان ضماناً لما أنفقوه عليها، فإن ما عمدت إليه محكمة الاستئناف من تحقيق لهذا الدفاع لا يعد خروجاً عن نطاق الاستئناف، ولا يعتبر طلباً جديداً يمتنع عليها التصدي له.
3 - حق الحبس وفق المادة 246 من القانون المدني يثبت للدائن الذي يكون ملتزماً بتسليم شيء لمدينه فيمتنع عن تسليمه حتى يستوفي حقه قبل هذا المدين، طالما أن التزامه بتسليم الشيء مرتبط بسبب الحق الذي يطلب الوفاء به ومترتب عليه، وما دام أن حق الدائن حال ولو لم يكن بعد مقدراً. وحق الحبس بهذه المثابة يختلف عن المقاصة التي تكون سبباً لانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما، ذلك أن حق الحبس يظل معه الدينان قائمين ويعد وسيلة ضمان دون أن يكون وسيلة استيفاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليها بصفتها مديرة مؤقتة على أموال ابنها القاصر محمد توفيق زعزوع، أقامت الدعوى رقم 417 لسنة 1957 مدني أمام محكمة بني سويف الابتدائية ضد الطاعنين وأخرى، طالبة الحكم بتسليمها العقارات الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وكف منازعتهم لها. وقالت شرحاً لدعواها إنه بموجب عقد ابتدائي مؤرخ 3 من يونيو 1937 باعت إلى الطاعن الأول بصفتها وصية على ابنها القاصر أطياناً مساحتها 2 ف و7 ط و14 س كائنة بزمام أبو صير مركز الواسطي بمحافظة بني سويف مقابل مبلغ 30 ج و65 م، كما باعت بصفتها المذكورة إلى باقي الطاعنين وأخرى أطياناً كائنة بذات الزمام مساحتها 5 ف و5 ط و4 س مقابل مبلغ 73 ج و40 م ودفع من الثمن في كل عقد مبلغ عشرة جنيهات، واتفق على أن يسدد الباقي عند تصديق المجلس الحسبي على البيع، واستلم المشترون الأطيان المبيعة فور التعاقد، ولما لم يصادق المجلس الحسبي على البيع فقد استصدرت حكماً في الدعوى رقم 112 لسنة 1948 مدني جزئي الواسطي ببطلان العقدين سالفى البيان، وإذ أضحى استمرار وضع يد الطاعنين على تلك الأطيان بغير سند قانوني فقد أقامت دعواها بطلباتها سالفة البيان. دفع الطاعنون بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، تأسيساً على أن المطعون عليها بصفتها كانت قد طلبت في الدعوى رقم 112 لسنة 1948 مدني الواسطي الحكم بتسليم ذات الأطيان إليها وقضي برفض هذا الطلب وتأيد هذا الحكم بالاستئناف رقم 65 لسنة 53 بني سويف، كما دفعوا بتملكهم الأطيان المبيعة بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، وتمسكوا أيضاً بأن لهم الحق في حبس الأطيان المبيعة نظير ما أنفقوه في إصلاحها من أموال. ومحكمة أول درجة حكمت في 30 إبريل سنة 1960 برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى وبإلزام الطاعنين بتسليم المطعون عليها بصفتها الأطيان المتنازع عليها. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 1141 لسنة 77 ق القاهرة الذي أحيل فيما بعد إلى محكمة استئناف بني سويف حيث قيد بجدولها برقم 143 لسنة 1 ق. ومحكمة الاستئناف حكمت في 4 من ديسمبر 1962 بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لتحقيق ما أنفقه الطاعنون على الأطيان محل النزاع لاستصلاحها، وبعد أن قدم الخبير تقريره، ولتمسك المطعون عليها بأن لها الحق في ريع الأطيان منذ استلام الطاعنين لها، حكمت في 3 من فبراير سنة 1964 بإعادة الأوراق إلى مكتب الخبراء لبيان قيمة ما حصل عليها الطاعنون من غلة الأطيان المبيعة منذ إقامة دعوى البطلان، ثم حكمت في 8 من ديسمبر 1965 برفض الاستئناف موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل السبب الأول منهما مخالفة القانون من وجهين، أولهما أن محكمة الاستئناف قضت برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها استناداً إلى أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 112 لسنة 1948 الواسطي واستئنافه رقم 65 لسنة 53 بني سويف لم ينكرا على المطعون عليها حقها في طلب التسليم، في حين أن الثابت أن هذه الأخيرة قد طلبت في تلك الدعوى فسخ عقدي البيع وتسليم الأطيان، وقضي فيها بالفسخ مع رفض طلب التسليم تأسيساً على أن البائعة لم ترد للمشتريين ما قبضته من الثمن طبقاً لما أوجبته المادة 160 من القانون المدني، وقد استأنف الطاعنون الشق من الحكم الذي قضى بالفسخ وأصبح بذلك الحكم برفض طلب التسليم نهائياً لا يجوز للمطعون عليها إثارته من جديد، هذا إلى أن السبب في رفض طلب التسليم لا يزال قائماً لأن المطعون عليها لم ترد إلى الطاعنين قبل أو وقت رفع الدعوى ما يستحقونه. وحاصل الوجه الثاني أن حكم محكمة أول درجة الذي أحال إلى أسبابه الحكم المطعون فيه، قضى برفض الدفع بالتقادم المكسب للملكية على سند من القول بأن سريان التقادم أوقف بسبب نقص أهلية القاصر عملاً بالمادة 382 من القانون المدني، وانقطع بالمطالبة القضائية في دعوى البطلان وفقاً للمادة 383 من ذات القانون، في حين أن الثابت أن القاصر كانت تمثله والدته المطعون عليها في مرحلتي التقاضي، وأن رفض طلب التسليم يعدم أثر عريضة الدعوى في قطع التقادم، غير أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفعين المشار إليهما مما يعيبه بمخالفة القانون.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أنه لما كان المنع من إعادة نظر النزاع المقضى فيه يستلزم أن تكون المسألة واحدة في الدعويين، ويشترط لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً مسألة أساسية لا تتغير وأن تكون هي بذاتها الأساس فيما يدعى به في الدعوى الثانية. وكان الثابت من تدوينات الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 112 لسنة 1948 مدني جزئي الواسطي وإن قضى برفض طلب تسليم الأطيان المتنازع عليها، إلا أنه استند في ذلك إلى أن المطعون عليها بصفتها لم تقم برد معجل الثمن الذي قبضته طبقاً لما أوجبته المادة 160 من القانون المدني. وكان الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد استخلص من ذلك أن الحكم السابق لم ينكر على المطعون عليها الحق في طلب التسليم باعتبار أن هذه المسألة على النحو الذي أورده الحكم السابق هي مسألة قابلة للتغيير. وإذ صادف هذا القول محله بأن أثبت الحكم المطعون فيه أن المطعون عليها أودعت مبلغ 20 ج قيمة المعجل من الثمن أثناء نظر الدعوى أمام محكمة أول درجة بموجب محضر الإيداع المؤرخ 21 من فبراير 1960، ثم عادت وأودعت مبلغ 44 ج و780 م في 16 من إبريل 1962 حال نظر الدعوى أمام محكمة الاستئناف ويمثل مقدار المتبقي مما قبضته من الثمن، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن ما تطلبه المطعون عليها بالدعوى الحالية يختلف عما قضي به في الدعوى السابقة وقضي برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، فإنه لا يكون قد خالف القانون ويكون النعي عليه بهذا الوجه على غير أساس. والنعي في وجهه الثاني غير مقبول، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف أطرحت أسباب حكم محكمة أول درجة وأقامت قضاءها برفض الدفع بالتقادم المكسب للملكية على أساس أن وضع يد الطاعنين استمد مشروعيته من تسليم الأطيان إليهم بناء على عقدي البيع وأن حيازتهم لم تكن غصباً، وكانت هذه الدعامة تكفي لحمل قضائه ولم تكن موضع نعي من الطاعنين، فإن ما يثيره الطاعنون بصدد ما قرره الحكم الابتدائي في تبرير رفض الدفع تأسيساً على أن التقادم قد أوقف لعدم سريانه قبل القاصر، أو أنه قد انقطع برفع الدعوى رقم 112 لسنة 1948 مدني جزئي الواسطي - أياً كان وجه الرأي في هذا الخصوص - يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا بحقهم في حبس العين المبيعة لأنهم يداينون المطعون عليها في مبالغ نتجت من قيامهم بصيانة وإصلاح الأطيان موضوع الدعوى، وهو ما أثبته تقرير الخبير الذي ندبه الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1962، مما كان يتعين معه القضاء برفض طلب التسليم، غير أن المحكمة وعلى خلاف المادتين 409 و411 من قانون المرافعات عادت وناطت بالخبير مهمة تحقيق ما حصل عليه الطاعنون من غلة الأطيان بحكمها الصادر في 3 من فبراير 1964، رغم أن ذلك موضوع دعوى مستقلة أقامتها المطعون عليها برقم 314 لسنة 1962 مدني كلي بني سويف، وإذ أخذت المحكمة بما انتهى إليه الخبير من أن ريع الأرض يزيد على قيمة الإصلاح، فإنها تكون قد قضت في دعوى غير معروضة عليها وقررت مقاصة غير جائزة عن دينين متنازع فيهما مما يشوب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان الأساس القانوني للدعوى حسبما هو ثابت من أسباب الحكم المطعون فيه قائماً على أن وضع يد الطاعنين لا سند له، وأن من حق المطعون عليها استلام الأطيان والحصول على ريعها بعد أن قضي نهائياً ببطلان عقدي البيع، وكان قد قضي للمطعون عليها بطلباتها ابتدائياً، فإن استئناف ذلك الحكم يفرض على محكمة الاستئناف طبقاً للمادة 410 من قانون المرافعات السابق أن تفصل في كافة الأوجه التي تكون المطعون عليها قد تمسكت بها أمام محكمة الدرجة الأولى ما دامت قد انتهت تلك المحكمة إلى الحكم لصالحها. لما كان ذلك وكان الواقع في الدعوى أن المطعون عليها تمسكت بأحقيتها في الريع رداً على ما أثير من حق الطاعنين في حبس الأطيان ضماناً لما أنفقوه عليها، فإن ما عمدت إليه محكمة الاستئناف من تحقيق لهذا الدفاع لا يعد خروجاً عن نطاق الاستئناف ولا يعتبر طلباً جديداً يمتنع عليها التصدي له. لما كان ما تقدم وكان الحق في الحبس وفق المادة 246 من القانون المدني يثبت للدائن الذي يكون ملتزماً بتسليم شيء لمدينه فيمتنع عن تسليمه حتى يستوفي حقه قبل هذا المدين، طالما أن التزامه بتسليم الشيء مرتبط بسبب الحق الذي يطلب الوفاء به ومترتب عليه، وما دام أن حق الدائن حال ولو لم يكن بعد مقدراً. وكان حق الحبس بهذه المثابة يختلف عن المقاصة التي تكون سبباً لانقضاء الدينين بقدر الأقل منهما، ذلك أن حق الحبس يظل معه الدينان قائمين ويعد وسيلة ضمان دون أن يكون وسيلة استيفاء، وكان الحكم المطعون فيه وهو بصدد الفصل في طلب الطاعنين حبس العين، رأى التحقق والموازنة بين ما أنفقه الطاعنون نظير الإصلاحات وبين ما حصلوا عليه من ريع وعهد إلى الخبير المنتدب بهذه المهمة، ثم أورد بشأن ما خلص إليه تقريره قوله ".... إنه وقد اطمأنت المحكمة إلى النتيجة التي أظهرها تقرير مكتب الخبراء الأخير... فإنها ليست بصدد الحكم لأحد الطرفين بما له في ذمة الآخر، إذ مجال ذلك في دعوى المطالبة بالريع المرفوعة من المستأنف عليها الأولى - المطعون عليها - ضد المستأنفين - الطاعنين - وحسب المحكمة ما أسفر عنه تقرير الخبير من مديونية المستأنفين للمستأنف عليها الأولى بمبالغ طائلة تزيد على ما أنفقوه على الأطيان أو ما دفعوه من ثمن، الأمر الذي ينتفي معه حقهم في حبس الأطيان موضوع الدعوى..." فإن مؤدى هذا الذي قرره الحكم وانتهى إليه، أنه لم يجر أية مقاصة بين الطرفين بالتطبيق للمادة 362 من القانون المدني حسبما يدعي الطاعنون، وأنه وقد تبين أن ما حصل عليه الطاعنون من ريع الأطيان يزيد على ما أنفقوه عليها، إنما استهدف مجرد بيان ما إذا كان للطاعنين الحق في حبس الأطيان موضوع النزاع، وذلك دون أن يحول بينهم وبين إبداء أوجه دفاعهم في دعوى الريع ذاتها، الأمر الذي يجعل النعي بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لكل ما تقدم يتعين رفض الطعن.